بيروت | Clouds 28.7 c

السيد إبراهيم رئيسي أزمة مع الخارج، وفي الداخل ؟ / بقلم السيد صادق الموسوي

مجلة الشراع 20 حزيران 2021

 

أعلن أمس رسمياً فوز السيد إبراهيم رئيسي رئيس السلطة القضائية ورئيس المحكمة الخاصة بعلماء الدين وعضو مجلس خبراء القيادة رئيساً للجمهورية الإسلامية في إيران...

ومنذ هذا اليوم يجب على العالم الخارجي الإستعداد للتعامل مدة 4 سنوات على الأقل مع الرجل الذي فاز بأصوات حوالي 18  مليون من المقترعين الإيرانيين، والذي سيتسلم زمام الأمور يوم الثالث من شهر آب المقبل بعد تنصيبه من قائد الجمهورية الإسلامية في إيران آية الله خامنئي الذي بيده أمر تنفيذ الإقتراع الشعبي وتثبيت الرئاسة.

فإدارة الرئيس جو بايدن التي تعهدت العودة إلى الإتفاق النووي مع إيران وهي تعقد اجتماعات مع ممثليها بصورة غير مباشرة في العاصمة النمساوية يجب أن تتعامل بعد أيام مع حكومة يرأسها السيد إبراهيم رئيسي وهو الذي فرض عليه الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب عقوبات شديدة، فهل يمكن لحكومة الولايات المتحدة الأمريكية التعامل معه قبل أن تلغي عقوباتها ضده، أم أن جو بايدن سيصدر قراراً برفع العقوبات عن السيد رئيسي فوراً كي يتسنى لحكومته الإستمرار في التفاوض مع الجمهورية الإسلامية التي ستكون برئاسة هذا الرجل؟

وإذا أنهى الرئيس الأمريكي عملية التفاوض وقبل بالمطالبات الإيرانية قبل تسليم الشيخ روحاني مقاليد الحكم لخلفه، فسوف يجب على رئيسي الإستمرار بتعهدات سلفه، خاصة أن المفاوضات النووية ابتدأت سرية في عهد الرئيس السابق احمدي نجاد في سلطنة عُمان عبر الدكتور صالحي وزير الخارجية في حينه وبإيعاز من آية الله خامنئي لكن دون معرفة الرئيس، وهذه المفاوضات استمرت طوال عهد الرئيس روحاني من خلال الدكتور محمد جواد ظريف وزير الخارجية وفريقه تحت إشراف القائد بصورة كاملة..

وفي حال تم إحياء الإتفاق،

 وعادت الولايات المتحدة اليه بعد التراجع عن عقوباتها قبل انتهاء عهد الرئيس روحاني فالضامن الحقيقي لتطبيق بنود الإتفاقية هو القائد ورئيس الجمهورية القادم سيلتزم به حتماً، خاصة أنه أعلن خلال حملته الإنتخابية موافقته عليها، وذلك بعد سنوات من الحرب الشعواء للمحافظين على الرئيس روحاني والدكتور ظريف بسبب إنجاز الإتفاق النووي مع الدول الخمس الكبرى زائد ألمانيا.

وإذا رفعت الولايات المتحدة الامريكية العقوبات ضد السيد إبراهيم رئيسي،

 فإن قادة دول الإتحاد الاوروبي سيتسابقون في التراجع عن قراراتهم أيضاً والتعامل مع الرئيس الإيراني الجديد، ولا يبقى عندئذ أمام حكام دول المنطقة سوى اللحاق بالركب وطلب الود من الجمهورية الإسلامية في إيران بعدما أوغلوا سنوات في العداء معها مدفوعين من إدارة دونالد ترامب وجعلوا منها عدواً أول لهم بدل الكيان الصهيوني الغاصب حسب تعليمات صهر الرئيس الأمريكي ومستشاره الخاص جاريد كوشنير اليهودي وحامل الجنسية الإسرائيلية.

لقد نصحنا مراراً قادة دول المنطقة بعدم الرهان على السياسات الأمريكية المتقلبة والتابعة في كثير من الحالات لمزاجية الرئيس وخلفيته الفكرية والعقيدية ومصالحه الشخصية..

لكن،

 المؤسف أن النفوس الأمّارة بالسوء والأحقاد الدفينة وتأثيرات المستشارين وبطانة السوء منعت هؤلاء الزعماء من السير في سبيل يضمن مصالحهم الحقيقية ويحفظ ثروات بلادهم ويجنبهم الاستدانة من المصارف الأجنبية وبيع أسهم مؤسساتهم السيادية والإستقراض من مواطنيهم عبر صكوك وفرض ضرائب متعددة عن الشعوب، كل ذلك لسدّ العجز في ميزانية بلادهم وتأمين مرتبات الموظفين لديهم، لكن الجالسين على العروش دفعوا كل ما طلبه دونالد ترامب وكوشنر من أموال واتخذوا ما أوحوا إليهم من مواقف، املاً في تأمين الحماية من قبلهم وضمان البقاء في السلطة في ظل بنادقهم، لكن الرئيس بايدن اتخذ قراره بالعودة إلى الإتفاق النووي مع الجمهورية الإسلامية في إيران غير آبه باعتراضات الكيان الصهيوني وغير مهتم بالتوسلات العربية، وهو كما يرى الجميع على عجلة من أمره ليتمّ إعلان العودة إلى الإتفاق قبل نهاية فترة رئاسة الرئيس روحاني، فماذا يمكن أن يفعل اليوم أولئك الذين جعلوا لسنوات كثيرة عنوان سياساتهم معاداة إيران وسلطوا أبواقهم لتشويه صورة الجمهورية الإسلامية، وكرسوا منابر مساجدهم لبث الأحقاد بين أبناء الأمة الإسلامية وتأليب أبناء المذاهب على بعضهم ؟

ومن جانب آخر،

فإن هناك حساسية لدى بعض دول المنطقة من بعض الأسماء، وهم يحاولون تحاشي التلفظ بها، حيث رفضوا في السابق تلفظ اسم أحد قادة المجاهدين السابقين في أفغانستان وهو عبد الرسول سياف فاضطر إلى تبديل اسمه إلى عبد رب الرسول ثم الى إلى رسول سياف من أجل كسب رضى أولئك الزعماء، وهم واجهوا مشكلة كبيرة لدى استعمالهم إسم رئيس الوزراء العراقي السابق الدكتور عادل عبد المهدي لأنهم يرفضون القبول بالمهدي أساساً فكيف يمكنهم تلفظ بإسم عبد المهدي في وسائل إعلامهم، واليوم سيضطر كل واحد من الزعماء والحكام إلى مخاطبة الرئيس الإيراني القادم بلقبه ( رئيسي )..

وهذا ما يوهم أنهم رضوا بأن يكون الرئيس الايراني رئيساً عليهم، وقد حدث شبيه لهذه الحالة في عهد الرئيس الراحل الشيخ هاشمي رفسنجاني حيث كان نائبه الدكتور حسن حبيبي، وفي إحدى زياراته إلى سوريا وأثناء تغطية إحدى محطات التلفزة اللبنانية نشاطاته هناك حيث كانت المذيعة تكرر اسمه ( حبيبي) أثناء قراءة الأخبار وفجأة لم تتمالك نفسها وضحكت لكثرة ما كررت كلمة ( حبيبي )..

 واليوم ماذا سيفعل روساء الدول العربية الذين سيستقبلون الرئيس الإيراني القادم حيث سيضطرون إلى خطابه بـ ( رئيسي )، ومع تكرار التلفظ بالكلمة ماذا سيتوهم المستمع لوسائل الإعلام في تلك الدول ؟

أما في الداخل،

 فإن الخط البياني لحركة السيد إبراهيم رئيسي نحو الرئاسة بدأ جلياً بعد وفاة المرحوم آية الله واعظ طبسي أمين العتبة الرضوية في مدينة مشهد المقدسة في العام 1916 وتعيينه خلفاً له من قبل آية الله خامنئي، حيث قام بتأسيس مجموعات في مختلف المدن والقرى والأرياف الإيرانية تحت عنوان " خدام الإمام علي الرضا " وربطهم بالمؤسسة التي يراسها..

وفي هذا الإطار أوجد علاقة عاطفية مع شريحة كبيرة من المواطنين الذين يكنّون محبة عميقة لأئمة أهل بيت الرسول صلى الله عليه وآله، واتخذ أيضاً لنفسه لقب " خادم الرضا "، إضافة إلى أنه يصل أيضاً في نسبه إلى النبي صلى الله عليه وآله، ورغم انتقاله بعد 3 سنوات إلى رئاسة السلطة القضائية فإنه ظل على تواصل مع المسؤولين الذين كان عيّنهم في مختلف الأقسام، والذي بقي كثير منهم في مناصبهم بعد تعيين الشيخ احمد مروي مكانه في سدانة العتبة الرضوية المقدسة.

ومنذ اليوم الأول لتسلمه رئاسة السلطة القضائية بدأ السيد إبراهيم رئيسي بالعمل على إصدار قرارات لملاحقة الذين كانوا من أعمدة السلطة القضائية في ظل أسلافه ومحاكمتهم بتهمة الاختلاس والفساد المالي ما أدى إلى أزمة كبيرة مع سلفه آية الله آملي لاريجاني الذي أصبح رئيساً لمجمع تشخيص مصلحة النظام بعد وفاة المرحوم السيد هاشمي شاهرودي، وهدأت الأمور بينهما بعد تدخل مباشر من قبل القائد..

 وبدأ السيد جولات في مختلف المحافظات والمدن للإطلاع على سير أعمال المحاكم فيها، وكان التلفزيون الإيراني يقوم بتغطية شاملة لتلك الرحلات، إضافة إلى تقديمه لوائح إلى آية الله خامنئي بأسماء آلاف السجناء ليوافق على عفوهم ومن ثم إخلاء سبيلهم، وكذلك التدخل لفتح بعض المصانع والمؤسسات المعطلة بأمر قضائي ولأسباب مختلفة وإصدار تعليمات بوجوب تشغيلها وإعادة العمال إليها.

والسيد رئيسي قبل ذلك كان لمدة عقود رئيساً للمحكمة الخاصة بعلماء الدين، وهو من خلال موقعه هذا كان على تواصل مع كافة العلماء في البلاد بدءاً من مراجع الدين إلى الطالب في الحوزة العلمية منذ اليوم الأول لانتسابه، وهذا يجعل للمديريات التابعة للمحكمة في كافة المحافظات والمدن والمتابعة لنشاطات علماء الدين على مختلف المستويات تأثيراً كبيراً في الأوساط الدينية رَغَباً ورَهَباً، ويجعل للمشرفين على تلك المحاكم والعاملين فيها من خلال تواصلهم الدائم مع العلماء وطلاب الحوزات العلمية مونة عليهم ويمكن الإستفادة منها في الوقت المناسب.

وبفعل ما أوردنا آنفاً،

 تهيأت الظروف ليخوض السيد رئيسي السباق الرئاسي هده المرة ومستفيداً من غياب شخصية مثل الشيخ هاشمي رفسنجاني صاحب النفوذ القوي، وكذلك انتهاء الفترة القانونية للرئيس روحاني، ورفض مجلس صيانة الدستور تزكية منافسين معروفين مثل الدكتور علي لاريجاني المستشار الخاص لآية الله خامنئي وعلي مطهري ابن الشهيد مرتضى مطهري، والمصادقة على مرشحين ضعاف وغير معروفين على الساحة، وكذلك انسحاب المرشحين المحافظين عدا محسن رضائي قبل الشروع في العملية الإنتخابية، كل هذا أدى إلى فوز السيد إبراهيم رئيسي برئاسة الجمهورية من دون منافسة حقيقية.

لكن اللافت،

 أن نسبة المشاركة الشعبية كانت في الدورة الماضية 33، 73% من حوالي 56 مليون ممن يحق لهم الإقتراع...

وكان من حصة الشيخ روحاني 23.636.652 صوتاً أي 14، 57 ٪ من الأصوات، فيما كانت الأصوات المؤيدة للسيد إبراهيم رئيسي 15.835.794 صوتاً أي  38.28 ٪، وبلغت الأصوات الملغاة 1200931  فيما ارتفع عدد من يحق لهم الإقتراع في الإنتخابات الحالية إلى أكثر من 59 مليون شخص، ونال السيد إبراهيم رئيسي 17.926.346صوتاً أي 61.95 ٪، فيما نال محسن رضائي  3.412.712  صوتاً أي  12.79 ٪ و عبد الناصر همتي 2.427.201 صوتاً أي 8.38 ٪، وكانت نسبة المشاركة الشعبية 48.8 ٪، وبلغت الأوراق الملغاة 3.726.870 صوتاً، وهذا يبين أن نسبة المشاركة الشعبية هذه المرة قد تدنت عن المرة السابقة، وأن أصوات السيد إبراهيم رئيسي زادت عن الإنتخابات الماضية، فيما تدنت كثيراً أصوات المنافسين له حيث صبّ قومية " اللر " في غرب إيران أصواتها لمحسن رضائي لأنه منهم، فيما لم ينل إلاّ أصوات قليلة من هنا وهناك، أما عبد الناصر همتي فكان حظه من الأصوات أقل من رضائي لأنه لم يتم تبنيه رسمياً من قبل الإصلاحيين، لكن الأصوات الملغاة الذي اقتربت من 4 ملايين هذه المرة فيما كان العدد في المرة السابقة حوالي  1.200.000وهذا الأمر له مدلول كبير، فلو أخذنا تدني نسبة الإقتراع مع ارتفاع نسبة الأوزاق الملغاة وتوزع 6.840.631 صوتاً على باقي المرشحين، فإن ذلك يعني أن على الرئيس القادم أن يأخذ الواقع الجديد بالإعتبار بصورة جدية فيعمل أولاً على إعادة الثقة للذين تخلفوا عن المشاركة في الإقتراع أصلاً وذلك بسبب فقدانهم الأمل في إصلاح الأمور، وأيضاً بذل الجهود لاستقطاب الذين شاركوا في الإقتراع لكنهم لم يصوّتوا لأحد من المرشحين وهذا يعني أنهم يؤيدون نظام الجمهورية الإسلامية لكنهم لم يجدوا في أحد من المرشحين ضالتهم، وأخيراً التعامل مع الذين ذهبوا إلى التصويت لغير الرئيس القادم لأسباب مختلفة لأن مجموع هؤلاء يشكلون نسبة كبيرة من أبناء الشعب الإيراني.

وهذا الأمر يحتاج إلى براعة وحنكة وتدبير من السيد إبراهيم رئيسي، لأن الشعب الإيراني الذي وضع ثقته للمرة الثانية باثنين من علماء الدين الذين تخرجا من الحوزة العلمية، والذين يتكلمان دائماً عن أخلاق الرسول صلى الله عليه وتواضعه واهتمامه بالفقراء والمساكين، ويتفاخران في خطاباتهما بالإمام علي بن ابي طالب عليه السلام الذي قال كلمته الشهيرة:

" أأقنع من نفسي بأن يُقال أمير المؤمنين ولا أشاركهم في مكاره الدهر، أو أكون أسوة لهم في جُشوبة العيش، فما خُلقت ليَشغلني أكل الطيبات كالبهيمة المربوطة همّها علفها، أو المُرسلة شغلها تقمّمها "،

أما في عصرنا الحاضر فإنهما قد خبرا طريقة حياة الإمام الخميني الراحل قبل الثورة وعاشا معه طوال مدة 10 سنوات من عمر الجمهورية الإسلامية حيث رأيا أنه لم يأخذ هو ولا أسرته من الدنيا نصيباً، بل إنه أعلن بكل صراحة في آخر أيام حياته وفي نص مكتوب أنه لو تبين بعد موته أن إبنه أحمد قد امتلك عقاراً أو حساباً باسمه في إحدى المصارف الإيرانية أو الخارجية فعلى السلطة القضائية أن تحاكمه وتُنزل به أشد العقوبات.. وهما يعاينان كل يوم مدى زهد آية الله خامنئي في الدنيا والذي بشهد به حتى أعداؤه.
ونحن نسأل الله ولي المؤمنين عزّ شأنه أن يأخذ بيد الرئيس المقبل السيد إبراهيم رئيسي لينفّذ ما وعد، ويحقق أمل الشعب الإيراني في الرفاه، ويجعل من الجمهورية الإسلامية في إيران مثلاً يحتذي بها المسلمون في العالم وطلاب الحرية والعدل في أرجاء المعمورة إنه على كل شيء قدير.

السيد صادق الموسوي

الوسوم