بيروت | Clouds 28.7 c

!حكام لبنان بين إعلان الافلاس أو قبول التوطين السوري

*قرار تجنيس لسوريين يصدر مع مسعى أوروبي لتوطين السوريين في لبنان 

*البطريرك الراعي يطلق حملة ضد التوطين بعد لقائه رئيس فرنسا 

*رسالة من جبران باسيل الى وزير بشار ضد القانون 10 

*موتمر ((سيدر)) يضعون توطين السوريين في لبنان بديلاً عن الشفافية 

 

مفارقة ذات دلالة صارخة هي هذا التوقيت بين إبراز النائب نديم الجميل لائحة تضم أسماء سوريين (وفلسطينيين وآخرين) ممن سيحصلون على الجنسية اللبنانية بمرسوم يصدره رئيس الجمهورية ميشال عون.. ورسالة الاحتجاج التي وجهها صهر عون الصغير الوزير جبران باسيل الى وزير خارجية بشار الأسد وليد المعلم، يبلغه فيها قلق لبنان من آثار المرسوم الذي أصدره معلمه ويحمل الرقم 10 وهو يعطي مهلة شهر (انتهت او على وشك) للسوريين في الخارج بالعودة الى بلدهم وإبراز ما يثبت ملكياتهم لمنازل او مكاتب او عقارات او مصالح، تحت طائلة مصادرة هذه الممتلكات بما يعني اقفال باب المواطنة السورية في وجه أي سوري يرفض العودة الى وطنه خشية الاعتقال او الخطف او القتل او التجنيد في التشكيلات المسلحة لبشار من جيش وميليشيات. فتلزم الدول المضيفة (ومنها لبنان) طبعاً باستضافة هؤلاء فتتحول الاستضافة وهي بطبيعتها مؤقتة الى بقاء دائم لتتحول مع الوقت الى توطين، أي أن تكون هذه البلدان أوطاناً للسوريين، فتنسى الأجيال القادمة منهم وطنها الأول وهي تفتح عينيها وتنمو وتدرس وتعمل وتتزوج في بلدها الجديد. 

واذا كانت مسألة التوطين مقبولة او يمكن استيعابها في بلد مثل تركيا.. يتجاوز عدد سكانه نحو 80 مليون نسمة ولا يشكل النازحون اليه أكثر من 1% تقريباً، فإنها في لبنان تشكل معضلة بنيوية – طائفية – مذهبية – اقتصادية – خدماتية، ويكفي ان المهجرين السوريين اليه قسراً يتجاوزون في نسبهم نحو الـ 40% من سكان لبنان كله فضلاً عن تهديده ليس فقط التركيبة السكانية ونسبها.. بل ونتيجة لها تعرض النسيج اللبناني للتمزق بسبب الخوف من استثمار هذه النسبة على المدى البعيد في تغيير التركيبة السياسية، كما في حسابات موازين القوى والقوة عند أي مفترق تضارب المصالح، خصوصاً عند لجوء الدول المعنية المجاورة والبعيدة جغرافياً الى إعادة استخدام لبنان ساحة لتصفية حساباتها أو لاستعراض قوتها، أو لتوجيه رسائل سياسية دموية او سلمية لخصومها وأعدائها. 

وفي التوقيت نفسه تحدث البطريرك بشارة الراعي من باريس وعقب لقائه الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون عن خشيته من التوطين، داعياً الى بحث هذا الأمر مع السلطات السورية، مبدياً الخشية نفسها من المرسوم رقم 10، وفي بيروت حذّر النائب والوزير السابق بطرس حرب من المصير نفسه. 

ولن يغيب عن بال أي مهتم بالشأن السياسي اللبناني ان تصبح مسألة توطين السوريين في لبنان، من جديد ورقة ابتزاز سياسي واجتماعي، كما وسيلة استنهاض مذهبي وطائفي، كما يمكن أن تكون أداة تحريض، ورافعة باحثين عن أدوار شعبوية.. وكلها عناصر تدمير الأوطان او إفساح المجال لتحول أي نقاش سياسي الى خلاف والخلاف الى صراع ودائماً تنتهي الأمور الى انفجار دموي، ما تخلص لبنان منه بعد. 

الخشية من توطين السوريين كانت حاضرة دائماً.. حتى في المزاج الشعبي اللبناني.. وقد عرفت مناطق لبنان المختلفة (ذات الأغلبية المسيحية وكذلك الاسلامية، عند السنة كما عند الشيعة) سلوكيات الرفض للوجود السوري بسبب المنافسة المباشرة من العمالة السورية، والتجارة السورية والخدمات السورية في كل مناطق لبنان حيث الانتشار السوري لم يستثنِ منطقة او مدينة.. او حياً فقيراً كان او غنياً. 

لكن الخشية الأخطر هي الخشية المفصلية في موقع كل طائفة ومذهب في التركيبة اللبنانية مع التذكير بأن الخشية نفسها من الدور الفلسطيني عشية وخلال الحرب الأهلية اللبنانية عام 1975، كانت مسيحية بعد ان رأى كثيرون ان القيادة السياسية اللبنانية من جانب المسلمين كافة أطلقت واعتمدت صفة جيش المسلمين على المنظمات الفلسطينية.. بينما لا يمكن تكرار هذه الحالة مع السوريين بعد ان بلغ التناقض والتنافس والاصطفاف السني – الشيعي في لبنان  مبلغاً لم يصله في تاريخه ويذكر تماماً بصراع الموارنة والدروز في أحداث 1860 – 1864، والتي أتاحت الطريق واسعاً للتدخل الغربي لتحتمي كل طائفة من الاثنين بدولة غربية مفسحة المجال أمام دور دائم للأجنبي والعربي ثم السوري فالإيراني، منذ ذلك التاريخ. 

اليوم ومنذ سنوات وإلى مراحل لاحقة سيعتبر السنة ان السوريين السنة هم جيشهم المفترض، وسيجد الشيعة ان التغيير الديموغرافي سيعطي الغلبة للسنة وسيجد المسيحيون ان الفارق الكبير الآن في تعداد السكان بينهم وبين المسلمين سيصبح أضخم من أن يقبل المسلمون بعده اعطاءهم المناصفة التي نصّ عليها الطائف، وان معادلة الرئيس رفيق الحريري لطمأنة المسيحيين بقوله: ((أوقفنا العدّ)) لن تبقى منطقية او موضوعية او منضبطة. 

انها خشية حقيقية إذن.. وليست بالمصادفة ان يتجه البطريرك الماروني بشارة الراعي الى الأم الحنون السابقة للمسيحيين فرنسا، ليشكو لها حالهم ليس في غيابها فقط، وميلها السياسي – المصلحي الى المسلمين السنة تحديداً واستحضار دور رفيق الحريري في هذا الميل، بل في كونها البلد الذي بذريعة انقاذ لبنان اقتصادياً، يحتضن دعوة توطين السوريين في لبنان، وهو ما برز في المساعدات المشروطة في مؤتمر الأرز (سيدر او باريس 4 أو 5) وأبرز هذه الشروط هو توفير الرعاية والسكن والتعليم والطبابة للسوريين المهجرين الى أرضه، ومن دون هذه الشروط لن تقدم الدول المانحة المشاركة في هذا المؤتمر المال للبنان. 

 

أيها اللبنانيون تنبهوا 

ساد في الوسط الاعلامي والسياسي والاقتصادي لفترة ان الدول المانحة اشترطت الشفافية في كل تعامل او صفقة او مشروع يتم في لبنان لتتمكن هذه الدول من مساعدة لبنان. 

الآن – هنا بيت القصيد – أصبح تمهيد الطريق الى توطين السوريين في لبنان وفق الشروط أعلاه هو الشرط الأكثر حضوراً وإلحاحاً ومتابعة لتقديم المساعدات والقروض والتسهيلات. 

 

بشار يقابلهم في منتصف الطريق 

وفي خضم تفسير الشروط وتراجعها من اشتراط الشفافية الى توطين السوريين.. أصدر بشار مرسومه 10، وليس له من تفسير إلا الخشية التي أعلن عنها جبران باسيل في رسالته الى وزير بشار للخارجية.. 

 

ماذا يعني هذا ؟ 

  1. ان اوروبا، وفرنسا وألمانيا في مقدمة دولها، تريد استقرار السوريين في لبنان لمنعهم من التوجه اليها. 

  1. ان اوروبا باتت موافقة او صامتة عن التغيير السكاني الذي يفرضه بشار على سورية وتحويل أغلبيتها السنية الكبيرة الى أغلبية بسيطة، كثير منه ممالىء نفاقاً ومصلحة لبشار. 

  1. ان اوروبا انضمت الى ثقافة الخوف الروسي والأميركي من السنة وثقافتهم وقناعاتهم الدينية.. وباتت أكثر ميلاً لتقبل مواجهتهم بطريقتها هي.. 

الروسي حارب السنة بالطيران والتهجير. 

الأميركي حاربهم بالتواطؤ والصمت على قتلهم وتهجيرهم. 

الاسرائيلي لا يمانع في نـزع صفة السنة والعروبة عن سورية، حماية لأمنه، بعد ان قدم له آل الأسد العلويون كل الطمأنينة خلال نحو أربعين سنة. 

اوروبا تواجه السنة السوريين بتوطينهم في لبنان ومساعدتهم على ذلك في كل المجالات (شروطها لمساعدة لبنان). 

وفق هذه الرؤيا يمكن قراءة نتائج مؤتمر ((سيدر))، وتخوف البطريرك الراعي ورسالة جبران باسيل.. 

النقطة الأخيرة والأهم. 

إذا لم يلتزم لبنان بهذه الشروط فلا مساعدات ولا قروض ولا تسهيلات ولا يبقى أمامه إلا ما خشي منه ميشال عون عندما صارح البطرك الراعي بأن لبنان دولة مفلسة.. فهل يرضي حكامه الافلاس ام يقبلوا بالتوطين السوري؟ 

أليس هذا ما حمله الراعي الى ماكرون..؟ أليس هذا ما حذّر منه علناً بعد لقائه به؟. 

حسن صبرا 

 

ميشال عون: تجنيس من دون الموافقات الامنية 

باسيل: رسالة الى المعلم لا تنسجم مع قرار عمه منح سوريين الجنسية اللبنانية 

نديم الجميل: طعن أمام مجلس شورى الدولة 

مؤتمر سيدر: الأولوية لتوطين السوريين 

 

 

 

الوسوم