بيروت | Clouds 28.7 c

المنهج الفلسفي لفكر وثقافة ثورة 23 يوليو المجيدة؟ /بقلم: حَسن بُوحجي - باحث في الفلسفة الدستورية

مئوية جمال عبدالناصر

المنهج الفلسفي لفكر وثقافة ثورة 23 يوليو المجيدة؟ /بقلم: حَسن بُوحجي - باحث في الفلسفة الدستورية 


مقدمة: تتزامن هذا العام الذكرى المئوية لميلاد الزعيم جمال عبدالناصر، والذكرى 66 عاماً على قيام ثورة 23  تموز/ يوليو /عام 1952م.
إضافة الى مرور الذكرى 56 عاماً على صدور الميثاق الوطني، الذى تقدم بمشروعه  بعد تبني فكرته وتولى الاشراف على صياغته الرئيس عبدالناصر، وقام بتقديمه للمؤتمر الوطني للقوى الوطنية في 21  أيار/مايو 1962م، المنتخب لدراسة وإقرار مشروع المثياق، الذي تم إقراره والتصديق عليه دون إضافة أوتعديل، وتم إعتماده وإصداره من قبل رئيس الجمهورية جمال عبدالناصر في آب/ أغسطس من عام 1962. منذ ذاك اليوم أصبح الميثاق الوطني، أهم وثيقة للثورة العربية المعاصرة الشاملة.
عبدالناصر القائد لثورة 23 تموز/ يوليو يقول: في الباب الأول من الميثاق الوطني (( إذا ما ذكرنا أن هذا الشعب البطل بدأ زحفه الثوري من غير تنظيم سياسي يواجه مشاكل المعركة، كذلك فإن هذا الزحف الثوري بدأ من غير نظرية كاملة للتغيير الثوري)).
 لقد قامت الثورة بدون منهاج فلسفي وإنما متسلحة بالمبادئ الست المشهورة كدليل للعمل- القضاء على الاستعمار وأعوانه- القضاء على الإقطاع - القضاء على الرأسمالية المستغلة  - إقامة عدالة إجتماعية - إقامة جيش وطني - إقامة ديموقراطية سليمة.
كذلك قال القائد عبدالناصر في الباب الأول من الميثاق (( إن هذا الشعب المعلم راح أولاً يطور المبادئ الستة، ويحركها بالتجربة والممارسة، وبالتفاعل الحي مع التاريخ القومي، تأثراً به وتأثيراً فيه، نحو برنامج تفصيلي يفتح طريق الثورة إلى أهدافها اللامتناهية، ثم إن هذا الشعب المعلم راح ثانياً يلقن طلائعه الثورية أسرار آماله الكبرى، ويربطها دائماً بهذه الآمال، ويوسع دائرتها بأن يمنحها مع كل يوم عناصر جديدة قادرة على المشاركة في صنع مستقبله )).
بمعنى أن الثورة لم تملك فلسفة تغيير ثورية فكرية وثقافة، تحدد مفاهيمها وتمايزها عن غيرها من فلسفات تغير المجتمعات ثورياً ، إلا بعد إقرار مشروع الميثاق الذي صاغ فكرته ومضمونه الرئيس عبدالناصر الذي طرح فكرته على اللجنة التحضيرية لمؤتمر مشروع الميثاق المشكلة من 250 عضواً في إجتماعها 4 تشرين الثاني/ نوفمبر/1962م.
إن الفترة من يوم 23 تموز/يوليو 1952م وحتى 21 أيار/ مايو  1962م - 9 سنوات و9 شهور - يمكننا أن نطلق على تلك الفترة مرحلة التحول من تحرك لحركة الضباط الأحرار كطليعة ثورية تولت التفجير الثوري للثورة، بالتزامن مع تأييد شعبي حتى منتصف عام 56 بدعم وطني مصري.
واكتسبت ثورة  23تموز / يوليو التأييد والدعم لزعامة عبدالناصر على المستوى القومي والأممي بعد فشل العدوان الثلاثي على مصر في أواخر تشرين الأول / أكتوبر – تشرين الثاني/ نوفمبر عام1952م وإنتصار الشعب المصري والعربي بزعامة عبدالناصر.
لماذا الاهتمام في تحديد تاريخ ثورة تموز/ يوليو عام 1952م وارتكازها على المبادئ الستة، والتحول إلى ثورة فكرية تملك أسس تمايزها عن بقية الثورات التي سبقتها أو المعاصرة لها بعدة سنوات؟
عبدالناصر الزعيم قد تحول من قائد للثورة إلى موجه ومفكر وفيلسوف لها، وزعيم للثورة العربية المعاصرة الشاملة.
يقول عبدالناصر (( إن يوم 23 تموز/ يوليو سنة 1952 كان موعد هذا التفجير الثوري، وفيه استطاع الشعب المصري أن يعيد اكتشاف نفسه، وأن يفتح بصره على إمكانيات هائلة كامنة فيه)).
لكن الغالب من الجماهير العريضة، والكثير من المهتمين بالثقافة والفكر، قد اكتفى الغالب إن لم تكن الأكثرية الساحقة منهم، بالإطلاع عليه أو تصفحه/ أو قراءته للعلم دون أي جهود كافية وجادة لتدارس بنود الميثاق، هذا المشروع الكبير والعميق، الذي يؤسس لأول مرة في التاريخ العربي المعاصر منهاجاً لأسس قيام الثورة العربية الشاملة المعاصرة، المتجددة والمتطورة مع قضايا العصر ومستقبله.
يقول زعيم الثورة في الباب الثاني من الميثاق (( إن الطريق الثوري هو الجسر الوحيد الذى تتمكن به الأمة العربية من الانتقال بين ما كانت فيه وبين ما تتطلع إليه)).
والثورة العربية أداة النضال العربي الآن، وصورته المعاصرة تحتاج إلى أن تسلح نفسها بقدرات ثلاث تستطيع بواسطتها أن تصمد لمعركة المصير التي تخوض غمارها اليوم، وأن تنتزع النصر محققة أهدافها من جانب، ومحطمة جميع الأعداء الذين يعترضون طريقها من جانب آخر، وهذه القدرات الثلاث هي:
أولاً: الوعي القائم على الاقتناع العلمي، النابع من الفكر المستنير، والناتج من المناقشة الحرة التي تتمرد على سياط التعصب أو الإرعاب.
ثانياً: الحركة السريعة الطليقة التي تستجيب للظروف المتغيرة التي يجابهها النضال العربي، على أن تلتزم هذه الحركة بأهداف النضال وبمثله الأخلاقية.
ثالثاً: الوضوح في رؤية الأهداف، ومتابعتها باستمرار، وتجنب الانسياق الانفعالي إلى الدروب الفرعية التي تبتعد بالنضال الوطني عن طريقه، وتهدر جزءاً كبيراً من طاقته.
وإن الحاجة إلى هذه الأسلحة الثلاثة تستمد قيمها الحيوية من الظروف التي تعيشها التجربة الثورية العربية، وتباشر تحت تأثيراتها دورها في توجيه التاريخ العربي)).
(( إن الثورة العربية مطالبة اليوم بأن تشق طريقاً جديداً أمام أهداف النضال العربي. إن عهوداً طويلة من العذاب والأمل بلورت - في نهاية المطاف - أهداف النضال العربي ظاهرة واضحة، صادقة في تعبيرها عن الضمير الوطني للأمة، وهي الحرية والاشتراكية والوحدة، بل إن طول المعاناة من أجل هذه الأهداف كاد أن يفصل مضمونها ويرسم حدودها)).
وعلى ضوء هذا العرض الموجز للميثاق الوطني، كأهم وثيقة معاصرة للثورة العربية وقواها الحية، وهي تواجه التحديات الكبيرة والأطماع الخطيرة التي تمر بها أمتنا العربية على متداد الساحات العربية من المحيط الأطلسي إلى الخليج العربي ، وشمالاً من بلاد الشام حتى جنوب اليمن العربي، من خلال هيمنة قوى الاستعمار المباشر وغير المباشر في العمل بالقضاء على أسس الدولة الوطنية ومؤسساتها السيادية، بالتحالف من قوى التخلف والإسلام السياسي، وتكتلات قوى الاحتكار  والإستغلال المهيمنة على الثروات الطبيعية وعصابات المال العام. 
 وعليه نحن نرى من الأهمية بالضرورة، أن يتم دعوة الجيل العربي الجديد صاحب المصلحة الحقيقية في التغيير الثوري، وبما يتمتع به من حيوية الشباب وعزيمة التحدي والحلم بالجديد في القادم من الأيام، بأن يبدأ من جديد بإعادة قراءة الميثاق الوطني وفق مقتضيات العصر وتحدياته، وأن يعمل على ترسيخ المكتسبات التي حققتها الثورة العربية في مصر، بالتوجه للطموحات المتوقعة، من خلال الولوج في الفضاءات المستقبلية المشرقة لهم ولأمتنا العربية، وذلك بالعمل على تبني أعتماد مضمون الميثاق كمرجعية فلسفية للفكر والثقافة للثورة العربية الإنسانية المعاصرة، الذي صاغه الزعيم عبدالناصر من فكرة التقدمي المستنير، وضميره الإنساني الحي، هذه الوثيقة التي ستظل تضيء للجيل العربي الجديد طريق المستقبل الواعد، بعد رحيل زعيمنا عبدالناصر.
 


الرئيس جمال عبد الناصر يقدم مشروع الميثاق الوطني.
 الرئيس في المؤتمر الوطني للقوى الشعبية -جامعة القاهرة -21-5-1962م.
 

الوسوم