بيروت | Clouds 28.7 c

من هنا نبدأ - السعودية تستعيد المبادرة.. ولكن / بقلم: حسن صبرا

كالعادة.. وصلت السلطات السعودية متأخرة في تعاملها مع جريمة قتل الصحافي السياسي الأمني جمال الخاشقجي.. صحيح ان النائب العام السعودي شلعان الشلعان احتاج الى وقت ليس كثيراً او بعيداً كي يصل الى الوقائع التي أوردها في مؤتمره الصحفي الذي عقد لكشف ما يملك من معلومات حول هذه الجريمة، وكلها توكيد لقيام مجموعة من الاستخبارات السعودية والأجهزة الأخرى السعودية أيضاً. بقتل مواطن سعودي في قنصلية بلاده في اسطنبول..

لكن المشكلة ان العالم بات يشكك دائماً في المعلومات التي تصدر من المملكة حول هذه القضية، لسببين اساسيين:

الأول: انها وهي المتهمة بالقتل امتنعت عن قول الحقيقة منذ البداية.

الثاني: ان السلطات السعودية عندما قررت التحدث عن الجريمة اعترفت بالقطعة وخطوة خطوة.. وتناقضت وتراجعت حتى أوردت ما كان ينتظره العالم..

هنا.

يسجل للمملكة.. انها أخيراً تحملت المسؤولية بالكامل عن ارتكاب عناصر مسؤولة فيها هذه الجريمة.. وتبعاتها قانونياً وإنسانياً.

يبقى ان تتحمل المملكة تبعات هذه الجريمة سياسياً على مستويين أساسيين:

الأول هو قدرتها على سحب ورقة المتاجرة والمزايدة بل والابتزاز ضدها من جانبين أساسيين في التعاطي مع هذه القضية هما:

  1. تركيا.
  2. وأميركا.

بالنسبة الى تركيا، لقد كتبنا ان جريمة قتل الخاشقجي هبطت على رئيسها رجب طيب أردوغان كليلة القدر، وانه أمعن في محاولة استغلالها حتى الحد الأقصى.

بيان شلعان الشلعان يكاد يسحب هذه الورقة من بين يدي أردوغان، وقد أسقطت معلومات النائب العام السعودي وزير خارجية تركيا مولود جاويش في حالة ارتباك شديد جعلته يشكك وهو غير المعني في المعلومات السعودية الرسمية وهي تتهم مواطنين فيها وتقدم تفاصيل التفاصيل عما حصل.

أسقط بيان الشلعان ورقة الابتزاز التركية في كل ما كان يريده أردوغان وقد كتبناه سابقاً:

  1. مساعدات اقتصادية.
  2. أسعار نفطية رخيصة جداً.
  3. فك الحصار عن قطر.
  4. حوار مع الاخوان المسلمين..

كشفت معلومات الشلعان ان السلطات التركية كانت تتجسس خطوة خطوة على كل أمر داخل القنصلية، وهذا يعني توجيه الاتهام الى الاستخبارات التركية بأنها كانت على علم بما جرى مع الخاشقجي والبعض يذهب من هذا العلم الى ان السلطات التركية كان بإمكانها منع ارتكاب هذه الجريمة لو تحركت بسرعة وهي تتنصت على الحوار بين المجموعة السعودية القاتلة وبين الخاشقجي، فلماذا تمنعت اسطنبول عن انقاذ صديقها السياسي – الأمني جمال الخاشقجي؟ هل أرادت فعلاً ان تحصل هذه الجريمة كي تتلقفها وتتاجر مع السعودية؟

معلومات الشلعان فضحت التجارة التركية.

أما اميركا، فإن التسابق الداخلي الاميركي قبل الانتخابات النصفية وخلالها وبعدها، تشتت بعد انفضاح الابتزاز التركي بين من يريد كشف الموقف التركي، وبين من يريد ابتزاز السعودية.

كتبنا عن المعلومات الدسمة التي كانت تركيا تقدمها للصحف الاميركية وتحديداً لـ ((الواشنطن بوست)) عبر جمال الخاشقجي صاحب المقال الثابت فيها. وهذه الصحيفة كانت تسبق معلومات استخبارات اميركا التي تقدم للرئيس دونالد ترامب، واليوم يتحاشى ترامب نفسه الاستماع الى تسجيلات تركية عما حصل مع الخاشقجي في قنصلية السعودية في اسطنبول وقد استشعر الابتزاز التركي داخل اميركا نفسها للسعودية.

استمرار الرياض في اجراءاتها لمعاقبة القتلة وفق الأنظمة المعمول بها في المملكة، وبشكل شفاف يلغي امكانية أي ابتزاز اميركي – تركي تحديداً.

 

تبقى المسألة الأهم

وهي ما كتبناه سابقاً حول واجب المملكة ان تكشف عن السبب السياسي لقتل الخاشقجي، مع الاستنكار الكامل لأي عقاب جسدي لصاحب رأي مهما كان..

جمال الخاشقجي كان يروج لمشروع سني بقيادة تركيا أردوغان والجماعات الاسلامية بقيادة الاخوان المسلمين ويريد ان تكون السعودية جزءاً من هذا المشروع.

هل تذكرون الحلف الاسلامي الذي قاده شاه ايران بمشاركة الملك فيصل السعودي وتركيا التي كانت وما زالت في قيادة الحلف الأطلسي وجماعة الاخوان المسلمين، وكان موجهاً ضد القومية العربية وزعيمها جمال عبدالناصر!

هذا هو مشروع الخاشقجي وأردوغان وهو الآن ضد مصر التي لا عروبة من دونها في القيادة وفي الريادة.. اذا أرادت.

هذا ما يجب ان تجيب عليه القيادة السعودية.. وهي تخوض الآن مواجهة مشتركة متفاوتة الأهمية والأولوية ضد ايران وتركيا.

العروبة هي ملجأ القيادة السعودية الشابة الطموحة.. لا اسرائيل ولا أميركا، واستعادة دور العروبة في قيادة المملكة يجعلها ترى الأمور بمنظار مختلف عن المنظار الذي يجعل في أولوياتها حصار قطر او قتل الخاشقجي، او التخلي عن لبنان، او ادارة ظهرها للشعب السوري في محنته، او ارتكاب الأخطاء المتكررة في اليمن، وضبابية العلاقة مع القيادة المصرية، هل هم حلفاء؟ وأين؟ وهل هم خصوم او أعداء؟ ولماذا؟

العروبة قدر السعودية، والتفاهم مع مصر على طبيعة هذه العروبة واجب، لأن الاثنين يواجهان مشاريع تحمل رايات اسلامية، كانت تقودها جماعات كالاخوان سابقاً والآن في مشاريع دول اساسية وجذرية في المنطقة، وفي الجوار في ايران الشيعية وفي تركيا السنية..

العروبة هي المستهدفة.. ولا يمكن لمهد العروبة أي المملكة العربية السعودية أرض العرب التي انتجت الاسلام والأديان كلها.. إلا ان تكون رائدة لها في هذه المرحلة.

 

 

 

 

الوسوم