بيروت | Clouds 28.7 c

خيارات عون لانقاذ عهده:  بين الابتعاد عن نصرالله والتخلي عن الحريري / كتب: احمد خالد

  • *رئيس الجمهورية يعتبر ان عهده بات في خطر اذا تأخر تشكيل الحكومة
  • *هل يتدخل عون لدى نصرالله ليبيعه حلاً ينقذ العهد ام يعطي وزيراً من حصته أم يهدد بالطلاق مع الحزب
  • *الحريري لا يستطيع الاستجابة لشرط نصرالله لأنه سيعتبر انه تنازل عن الطائف
  • *الطائف بالنسبة لكثيرين خط أحمر عربي في لبنان
  • *عون يدرك ان ضغطه على الحريري للتنازل سيدخله في أزمة عربياً ودولياً

خلال العامين الأولين من عهده وعد الرئيس ميشال عون اللبنانيين أنه بعد اول انتخابات نيابية تجري في عهده سيبادر الى إعتبار الحكومة التي ستنتج عنها حكومة عهده الاولى. ويريد الرئيس عون وفقاً لما يتسرب من لقاءاته التي تزامنت مع المشاورات لتشكيل الحكومة العتيدة أن يفي بوعده هذا. وحتى عندما برزت عقدة تمثيل القوات اللبنانية، فإن عون كان يقول لمراجعيه بشأنها، أنه ليس ضد تمثيل وازن للقوات ولكنه ضد الموافقة على تمثيل داخل الحكومة يعرقل خطط حكومة العهد الاولى. فهو يسعى لتوازن منسجم داخل الحكومة لمصلحة ورشة العمل التي ينوي العهد إطلاقها من خلال حكومة العهد الأولى.

وكان عون يرغب بأن يكون موعد إعلان حكومة العهد الاولى قبيل موعد ميلاد عام عهده الثاني، أو في يوم ميلاد هذا التاريخ، ولكن اثارة أمين عام حزب الله  السيد حسن نصر الله لما صار يعرف بإسم العقدة السنية، عطل هذا الترتيب لولادة الحكومة مع صباح العام الثاني من عهد عون. وهذا ما جعل الأخير يستشيط غضباً، معتبراً أن حليفه نصرالله وجه ضربة لرمزية ولادة الحكومة في يوم ميلاد بداية عام عهده الثاني.

قصة الوقت أصبحت حساسة لدى الرئيس عون على ما يقول معظم زواره الذين قصدوه في الآونة الأخير للإطمئنان على المعالجات الخاصة بحل أزمة التمثيل السني. وجميع هؤلاء تقريباً سمعوا من عون جملة واحدة، الوقت أصبح متأخراً، ولم يعد هناك مزيد من الوقت لصرفه على تشكيل الحكومة.  والواقع ان عهدي هو الذي أصبح في خطر فيما لو تم تعطيل تشكيل الحكومة الآن.

وضمن هذه الصورة لتوصيف عون لمشهد آخر أزمة في الحكومة، يبدو واضحاً ان رئيس الجمهورية هو الذي يريد حلاً لتعثر الحكومة من أجل إنقاذ عهده، وبالتالي لم يعد عون في موقع المطلوب منه تقديم حلول. وهناك هوامش ضيقة للحلول التي يمكن لعون تقديمها، وأبرزها التدخل لدى حليفه ((نصرالله)) ليبيعه الحل من أجل إنقاذ العهد الذي تقاسما معا ًشق طريق جعله أمراًَ واقعاًَ. والحل الثاني، هو أن يقبل عون بأن يعطي النواب السنة الستة وزيراً من حصته. ولكن هذا الحل يبدو مهيناً لعون كونه كان أعلن على الهواء وأمام الصحفيين أنه غير موافق على توزير السنة المستقلين وغير مقتنع بالمعيار المطروح لتوزيرهم.  وبالتالي فإن قبول عون بتوزيرهم من حصته سيبدو وكأنه يهين موقفه ويطلق الرصاصة المسمومة على رجله.

الحل الثالث هو أن يهدد عون بطلاقه الإستراتيجي مع نصر الله، وان يقول لحزب الله ، فيما لو أصررت على تعطيل الحكومة من بوابة عقدة تمثيل السنة المستقلين، فإن هذا يعني ان الحزب يعلن الحرب على عهدي.

ولكن بالمقابل ماذا يستطيع عون ان يطلب من الحريري لإنقاذ عهده وتقديم تنازل بشأن العقدة السنية.

ليس هناك ما تبقى لكي يقدمه الحريري لعهد الرئيس عون. فبيت الوسط ترك حليفه سمير جعجع وحده في حرب الأخير لتحسين شروط تمثيله كرمى لعيون منطق عون الذي يقول ((أريد حكومة منسجمة والقوات إذا دخلوا الحكومة بثقل وزاري سيشوشون على عمل الحكومة، أو اقله ليس مضموناً انهم سينضبطون داخل مجلس الوزراء، بدليل تجربة الحكومة السابقة معهم)).

ويدرك عون انه اذا ضغط على الحريري من أجل قبول منطق نصرالله بحل الأزمة السنية، فإن ذلك سيجعل العهد بحرب ليس مع الحريري والسنة في لبنان فقط، بل مع العرب الذين يعتبرون ان الحريري فيما لو استجاب لمبدأ تمثيل السنة المستقلين ولشروط حزب الله، فإنه بذلك لا يتخلى عن حصته بل عن حصة الطائف الذي هو خط أحمر عربي في لبنان.

الحل الآخر من حصة الحريري المتوفر لدى عون هو ان يذهب العهد بخيار التوأمة مع حليفه الحزب ما قد يقود الى تنحي الحريري عن التأليف، وهنا ستقع الحرب الدولية في لبنان. فحينها سيفقد العهد حضن مؤتمر ((سيدر)) الفرنسي الاقتصادي، وسيصبح العهد مطارداً أميركياً بتهمة أن من يحكم في قصر بعبدا هو حزب الله وليس ميشال عون.

والواقع ان كل المعطيات الآنفة تجعل عون هو الموجود في عنق الزجاجة بأكثر مما هو حال المأزق الموجود فيه كل من حزب الله والحريري.

ويبقى بعد آخر يقع في خلفية مشهد تشكيل الحكومة في لبنان، وهو البعد الاقليمي، وهنا توجد عدة معطيات تسبب صداعاً لعون:

المعطى الأول هو حقيقة ان العين الدولية منذ ما بعد انتهاء الانتخابات النيابية  تصر على النظر الى مسار تشكيل الحكومة في لبنان بالتوازي مع نظرتها لمسار تشكيل الحكومة في العراق. فالمساران لهما بعد اقليمي مترابط، وهما ساحة واحدة من منظار الصراع الاميركي - الايراني فوق ساحات المنطقة. وزير الخارجية الاميركية مايك بومبيو أعلن مؤخراً ان نتيجة مباريات واشنطن مع طهران في الساحة العراقية أسفرت عن 3 صفر لصالح ايران. كلام بومبيو كان سيكون له تراجيع فوق ساحة تشكيل الحكومة في لبنان كما أعلن غير متابع لصلة تشكيل الحكومة اللبنانية بالوضع الاقليمي. وبرأي هؤلاء ان طرح نصرالله العقدة السنية في آخر لحظة ليس إلا رفعاً لصوته ليقول للبنانيين: نقطة نظام .. يجب ان تقرأوا جيداً التوازن الدولي الذي أسفرت عنه نتائج معركة تشكيل الحكومة في العراق، حيث هناك حقق محورنا 3  مقابل صفر لاميركا. وعليه فإن المطلوب هنا في لبنان حكومة فيها معنى إنتصار المحور الذي ينتمي اليه نصر الله. السؤال الموجه لعون من قبل حزب الله، هو هل سيعترف الرئيس عون بنتائج موازين القوى كما حصل في العراق. أم انه سينكره وسيعتبر لبنان ساحة خارج صراع التوازنات الاقليمية، وبالتالي فإنه بذلك سيعتبر من قبل محوره الاقليمي الذي يعتبر نفسه انه أوصله للرئاسة بأنه انقلب عليه، وحينها سيعامله المحور بمثلما عامل رئيس الحكومة العراقية الأسبق حيدر العبادي.

المعطى الثاني: لم يعد خافياً ان السيد حسن نصر الله يريد حكومة تعكس موازين الصراع في المنطقة كما تجسدت فوق الساحة العراقية. وهو بذلك يريد الدخول الى حكومة مستعدة لأن تواجه معه مرحلة الصعوبات الدولية التي ستواجهها ايران وبالاستتباع حزب الله . هذا الأمر ليس مطلوباً من رئيس الحكومة سعد الحريري بل من صاحب القوة الوزارية الأكبر في الحكومة اي التيار الوطني الحر زائد حصة رئيس الجمهورية بقيادة الرئيس القوي ميشال عون.

في ظاهر المشهد الراهن يبدو ان عون بمواجهة أزمة داخلية ولكن في العمق فإنه بمواجهة أزمة خيارات إستراتيجية مطلوب منه حسم موقفه حيالها. فهل يستمر مع المحور الذي يقول انه جعله يصل لقصر بعبدا، وان على عون الآن رد الجميل له. أم انه سيرفع شعار الحياد بين المحاور الدولية والاقليمية وحينها سيصبح على صدام مع المحور الذي خاض حرب إعادة إنتاج السلطة في العراق وهو يخوض حرباً مماثلة لإعادة انتاج السلطة في سورية، وقد يقرر في حال تراجع عون عن دعمه لخوض حرب اعادة إنتاج سلطة في لبنان. وكل هذا الواقع الراهن يقود للقول ان عون أمام حكومة الاقليم الأولى وليس أمام حكومة عهده الاولى.

احمد خالد

 

 

الوسوم