بيروت | Clouds 28.7 c

صورة مصر الملكية قبل عبد الناصر

صورة مصر الملكية قبل عبد الناصر

نسبة الحفاءة:40 %  ، نسبة الأمية:90% ، نسبة البطالة:46% ،  نسبة من هم تحت خط الفقر: 80%.
نشرت(( بوابة الحضارات المصرية)) الصادرة عن مؤسسة ((الأهرام)) القومية تقريراً عن الحياة الملكية قبل ثورة   23تموز/ يوليو، كاشفاً عن أسباب قيام الثورة.
وكشف التقرير عن أحوال العمال والفلاحين ونسبة البطالة وعجز الموازنة وتوزيع الثروة في مصر قبل ثورة تموز/ يوليو نقلاً عن دراسة للمؤرخ الكبير الراحل د.  رؤوف عباس بعنوان: ((الحركة الوطنية في مصر 1918-1952))، وأكد التقرير أن من يتغنون بأيام الملكية ونظافة العاصمة لا يعلمون أن بعض شوارع القاهرة كانت حكراً على الباشاوات والأسرة الملكية وكبار الموظفين بينما كان المشروع القومي في ذلك الوقت القضاء على الحفاء.
وإلى نص التقرير:
تخيل ..لو قام أحدهم بتصوير قصور القطامية ومارينا ومدن ومنتجعات الفاسدين في عصر مبارك،ثم تم نشرها بعد 50 سنة، تحت عنوان هذه هي مصر الجميلة في عصر مبارك ..وهذه هي حياة المصريين الرغدة في عصر مبارك..تخيل حجم الكذب والتزوير.. كذب وتزوير إذا أردت مثيلاً له، فهو ذلك الفيلم عن مصر في عهد الملكية، حيث تظهر شوارع القاهرة جميلة ونظيفة،ويظهر أهل مصر وكأنهم يعيشون في جنة الله على الأرض ..ولم لا ؟ والموسيقى تعزف على نواصي الشوارع، تلك الشوارع التي كانت تحمل غالبية المصريين وهم حفاة.
إنني أندهش من الأحكام السطحية التي يُصدرها البعض هذه الأيام - بحسن أو سوء نية- حول الأوضاع في مصر قبل ثورة 23  تموز/ يوليو، والعبارات التي يرددها هؤلاء من عينة: ((الموضة كانت تظهر في مصر قبل باريس))أو ((بريطانيا كانت مدينة لمصر أيام الملك)),وغيرها من ((الخرافات)) التي نسمعها كثيرًا هذه الأيام، الأمر الذي وصل بإعلاميين.. لأن يستعرضوا صورًا للقاهرة قبل ثورة 23 تموز/يوليو ، ويتحدثوا عن ((مصر الملكية))، وكيف كانت الشوارع جميلة، والحياة رغدة، لدرجة أن أحدهم راح يهتف: ((عاش الملك فاروق .. جلالة الملك المعظم))!!.
وهنا أود أن أتوقف عند أمرين: الأول أن مصر أقرضت بريطانيا مبلغاً ضخماً يعادل الآن 29 مليار دولار أميركي..!! في إشارة خادعة إلى أن الحياة أيام الملك كان لونها ((بمبي)).
ولمن لا يعرف أو وقع فريسة هذه الخزعبلات، فإن الديون البريطانية التي تقول الوثائق إنها 3 ملايين جنيه استرليني، لم تكن نتيجة قوة الاقتصاد المصري بل كانت قيمة ما حصلت عليه بريطانيا عنوة - بالقوة - من محاصيل وسلع وخدمات أو مقابل استخدام الأراضي المصرية أثناء الحرب العالمية أو على سبيل التعويضات التي كان من المفترض أن تؤديها بريطانيا لصالح أهالي عشرات الآلاف من المصريين الذين انتُزعوا من أرضهم وساقهم الباشاوات مسلسلين في القيـود، للاشتراك في الحرب، فماتوا ودُفنوا خارج مصر.
وبعيدًا عن تنازل الحكومة المصرية عن هذه الديون كما نشرت جريدة((الأهرام)) عام 1922 .. أو عدم تنازلها، فالثابت أن مصر لم تطالب بها لمدة 30 عامًا قبل الثورة.. وأغلق الملف بعد تأميم قناة السويس.
لقد كان الاقتصاد المصري قبل ثورة 23 تموز/يوليو متخلفاً وتابعًا للاحتـكارات الرأسمالية الأجنبية، يسيطر عليه بضع عشرات، أو مئات على أقصى تقدير، وكانت نسبة البطالة بين المصريين 46% من تعداد الشعب، في الوقت الذي كان يعمل فيه الغالبية في وظائف دنيا - سُعاة وفراشين -وكانت آخر ميزانية للدولة عام 1952 تظهر عجزًا قدره 39 مليون جنيه، في حين كانت مخصصات الاستثمار في المشروعات الجديدة طبقاً للميزانية سواء بواسطة الدولة أو القطاع الخاص صفراً.
ظلم وقهر وسوء توزيع لثروات الوطن وغياب للعدالة الاجتماعية، نسبة الفقر والأمية بلغت 90% من أبناء الشعب المصري، ومعدلات المرض حققت أرقاماً قياسية حتى أن 45% من المصريين كانوا مصابين بالبلهارسيا، وغيرها من مختلف الأمراض التي تنتج عن سوء التغذية، هذا في الوقت الذي كان فيه بذخ وسفه الملك فاروق وأسرته والسيدة والدته وحاشيته مثار حديث صحف ومجلات العالم، ناهيك عن فضائحهم الجنسية.
وهناك دراسة للمؤرخ الكبير الراحل د. رؤوف عباس بعنوان: ((الحركة الوطنية فى مصر 1918-1952.. ))يوضح فيها: ((كانت نسبة المعدمين من سكان الريف تبلغ 76% عام 1937، وبلغت نسبتهم 80% من جملة السكان عام1952 .
وكانت البروليتاريا المصرية بشقيها: ((الريفي والحضري من أبشع الطبقات الاجتماعية معاناة من الأزمة الاقتصادية التي تفجرت في العالم الرأسمالي في نهاية العشرينيات وامتدت آثارها إلى مصر)).
ويتضح من تقرير هارولد بتلر خبير مكتب العمل الدولي أن الأجر اليومي للعامل غير الفني في آذار- مارس 1932 كان يـراوح بين 12-7 قرشاً، بينما أجر العامل الفني كان يتراوح بين 30- 20 قرشاً، وأجر العامل الحرفي بين 8-6 قروش، وبلغ أجر الحدث خمسة قروش في الأسبوع.
وتفاقمت المسألة الاجتماعية تفاقماً كبيرًا، نتيجة سوء توزيع الثروات وغياب السياسات الاجتماعية  ..ولا أدل على ذلك من استمرار الهبوط في متوسط دخل الفرد من 9.6 جنيه فى العام خلال الفترة 1939- 1935 إلى 9.4 جنيه خلال سنوات الحرب العالمية الثانية على أساس الأسعار الثابتة أي الأسعار الحقيقية مع استبعاد عامل الارتفاع الملحوظ في الأسعار.
إذا أمعنا النظر في كيفية توزيع الدخل القومي لوجدنا 61% من هذا الدخل يذهب إلى الرأسماليين وكبار الملاك .. فقـد قُـدِّر الدخل القومي عام 1954 بمبلغ 502 مليون جنيه، ذهب منه ما يزيد على 308 ملايين جنيه على شكل إيجارات وأرباح وفوائد، بينما نجد متوسط أجر العامل الزراعي في العام لا يزيد على أربعة عشر جنيهاً وفق إحصاءات 1950.. وإذا أخذنا في الاعتبار ارتفاع تكاليف المعيشة لكان الأجر الحقيقي للعامل الزراعي لا يتجاوز ثلاثة جنيهات في العام، كما أن متوسط الأجر السنوي للعامل الصناعي لا يزيد على خمسة وثلاثين جنيهاً، أي ثمانية جنيهات أجراً حقيقياً في العام الواحد.
وقدرت مصلحة الإحصاء عام 1942 أن ما يلزم للأسرة المكونة من بعل وزوج و ((4)) أولاد لا يقل عن 439 قرشاً في الشهر طعاماً وكساء وفـق الأسعار الرسمية، لا أسعار السوق السوداء التى كانت منتشرة في ذلك الوقت.
ومع هذا فقد كان متوسط الأجر الشهري للعامل في عام 1942 لا يتجاوز 262 قرشاً في الشهر، أي أن الأغلبية الساحقة للبروليتاريا في المدن كانت تعيش دون الحد الأدنى للكفاف بمقدار النصف تقريبًا، أما البروليتاريا الريفية فكانت أسوأ حالاً.
في الوقت الذي ارتفعت فيه الأرباح الموزعة في الشركات المساهمة في مصر من 7.5 مليون جنيه عام 1942 إلى قرابة 20 مليوناً في عام 1946، ذهب أغلبها إلى جيوب الرأسماليين الأجانب وشركائهم الصغار من المصريين..
كما ارتفعت إيجارات الأراضي الزراعية من 35 مليون جنيه عام 1939 إلى 90 مليوناً عام 1945 ذهب معظمها إلى جيوب كبار ملاك الأراضي الزراعية، فضلاً عما حققه هؤلاء من أرباح طائلة من وراء بيع المحاصيل التي أنتجتها أراضيهـم التي كانت تزرع على الذمة.
الدراسة قيِّمة ودالة وتُخـرس كل الألسنة..أدعوكم لقراءتها، فهي إحدى الدراسات المنشورة في كتاب: ((ثورة 23 تموز/يوليو 1952 دراسات في الحقبة الناصرية)), الصادر عن ((مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية)).
الأمر الثاني: ((الملكيون أكثر من الملك))وبجهل شديد، يسوقون في إطار دفاعهم عن الحقبة الملكية مبررات من عينة: نظروا للقاهرة وكيف كانت شوارعها نظيفة وكيف كان هناك((أوبرا)) ودور سينما وحدائق ومطاعم..  إلخ. ويتناسى أو يتجاهل هؤلاء أن القاهرة التي يتحدثون عنها، بل مصر بأكملها كانت حكرًا على الباشاوات والباكوات والجاليات الأجنبية، وهؤلاء هم من كانوا يدخلون ((الأوبرا)) والسينمات ويستمتعون بالحدائق الغَنَّاء، وإذا ظهر أحد المصريين البسطاء في محيط هذه الشوارع، فهؤلاء من الخدم والحاشية ممن أنعم الله عليهم بنعمة العمل خادمين عند أحد الباشاوات!..  بل كانت هناك شوارع في القاهرة والإسكندرية والإسماعيلية حكرًا على الأجانب يُمنع المصريون من دخولها، حتى لا يعكروا مزاج السادة الباشاوات والخواجا. تماماً كما هي الآن الأحياء الفخمة المليئة بالقصور و((الفيلات))، التي يصعب على أمثالنا السكن فيها، أو ربما الاقتراب منها.. أحياناً يدخلها بعض الفقراء من النقاشين أو النجارين أو السباكين، لأداء مهمة سريعة لكن سرعان ما يغادرونها وأنا هنا لا أنكر أن الباشاوات كانوا يعيشون عيشة رغدة كريمة وكانوا يرتدون أحدث الموديلات قبل أن تظهر في أوروبا، بل كان منهم أهل الخير ممن يمنحون الخدم والحشم بقايا الطعـام وبقايا الملابس وأي بواقي أخرى.
لكن السؤال: كيف كان حال غالبية المصريين.. عندما كانت تظهر الموضة في مصر قبل أوروبا؟!!.
وهل يدرك من يتغنون بالعصر الملكي أن المشروع القومي في ذلك الوقت كان القضاء على الحفاء؟!!

 

الوسوم