بيروت | Clouds 28.7 c

خاص - "الشراع" /  آخر حروب عون: جبران اولاً!

مجلة الشراع 12 نيسان 2021

 

لم يتغير ميشال عون.

وكل من عرفه في عقود سابقة وعاش وقائع مما شهده لبنان في نهاية الثمانينيات من القرن الماضي عندما كان يتولى قيادة الجيش ثم رئاسة الحكومة الانتقالية، علّق على ما يقوم به رئيس الجمهورية حالياً بكلمات مختصرة هي:

هذا هو ميشال عون الذي نعرفه!

وبصرف النظر عن صوابية ما يتخذه عون حالياً من خطوات وما ينتهجه من سياسات اساءت اليه والى صورته بما يمثل اولاً، مادفع الكثير من المراقبين في الداخل والخارج الى اعتبار عهده الاسوأ في تاريخ لبنان...

بصرف النظر عن كل ذلك،

فان ما طبع سيرة هذا الرجل وما يزال هو انه أسير نظرته الى شتى الامور... وهي نظرة تنطلق من فكرة  انه وحده المحق وان الآخرين على اختلاف مواقفهم ومواقعهم وادوارهم ليسوا كذلك كأنه الملاك الوحيد بين أبالسة  في مواجهته!

هذا الامر ينطبق على وجه الخصوص في تعاطيه مع الحريرية السياسية اذا صح توصيفها بهذا الوصف. فهذه الحريرية تعاطى معها باعتبارها عدوّه اللدود لا يوفر اتهاماً الّا ويوجهه لها  و يصدر بحقها كتاب "الابراء المستحيل"..

وعندما عقد تسوية سياسية معها وانتخب بموجبها رئيساً للبلاد لم يتردد العونيون في  تبجيلها والذهاب في ذلك الى حد القول  بان ثنائية من نوع ثنائية بشارة الخوري ورياض الصلح قد ولدت بين عون وسعد الحريري.

وعندما تسقط التسوية تصبح الحريرية مسؤولة عن كل ما اصاب البلد من شرور وأزمات ومحن، من خلال الحديث عما تسببت به مع حلفائها للبلاد على مدى ثلاثين سنة.

الامر نفسه ينطبق ولو بمعايير مختلفة على علاقته مع الرئيس نبيه بري والنائب السابق وليد جنبلاط وكذلك النائب السابق سليمان فرنجية وغيرهم من زعامات. وبامكان المراقب  ان يجمع سلّتين من المواقف للتيار ازاء كل زعامة منها، وكل سلة  متباينة مع الاخرى في المواقف والتقييم .

وما ينطبق على هؤلاء يسري على علاقة التيار الوطني الحر بقوى اخرى منها القوات اللبنانية وحزب الكتائب، خصوصا مع سقوط شعار "اوعى خيك " الذي سقط مع سقوط تفاهم معراب  مع سمير جعجع، على غرار ما حصل مع سقوط التسوية الرئاسية مع سعد الحريري ليظهر تماماً ان كل خطوة كان يخطوها ميشال عون في هذا المجال لم تكن من نوع طيّ صفحة النزاعات السابقة بل محاولة للتعاطي مع القوى المشار اليها كأدوات لا اكثر ولا اقل من اجل استخدامها  لتحقيق مآرب  محددة، لينتهي دورها عندما يتم تحقيق الهدف الذي استخدمت لاجله.

..  وحتى في العلاقة مع حزب الله لم يتردد جبران باسيل في تحميله مسؤولية ما لم يطبق من تفاهم مار مخايل لاسيما على صعيد بناء الدولة والاصلاح الخ. علماً ان بعض خصوم الحزب ممن يتهمونه بالوقوف وراء تصعيد عون كجزء من "البروباغاندا" ضده لا يترددون في الكلام عن ان العونية "المتحولة " مع الباسيلية لن تتردد في نسف تفاهم مار مخايل مع الحزب في اي لحظة عندما ترى ان الغاية منه قد انجزت.

والخلاصة في كل ما ورد هو ان عون لم يتغير سواء في نظرته الفوقية الى الجميع، او في  قناعاته الأقرب الى الاوهام بالنسبة لمقاربة الواقع في تشخيصه له او في ما يطرحه للخروج منه.

ومع تتالي الزيارات من قبل موفدي الدول الشقيقة والصديقة،

 بدا واضحاً ان مشكلة العهد الحالي ليس لها فقط بعدها الداخلي بل لها ايضاً بعدها الخارجي. اي ان عون لا يغرد مصعداً وفق الاتهامات الموجهة اليه في وجه كل اطراف الداخل تقريباً، بل يعيش بعيداً حتى عن النظرة الاعم للبنان في عيون عالم الخارج.

 ومن خلال ما توافر من معلومات حول ما دار في لقاءات هؤلاء الموفدين العرب والاجانب مع رأس العهد، فان معظم هؤلاء عادوا الى بلادهم  بانطباعات  لا تختلف عن انطباعات وقناعات الاطراف الداخلية ازاء عون وتعاطيه وتوجهاته وسياساته وحتى المنطق الذي يحرك مواقفه، كأنه يعيش في عالم اخر او يترأس بلداً غير لبنان او شعباً غير اللبنانيين الذين  تجتاحهم الازمات من كل حدب وصوب  وتتهدد معيشتهم وابواب رزقهم وامانهم الاجتماعي الاخطار من كل نوع.

وحسب مصدر واسع الاطلاع فان الاوساط الدبلوماسية غير اللبنانية تضج حالياً باخبار العهد ورجاله والمقربين منه، وطرق تعاطيهم مع ازمات الداخل ومشكلاته مع الخارج.

وتجاوز الامر انطباعات السفراء العاملين في لبنان ومضمون التقارير التي يرسلونها الى عواصم بلادهم بعد ان اكد اكثر من موفد اجنبي زار لبنان ان ما كان يرد عن الوضع في لبنان واداء العهد لم يكن مبالغاً به وهو ليس سوى غيض من فيض ما لمسوه خلال الاجتماعات التي عقدوها.

واسوأ ما في الانطباعات تلك هو ان كل ما يطرح على طاولة البحث في اللقاءات التي اجروها لا علاقة لها بالادارة او السياسة باعتبارها فن الممكن، وان ثمة مشكلة تتمثل في ان المواقف التي سمعوها لا تتجاوز اطار الشعار والكليشيهات الجاهزة غب الطلب من دون اي محاكاة واقعية لاوجاع الناس التي حرص بعض الموفدين فضلاً عن السفراء الاجانب على القيام بجولات ميدانية للوقوف على حقيقة ما يجري على الارض والاطلاع على  المدى الخطير الذي بلغته الازمة.

وقبل فترة وجيزة كان الانطباع السائد حيال الوضع في لبنان يعبر عنه المسؤولون الفرنسيون الذين علت دعواتهم ومناشداتهم للمسؤولين اللبنانيين من اجل العمل على تجاوز الوضع القائم ، وزادت هذه الدعوات بالشكل والمضمون مؤخراً مع التصريح المدوي لوزير الخارجية الفرنسية جان ايف لودريان الذي هدد فيه باتخاذ عقوبات قاسية ضد معرقلي تأليف الحكومة، مركزاً سهام انتقاداته على النائب جبران باسيل من دون ان يسميه.

وثمة خشية في لبنان على هذا الصعيد،

 من ردة فعل العهد في حال صدرت عقوبات فرنسية او اوروبية او دولية  بحق باسيل وشخصيات اخرى ستتهم بعرقلة تاخير تشكيل الحكومة... لان ما بعد العقوبات هذه سيكون مختلفاً عما كان قبلها  لان اداء العهد  سيصبح اكثر تشدداً وتمسكاً بشروطه اللاواقعية وعناده غير الطبيعي، لانه سيعتبر نفسه مستهدفاً كما هو الحال الان بعد ان تم فرص عقوبات اميركية على باسيل نفسه، وسيعمل تحت عنوان الدفاع عن نفسه وعن فريقه ولاسيما صهره  الى ادخال البلاد في معارك لا طائل منها ولا هدف لها الا محاولة الدفاع عما تبقى له من حضور وسلطة وحيثية شعبية خصوصاً وانه سبق لعون ان فعل الامر نفسه في العام 1988 عندما ظن انه قادر على فرض ما يريده في مواجهة  العالم كله و رفض  اتفاق الطائف اللبناني – العربي – الدولي الذي امكن التوصل اليه  لوقف الحرب في لبنان، وقد اصرّ عون يومها على موقفه متمترساً في قصر بعبدا وببعض الجموع الشعبية من مناصريه  قبل ان يفر هارباً كما هو معروف الى السفارة الفرنسية حيث انتقل من هناك الى باريس بعد  التزامه  بما طلب منه مقابل مغادرته البلاد .

ومعنى ذلك كما ورد انفاً ان  الوصول الى حكومة لا تخضع لاملاءات عون بعد العقوبات سيكون  اصعب بكثير لا بل اقرب الى الاستحالة عما كان قبلها، حيث سيكون رئيس الجمهورية متسلحا بكونه المسؤول المنتخب وانه على حق وان كل الداخل والخارج في وجهه على باطل.

ألمّ يعش  اللبنانيون  فصلاً شبيهاً بالفصل الذي  يعيشونه او الفصل الجديد الذي يعدهم عون به عندما كان رئيساً لحكومة انتقالية قبل اكثر من ثلاثة عقود؟

والاهم من كل ذلك،

هو ان الهدف من وراء كل ما يقوم به عون حاليا القيام بكل ما يمكنه القيام به خلال ما تبقى من ولايته من اجل ضمان المستقبل السياسي لخليفته في التيار الوطني الحر جبران باسيل، ومن اجل تأمين وصوله الى سدة الرئاسة الاولى بعد انتهاء هذه الولاية.

وفي سبيل تحقيق هذا الهدف فان عون على استعداد لفعل اي شيء حتى ولو كان من نوع ما يعيشه اللبنانيون اليوم ويخشون تفاقمه.  

ومن البديهي القول انه يحق لعون ان يكون له موقفه الخاص والمستقل، كما يحق له التمسك به وباي رؤية يجد انها صالحة لانقاذ البلاد واهلها.

الا انه لا يحق له ابداً في بلد غني بالتنوع والتعدد والمشاركة فرض ما يريده او التعاطي على طريقة "عنزة ولو طارت " كما يقول زعيم سياسي كبير خصوصا وانه في موقعه يجب ان يكون رئيس البلاد كلها وان يتعاطى من منطلق مسؤوليته التي ينبغي ان تكون الحاضن والراعي للجميع، وليس التعاطي بمنطق جهوي وفئوي لا علاقة له بطائفة او دين او قضية بل بمصلحة تيار وعائلة وصهر.

وعون - حسب الزعيم نفسه - يخوض اليوم معركة ضد الداخل والخارج، وقد سبق للبنانيين ان عانوا الامرين من معاركه التي كانت دوماً تحصل على قاعدة "انا او لا احد"، وهو المسكون بهواجس تبدأ باتهام الجميع بانهم يدبرون انقلاباً ضده ولا تنتهي باظهار نفسه حصن الدفاع عن المسيحيين المستهدفين في لبنان والمنطقة او الثائر في وجه الاقطاع والفساد والظلم .

ومع دخول البلاد مرحلة السنة ونصف الاخيرة من ولاية عون،

 فانه يخوض اليوم كما يضيف الزعيم نفسه اخر حروبه كما يبدو، ولن نفاجأ من الان وصاعداً بانه سيعمل بين يوم واخر على اتخاذ المزيد من الخطوات التصعيدية سواء كانت من نوع مذكرة الجلب التي ارسلها الى الرئيس المكلف  عبر دراج لملء استمارة تشكيل الحكومة..

وهو امر لايمكن ان يحصل الا في انظمة الحزب الواحد او الانظمة التوتاليتارية, او كانت من نوع ما يمكن تسميته البلاغ رقم واحد الذي ورد في كلمته التلفزيونية الاخيرة تحت عنوان التدقيق الجنائي الذي اقر في مجلس النواب بموافقة كل الاطراف ويحتاج اولا الى الجدية في العمل على تنفيذه بعيدا عن السياسة والشعبوية من خلال تشكيل حكومة ذات صدقية تتولى متابعة هذا التدقيق كما قال البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي والعمل لانقاذ البلاد واخراجها من حالة الانهيار الذي بدأ يتغلغل في كل لبنان من اقصى شماله الى اقصى جنوبه، وهو ما تجاهله ميشال عون الذي  حرص على ان يذكر الناس باسمه مراراً في الكلمة المشار اليها "لغاية في نفس يعقوب ".

وحسب الزعيم نفسه، فان البلاد دخلت حالياً مرحلة اخر حروب عون، ولذلك بتنا كل يوم نقول كما يضيف:

"الله يستر"

 لان القوة الآفلة غالباً ما تحاول انقاذ نفسها من خلال مغامرة:

"عليّ وعلى اعدائي"

 و

"هدم الهيكل فوق رؤوس الجميع".

وللاسف،

فان هذا هو اليوم لسان حال معظم الشخصيات والقوى التي عرفت عون... ومن لا يصدق ذلك ليس مطلوبا منه ان يسأل السياسيين الذين يشكلون اليوم الطبقة السياسية في لبنان، بل ان يسأل شخصيات بارزة  ومشهود لها بالكفاءة والنزاهة وعلى رأس هؤلاء الرئيس سليم الحص .

فهل يؤكد عون من جديد ما هو معروف وشائع عنه؟

ام يبادر الى تصحيح هذه الصورة من خلال اطلاق مبادرة جامعة للمّ الشمل واحتواء الخلافات والانقسامات لتشكيل حكومة انقاذ، بدلاً من تعميقها للعمل على تثميرها على قياس مشروع رئاسي او للسيطرة والهيمنة، في بلد التوازنات والمشاركة والتعددية للم شمل الجميع، وهو رئيس الجمهورية المؤتمن على صيانة الدستور الذي وصفه صهره بانه" نتن" وتطبيقه على علاته بعد الكف عن محاولات خلق اعراف جديدة، رحمة بالبلاد وشعبها الذي يعاني الامرين اليوم ليس فقط من سياسات الثلاثين سنة الماضية بل وايضا وعلى وجه الخصوص من سياسات السنوات الاربع الماضية والتي ادت الى افقار الغالبية العظمى منهم  وادت الى ويلات ومصائب اين منها ويلات ما  يحكى عن ويلات الحرب العالمية الاولى في العام  1914 التي سبق للنائب المستقيل ميشال معوض ان حذر من الوقوع في براثن مجاعة اسوأ من المجاعة التي شهدتها؟

 

الوسوم