بيروت | Clouds 28.7 c

أم على قلوب أقفالها- نذالة ((جزائرية)) جديدة بحق السوريين! بقلم: محمد خليفة

منذ عشتار الأول و((السوري)) لا يكاد يخرج من الأسطورة, حتى يعود لها بمشيئة الأقدار, مكللاً بغار البطولة المأسوية.

وها هو ((السوري المعاصر)) يتحول بمشيئة القدر لا بمشيئة أعدائه رمزاً أسطورياً للعصر, مثل عشتار أو عوليسيس, أو سيزيف, يواجه كل صروف وظروف الموت والخيانة والغدر. 

يحاول التشبث بما بقي له من حطام الدنيا في بلده, فلا يجد سوى عصابات المغول تقتلعه من جذوره, أو قراصنة الجو الروس يدمرون بقايا عمرانه ويحولونها ركاماً فوق ركام, ويقذفونه الى التيه البعيد, مرة بعد مرة. وأشباح الأسد تتعقبه حتى آخر الكون, لتلقي القبض على الفارين, وتعيدهم الى زنازين التعذيب, حيث يتمنى الموت أن يموت!

في الجولة الأخيرة من حرب الأسد على درعا وحوران في الصيف الماضي, اقتلعت طائرات بوتين, وعصابات ايران مئات ألوف السوريين من أراضيهم ورشقتهم الى المجهول, في وقت لم تعد حتى خيام الزعتري في الأردن أو عرسال في لبنان أو ملاجىء تركيا متاحة لهؤلاء المعذبين والممرمطين.

ضاقت الأرض بما رحبت أمامهم وسدت أبواب ذوي القربى في وجوههم, ولفظتهم البحار, فإلى أين يولون وجوههم الشاحبة..؟

بجهود جهيدة وحيل خارقة يكتشف هؤلاء طرقاً التفافية واحتيالية للعبور من سواحل المحنة الى سواحل الرجاء.

 يعبرون حدود لبنان الى دبي, ومنه يطيرون الى الصومال, ((نعم الصومال.. لمَ العجب أليست أرضاً ؟!)) أو الى السودان الذي ظل وحده بين أقطار العروبة, يستقبل السوريين بلا تأشيرة مسبقة, ومنه ينتقلون الى مالي أو الى ليبيا ومنها الى تشاد أو النيجر, ومنهما الى الجزائر, وعبرها  للمغرب, ومنها الى اسبانيا, فأوروبا المحطة الأخيرة, والحلم بالفردوس, عبر أقصر الرحلات البحرية, ولكن أخطرها! رحلة مثل رحلة جاليفر!

وشاءت الأقدار أن يتجمع خلال الشهور الأربعة الأخيرة في المحطة الجزائرية من هذه الرحلة الرهيبة بضع مئات من السوريين عاثري الحظ, مشكلتهم الوحيدة أنهم ما زالوا يرون العالم العربي بعيون ((بلاد العرب أوطاني من الشام لبغدان, ومن نجد الى يمن, ومن مصر لتطوان)) غير مدركين أن ثقافة العولمة أفرغت العروبة من شهامتها وحقنتها بالأنانية والابتذال, حتى أقفرت الدول العربية من حاتم طائي أو سموأل أو هاشمي واحد, وان ((حلف الفضول)) الذي نظمه زعماء قبائل الجزيرة العربية قبل 1500 سنة, قد سقط بالتقادم, وحل محله ((ميثاق التعاون الأمني)) بين حكام من مقاس بشار الأسد وعبد العزيز بوتفليقة.

 وبموجب هذا ((الميثاق)) قامت شرطة الجزائر واستخباراتها بتصيد 43 سورياً دخلوها بلا تأشيرة, وجمعتهم في أحد سجونها, واتصلت بحليفتها في دمشق تسألها ماذا نفعل بهؤلاء السوريين الذين دنسوا ترابنا بأقدامهم الحافية..؟  فتجيبها: أعيدوهم لنا فنحن أولى بهم, وهم إرعابيون بالتأكيد!

 وتتكرم السلطات الجزائرية بتجهيز طائرة خاصة لنقل الـ 43 بريئاً مقيدين بالسلاسل, ومعصوبي الأعين الى مطار المزة مباشرة, حيث يستقبلهم زبانية المخابرات الجوية, ويسوقونهم فورا الى المسلخ الأشهر في العالم.

كان موعد رحلة العودة الى المزة مقرراً يوم الثلاثاء الماضي 27 تشرين الثاني/ نوفمبر, لكن واحداً من هؤلاء المعترين نجح بإخفاء جواله عن أيدي الشرطة الجزائرية التي استولت على هواتف الآخرين, وعلى كل ما بحوزتهم من نقود وأوراق ثبوتية. قام هذا الواحد بإرسال آخر استغاثة له عبر الـ SMS مناشداً الضمائر الحية في العالم أن تتدخل بسرعة لإنقاذهم من المصير الذي فروا منه وعاد ليحيق بهم.

 وصلت الرسالة الى بعض السوريين في العالم, فتحركوا وبدأوا بنشر الخبر وكشف الجريمة / الفضيحة, وجرت الاتصالات مع المنظمات الحقوقية ومع السفارات والأمم المتحدة في جنيف.. إلخ.

 أيها الجزائريون, هؤلاء اللاجئون المشردون لم يرتكبوا إثماً ولا جرماً في بلادكم, ولم يطلبوا منكم مالاً أو حتى وجبة. كانوا سيتابعون طريقهم بلا إزعاج, فإذا كنتم لا تريدون التكرم بمنحهم حق اللجوء الانساني الذي كفله لهم القانون الدولي, أو حق المرور البريء الى ((المغرب)) ليتابعوا رحلتهم نحو أوروبا ((النجاشية)) .. فلماذا تعتقلونهم؟ وبأي حق أو منطق تسلمونهم الى أيدي القتلة والارعابيين؟؟

أهكذا تردون للسوريين جميلهم وهم الذين استقبلوا أميركم عبد القادر مع مئات من رجاله, وأنزلوهم في أعظم قصور الشام وأمّروه عليهم حباً وتكريماً..؟؟

أهكذا ترد يا بوتفليقة الجميل لآلاف السوريين الذين قاتلوا في حرب التحرير جنباً الى جنب مع ثواركم؟

 أهكذا تكافىء ملايين السوريين على ما قدموه لكم من تبرعات سخية  قبل وبعد التحرير, وما قاموا به من جهود نبيلة خلال سنوات التعريب والبناء..؟

من أي فصيلة بشرية أو حيوانية أنتم؟؟

هل حررتم الجزائر لتديروا ظهوركم للعرب, أم لتطعنوهم في ظهورهم..؟؟

حتى ساعة كتابة هذا المقال علمنا من مصادرنا أن تحركات الناشطين والحقوقيين السوريين عبر العالم نجحت في إجبار السلطات الجزائرية على احترام التزاماتها القانونية الدولية, والتراجع عن تسليم السوريين الى سلطة بلادهم التي تنتظرهم لإلحاقهم بمئات ألوف السوريين الذين قتلتهم.

 وحسب الناشط الحقوقي أنور البني, أحرزت الاتصالات والتوسلات تفاهماً يقضي بطرد السوريين الـ 43 من الجزائر الى مطار الخرطوم.. بدلاً من مطار المزة! لأن ما كانت تخطط له يعد جريمة دولية, وخرقاً سافراً للقانون الدولي, يضاف الى سجل أسود سطرته السلطات الجزائرية ذاتها في التعامل مع اللاجئين السوريين طوال ثماني سنوات, رغم أن مجموعهم لم يزد على ألف لاجىء فقط, وسبق أن طردتهم بطرق همجية الى حدود جارتها ((المغرب)).

 جريمة لا تختلف من حيث النتيجة عن جرائم الأسد وحليفيه الروسي والايراني, بل تتكامل معها ومعهم في استباحة دماء السوريين وكرامتهم وحقوقهم كبشر, وتؤكد دعم النظام الذي لا يختلف في معدنه عن  المعدن الذي صنع منه نظام الجزائر في إجرامه وبطشه!

 

الوسوم