بيروت | Clouds 28.7 c

الرئيس جمال عبدالناصر: الحلم والحضور / نجيب البعيني

الرئيس جمال عبدالناصر: الحلم والحضور / نجيب البعيني

 

من الكتب الحديثة التي صدرت مؤخراً: ((الرئيس جمال عبدالناصر: الحلم والحضور))، الذي جاء في موسوعة ((قمم خالدة (1)، والذي ألفه الاستاذ هاني سليمان الحلبي، والصادر عن دار ((أبعاد)) للطباعة والنشر والتوزيع في بيروت.

والبحث في التجربة الناصرية بمناسبة المئوية الأولى لميلاد الرئيس الراحل جمال عبدالناصر يأتي في مكانه وسيبقى موضوعاً لمئات الدراسات المعمقة في التاريخ العربي المعاصر، بسبب قيمته التاريخية في الزمان والمكان والأسباب والأهداف، كما ان الدراسة تأتي تعبيراً عن الفعالية القومية لشعب مصر، وتجربته التاريخية الحضارية الرائدة لحماية شعب مصر وسيادته وحمايته وحفظ استقلاله وتحصين دوره الفعال في العالمين العربي والاسلامي.
يمكن اعتبار التجربة الناصرية حالة مكتملة وموضوعاً مستقلاً فريداً من نوعه، وبالتالي مشاركة الرئيس الراحل في الحياة العملية المصرية، العامة والسياسية في تظاهرات الثلاثينيات من القرن الماضي، ودخوله الكلية الحربية، وتأسيس تنظيم الضباط والثورة، وقلب نظام الحكم، ومشاركة اللواء محمد نجيب في الحكم، ثم عزل محمد نجيب، وتحديد اقامته وصلاحيته، وتوليه ادارة الحكم حتى رحيله، وهو في ذروة مرحلته السياسية وحالته الاعلامية من خلال الامساك بزمام الأمور والنفوذ الذي حققه، مصرياً على الأقل، وعربياً لفترة طويلة من الزمن.

 

بنية البحث:

 

قام المؤلف بالبحث والتدقيق، ووضح الكتاب في ((مقدمة)) وأربعة ابواب. جاءت كما يلي:

الباب الأول: مصر عبقرية مكان وحضارية اجتماع، في أربعة فصول، وعناوينها جاءت هكذا: الفصل الأول: عبقرية المكان المصري.

الفصل الثاني: في خصائص الحضارة المصرية، الفصل الثالث: في الخصائص النفسية الاجتماعية المصرية، الفصل الرابع: في الخصائص السياسية المصرية.

الباب الثاني: بصمات مؤسسة لنشأة القيادة المصرية، في خمسة فصول، وعناوينها: الفصل الأول: الرئيس جمال عبدالناصر، مشروع قائد، الفصل الثاني: الاعداد والتخطيط والتنفيذ. آليات ومؤسسات.  الفصل الثالث: البنية الفكرية القومية العربية. الفصل الرابع: الرئيس جمال عبدالناصر قائداً. الفصل الخامس: التنظيم المركزي الفردي.

الباب الثالث: المنهج القيادي الناصري، في خمسة فصول وعناوينها، الآتية مفصلة كما يلي:

الفصل الأول: فلسفة الثورة، مصر المركز.

الفصل الثاني: تصفية الأحزاب بـ((التطهير)) الفصل الثالث: اشكالية الديموقراطية بين التفرد وتفكك الاعتراض.

الفصل الرابع: هل استطاعت الثورة بناء جيش مصري قوي؟

الفصل الخامس: حبيب الملايين، قيم وانجازات وعطاءات.

 

شخصية عبدالناصر:

 

كانت شخصية الرئيس جمال عبدالناصر شخصية فريدة من نوعها، وذلك بفضل سلوكه واسلوب حياته، وطريقة تفكيره، وظروف تنشئته الأولى، من خلال واقع الأسرة، والوسط الاجتماعي والمهني، والانساني، والثقافة وخصائص سماته وفرادته.

وقد استند المؤلف الى ما يلي:

  1. الواقع الأسري.
  2. الوسط الصعيدي والبنية النفسية.
  3. البنية الأسرية المضطربة.
  4. تشكيل بنية ثقافية ممتازة.
  5. التأهيل السياسي والعسكري.
  6. الموروث الايديولوجي المصري في انتظار قائد.

والخلاصة التي يراها المؤلف:

((تهيأت البنية النظرية للناصرية مع البيئة الذاتية للقائد الناصري ومؤهلاته وحوافزه والبنية الموضوعية من شروط زمان ومكان وحجم ديموغرافي وازن يتوسط العالم العربي ومسح قوي واعداد ورعاية واتخاذ قرار حاسم)).

 

القائد الشجاع:

كان القائد الرئيس جمال عبدالناصر شجاعاً في اقتحام المصاعب، وقوياً في ابداء الرأي والتواصل مع شعبه كما الشعوب العربية لإيصال كلمته الى كل مكان.

واستطاع في مدة وجيزة ان ينال رضى الشعب المصري بالنسبة الى طروحاته العربية وايمانه القوي بقوميته العربية التي هي مركز عروبته الدائمة، والتي هي منطلقه ومنتهاه.

أليس هو القائل:

((مصر للجميع وفوق الجميع)).

وفي غير مكان كان يعلن عن أهدافه وطموحاته وان على الشعب المصري الايمان بالتعاون والاتحاد ووحدة المقاصد والحوافز يقول:

((.. ايها المواطنون ليضع كل منكم يده في يد اخيه، وليأخذ كل منكم مكانه في ركب الحرية وركب البناء ولتنقش فوق اعلامنا)). ويقول في مكان آخر داعياً الى ان لا نتجاهل التفكير:

((.. استعرض ظروفنا وأخرج بمجموعة من الدوائر لا مفر لنا من ان يدور عليها نشاطنا وان نحاول الحركة فيها بكل طاقاتنا.. أيمكن ان نتجاهل ان هناك قارة افريقية شاء لنا القدر ان نكون فيها؟.. أيمكن ان نتجاهل ان هناك عالماً اسلامياً تجمعنا واياه روابط لا تقربها العقيدة الدينية فحسب، وانما تشدها حقائق التاريخ؟..)).

 

مصر الثورة:

كانت مصر دائماً في خطب الرئيس جمال عبدالناصر، حاضرة ناضرة، كان ينادي دائماً بالثورة المصرية، وانها المحور الاساسي ومنطلق الشعب العربي.

ان أهداف تنظيم الضباط الاحرار الستة تمركزت على ان يكون هناك خطة اصلاحية للنظام المصري، وأحداث دولة عصرية موحدة الحقوق والواجبات والقوانين يتساوى المواطنون أمامها بدون استثناء.. وتنطبق هذه الأهداف على الواقع المصري. وربما لو كانت الثورة ليست في مصر لما كانت خطة الاصلاح تصح بنقاطها الست نفسها.

ويضيف عبدالناصر قائلاً:
((.. التمركز في مصر أمر طبيعي لثورة وطنية منشؤها في الجيش القائم على وحدة الولاء للملك وعبره للوطن والدولة.

لكن اصبح اتخاذ مصر للعالم العربي مشكلة. عندما انطلقت الثورة من مصر الى الدول العربية. في واقع تشكل الدولة المصرية مركزاً اداراياً لمحور عربي، خصوصاً في الوحدة الثنائية مع سورية، حيث شكلت المركزية واقعاً مثيراً حاداً للسوريين تمكن دعاة الانفصال من توظيفه لتعطيل الوحدة واستجماع أكثرية مؤيدة ليست فقط بين دعاة الانفصال بل كذلك بين دعاة الوحدة)).

ثم يقول في نهاية خطابه التاريخي:

((الوحدة مطلوبة داخل الأمة الواحدة، وربما الاتحادية مطلوبة بين أمم متجاورة تجمعها روابط تاريخية مشتركة لتشكل جبهة تقدمية تستطيع الوقوف على قدميها في صراع الكتل الكبرى والاتحادات القارية وعمالقة جبابرة التقنية والصناعية في العالم)).

 

قيم عبدالناصر:

كان الحوار أساس المناقشات التي تُدار بين الرئيس جمال عبدالناصر والشعب المصري.

كان جمال عبدالناصر انساناً ومواطناً مصرياً عادياً. كان هذا الرئيس الشعبوي يخاطب الشعب المصري ومن خلاله بقية الشعوب العربية.

لقد رفع الرئيس جمال في معظم خطبه المواطن الصالح. كان ديدنه هو الحوار والحرية والديموقراطية والوطن والمستقبل وفي بعض الأحيان المنـزل ومستقبل الاولاد والعائلة. وغالباً ما كان يفضل ابقاء حياته المهنية بعيدة عن شؤون وشجون الحياة العائلية.

كان الرئيس عبدالناصر مؤمناً ايماناً مطلقاً بالمواطنية المصرية، وكان رجلاً شديد الايمان بالمسلم المعتدل الملتزم، وقد أدى فريضة الحج مرتين في حياته.

ويمكننا القول انه في خلال عمله السياسي كان داعية علمانياً الى بناء الدولة والمجتمع. كما كان الرئيس عبدالناصر صادقاً مخلصاً نبيلاً في أفعاله وأقواله وحركاته وآرائه، وكان صاحب طرافة وحبكة دعابة وسلاسة معشر وحلاوة لسان.

كما كان من هواياته الشخصية فن التصوير، ولعبة الشطرنج، ومشاهدة الافلام التلفزيونية، ومطالعة الأدب العربي، وآداب اللغة الانكليزية، ومطالعة الجرائد والمجلات الفرنسية وسماع موسيقى كلاسيكية.

 

وفاته وتشييعه:

عمت صدمة عارمة مزلزلة في مصر والعالم العربي يوم رحيله الدامي. وقد حضر جنازته التي أقيمت في القاهرة في الأول من تشرين الأول خمسة الى سبعة ملايين مواطن. وكان الحزن والأسف واللوعة على وجوههم جميعاً.

عانى الرئيس عبدالناصر من نوبة قلبية حادة نقل على أثرها الى منزله، حيث توفي بعد ساعات قليلة. في تمام الساعة السادسة، من ذلك اليوم المشؤوم. وكان حوله على فراش الموت ثلاثة اشخاص هم:

الصحافي الكبير محمد حسنين هيكل، نائب الرئيس محمد انور السادات، وزوجه المخلصة تحية كاظم.. والسبب المرجح في نظر الاطباء هو تصلب الشرايين، ومضاعفات مرض السكري. ومكان دفنه اصبح مسجداً في القاهرة وهو مسجد ((النصر)) الذي تم تغيير اسمه وأصبح مسجد الرئيس جمال عبدالناصر، حيث دفن جثمانه الطاهر.

لقد كان الرئيس جمال عبدالناصر رجلاً فريداً جسوراً شجاعاً صاحب رأي شجاع بين رجالات العالم وزعمائه الكبار. طبع بصمة خالدة في قلوب الجماهير العربية التي أحبته من المحيط الى الخليج.

لقد تحدى عبدالناصر في حياته قوى شرسة كبيرة وتحديات مريرة قاسية واجهته، تجربة مجلس القيادة، تجربة تأميم قناة السويس، تجربة العدوان الثلاثي، مؤتمر الحياد الايجابي، تجربة الوحدة مع سورية وانفصالها عنه، تجربة الوحدة العربية بين جميع الأقطار العربية والاسلامية، وغيرها من المشاكل التي صادفته في حياته.

لقد قدم الباحث الاعلامي هاني سليمان الحلبي تجربة عبدالناصر كقائد عسكري او غير عسكري لا مثيل له بين الشعوب.

ويعتبر الرئيس عبدالناصر تجربة نموذجية للقواد والزعماء العرب في جميع اقطارهم وأمصارهم.

وعسى ان يكون ما جاء في هذا الكتاب، او ما جاء في بعض الكتب التي صدرت في المدة الأخيرة عاملاً قوياً فعالاً على توحيد قواهم وجمع شملهم وتضافر جهودهم.

 

نجيب البعيني

 

هامش:

*جمال عبدالناصر: الحلم والحضور، لـ هاني سليمان الحلبي، دار ((أبعاد)) للطباعة والنشر، بيروت، الطبعة الأولى، سنة 2018.

 

 

الوسوم