بيروت | Clouds 28.7 c

لماذا بكركي وليس غيره؟  / بقلم السيد صادق الموسوي

مجلة الشراع 27 شباط 2021

 

بكركي ومنذ قرون هو مقرّ بطريركية الطائفة المارونية، والبطريرك الماروني من حقه العمل بكل جهد لحفظ حقوق أبناء طائفته في لبنان وبلاد أخرى يتواجد فيها الموارنة..

أما لبنان،

فهو بلد يقطن فيه طوائف أخرى أيضاً وهي شريكة في تقرير مصيره، فلماذا الهيمنة المارونية على قرار باقي الطوائف المسيحية وكأن غير الموارنة هم مسيحيون من الدرجة الثانية، ولماذا التصرف من قبل الموارنة وكأن المسلمين ليسوا أصحاب حق في لبنان، وهم يجب أن يسيروا دائماً خلف سيد بكركي دون تردد وإبطاء؛ فإذا نطق بطريرك الموارنة بكلمة يجب أن يوافق عليه القادة الدينيون لباقي الطوائف المسيحية، ويجب أيضاً على المسلمين أن يزحفوا مسرعين إلى بكركي ليعلنوا تأييدهم وولاءهم لسيادة البطريرك وتأييدهم لموقفه.

إن عقلية الإستعلاء لدى الكنيسة المارونية وتأكيدها دائماً على أن:

" مجد لبنان أعطي لسيّد بكركي "

هي التي أوصلت لبنان إلى ما وصل إليه من التفكك والإنقسام والفوضى والإنهيار!

فهي عملت ولا تزال على النفخ في الروح العنصرية لدى الإنسان الماروني بحيث يرى نفسه دائماً فوق غيره من اللبنانيين، وينظر إلى نفسه على أنه صاحب الحق دوماً في كافة تصرفاته، وأن بإمكانه جرّ لبنان إلى حيث يريد، والعمل مع من يرى أنه يؤمّن مصلحة لبنان ساعة يشاء، والإنقلاب عليه لحظة شعوره بالإستغناء عمن تحالف معه من قبل.

أنظروا إلى تاريخ لبنان الحديث...

حيث لما رأى كميل شمعون مصلحته في الإستعانة بالقوات الأمريكية عام 1958  لم يتردد في الإستقواء بهم، وصار المارينز يتجولون في العاصمة اللبنانية  من دون حرج، وذلك بدعوة من " الرئيس اللبناني "، ولم يقل أحد بأن شمعون ارتكب الخيانة العظمى باستعانته بالأجنبي، ولم تتم محاكمته على خيانته، بل بقي " زعيماً وطنيا " وجعل اسم حزبه " الوطنيين الأحرار"

ولما اتفق فؤاد شهاب مع رئيس الجمهورية العربية المتحدة جمال عبد الناصر في الخيمة المنصوبة على الحدود اللبنانية ـ السورية عام 1959  واتفق معه على استراتيجية شاملة سياسياً واقتصادياً وأمنياً، فإنه لم يُتهم قط بأنه فرّط بالسيادة اللبنانية، بل النهج الشهابي بقي سائداً بقوة حتى سنوات بعد انقضاء مدة رئاسته!

ولمّا كان تقرب سليمان فرنجية من سوريا بعد انتخابه رئيساً عام 1970 لم يطعن أحد في وطنيته، ولم يقل أحد أن فرنجية رهينة للنظام السوري، بل إنه كان أيضاً عضواً في الجبهة اللبنانية التي كانت تقاتل القوى الوطنية والمقاومة الفلسطينية.

ولما استنجد بيار الجميل وكميل شمعون بالرئيس السوري حافظ الأسد من أجل الإستقواء بجيشه على الفلسطينيين لم يقل أحد أبداً انهما جلبا إلى لبنان جيشاً من خارج الحدود وانتقصا بذلك من السيادة اللبنانية.

ولما تحالف بشير الجميل مع الصهاينة وشارك المجرم أرييل شارون في غرفة العمليات العسكرية، وساهم في تسهيل الإحتلال الإسرائيلي للبنان، ومن ثم قام المحتل بفرضه رئيساً للجمهورية اللبنانية، لم يُسمح لأحد أن يقول عن بشير أنه خائن لوطنه ومتواطئ مع العدو، بل تمت محاكمة قاتله في المحكمة اللبنانية وحُكم عليه بالإعدام غيابياً، بل لا زلنا نرى فريقاً في الساحة اللبنانية يصفه شهيداً، ويتفاخر بالإنتماء إلى منهجه، والسير على طريقه، والإلتزام بمسلكه.

ولما وافق أمين الجميل على تواجد القوات الأمريكية والفرنسية وغيرهما على الأراضي اللبنانية، وأبرم إتفاقية الذل مع الصهاينة ( اتفاق 17 أيار )، لم يطعن أحد في وطنيته، ولم تتم محاكمته لارتكابه الخيانة بحق الوطن، بل ما زال الرجل يدافع عن سلوكه في الماضي، وهو يمشي في لبنان رافعاً رأسه من دون شعور بأنه فعل أي عمل منكر ودنيء، بل يُعدّ اليوم " قطباً وطنياً " ويشارك في المؤتمرات التي تُعقد لحل المعضلات في لبنان.

وفوق كل ما سبق القول،

 إذا خصصت البطريركية المارونية في كل عام يوماً للصلاة على نية دولة فرنسا الإستعمارية، وترأس البطريرك الماروني بنفسه القداس في الصرح البطريركي فلا يَعُدّ أحد هذا دليلاً على ارتهان طائفة لدولة أجنبية، ولا يكون في هذه السُّنة الرائجة منذ عقود أي برهان على العلاقة الوطيدة مع دولة مستعمرة إلى حدّ إعطاء هذه العلاقة مسحة قداسة دينية من خلال إقامة الصلاة على نية هذه الدولة كل عام، بل نرى مع الأسف كبار المسؤولين اللبنانيين من مختلف الطوائف يتقاطرون للمشاركة في هذا القداس من دون أي تردد أو تساؤل عن معنى استمرار الولاء للدولة التي ارتكبت الجرائم الوحشية بحق شعوب احتلت بلادها، وهي لا تزال ترفض الإقرار بجرائمها في بلاد قامت باغتصاب أراضيها لقرون، حيث مارست القتل بحق أكثر من مليون إنسان في بلد واحد فقط وهو الجزائر، بل " تفضلت " في الآونة الأخيرة وأبدت " أسفها " على ارتكاب تلك الجرائم الوحشية فحسب من دون أن تقدم الإعتذار للشعب الجزائري.

أما إذا تعاطف المسلمون في السابق مع مصر جمال عبد الناصر في مواجهة العدوان الأجنبي فهم يُتّهمون في وطنيتهم..

وإذا تحالف المسلمون مع مقاومة الشعب الفلسطيني المظلوم فهم قد فرّطوا بالسيادة الوطنية..

وإدا تقارب المسلمون مع الجمهورية الإسلامية في إيران فهم قد خانوا الوطن،  على الرغم من ما قدمه المجاهدون من أنصارها من دماء زكية في سبيل تحرير الأرض من دنس الإحتلال الصهيوني وطرد القوات الأجنبية من لبنان قبل ذلك !

واليوم نرى البطريرك الماروني بشارة الراعي يطرح الحياد للبنان ويطالب بالتدويل؛ حيث الحياد اليوم هو مقدمة للتطبيع الرسمي للبنان مع الكيان الصهيوني، وبشارة الراعي هو السباق في عملية التطبيع مع الكيان الغاصب وذلك بزيارته لفسطين المحتلة عام 2014،  وهو أعطى الشرعية لعملاء الصهاينة من اللبنانيين لما التقى معهم هناك وأبدى تعاطفه معهم.

ومطالبة البطريرك بتدخل الدول الأجنبية تحت غطاء منظمة الأمم المتحدة هي مقدمة لفرض وصاية أجنبية طويلة الأمد، والموارنة هم الذين بذلوا جهوداً طوال سنوات وفي كافة المحافل الدولية وخاضوا الحروب في سبيل إخراج لبنان من " الوصاية السورية "، وأقاموا الإحتفالات الوطنية يوم خرج الجيش السوري من لبنان، بل حاول البعض اللحاق به وإسقاط الحكم في سوريا وجعل من لبنان معبراً لتدفق المقاتلين ضد النظام السوري.

لقد انتهى عصر التمييز العنصري في لبنان، وولّى زمن تميز طائفة على غيرها، والمواطنون اللبنانيون المسيحيون من غير الموارنة اليوم لم يعودوا أذناباً، والمسلمون من مختلف المذاهب في لبنان اليوم ليسوا قط رعايا، بل إنهم وأبناء الطائفة المارونية الأعزاء يشكلون الشعب اللبناني، والكلمة الفصل يجب أن تكون لأكثرية اللبنانيين طبقاً لمبدأ الديمقراطية المعتمد في العالم المعاصر، من دون أن يشترط أحد من طائفة شرطاً، أو يقيّد أحد الديمقراطية بقيد، أو تتشبث طائفة بموقع أو تمنع أبناء طائفة من تبوّء منصب؛ وعندئذٍ فقط يمكن الأمل ببناء الوطن، ويجدر الإعتزاز بالإنتماء إليه، ويستحق بذل الأرواح في الدفاع عن كيانه، ويكون " حب الوطن من الإيمان " حينئذٍ أمراً طبيعياً يشعر به جميع اللبنانيين من أعماق قلوبهم.

السيد صادق الموسوي

الوسوم