بيروت | Clouds 28.7 c

من هنا نبدأ  / لبنان قصر المياه إشرح هذا القول - كتب: حسن صبرا

قال عمر بن الخطاب: ((لبنان قصر المياه)) إشرح هذا القول!.

انه سؤال وضعه الدكتور عبدالرؤوف فضل الله لطلاب السنة الأخيرة في كلية الآداب قسم التاريخ في جامعة بيروت العربية عام 1972..

نذكر هذه الواقعة ونحن نعيش أغزر أيام لبنان في الأمطار التي غمرت الوطن كله من شماله الى جنوبه ومن جبله الى بقاعه، وفي عاصمته البيضاء التي كانت تقوم على بحر من المياه ويكاد لا يمر إعمار مبنى فيها إلا ويجد الحفارون نبع مياه تحتها..

نذكرها ونحن نخشى أياماً في الجفاف ستعود بعد انتهاء فصل الشتاء، والعيون تدمع من تدفق مياه الأنهار التي زاد منسوبها بعد المطر.. كلها نحو البحر من النهر الكبير شمالاً الى نهر الليطاني جنوباً، وبينهما نهر ابراهيم ونهر الكلب ونهر بيروت الذي بنوا فوقه جسراً عالياً بعد ان كان جسره السابق قبله يغرق المنطقة بمياهه من الأمطار الغزيرة في عصر مضى.. وما زالت المنطقة هناك تحمل اسم الجسر الواطي.. وكذلك نهر الأولي ونهر الزهراني وصولاً الى الحاصباني والوزاني..

كمية الثلوج التي هطلت وتراكمت، ستذوب في جوف الأرض لتعزز مياه الينابيع وتتفجر في مواسم الحاجة اليها من العيون في القرى، حتى لتكاد كل قرية من قرى لبنان زاخرة بعين او أكثر يلجأ اليها المزارعون.. حين كانت قرانا تضج بوجودهم قبل الزحف الى بيروت والمدن الكبرى او قبل الرحيل من لبنان نهائياً لأسباب عدة منها نقص المياه والأعمال والكهرباء والاخلاق..

انها سياسة الفساد والإفساد التي استشرت منذ نحو ربع قرن وإلى المزيد يوماً بعد يوم.. وما ظاهرة تدفق مياه الأنهار هباء الى البحر في محاولة لتحليته بما يحتاجه كل فم الا تعبيراً عنها.. وما الخسائر والأضرار وتهديد الجسور والسدود وقطع الطرقات وحجز المواطنين في سياراتهم.. وغيرها إلا صورة عن الفساد الذي يحكم البلد كله. لماذا؟

لأن ما من حكومة مرت في لبنان وطبقت منذ عشرات السنين دعوة الافادة من هذه المياه بالسدود والبحيرات الطبيعية او الاصطناعية..

أليس عيباً هدر هذه المياه وعلى مرأى من كل عابر فوق نهر او قربه او فوقه. وتكلفة توفير هذه الخزانات الجغرافية (برك، بحيرات..) أرخص بكثير من هدر مليارات الدولارات على شراء المياه لكل منـزل ومطعم وفندق ومكتب؟

والشيء بالشيء يذكر.. لماذا تتجاهل وزارات الطاقة والمياه ومنذ عشرات السنين ربط توفر المياه بمزيد من الكهرباء من خلال محطات توليد تشغلها المياه المتدفقة غزيراً.

زجاجة المياه في لبنان هي أغلى من زجاجة نفط.. وهي تنافس سعر زجاجة دم يحتاجها مريض في أسعارها.. أليس في لبنان مسؤول يفهم هذه المعادلة، ويسعى للافادة منها لمصلحة الوطن بمواطنيه؟ أليس الإهمال فيها هو فساد مباشر او غير مباشر؟ هل يحتاج حجز المياه الهاطلة عبر الأنهار في بحيرات او سدود او برك الى عبقرية او درس في الكيمياء او ضرب في المندل او واحدة من خزعبلات المنجمين الذين مر موسمهم هذا العام مع نهايته في عز موسم الأمطار؟

لبنان قصر المياه؟ صدق عمر بن الخطاب.. ولو انه عاش ليومنا هذا لعمد وهو العادل الى سجن كل من أهمل وتجاهل تحت عنوان الفساد المباشر او غير المباشر نعمة الله التي جعلته يقول هذا القول.

يا سيدي أمير المؤمنين: حكامنا مشغولون بتحويل أنهار مسروقاتهم الى أرصدتهم في الداخل والخارج.. أما أنهار الحياة نعمة الله.. فلها الله.

حسن صبرا

 

 

 

 

 

الوسوم