بيروت | Clouds 28.7 c

مسلسل ((كأنه امبارح)):ابداع لسبعة من كتاب السيناريو

*طالما احتفظ كُتّاب أي عمل بتفسيرات الجزء الأخير منه ولم يفصحوا عنها، وفي مسلسل ((كأنه امبارح)) وجد المشاهدون أنفسهم أمام عمل درامي مشوق تتوالى فيه الأحداث عاصفة ومرتبكة ومتشابكة، ما جعل متابعته أمراً حتمياً والشغف به منطقياً.

يحضر النص في مسلسل ((كأنه امبارح)) (أمس) البطل الأوحد والمفعم بالتفاصيل، حيث يحبس أنفاس متابعيه مع كل مشهد جديد، وتتوالى المفاجآت من خلال الشخصيات التي اقترب منها المشاهدون في بداية الأحداث لشخوص وهمية، لأن أصحابها أخفوا حقيقتهم القبيحة على الجميع، والمشاعر التي ينحاز إليها الناس تبدو كاذبة بين الأمّ ومن تصوّرت أنه ابنها المفقود.

يدفع الارتباك المدروس والعقد الدرامية في الأحداث المشفرة بمهارة إلى الاحتفاء بفريق كتابة يمثل مركز الثقل في العمل ورمانة ميزانه، ويتكوّن من مريم نعوم المشرفة العامة على كتابة العمل ونجلاء الحديني صاحبة الرؤية الدرامية والسيناريو، ومعهما خمسة من كتّاب الحوار هم: مجدي أنيس، رنا أبوالريش، سمر عبدالناصر، سارة لطفي وشادي علي.

وبصرف النظر عن الأدوار التي أداها كل شخص داخل ورشة كتابة المسلسل، فنحن بصدد نص يمتلك روحاً وفكراً وإيقاعاً واحداً وحركة شخصياته متدفقة باتزان وسلاسة، وحوارها وتعبيراتها منطقية وبسيطة دون مبالغات، وكان يمكن الوقوع فيها بسهولة مع تعدّد وتنوع شخصيات العمل والطبقات الاجتماعية التي تنتمي إليها.

أسرة مكلومة

لم يحدث ذلك نتيجة براعة الكتاب الذين استحوذوا على اهتمام المشاهدين من أول مشهد في الحلقة الأولى حين نجد الطفل ((علي)) يُخطف من والديه، إلهام وقامت بدورها الفنانة رانية يوسف، ووالده راجي وقام بدوه الفنان أحمد وفيق.

وفي المشهد التالي مباشرة تمرّ الأسرة المكلومة بعذابات أفرادها وتستمر نحو عشرين عاماً دون أن تتوقف الأم خلالها عن البحث عن ابنها بمساعدة بعلها وابن عمها ضابط الشرطة المتقاعد كمال ((الفنان جمال عبدالناصر))، ووالدها رجل الأعمال محمود ((الفنان أحمد خليل)) الذي ترك شركته ليديرها بعل ابنته، وتفرّغ لرعاية ابنته وأبنائها خلال فترات طويلة خضعت فيها للعلاج النفسي.

أما الأبناء لينا ((الفنانة هدى المفتي)) ومروان ((الفنان خالد أنور)) فقد دفعا ثمناً باهظاً من استقرارهما النفسي، نتيجة فقدان اهتمام الأمّ التي لم تكن منشغلة إلاّ بالبحث عن الابن الغائب.

ومع تلاحق الأحداث يظهر الشاب حسن ((الفنان محمد الشرنوبي)) ويدعي أنه الابن المخطوف، والغريب أن تحليل الـ ((دي.أن.إيه)) يؤكد أنه كذلك، ثم يتضح أن هذه خدعة قام بها الوالد راجي الذي يقوم بالكثير من الأعمال غير المشروعة بمساعدة الضابط السابق فريد ((الفنان محسن منصور)).

على مدار 45 حلقة يكتشف المشاهد أن الوالد هو المسؤول عما اعتقد الجميع أن ابنه علي مات على يد رجل يدعى أسامة الذي تكشف الأحداث أن اسمه الحقيقي عثمان ((الفنان السوري فراس سعيد)).

وعثمان حاول التقرّب من الأم إلهام ليواصل انتقامه من راجي الذي استباح زوجه في السابق، ولفّق له قضية مخدرات ورفض تبرئته منها على حساب حياة طفله علي الذي عرف أن عثمان هو من خطفه عن طريق عامل بسيط اسمه عدلي ((الفنان محمود مسعود))، الذي يفاجئ المشاهدين بالاعتراف أنه لم يقتله، كما طلب منه، بل تبنّاه وصار اسمه رامز ((الفنان حازم إيهاب)) ويعمل سائقاً لدى أسرته الحقيقية، ويقرر الابتعاد عنها بعد أن عرف نسبه، مفضلاً الحياة مع أمه بالتبنّي.

أما الأمّ الحقيقية والتي لم تعرف إلاّ في النهاية أن ابنها قتل على يد عثمان فقد استسلمت لفكرة موته وتمسّكت بالطلاق من راجي، وقبلت بزواج حسن من ابنتها وزواج ابنها الأصغر مروان من ليلي (الفنانة مايان السيد) ابنة شقيقة مديرة المنزل فوزية ((الفنانة حنان سليمان)).

وسط الارتباك العام، كانت هناك خيوط لعلاقات ثانوية مؤثرة، زادت الأحداث تعقيداً، مثل علاقة حسن بوالده توفيق ((الفنان محمد أبوالوفا)) مدمن المخدرات، وعلاقة أسرة راجي الوثيقة بأسرة هشام (الفنان محمد سليمان) الرجل الثاني في الشركة بعد راجي، ويتبيّن أنه متواطئ مع عثمان ضد هذه الأسرة.

خيوط مؤثرة

 

حفل العمل بخيوط متعددة ومتشابكة بإحكام، وشخصيات لم تهتم كتيبة المؤلفين بخلفياتها، بإستثناء ما يخص الحادث المحرك لمجريات العمل، وهو خطف علي، ولا يوجد حوار لأي شخصية مع نفسها أو مع غيرها لتبرر تصرفاتها، لذلك كانت الأحداث وليس الأشخاص محور العمل.

وركّز المخرج السوري حاتم علي، على جعل جميع أدواته مسخرة لإبراز قوة نص العمل وتحويل الأدوات خلفية لتفاصيله الساخنة، ومن هناك اجتهد علي في البحث عن عناصر فنية ثقيلة القيمة وقليلة الظهور على الشاشة، ما منح حضورها حميمية لدى الجمهور، مثل جمال عبدالناصر، محمود مسعود ووفاء صادق، وهي أسماء كبيرة في عالم الدراما المصرية، وتملك أداء من طراز خاص، وإلى جانبهم وقفت حنان سليمان التي تعيش حالة اللا تمثيل منذ سنوات متلبسة بالشخصية التي تقدمها بصورة تنسي المشاهدين أنها تمثل.

وظهرت توجيهات ولمسات المخرج على الأداء الفريد للنجمة رانية يوسف، تلك الأمّ التي بدت هادئة طوال الوقت بفعل الأدوية المهدئة التي تتعاطاها، وجسّدت دور السيدة التي محت المهدئات تعبيراتها وقضت على الحياة في وجهها وعينيها رغم سخونة قلبها، وهي تبحث عن الابن المفقود، وتحاول تعويض الأبناء الموجودين عن سنوات ابتعادها.

وكان أبطال المسلسل طبيعيين وبلا جراحات تجميلية أو عضلات غير منطقية وقريبين من قلوب المشاهدين، وقدّم المخرج سيمفونية متكاملة الأداء، من ممثلين كانوا أدواته في نقل التفاصيل بغموضها وشجنها، مع تصوير داخلي تميّز بإضاءة خافتة في معظم المنازل.

وحملت المشاهد الخارجية جماليات مفتقدة في الدراما المصرية، بعد أن اعتبر بعض المخرجين أن نقل القبح واقعية، وهذا ما رفضه حاتم علي، وجعله يقدّم المشاهد مثل ((تابلوهات)) جميلة، حتى في المناطق الشعبية. كما أن موسيقى ((التتر)) للتونسي أيمن بوحافة عبّرت عن الحالة الإنسانية التي يفيض بها النص.

الوسوم