بيروت | Clouds 28.7 c

ماجدة داغر في حوار غير تقليدي: تحت قشور الحداثة نخسر الكثير من الابداع/ حوار لامع الحر

ماجدة داغر في حوار غير تقليدي: تحت قشور الحداثة نخسر الكثير من الابداع/ حوار لامع الحر

  • *لا أرى جدوى بغير الشعر
  • *الشعر ملاذي الوحيد وخبرة الحياة الأجمل
  • *الحب وهم من أوهام الحياة
  • *من لا يُجاري الذكاء الاصطناعي يسقط من المعادلة الحديثة
  • *الشأن السياسي لا يستحق الشعر
  • *الشعر معجزتنا التي نفخر بها
  • *الحضور الثقافي تطغى عليه مشهدية العلاقات العامة والمجاملات
  • *نحن أسرى الأوهام الكبرى

 

شاعرة تكتب لتخرق جدار المعرفة. وتمضي الى رؤيا تجعل منها طائراً يحلق في فضاءات الوجود الشاسعة.

شاعرة تستعيد ما كان. لا لتستعيده فحسب: بل لتعطيه من نسغها ألق الحياة المتجدد، وزورق الابداع الماضي الى ملكوته الجميل.

شاعرة قلباً وقالباً، مبنى ومعنى. كأنها خلقت لتكون الصورة الأحلى لإن عبقر. او ليكون لإبن عبقر أحد تجلياتها التي لا تعرف السكون، ولا تنحني إلا لبرق الابداع، الآتي على جناح يمامة تبتكر نبضها، وفيضها العظيم.

لا تكتب لكي تكتب. بل لكي تترك دمغة استثنائية تتجاوز موج البحر الساكن، وصولاً الى أغواره السحيقة.

تكتب الشعر لا لكي تكتب الشعر، بل كي تقدم رؤيتها الى هذا العالم الذي يختمر على إيقاع عينيها البراقتين، اللتين تبعثان الضوء وسط الظلام الحالك ووسط الوجود المتهاوي ازاء المتغيرات المتهالكة التي تترك العنان للشياطين الموحية.

من مؤلفاتها: قصور ومتاحف من لبنان، آية الحواس، بيت الذاكرة والقامات العالية، وجوازاً تقديره هو.

ماجدة داغر الشاعرة والاعلامية المعروفة حاورناها حول أمور غير تقليدية، فكان الحديث التالي:

#أين ماجدة داغر اليوم؟

-      عملياً ما زلت أتنقل بين عملي الإعلامي في ((إذاعة الشرق)) عبر تقديم البرنامج الصباحي اليومي ((الشرق اليوم)) وبين عملي الأكاديمي في الجامعة الأميركية للعلوم والتكنولوجيا كمديرة للدائرة الإعلامية والعلاقات العامة، بالإضافة إلى الأنشطة الثقافية والمؤتمرات والمهرجانات الشعرية التي أشارك فيها وكان آخرها افتتاح مهرجان الشعر العربي في مهرجانات جرش الدولية للثقافة والفنون 2018. أما ((افتراضياً)) إذا جاز التعبير، فما أزال أبحث عن القصيدة عبر كتابة ما يتسنّى لي من الشعر.

#الشعر هاجسك الإبداعي الذي يشغلك باستمرار، وبعد هذه التجربة هل من جدوى؟

-      لا أرى جدوى بغير الشعر، فكل ما عداه وهم وسراب. وأقول هذا الكلام بعد تجربة إبداعية طويلة لم تثمر سوى عن بعض الكتب والدواوين، إذ لم يكن النشر هاجسي الأول بل لطالما بحثت عن ذاتي المتمثلة في القصيدة. وكل ما مرّ الوقت أزداد قناعة أن الشعر هو الملاذ الوحيد وزادي الروحي والرفيق الأقرب وخبرة الحياة الأجمل والأمتع.

#كيف تنظرين إلى الحب اليوم؟

-      بحذر وتأنٍّ وابتسامةِ مَن عرف ما وراء الأكمة. الحب هو من أوهام الحياة التي تحدثنا عنها، لذلك استبدلته اليوم بأمور أخرى تستطيع أن تحلّ مكانه.

#هل خضتِ تجربة أوصلتك إلى حكمة ما؟ أوضحي ذلك.

-      التجارب إن لم تقدنا إلى الحكمة فهي بالتأكيد لا يعوّل عليها. الكثير من التجارب قادتني إلى قمّة تنجلي منها الرؤية والمشهد. فباتت الحياة أكثر نضوجاً وجمالاً وبساطة، يختصرها الشاعر المصري ابراهيم ناجي: ((وإذا ما التأمَ جرحٌ/ جَدَّ بالتذكار جرحُ/ فتعلّم كيف تنسى/ وتعلّم كيف تمحو)).

#هل تنصرفين إلى القضايا اليومية انصرافاً كلياً؟

-      تغيرت وتيرة الحياة، وأصبح الوقت أشدّ ثقلاً. لذا أصبح الانغماس بقضايا الحياة اليومية حاجةً لا مفرّ منها. لا أستطيع القول أنني تغلّبت على هذه القضايا بجعلها ثانوية، إنما استطعت إرساء معادلة ترضيني وترضي متطلبات الحياة، فعملت بنصيحة امرىء القيس: ((اليوم خمر وغداً أمر)). 

#ما علاقتك بالخالق وكيف تترجمين هذه العلاقة؟

-      أعتقد أن طبيعة العلاقة مع الخالق متساوية عند جميع الناس، إنما تختلف بحجم القلق الوجودي الذي نحمله، فتتضخم إشكالية العلاقة أو تخفت. الأسئلة التي لا إجابات عنها بدأت منذ فجر التكوين، ولكن العلاقة بين الإنسان والإله بقيت على ما هي عليه من ناحية الإيمان والرهبة، بالرغم من التطور الهائل للفكر الإنساني. تشبه صفحة البحيرة الراكدة تتسع فيها الدوائر بحسب حجم الحجر. وأنا أحب الهدوء والسكينة لذلك لا أرمي الكثير من الحجارة، وأحافظ بالتالي على حميمية العلاقة بالخالق، فهي ذاتية إلى أقصى الحدود، هو وحده الذي ألجأ إليه عند البكاء.

#هل ما يزال المبدع أمّياً في المسائل التكنولوجية؟

-      الثورة الرقمية التي اجتاحت العالم، كانت في بداياتها عصيّةً على من يتعامل معها كما هو حال كل جديد، فكيف إذا كانت على هذا المستوى من التطوّر. لكنها أصبحت مع الوقت حاجة وضرورة لكل إنسان وإلا يفقد التواصل مع العالم ويصبح خارج الزمن. لذا، صارت التكنولوجيا خبزنا اليومي يتقنها حتى من لم يتعلمها في المعاهد والجامعات، وما أسهم أكثر في ذلك هو مواقع التواصل الاجتماعي التي استعاض بها بعض المبدعين والمثقفين عن الطريقة التقليدية في الإبداع، وأعني هنا الكتابة الورقية. نحن اليوم في زمن الذكاء الاصطناعي فمن لا يستطيع مجاراته يسقط من المعادلة الحديثة. لكنك تستطيع أن تسميها الأميّة الحديثة إذ تحت قشور التطور والحداثة والعولمة نخسر الكثير من الإبداع والثقافة، وفي الوقت نفسه نربح معرفة هائلة تقدمها لنا التكنولوجيا بكبسة زر.

#الموسيقي الإيطالي روسيني انصرف إلى الطعام باعتباره اللذة الأشهى، أين أنت من هذا الأمر؟

-      لا شك أن الطعام يأتي على رأس هرم المتع، لا بل ربما هو الأمتع. أوافق روسيني على خياره ولكن أُبقي الطبق الشعري في المقدمة.

#ما مدى اهتمامك بالشعر السياسي؟ وهل كان له تأثير وانعكاس على نتاجك؟

-لم تجذبني السياسة يوماً للكتابة الشعرية عنها، لكنني كتبت في السياسة من خلال عملي الصحافي، أي من خلال المقالات. لا أجد أن السياسة تليق بالشعر، رغم وجود سياسيين شعراء لكنهم لم يتميزوا يوماً، إلا إذا أردنا أن نسمي شعراء كبار في عصور مضت لامس نتاجهم القضايا الاجتماعية والسياسية كـ"فيكتور هيغو" مثلاً من دون أي مقارنة بالطبع. مرّ الشعر بمرحلة سمّي فيها بالشعر السياسي، لكنه حمل مضامين عميقة لقضايا كبيرة، أما بعد سقوط هذه القضايا والإيديولوجيات فسقط معها هذا المسمّى وبقيت قصيدة تلك المرحلة كتوثيق لحقبة معينة. ما أكتبه اليوم يمسّ قضايا الإنسان والعربي تحديداً، أكتب عن وجع الإنسان المعاصر ومعاناته في هذه البقعة من العالم، أكتب عن الحروب والدمار والتشريد والقتل والسبي والتهجير وتدمير الحضارات، أما السياسة فلا تستحق الشعر.

#لو عدت إلى البدايات هل تكررين تجربتك أم تنصرفين إلى أمر آخر؟

-     ربما هذا الأمر الوحيد الذي أستطيع الجزم به، لو عدت إلى البدايات لا أكرر التجربة وحسب، بل أعيد صياغتها بشكل احترافي أكثر، بمعنى الانصراف نهائياً إلى الشعر. لأنني أشعر أنني ظلمت القصيدة حين تجاهلتها على حساب الأمور الأخرى التافهة. القصيدة لا تنتظر، علينا التقاط اللحظة وإلا نخسرها، هي تماماً كالشهب الآتي من السماء بأقصى سرعة، إن لم ننتبه إليه نهدر نوراً يضيء حياتنا. لو قُدّر لي لعدت مئات السنين إلى الوراء واستقريت في قلب الشيخ الأكبر((ابن عربي))، أو في عبق سلطان العاشقين ((ابن الفارض)).

 #من أين تبدئين قراءة الجريدة، من أي قسم بالضبط ولماذا؟

-      بطبيعة الحال أبدأ من الصفحة الثقافية أو القسم الثقافي الذي لم يعد موجوداً للأسف في معظم الصحف اللبنانية، وهذه حال الثقافة في شكل عام. ثم أعود إلى السياسة والعناوين الرئيسة، ولكن تبقى متعة قراءة المقالات الأدبية والمواضيع الثقافية هي الأولى، بالإضافة إلى حاجتي اليومية لمتابعة آخر المستجدات الثقافية نظراً لعملي في هذا المضمار في الإذاعة.

#هل تظنين أن للشعر مستقبلاً في ظل ثقافة الواوا؟

-      كل هذه الظواهر الغريبة عن ثقافتنا آيلة إلى الانتهاء والسقوط. يمر الشعر اليوم بأزمة ولكنها موقتة، كما كل الحراك الثقافي بما فيه الأدب والشعر. لذلك يبرز في المقابل الانحدار الشديد على المستوى الثقافي والإبداعي والأسباب عديدة لا مجال لذكرها. ولكن الأهم ألا تتغلب سياسة التجهيل والتسطيح والبلادة الفكرية والضحالة والخفة والابتذال، على تراث عريق لشعب مثقف رائد في المنطقة على هذا الصعيد. لا شك أننا نقترب من القعر اليوم، لكن بارقة الأمل تبقى الأقوى في استعادة حضورنا الفكري والثقافي الذي صدّرناه للعالم. وبالتالي الشعر هو ديواننا ومعجزتنا التي نفخر بها، وتحفتنا الفنية التي يزيدها الزمن جمالاً وإشراقاً ونضارة. الشعر لا يموت.

#النشاط الثقافي، ندوات ومحاضرات، غالباً ما يتمّ إحياؤه بحضور الأهل والأصدقاء، أما الوجود الثقافي فنادر، ما رأيك؟

-      هذا هو الوضع اليوم، تماماً كما أجبت عن السؤال السابق. تطغى على الحضور الثقافي مشهدية العلاقات العامة والمجاملات، والحراك الثقافي بمعناه الحقيقي يتراجع. على أمل أن نستعيد هذا المشهد.

#إلى متى ستظلين تكتبين؟

-      إلى أن تنجز القصيدة وتكتمل بكل المقاييس، وهذا ما يستحيل حدوثه. وماذا يبقى لنا إن توقفنا عن الكتابة؟ أو ربما الأصح ماذا يبقى لنا إن مضينا في الكتابة؟ في كلتا الحالتين نحن أسرى الأوهام الكبرى لكن سعادتنا تكمن في التفاصيل الصغيرة، والشعر أجمل التفاصيل. ((لا أريد لهذي القصيدة أن تنتهي)) قال يوماً محمود درويش.

 

 

الوسوم