بيروت | Clouds 28.7 c

جنبلاط 2019: العقد الأخير من حياة ((بك)) ما يزال على قيد الحياة!!

  • *لم يعد جنبلاط بيضة القبان بعد سقوط اصطفافات 8 و 14 آذار
  • *موسكو تضمن أمن جنبلاط ونجله.. استمراراً للعلاقة التاريخية
  • *فدية دفعها جنبلاط لـ ((داعش)) مقابل الإفراج عن ((أسرى)) السويداء
  • *جنبلاط حيّد نفسه عن ملف ادارة العلاقة بين دروز سورية ونظامها
  • *علاقة جنبلاط محكومة برواسب الذاكرة عندما كان عون قائداً عسكرياً في عاليه
  • *((هدنة حتى إشعار آخر)) عنوان العلاقة بين جنبلاط ونصرالله

قبل نحو عشرة أعوام ، أي عام 2009، واجه وليد جنبلاط أزمة ليس لها صلة بكل ما يدور حوله من أحداث سياسية. فهذه كانت نوعاً من الأزمات التي تقيم حصراً في ذاكرة قصر المختارة، وتتفاعل داخل بيئته الضيقة التي تتوارث الأقاويل وحكاياتها عن الزعيم السلف بمثلما تتوارث عباءات الزعامة.

كانت الأزمة تكمن في أن وليد بك في ذاك العام دخل دائرة اتمام عقده السادس من عمره. وفي ذاكرة المختارة فإن عمر الستين يحمل فأل شر مستطير. وتصر همسات جدران القصر وكل أوانيه القديمة على ان البك الجنبلاطي يموت غيلة في هذا العمر، وعلى نحو مفجع ويدعو لكثير من الأسى في ظل مشهد جعل الإبن غير المهيأ وريثاً لوالده البك المقتول. هذا ما حصل مع وليد جنبلاط حينما تم استدعاؤه من بين لهو شبابه ليصبح البك وريث والده البك كمال جنبلاط. وخلال آخر اطلالة تلفزيونية، بعد عشر سنوات من واقعة أنه بلغ عمر الستين، قال جنبلاط تعليقاًَ على توريثه نجله تيمور: انه حدث مهم، فتيمور هو أول بك جنبلاطي يرث الزعامة من والده، ووالده ما يزال على قيد الحياة. وأضاف على نحو يُبين مدى اقتناعه بأسطورة حتمية اغتيال البك الجنبلاطي عند عمر الستين: لقد نجوت!!

ومع دخوله عقده السابع من العمر، فإن جنبلاط الذي ترك النيابة ورئاسة الحزب الاشتراكي ((الملكي)) لنجله تيمور، يعيش نوعاً جديداً من الأزمات.  وفي الوقت نفسه يحاول سيد المختارة قتل الوقت بممارسة رياضة ((التويتر)) الذي ينشر على حسابه اليومي فيه  مع كل صباح صورة ينتقيها لرسام شهير، ويعلق عليها بكلمات فيها صلة بين وحي الصورة ووحي الأحداث في لبنان.

والاحتفاء اليومي من قبله بمناسبة تجاوزه محطة عامه الستين من دون حصول فاجعة اغتيال بحقه، بات يمثل لجنبلاط زاداً من الفرح الداخلي المصاحب لبقية أيامه. ويمكن الاعتقاد ان هناك سبباً مجهولاً قاد جنبلاط لتوريث تيمور على حياة عينه، وهو رغبته بإعلان انتصاره على نبوءة موت البك الجنبلاطي غيلة في عمر الستين. وأيضاً انتصاره على نبوءة ان مراسم توريث الزعامة في عائلة جنبلاط تتم حتماً في اجواء النحيب على البك المغتال والتعاطف مع الوريث طري العود.

لعل أهم حدث في حياة جنبلاط خلال السنوات الفاصلة عن بلوغه عمره الستين حتى بلوغه الآن عمره السبعين، هو ان تطبيقات نبوءة اغتيال البك الجنبلاطي لم تتحقق عليه.. والحدث الثاني المهم هو ان ولده تيمور أصبح وريثاً لوالده من دون فاجعة.. الحدث الثالث الحرب في سورية وما رافقها من فصول نفسية عاشتها المختارة على إيقاعات طبولها. والواقع ان من بين الأمور غير المطروقة حتى الآن، يوجد لجنبلاط فصله الخاص داخل كتاب هذه الحرب. واذا تطوع مؤرخ غداً ليضع عنواناً لهذا الفصل الجنبلاطي داخل كتاب الحرب السورية فإنه سيعنونه بعبارة :((خمسة أعوام في الدقيقة بانتظار سقوط بشار)). ((الثأر)) هو شعار لم يتوان وليد بك عن رفعه في ساحة رياض الصلح بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري. ثم لاحقاً وجد جنبلاط بالحرب السورية مناسبة ليعاود احياء ذكرى والده كمال جنبلاط على أساس ان اغتياله لم يعد صفحة من الماضي، بل حقبة سياسية عادت للتفاعل . لقد استدرك جنبلاط بعد طول علاقة مع آل الاسد، بأن المصالحة معهم قدمت للمختارة شوكاً أكثر من الورد. وعليه يوصي نجله تيمور بأن الوصفة التي تدعوه للمصالحة مع بشار الاسد ليست سديدة، وسيجني منها الشوك في نهاية المطاف، كما حصل لجده كمال ولوالده وليد.

والحدث الرابع الأهم في سنوات جنبلاط العشرة الأخيرة، يتمثل بتجربة علاقته مع السيد حسن نصر الله. ففي آخر اطلالة تلفزيونية لأمين عام حزب الله نصح السيد جنبلاط بأن يدقق ويضبط ((في عمل انتيناته))  أي استشعاراته بالتوجهات الخارجية. كانت ملامح وجه نصر الله عندما وجه حديثه لجنبلاط تشي بالتجهم وبريبة موحية. يحق لجنبلاط ان يلاحظ انه في كل مرة ((تحمّر عين ) نصر الله لبنانياً، فإن المختارة يكون لها حصة الاسد. خلال خطابه الشهير في السابع من أيار/ مايو الذي تلاه سيطرة حزب الله على بيروت وهجومه على الجبل، قال نصر الله ان المؤامرة على سلاح المقاومة تقودها حكومة وليد جنبلاط ولم يقل حكومة فؤاد السنيورة. وذكّر ابو تيمور بأنه خلال خطاب النصر في بنت جبيل كان جنبلاط جالساً وهو يهز ركبتيه!!.

ومؤخراً، وخلال خطاب نصرالله الحاد داخلياً والذي اعتبره البعض انه يشبه خطاب 7 أيار، خَص جنبلاط بحصة الاسد من النقد ومن اتهامه المبطن بأنه يخطئ في تقدير الاتجاهات الخارجية خلال رؤيته لموقع حزب الله فيها.

ان علاقة نصرالله بجنبلاط لا تخرج في أحسن أحوالها عن نطاق ((الهدنة حتى إشعار آخر)) أو حتى يتبين لنصرالله ارتكاب جنبلاط ((خطأ مسموم)) يرتكبه بحق الحزب. وبالنسبة لجنبلاط فهي علاقة ((بالع الموس)) الذي يمارس موهبة ان ((الصمت من ذهب)).

أما الحدث الخامس الأبرز في العقد الأخير من عمر جنبلاط، فهو وصول ميشال عون لرئاسة الجمهورية. لا يستطيع ابو تيمور رؤية عون إلا من خلال ثلاث زوايا أساسية:

الأولى ان عون بنظر حسابات المختارة الشوفية - نسبة الى منطقة الشوف- هو صورة طبق الأصل لكميل شمعون الذي أراد مزاحمة كمال جنبلاط على زعامة الشوف وأراد خلق ندية في الشوف بين الزعامة الدرزية الجنبلاطية والزعامة المارونية الشمعونية.

الزاوية الثانية تكمن في ان المختارة ترى بعون رئيساً ممثلاً للغلبة الاستراتيجية الشيعية - المارونية ضد الطوائف الأخرى، وبالأخص الدرزية والسنية. ولا يخفف من قراءتها هذا تحالف المصالح بين جبران باسيل وسعد الحريري، فهذا التحالف يخدم تكتيكات الرجلين وليس استراتيجيات طوائفهما.

الزاوية الثالثة هي ان جنبلاط يرى في ميشال عون رئيساً لمحور إقليمي في لبنان يسند ظهره لدمشق، حتى لو كان هذا المعنى غير واضح الآن نتيجة معادلات الصراع الإقليمي.  بهذا المعنى يرى جنبلاط ان وصول عون لقصر بعبدا يعادله وصول عون لقصر بيت الدين أيضاً، ويعادله ان قصر بعبدا بات له تتمة فعل إقليمي وداخلي في قصر المهاجرين وحصن حارة حريك.

ولا ينسى جنبلاط بالطبع، مراحل سابقة كان يتولى فيها عون قيادة اللواء الثامن في عاليه خلال فترة الحرب البغيضة، لا سيما في مرحلة الاجتياح الاسرائيلي عام 1982 وما تلاها، فلولا صمود زعيم المختارة يومها لكان جرى اكتساح الجبل بمنطقتي عاليه والشوف.

وعندما قلب جنبلاط مع حلفائه المعادلة في ذلك الوقت، ووصل الى حدود بلدة سوق الغرب، ((الحصن المنيع)) لعون وكان قاب قوسين او أدنى من دخولها، فإن ما هو معروف انه لولا تدخل البارجة الاميركية ((نيوجرسي)) وصواريخ لكان جنبلاط بمؤازرة حلفائه سيطر على البلدة وما خلفها من بلدات وقرى بكل ما يعنيه ذلك من تبدل كبير ونوعي في موازين القوى العسكرية على الأرض في ذلك الحين.

ومن الخطأ القول ربما، ان الذاكرة وحدها تتحكم بعلاقة الرجلين اللدودين، إلا ان ما كان لافتاً على الدوام هو ان جنبلاط في رفضه بشكل عام لتولي عسكري الرئاسة الأولى، كان يستند الى ما في علاقته بعون، المثقلة بألغام الذاكرة، ورواسب مرة لمراحل سابقة، مثله مثل مؤسس التيار الوطني الحر بالطبع، العارف بمعادلات الجبل التاريخية، وما شهدته في مختلف المراحل، سواء كانت من نوع الصراعات او من فصيل التسويات.

.. والحدث السادس الأهم في عقد جنبلاط السادس، يتمثل بأن المختارة في عصر توازنات القانون الانتخابي الجديد لم تعد بيضة قبان المعادلة الداخلية  وكل همها الحالي هو القتال لأن تظل بيضة قبان معادلات الشوف وعاليه.

ولعل هذا ما يعتبر من أهم نتائج القانون النسبي الذي طبق في الانتخابات النيابية الأخيرة، ومن المفاعيل المباشرة لسقوط منطق الاصطفافات السابقة بين معسكري 8 و 14 آذار الذي ساد البلاد لأكثر من عقد في العام 2005.

وبعد ولادة ما سمي ((التسوية الرئاسية)) قبل عامين، التي أفضت الى انتخاب عون رئيساً للجمهورية والحريري رئيساً للحكومة، دخلت التحالفات ومعها الاصطفافات في مشهد جديد، بدا في ملامحه الظاهرة ما شاب العلاقة بين الحريري وسمير جعجع من تباعد في محطات عديدة، ومثلما ما شاب العلاقة بين عون وفرنجية على خلفية مواضيع عديدة، أبرزها انتخابات الرئاسة. ووسط هذا المشهد لم يعد للمختارة دورها السابق كبيضة القبان. وصارت بحاجة لضمانات على أكثر من مستوى من أجل الحفاظ على موقعها والحد او التخفيف من الخسائر والأضرار التي يمكن ان تلحق بها.

 

جنبلاط الإقليمي والدولي

لا يبدو جنبلاط مطمئناً لظروف المسرح الاقليمي.. فدوره كعنوان لدروز سورية وفلسطين وليس فقط لبنان، اعتراه الكثير من التآكل. لقد تغيرت السويداء، كما ان دروز فلسطين اصبحوا سياسياً في مكان آخر.

.. ومن الأسرار التي لا يكشف عنها وليد جنبلاط، هو اعتقاده الراسخ بأن زعامته في المختارة تصبح أقل صلابة فيما لو لم يكن له ظل هيبة معنوية في السويداء وبين دروز فلسطين المحتلة.

لقد قصد جنبلاط خلال السنوات الأخيرة غير مرة الرفيق الأحمر القديم، أي موسكو. مرة طلب منها ضمانات لحياته ولمستقبله ومرة أخرى طلب ضمانات لدروز سورية لعلمه ان ضمانات لهؤلاء تمثل أيضاً ضمانة له داخل المختارة.

ويقال ان جنبلاط على غير عادته دفع من حسابه الخاص فدية لإطلاق سراح مخطوفين من السويداء. ومرة أخرى تبين هذه الواقعة ان جنبلاط مستعد لأن يصبح كريماً في حال وجد ان العطاء والبذخ في العطاء يفيد إطالة عمر قصر المختارة.

ولم يكتفِ جنبلاط بدفع الفدية المشار اليها، بل انه عمل وبدأب على ابقاء خط التواصل مفتوحاً بينه وبين موسكو، ساعياً لاستعادة ما في ذاكرة العلاقة بين حزبه وبين الاتحاد السوفياتي السابق.. للحصول على ضمانات أمنه وأمن نجله تيمور أولاً، وهو ما حصل عليه وفق المعلومات ولكن بعد ان حيّد نفسه طبقا للمعلومات نفسها عن ملف ادارة العلاقة بين الدروز والنظام في سورية بطلب روسي صريح.

 

الوسوم