بيروت | Clouds 28.7 c

خاص -"الشراع" / من اخراج وبطولة "الضحية" عون وفريقه جهنم او الرحيل فيلم لبناني طويل

مجلة الشراع 15 آذار 2021

 

لم يعد يكفي المواطن اللبناني ما يعانيه من أزمات ومحن.

أزمات ومحن من كل نوع :

  • - في تأمين لقمة عيشه اليومية وفي الارتفاع الجنوني للاسعار في كل القطاعات.

  • - في معاناته في عمله وانهيار القوة الشرائية لراتبه هذا في حال لم يصرف  من الشركة التي يعمل فيها او في حال لم يقفل مكان عمله لاسباب تتعلق باوضاع البلاد، او في حال كان من المياومين الذين" يعيشون كل يوم بيومه".

  • - في محاولته اليومية لتأمين المواد المدعومة وشبه المفقودة في الاسواق نتيجة الاحتكارات وطمع مافيات الاتجار بها ، سواء كانت هذه المواد دواء او مواد غذائية او محروقات... الخ.

  • - في عجزه عن دفع اقساط اولاده المدرسية وفي عدم قدرته على سداد ما يترتب عليه في الجامعات داخل لبنان او في الخارج.

  • - وفي قلقه الدائم على أسرته او أهله اذا ما كان احدهم مريضاً او بحاجة لعملية عاجلة بسبب مرض مزمن او مستجد.

وكذلك يعاني اللبناني في مواجهة جائحة كورونا سواء اذا اصيب هو او احد من عائلته حيث لا يستطيع بسهولة تأمين ما يحتاجه من دواء وأوكسيجين ،هذا قبل الحديث عما اذا كان يمكن ان يكون بحاجة لدخول المستشفى والعناية المركزة فيها.

واللائحة تطول على هذا الصعيد. اما الاسوأ من كل ذلك فهو عدم وجود أفق لهذه الازمات في ظل عمليات التهويل والتخويف الممنهجة والتي لم يعد لها قيمة كون لبنان سقط في براثن هذا الانهيار ومستنقعاته كما يرى عدد من الخبراء  الذين يرون  ان الآتي اعظم واسوأ وان كل يوم سيحل على البلاد سيترحم فيه اللبنانيون على اليوم الذي سبقه . والدليل على ذلك حسب هؤلاء ان اللبناني صار يترحم على ما كان يعيش فيه ليس قبل الازمة ، بل ما بعدها لانها في كل يوم تحمل جديداً اكثر سوءاً مما كان عليه الامر بالامس ، والمسألة هنا لا تقاس بالاشهر اي من خلال الكلام عن ان الشهر الماضي كان افضل مما نعيشه خلال هذا الشهر او الذي سبقه بل صار يتعلق بالاسابيع وحتى الايام ، بعد ان وصل سعر صرف الدولار الاميركي وما نتج عنه على كل المستويات الى حد صار معه الحد الادنى للاجور الاقل قيمة في العالم وارتفعت نسب الفقر بشكل جنوني حتى باتت تشمل كل اللبنانيين وحتى الطبقات الوسطى منهم.

كل ذلك معروف وبات الكلام عنه نوع من "النق" على الطريقة اللبنانية المعهودة في الاحوال العادية ،فكيف به الان في الاحوال غير الطبيعية بكل ما يترتب على ذلك من شحن وتوتر بات المراقب يلحظهما في تعاطي اللبناني مع الآخر وفي ردة فعله العصبية ازاء اي أمر يمكن ان يستفزه او يثير غضبه او وجعه.

اما الأخطر على هذا الصعيد فهو ان القيمين على الوضع في البلاد على اختلاف تموضعهم سواء كانوا في الحكم او في المعارضة ،فيبدو ان لا شغل لهم هذه الايام الا الحديث عن المخاطر المقبلة التي تنتظر البلاد والتحذير من الفوضى والحرب وانهيار السلم الاهلي ، فضلاً عن الحديث عن ان سعر الدولار سيتجاوز ما وصل اليه مؤخراً ليصل الى حدود  ال15 او ال20 الف ليرة ، وان العتمة الشاملة ستسود البلاد . وكأن التحذيرات باتت عدوى اصابت الجميع او معظمهم على الاقل من دون ان يلمس المواطن او يحس ان ثمة عملاً او حتى خطوة يتم اتخاذها لفرملة الانهيار ولجم انحداره باتجاه الذهاب باللبنانيين الى درك الفوضى والانهيار والجوع.

والانكى من ذلك ان  الامر صار مع الترويج له في بعض وسائل الاعلام وكأنه مؤامرة ضد هذا الطرف او ذاك ، وبات كل فريق يعمل على شد عصبه الطائفي او الحزبي من خلال هذه الحملات ظناً منه انه يحمي نفسه في محاولاته  لرمي الكرة في ملعب او ملاعب الاخرين . وعلى رأس هؤلاء فريق رئيس الجمهورية ميشال عون.

وكان لافتاً لا بل مثيراً لكل انواع الاستهجان والاستغراب الحديث عن انقلاب يتعرض له الرئيس ميشال عون على ايدي خصومه الداخليين ورفضه كما نقل عنه  ما سماه الرضوخ للاملاءات التي لم يخضع لها في عز الحرب ضده ، كما كان لافتاً  تواصل حديث جبران باسيل عن حقوق المسيحيين في ظل هذه الظروف الدقيقة والحرجة التي يمر بها لبنان كله .

ورغم ان صفة الدفاع عن النفس تكاد تشمل كل الاطراف عبر محاولة اطلاق التهم ضد الآخرين ،فان اكثر ما كان لافتاً هو ان فريق العهد لا شغل له هذه الايام الا العمل على اظهار نفسه بانه "ضحية "لما يحصل متناسياً ان اللبنانيين كل اللبنانيين هم ضحايا السياسات المتبعة وان الدولار بعد ان تجاوز سعره الى حدود ال11 الف ليرة لا يعني فقط فئة او طائفة او مذهباً معيناً بقدر ما يعني الجميع سنة وشيعة وموارنة وارثوذكس ودروزاً وكل المجموعات اللبنانية الاخرى.

كما ان الامر نفسه ينطبق على الاحزاب التي تولت قطع الطرقات بشكل اعاد التذكير بحدود الدويلات الفئوية وما تنطوي عليه من مشاريع فدرلة وتقسيم ، فهل ان ما اصاب اتباع هذه الاحزاب من ارتفاع سعر الدولار يسري عليها وحدها ولا يصيب حاضر ومستقبل اللبنانيين الذين قطعت الطرقات في وجوههم وعوقبوا مرتين الاولى عندما تردت اوضاع الليرة اللبنانية ،والثانية عندما منعوا من الذهاب الى اعمالهم او تأمين حاجياتهم الاساسية.

وبدلاً من ان يتولى فريق العهد العمل على محاولة  اجتراح الحلول ، والسعي بكل الوسائل من اجل اطلاق مبادرات وطنية تضمن مشاركة الجميع في العمل على ايجاد مخارج للازمات المستبدة بواقع البلد وابنائه ،فانه يتعاطى وكأنه ضحية كما ورد انفاً، من منطلق ان "الطبع يغلب التطبع"، فهذا ما عرفه اللبنانيون على الدوام في هذا الفريق. وللاسف فان حالة الانكار التي تسود الطبقة السياسية حاليا ازاء ما يشهده لبنان وابناؤه بلغت مع العهد مستوى غير مسبوق، ودائما في اطار التمظهر بعنوان "الضحية" .

واذا عدنا بالذاكرة ثلاثة عقود ،فانه عندما اقر اتفاق الطائف الذي انهى حرب لبنان قامت قيامة هذا الفريق الذي تمرد عليه بحجة ان الاتفاق يستهدف المسيحيين و مكاسبهم ووجودهم .

وعندما اخرج ميشال عون من قصر بعبدا لضمان عودة السلام الى لبنان  والحياة الطبيعية الى ربوعه ،فرّ يومها  الى السفارة الفرنسية ومنها الى باريس ، وكان العنوان بالنسبة له لما جرى هو  انه ضحية ، على الرغم من ان عملية اخراجه ادت الى سنوات الاستقرار وعودة الروح الى البلاد واعادة بناء المؤسسات العامة ولاسيما الامنية والعسكرية منها وعلى رأسها الجيش اللبناني الذي اعيد توحيده  بقيادة العماد اميل لحود .

وبعد عودته الى لبنان في العام 2005 ، تعاطى هذا الفريق مع الآخرين على اساس انه مستهدف وعمل على الترويج لذلك الى أبعد مدى سواء في الحديث عن  الحلف الرباعي ، او في استثارة العصب الطائفي ضد قوى 14 و8 اذار في الوقت نفسه.

ولا تسأل احدا من هذا الفريق ، اي فريق العهد عن سبب الازمة الحالية الا ويجيبك بان الامر يعود الى سياسات عمرها ثلاثين سنة ، لتحميل الرئيس المظلوم رفيق الحريري مسؤوليتها كما ورد في كتاب "الابراء المستحيل" الذي تبخر كل ما ورد فيه من مفاهيم وافكار  في لحظة واحدة  لدى ابرام التسوية الرئاسية مع الرئيس سعد الحريري التي ضمنت انتخاب عون رئيساً للجمهورية.

ورغم ان هذا الفريق مشارك في السلطة منذ 12 عاماً عبر وزارات اساسية، ويتصدر المشهد بشكل شبه كامل منذ اكثر من اربع سنوات بعد تولي الرئاسة الاولى وتسلم فريقه معظم المراكز الهامة في الدولة ،فان ما يثير السخرية وعلى طريقة "المضحك المبكي" هو ان هذا الفريق ما زال يعتبر نفسه "الضحية" كما يصر على الاعلان يومياً من خلال البيانات والخطب والمواقف التي يطلقها لتبرئة نفسه من تهم الفساد المستشري ولتبرير عدم قيامه ولو بخطوة باتجاه الاصلاح وفقا للعناوين التي كان وما يزال يطرحها .

وطالما ان هذا الفريق لا يحصل على ما يريده ، وما يريده هنا هو كل السلطة ومغانمها ومكاسبها ،فانه سيعتبر نفسه ضحية ، وما اتفق عليه في تفاهم معراب اكبر دليل على ذلك ، اذ اتفق ميشال عون وسمير جعجع يومها على تقاسم كل المراكز الحيوية والاساسية الخاصة بالمسيحيين  في الدولة بما يشمل الوزراء وموظفي الفئة الاولى ورؤساء المؤسسات والمصالح المستقلة. وهو تفاهم غريب عجيب يحصر المراكز المسيحية بالطرفين على حساب الكفاءات والخبرات المطلوبة وفقا للقاعدة التي اتبعها الرئيس الراحل فؤاد شهاب.

الا ان التفاهم سرعان ما انهار بسبب رفض رئيس التيار مشاركة القوات في المحاصصة المذكورة، والأهم ان باسيل ورفاقه خرجوا للاعلان بانهم يرفضون محاولة سمير جعجع استخدامهم او تحويلهم الى ضحايا يدفعون ثمن مشاريعه لاسيما الرئاسية منها.

وكل ما يطرح الان من قبل هذا الفريق  ليس سوى استنساخ لدور الضحية سواء في الشروط التي يفرضها لتشكيل الحكومة وهي شروط لا يرفضها فقط الرئيس المكلف سعد الحريري وفق معلومات "الشراع" بل غالبية القوى السياسية التي تعبت بدورها من القاعدة المتبعة والتي تعتمد من قبل فريق العهد  وقوامها :إما السير بها وإما الفراغ وكل ما يترتب عليه من تداعيات على صعيد الانهيار والفوضى والحرب لا سمح الله.

وبالطبع،

 فان المسؤولية عما يجري لا تنحصر فقط بعون وفريقه، الا ان الموقع الذي يتولاه كرئيس لجمهورية المشاركة والتوافق والتسويات العمل بكل الوسائل من اجل اطلاق الورش اللازمة في كل الميادين في الداخل من اجل انقاذ البلاد مما تتخبط فيه وزرع الامل في نفوس اللبنانيين ولاسيما الاجيال الشابة بينهم ،بدلا من اداء دور الضحية الذي يتعرض لانقلاب ومؤامرات  والعمل على تصفية الحسابات مع خصومه وكل من لا يشاركه الرأي او الموقف.

الموقع الرئاسي الذي يفترض بمن يتولاه ان يكون الكلمة الجامعة والحضن الذي يتسع للكل في ادارة امور الداخل وحتى ادارة الخلافات مهما كان حجمها للتخفيف من اضرارها وخسائرها بدلا من تسعير نار الانقسامات عبر معزوفة الضحية التي سئم الجميع منها وبدلا من الكيدية ووضع البلاد في أسر مشروع الصهر الرئاسي.

هذا الموقع الرئاسي المعني  بمخاطبة الخارج بكل الوسائل المتاحة  بما يفتح ولو كوة أمل لاخراج بلاد الارز من العزلة الخانقة التي تعيشها عربياً واقليمياً ودولياً، بدلا من تضييع الفرص التي يمكن ان تتوافر ومن ضمنها المبادرة الفرنسية التي حمل المسؤولون الفرنسيون جبران باسيل مسؤولية عدم انطلاقها حتى الان رغم مرور ما يزيد على  ستة اشهر لانطلاقها.

من منطلق ما ورد ،

فان السؤال المطروح الان:

الى متى يستمر فيلم "الضحية العوني" باجزائه المتتالية، بعد ان بات الجزء المتعلق بالعقوبات الاميركية على جبران باسيل اساسياً في العقد الكأداء التي يقدمها مخرج هذه السلسلة التي لا توازيها سلسلة سواء في الافلام الطويلة الهندية منها او الهوليودية او حتى التركية السائدة الان؟

فيلم لبناني طويل عنوانه عون "الضحية" دائماً وابداً، مستمر في الانتاج والعرض والتسويق، يحّول حياة اللبنانيين الى عذابات متصلة لا أفق لها الا جهنم كما توقع   رئيس الجمهورية ذات مرة ، وهي جهنم لا خلاص منها الا بالرحيل عن لبنان  كما عبر هو نفسه.

 

الوسوم