بيروت | Clouds 28.7 c

إيران ـ الصين والولايات المتحدة الأمريكية / بقلم السيد صادق الموسوي

مجلة الشراع 2 نيسان 2021

 

كانت الولايات المتحدة الأمريكية ترى أنها المتحكمة بالسياسة العالمية لكونها القابضة على عنق الإقتصاد العالمي باعتباره مرتكز على الدولار الأمريكي ولأن السوق الأمريكية هي أكبر الأسواق استهلاكاً للبضائع والصناعات على اختلافها...

لكن،

التطورات في العقود الثلاثة الأخيرة جعلت الصين تتحول شيئاً فشيئاً إلى قطب إقتصادي عالمي منافس ثم منافس للولايات المتحدة في السياسة الدولية أيضاً..

وبفعل التقارب الصيني ـ الروسي والتنسيق شبه الدائم بينهما في المواقف الدولية وخصوصاً في مجلس الأمن الدولي صارت الولايات المتحدة بل وباقي الأعضاء الدائمين في المنظمة الدولية محكومين بالتنسيق مع الثنائي الروسي ـ الصيني!

وإلاّ فسوف، يمنع الفيتو لهذين العضوين الدائمين صدور أي قرار من مجلس الأمن..

ولا يمرّ أي قرار أممي من دون رضاهما وتأييدهما!

ولقد راهنت الولايات المتحدة والدول الغربية سابقاً على تلاشي القوة السوفياتية وانفصال الجمهوريات المنضوية تحت لوائها، والإنقلاب المفاجئ من النظام الشيوعي الإشتراكي إلى النظام الرأسمالي، وحالة التخبط التي أعقبت تفكك الدولة ذات العقيدة الشيوعية وتوجه الشعب إلى الكنائس والمساجد التي طالما مُنعوا من التوجه إليها، وعودة الحياة للنشاط الديني، وترميم دور العبادة التي تحولت إلى مستودعات بل إلى اسطبلات للخيول خلال الحقبة الشيوعية، والشروع ببناء آلاف الكنائس والمساجد الجديدة.

والصين أيضاً على الرغم من أنها لا تزال تعتمد في الظاهر النظام الإشتراكي في داخل البلاد لكن العقلية الرأسمالية هي التي تُسيّر الدولة الصينية على صعيد الخارج، ونتيجة لتدني الأجور ومن خلال التسهيلات الكبيرة التي قدمتها الدولة الصينية... انهالت الشركات الأمريكية وغيرها للإستثمار هناك..

وسرعان أن أصبحت الصين مركز الصناعة الأساسي للسوق العالمية " من البابوج حتى الطربوش " كما يقول المثل، حيث تجد أكثر دول العالم تعتمد في حياتها اليومية على مختلف البضائع التي تستوردها من الصين وبأسعار لا يمكن منافستها من قبل أية شركة وأية دولة في العالم.. وتحتل البضائع المصنوعة في الصين سواء من إنتاجها هي أو تلك التابعة للولايات المتحدة والمصنّعة في الصين حوالي 90٪ من السوق الأمريكية، ولا يمكن لأية شركة في العالم أن توقف الحضور الصيني المتنامي بقوة في الساحة الدولية...

وبعد أن تمكنت الصين من السيطرة شبه الكاملة على السوق العالمية.. شرّعت في فكّ ارتباطها بالعملة الأمريكية وكانت الإتفاقية مع روسيا التي تقضي بالتبادل التجاري بالعملتين الوطنيتين لكل من الصين وروسيا، بعد أن كانت الصين تفرض على الشركات التي تريد التعامل معها فتح اعتمادات بالعملة الصينية " يوان "، ومعلوم مدى التأثير السلبي لهاتين الخطوتين على موقع ومكانة الدولار الأمريكي في السوق العالمية..!

لقد بدأ الدور السياسي للصين يظهر رويداً رويداً على الساحة الدولية بعد دخولها إلى دول كثيرة في إفريقيا وآسيا وغيرهما عن طريق تقديم قروض وهبات ثم تطور الأمر إلى عقد اتفاقيات في مجالات متعددة...

وراح هذا الدور يزاحم ويناكف سياسة الولايات المتحدة الأمريكية ما أثار حفيظة الإدارات المتعاقبة من جمهورين وديمقراطيين..

لكن،

 الصين كانت في المقابل لا تبرز كثيراً موقفها في الشؤون العالمية وكان صوتها خافتاً جداً حتى جاء التقارب مع روسيا!

ومن هنا،

بدأت الصين ترفع وتيرة تحركاتها الدولية وترفع إصبعها في مجلس الأمن الدولي رفضاً لمشروع قرار مقدم من القوى الكبرى الأخرى في العالم أو موافقة على أخر يتم التصويت عليه في المجلس المذكور، وبفعل القوّة الإقتصادية للصين وارتفاع وتيرة صوتها في قضايا الشرق الأوسط على الخصوص صار كثير من الدول الحليفة للولايات المتحدة أيضاً تحاول كسب رضا الصين كما روسيا من خلال عقد اتفاقيات بمئات المليارات في مختلف المجالات، وعدم إغضابهما بأي حال!

إن تجربة عهد دونالد ترامب في الدخول في عراك مع الصين اقتصادياً ومع الجمهورية الإسلامية اقتصادياً وسياسياً ووقوف الصين وروسيا في صف الجمهورية الإسلامية في إيران في المحافل الدولية فسح المجال لتطوير التعاون القائم أصلاً منذ أمد بعيد، ولا يخفى على أحد مدى التعاون الإيراني ـ الروسي والتنسيق في المجال السياسي والعسكري في الساحة السورية، وبقي توثيق العلاقة مع جمهورية الصين بحاجة إلى صيغة معينة كما الإتفاقيات الثنائية بين كافة الدول...

لكن،

 توقيت هذا الإعلان و " بروفة " التوقيع في العاصمة الإيرانية وعلى يد الدكتور محمد جواد ظريف نفسه الذي وقع على الإتفاقية النووية مع الدول الخمس زائد واحد 5+1، كان يُراد منه إيصال رسالة مزدوجة إلى الإدارة الأمريكية الجديدة بأن التردد والتلكؤ من قبلها لا يقيّد يد إيران، ولا يُؤدي إلى إجبار إيران على الإنتظار... حتى " يتفضل " حضرة بايدن لتنفيذ إحدى شعاراته والتزاماته الإساسية في حملاته الإنتخابية، أو يمنّ عليها وزير خارجيته بليكن بتصريح صحفي فيه موقف إيجابي من الإتفاق النووي..

والصين بتوقيعها على هذا الإتفاق قالت لأمريكا أنها لا تعتني بعد اليوم بالقرارات الأمريكية في فرض عقوبات إقتصادية على الجمهورية الإسلامية وفي مجال استيراد البترول الإيراني وحجز الأموال الإيرانية لدى الجانب الصيني..

وقد أعلنت الصين أنها بدأت منذ شهر آذار الماضي إستيراد حوالي مليون برميل من النفط الإيراني، وهي لم تُعِر أي اهتمام بإعلان الإدارة الأمريكية أنها لم تغير بعد موقفها من فرض العقوبات على الدول والشركات التي تتعامل مع الجمهورية الإسلامية في إيران، وذلك لان تجربة الرئيس السابق ترامب على الرغم من كل رعونته قد فشلت في المواجهة مع الصين بصورة كاملة...

 فلا الشركات الأمريكية استجابت لامره بوجوب إغلاق مصانعها في الصين ونقل تصنيعاتها إلى الولايات المتحدة..

ولا العالم رضخ لتهديداته بضرورة التخلي عن نظام 5G للإتصالات الخلوية التابعة لشركة هواوي الصينية..

ولا الحكومة الكندية رضخت لإرادة الولايات المتحدة وسلمتها منغ وانزو إبنة مؤسس شركة هواوي الصينية لتكنولوجيا الاتصالات والمديرة المالية لها والتي تم اعتقالها في مطار فانكوفر الكندية..

وعلى صعيد الإستثمارات الصينية في أمريكا،

فيكفي أن تقرر بكين وقف استثماراتها وسحب ودائعها من هناك حتى ينهار الإقتصاد الأمريكي أو أن يصاب بنكسة قوية على أقل تقدير!!

وإدارة بايدن لا يمكنها حالياً متابعة أسلوب ترامب الأرعن نفسه، خصوصاً  أن الإقتصاد الأمريكي الآن هو في أزمة كبيرة جراء انتشار فيروس كورونا وتفشي البطالة ونتيجة تردي الوضع الأمني في البلاد ووقوع عمليات قتل واغتيال عنصرية عديدة تتداول أخبارها وسائل الإعلام الأمريكية والدولية.

إن عقد الإتفاقيات أمر عادي بين كافة دول العالم، ولا يمكن أن تكون مثلاً إتفاقية الشراكة التي عقدتها المملكة العربية السعودية مع الصين بقيمة 28 مليار دولار عملاً جيداً أما إتفاق الجمهورية الإسلامية في إيران مع الصين فإنه يكون أمراً سيئاً، والحكومة السعودية قد حافظت على سيادتها بالكامل في الإتفاقية وايران فرّطت بها، في حين أن العالم يشهد أن الجمهورية الإسلامية هي الأكثر إستقلالية في سياساتها بين دول العالم، فيما أكثر الدول في المنطقة تقع بالكامل تحت سيطرة الجيوش الأجنبية وتقيم قواعد عسكرية أمريكية وبريطانية وفرنسية على أراضيها، بل إن بعض الأنظمة التي تتغنى بالحرية والديمقراطية في المنطقة لا تجرؤ على وضع ضوابط لتصرفات سفراء تلك الدول وتفرض عليهم التزام الأصول الديبلوماسية المتعارف عليها عالمياً وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للبلد، والشاهد على ذلك ما حدث في لبنان مع العميل الصهيوني عامر فاخوري الذي كان أدين بالإعدام لارتكابه بالخيانة العظمى وهي التعامل مع العدو الصهيوني وقيامه بتعذيب مئات من المقاومين، لكن تمّت تبرئته بفبركة قضائية وقاموا بنقله على عجل إلى السفارة الأمريكية في"  عوكر " ونقلته طائرة عسكرية أمريكية سريعاً من هناك، وتمّ إرساله فوراً إلى واشنطن ليستقبله الرئيس الأمريكي ترامب في البيت الأبيض ويباهي به.

خلاصة الأمر، أن الإتفاقية الإيرانية ـ الصينية بنفسها عمل طبيعي بين دولتين..

 لكن،

التوقيت كان المقصود منه إفهام الإدارة الأمريكية الجديدة بأن هناك خيارات متاحة أمام إيران، وأن أمريكا لم تعُد سيدة العالم، بل يمكن الصمود أمام استكبارها، بل وهزيمة سياساتها، ويسهل إفشال مؤامراتها، والتحايل على عقوباتها، وقد رأينا أخيراً أن الرئيس الأمريكي ذهب مطروداً مخذولاً وبقيت الجمهورية الإسلامية في إيران شامخة مرفوعة الرأس..

 ( إن في هذا لعبرة لأولي الأبصار ) صدق الله العلي العظيم.

السيد صادق الموسوي

الوسوم