بيروت | Clouds 28.7 c

لماذا يتعامى العالم عن حرب الأسد البيولوجية ؟! بقلم: محمد خليفة

أم على قلوب أقفالها ..؟!

 

لا يبدو المجتمع الدولي جاهزاً أو مجمعاً حتى الآن على الاعتراف لبشار الكيماوي بالريادة والسبق في ارتكاب ما عجز عنه سواه من طغاة المائة سنة الأخيرة, من ستالين الى لون نول, ومن موبوتو الى عيدي أمين, ومن بينوشيه الى فرانكو, ومن ميلوسيفيتش الى كراجيتش وميلاديتش.. ناهيكم عن هتلر وموسوليني وكيم جونغ.

فكل ((عبقريات)) السفاحين السابقين تتضاءل أمام عبقرية سفاح سورية الذي سمّاه السوريون عن حق وجدارة ((بشار الكيماوي)), لكثرة سوابقه في استعمال الأسلحة الكيماوية وحدها, والتي ناهزت المائة مجزرة, حسب إحصاءات وتقديرات المنظمات الحقوقية الدولية وعلى رأسها الأمم المتحدة, فضلاً عن سبقه الآخر الممثل في ((سلاح البراميل)), وريادة أجهزة استخباراته في ابتكار فنون تعذيب وقتل, تعجز عن ابتكارها مخيلات الشياطين والعفاريت!.

وإذا كان العالم ما زال بعيداً عن ((إنصاف)) الطاغية الأسد وتبوئته المقام الرفيع الذي يستحقه بين عتاة مجرمي التاريخ, فإن ذاكرة التاريخ نفسه لن تغمطه حقه, بعد أن يستوفي المحققون تحرياتهم وتستكمل الروايات الناقصة عما شهدته سنوات التراجيديا السورية من جرائم وفظائع  لم يشهد لها العصر مثيلاً. ويمكن الجزم أن فنون وعلوم الإجرام الأسدية ستصبح في المستقبل غير البعيد مادة أساسية للدراسة, من قبل الطغاة المقبلين, وعند علماء الجريمة والناشطين الحقوقيين على حد سواء!

قبل شهر من الآن 26 تشرين الأول/اكتوبر نشرت المجلة الاميركية الرصينة  ((فورين بوليسي)) تقريراً موثقاً فائق الأهمية أماط اللثام عن حرب أخرى أخطر من الحرب الكيماوية, ومن حرب البراميل والقصف بالصواريخ والطيران والمدفعية, حرب أشد فتكاً وإبادة, استخدمها نظام الأسد بشكل منهجي، وتدل على درجة عالية أخرى من ((العبقرية)) الاجرامية للنظام المتوحش, وظلت للأسف حتى الآن مجهولة عن ملاحظة ومراقبة المعنيين جميعاً, من الإعلاميين, ومن مراكز الرصد, والمنظمات الحقوقية.. إلخ.

 إنها ( الحرب البيولوجية ) أيها السادة.

ذكرت المجلة في تقريرها أن ((حكومة الأسد)) برمجت مواجهتها مع خصومها لتكون حرب إبادة شاملة، لا ضد المعارضين والثوار فقط, بل ضد الحواضن الاجتماعية أيضاً وبالأساس, ولكل سكان المدن والمناطق التي خرجت عن سلطتها, وخصوصاً المخيمات التي نشأت نتيجة التهجير والتشريد الجماعيين, لأنها توفر بيئة مثالية لنشر الأوبئة السارية والمعدية والفتك بآلاف اللاجئين, ولا سيما الاطفال وحديثو الولادة.

 وقال التقرير إن النظام استعمل مسببات الأمراض وإجراءات السلامة الصحية التي يتحكم بها, كمياه الشرب, ومياه الصرف الصحي, والتخلص من النفايات, ومواد التطعيم والتلقيح ومكافحة العدوى, استعملها كلها بشكل مبرمج كأسلحة بيولوجية لإبادة السكان في تلك المناطق. وأضاف التقرير إن النظام منع وصول ودخول ومرور بعض أصناف العقاقير بشكل خاص, كاللقاحات المضادة لشلل الأطفال, والحصبة, والفشل الكلوي, ومواد التعقيم, وتطهير المياه, وخصوصاً الكلور, والأكياس البلاستيكية المخصصة لنفايات المشافي, ومعدات وأجهزة التعقيم. وحظر النظام مشابك الحبل السري لكي يموت حديثو الولادة. كما حظر الجبائر ليجبر المصابين على استعمال جبائر غير معقمة وقابلة للتلوث. وعمل على نشر فيروسات شلل الاطفال والسنجابي والكوليرا والبكتريا العراقية التي تستهدف أحشاء الانسان.

وأكد معدو التقرير أن هذه المواد ظلت دائماً متوفرة في المناطق والمدن الخاضعة لسلطة النظام, حتى أن أسماءها تملأ عشرين صفحة, بما فيها المضادات الحيوية واللقاحات والأدوية والمواد المطهرة, وكثير منها كان يستورد من الخارج, ولم تحدث أي أزمة في توفيرها والحصول عليها.

وأكد معدو التقرير أن النظام استهدف بشكل خاص محطات تكرير المياه وتوليد الكهرباء والبنية التحتية للنظام الصحي العام, بهدف نشر الأمراض والأوبئة, ومنع العلاج والعناية الطبية.

وأوضحت المجلة أن الأسد جعل سورية ميداناً لحرب بيولوجية مهلكة ومدمرة, تؤدي بالناس بدون الحاجة للقصف بالأسلحة النارية, ولا سيما في المناطق التي يتعذر على النظام قصفها أو مهاجمتها.

واستخلصت المجلة أن الأسد شن حرباً شاملة على الشعب السوري لم يستثن أي سلاح فتاك فيها, وكان يستهدف بشكل واع ومخطط إبادة السكان, وما الحرب الكيماوية والبيولوجية سوى سلاحين من أسلحة هذه الحرب التي تتوفر فيها كل عناصر التعريف الدولي المعتمد لمفهوم الحرب البيولوجية, وكذلك الكيماوية.

هذا التقرير المهم يطرح أسئلة كثيرة علينا وعلى المجتمع الدولي, أولها: لماذا لم تتطرق المراجع والمصادر الدولية قبل اليوم الى الحرب البيولوجية في سورية..؟ وهل كانت الدول العظمى والمتحضرة عمياء حقاً, أو غافلة فعلاً عن الحرب البيولوجية, أم متعامية ومتغافلة عن عمد..؟ ولماذا..؟

 وثانيها: هل الصمت المستمر على هذه الصفحة السوداء حتى الآن صمت بريء أم مريب..؟

وثالثها: هل يتحمل الأسد وزمرته وحدهم كامل المسؤولية الجنائية والاخلاقية والسياسية عن موت وهلاك مئات ألوف السوريين جراء الحربين الكيماوية والبيولوجية في عالم تحكمه شرائع دولية وتديره منظمات أممية حازمة وقوية..؟    

 والسؤال الأخير والأهم: كم من السوريين قد قتلوا وقضوا على أيدي النظام في حربه البيولوجية دون أن تدرج أسماؤهم وأعدادهم في قوائم ضحايا النظام التي تجمد عدادها عند نصف مليون منذ عامين, وما زال البعض يشكك فيه ويطلب اختصاره, مع أن العدد الكلي الدقيق للضحايا أكثر من ذلك بكثير..؟!

     

 

الوسوم