بيروت | Clouds 28.7 c

أم على قلوب أقفالها..؟! حروب روسيا الجديدة / بقلم: محمد خليفة

في وقت واحد تقريباً وجهت السلطات البريطانية اتهاماً رسمياًَ لروسيا بضلوعها في جرائم قتل على أراضيها وقعت في الأعوام الأخيرة, كما وجهت السلطات الفرنسية اتهاماً لروسيا بالتحريض والتدخل في الانتفاضة الشعبية فيها عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي.

يأتي الاتهامان بينما تستمر للعام الثاني تحقيقات أمنية في الولايات المتحدة عن تدخل روسي ماكر في انتخابات الرئاسة عام 2016 لصالح دونالد ترامب.

ورصد مراقبون ومحللون تدخلات روسية مشابهة في المانيا للتحريض على المهاجرين السوريين بهدف الضغط على المانيا لتغيير سياسة الباب المفتوح أمام المهاجرين.

الاتهامات البريطانية جدية ومبنية على وقائع جرمية خطيرة , تشير الى أن الاستخبارات الروسية انتقمت من منشقين عنها لاجئين في بريطانيا بواسطة اسلحة غير تقليدية, وبطرق لا تتقنها سوى أجهزة استخبارات بارعة وقوية ومحمية من دول كبرى.

والاتهامات الاميركية هي الأخرى مبنية على مؤشرات قوية عن التدخل في انتخابات 2016 عن طريق ارسال رسائل الكترونية لمواطنين اميركيين, واختراق بريد المرشحة الديموقراطية هيلاري كلينتون بهدف التأثير في اتجاهات الناخبين لصالح المرشح الجمهوري دونالد ترامب.

وأما الاتهامات الفرنسية فتشير الى اسلوب مشابه اتبعته الاستخبارات الروسية لإذكاء مشاعر الغضب في الشارع وتحريض الفرنسيين ضد حكومتهم, ومواصلة الثورة  وأعمال التخريب. وكانت قد ظهرت مؤشرات أخرى في العام الماضي 2017 عن دور مشبوه لروسيا في الانتخابات الرئاسية, لصالح مرشحة اليمين المتطرف ماري لوبن.  

صحيح أن هذه الاتهامات ما زالت قيد التحقيق في الدول الثلاث,

وكانت الحكومة البريطانية قد دعت الدول الأوروبية للتعاون معها في التحقيق في جرائم الروس, كما دعت ((الوكالة الدولية لحظر الاسلحة الكيماوية)) للمشاركة في التحقيقات لإثبات التهمة أولاً, وإثبات البصمة الروسية ثانياً.

واعتقد أن أهم وأخطر ما تبحث عنه الدول الاوروبية والغربية في تحقيقاتها حالياً هو هل هناك حرب روسية منسقة على أوروبا ؟, وما هي أهدافها..؟

 السؤال لم يأتِ من فراغ ولا صدفة, بل من تحليل دقيق للسياسة الروسية  التي تغيرت تدريجياً, منذ أن وصل الرئيس الحالي فلاديمير بوتين الى الكرملين قبل عقدين. وأصبحت تحمل أدلة على العودة عن سياسة الانفراج التي أعقبت سقوط الاتحاد السوفياتي, وأدلة على عودة جزئية الى أجواء الحرب الباردة, بما فيها اتهامات اميركية للروس بخرق / أو عدم الالتزام الدقيق باتفاقيات خفض التسلح التي أبرمتها الدولتان في الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي.

واعتقد أن الأجهزة المختصة في الدول الاوروبية بالذات ((مركز ابحاث التسلح والسلام في السويد مثلاً)), فضلاً عن أجهزة حلف الناتو باتت تتحدث عن ((حرب روسية)) منظمة تستهدف إضعاف أوروبا, اقتصادياً وسياسياً, وإضعاف استقرارها, وأنظتمها الديموقراطية, وإضعاف قوتها وتأثيرها على الساحة الدولية. كما ترمي لإضعاف الوحدة الاوروبية.

 وتعترف هذه الأجهزة أن أوروبا تمر بمرحلة ضعف استراتيجي بسبب السياسة الاميركية الرخوة تجاه التحالف التاريخي معها, وتراجع الاهتمام بالشراكة الامنية والاستراتيجية التي يمثلها حلف ((الناتو)). ويرى محللون من هذه الأجهزة أن الروس حاولوا استغلال العوامل السابقة للنفاذ الى اوروبا, والتأثير السلبي في بناها الأساسية, السياسية والاقتصادية والأمنية. ويعتقدون أن الروس يستغلون الأحداث كافة لتحقيق أغراضهم الخبيثة. ويحذرون من احتمال التصعيد الروسي, ويربطون بين هجومهم الأخير ((27  تشرين الثاني/نوفمبر الماضي)) على السفن الاوكرانية وهجماتهم الكيماوية في بريطانيا, وتلاعبهم في الساحة الفرنسية. ويعتقدون أن الهدف هو اختبار ردود أفعال الأوروبيين, ومدى تماسكهم في مواجهتها, لكي يخططوا للهجمات القادمة التي قد تكون أخطر.

ويشير المحللون في شمال اوروبا ((فنلندا, السويد, النرويج)) الى أن الروس يبتكرون أنواعاً جديدة من ((الحرب)) لأن نموذج الحرب التقليدية على غرار الحربين العالميتين اللتين دارتا على أرض القارة العجوز في القرن الماضي صارت شيئاً من الماضي  (( أولد فاشين, أو بالعربي دقة قديمة)) !

الحروب الجديدة أقل كلفة, وأكثر إيذاء. أقل دموية للعنصر البشري, وأقل تدميراً للبنى الرئيسية, ولكنها أكثر تأثيراً في البنى الاجتماعية, والنظم الاقتصادية والسياسية.

حروب بيئية وبيولوجية وكيماوية, وحروب الكترونية تستهدف خطوط الاتصال وشبكات ((الانترنت)) العالمية, وأنظمة الطيران المدني لنشر الخوف والهلع, وتخترق النظم المصرفية, والدفاعية, وتدمر حواسيب وزارة الدفاع والجيوش ومراكز التخطيط, والسفن العملاقة التجارية والعسكرية , ويتنبأ الباحثون بحروب في الفضاء في المستقبل بدلا من التعاون القائم حالياً فيها.

الروس يحاولون استعادة موقعهم كقوة عظمى في العالم , والواقع أن حروبهم لا تقتصر على اوروبا , فهي تدور على مستوى الكرة الارضية, والتدخل في سورية مؤشر على خروجهم من الدائرة الاوراسية الجيو- سياسية التقليدية لهم, وزحفهم نحو الشرق الأوسط وأفريقيا, فضلاً عن ترسيخ وجودهم في اميركا اللاتينية ويحاولون بناء تكتل دولي يضم الانظمة المارقة, وغير الديموقراطية, ويسعون لتشويه وفساد الأنظمة الديموقراطية في العالم, ويدعمون الأحزاب والمنظمات اليمينية المتطرفة في كل مكان.

وثمة مؤشرات غير قليلة عن دعم روسيا للمنظمات الارعابية بما فيها الاسلاموية انطلاقاً من سورية والعراق, وبالتعاون الوثيق مع ايران وجماعاتها ونظام الاسد.

أوروبا باتت تعي التحديات التي تواجهها, وبدأت تفكر بصوت عال في إنشاء قوة عسكرية دفاعية مستقلة عن الولايات المتحدة  وهناك اصوات اوروبية تدعو للتحالف مع العرب على الضفة الجنوبية للمتوسط, ووضع استراتيجية متوسطية للدفاع عن الدول المتشاطئة من الجانبين.

فما هو موقف العرب..؟

 

الوسوم