بيروت | Clouds 28.7 c

الكذب والسياسـة: الإخـــــــــــوان نموذجـــــــاً / د‏.‏ محمد السعيد إدريس

مجلة الشراع 11 تشرين الثاني 2020

 

أستأذن القارئ الكريم أن يسمح لي بأن أقدم له هذه الشهادة التي أعتبرها «شهادة لله وللوطن»، شهادة تخص مصداقية جماعة الإخوان والتزامها الديني والأخلاقي..

والذي شجعني للإفصاح عن هذه الشهادة أمران: أولهما؛ كل هذا الكذب والتضليل الذي يمارسه الإخوان قولاً وسلوكاً في حربهم من أجل إسقاط الحكم في مصر (تركيع الدولة) وتعذيب وتأديب الشعب. أما الدافع الثاني فهو أنني حصلت على تأكيدين لما عندي من شهادة، من مصدرين موثوقين: الدكتور عبدالجيل مصطفى والأستاذ ثروت الخرباوي.

الشهادة التي أعنيها جاءت على لسان المهندس أبو العلا ماضي رئيس حزب الوسط الذي جمعتني به علاقة احترام وتقدير متبادل ترَسَّخ طيلة سنوات عملنا معاً في حركة «كفاية» قبل أن نفترق مع وصول الإخوان إلى الحكم. فمن خلال هذه العلاقة واللقاءات المكثفة طيلة ثمانية أشهر سبقت إعلان الحركة وما تلاها من عمل ونشاط مكثف امتد لسنوات حتى تفجرت ثورة 25 يناير أستطيع أن أقول إن المهندس أبو العلا بات على تماس واقتراب مع الفكر القومي والفكر التقدمي من خلال عملنا المشترك في «كفاية» وكان التعبير البليغ عن هذا الاقتراب الفكري تلك المقالة المهمة التي نشرها في صحيفة «العربي» (الناصرية) وحملت عنواناً مثيراً حرص على أن يشرح معناه في مقدمة مقالته هو: «بيننا وبينكم الجنائز». ما قصده المهندس أبو العلا بهذا العنوان الغريب والمثير هو مقولة: مؤكدة وردت على لسان الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه في منازلته الفكرية مع خصومه، عندما أراد أن يحسم أمر هذا الخلاف بالاستشهاد بمقولة أن «جنازة المرء شاهد له أو شاهد عليه».

استخدم المهندس أبو العلا هذا العنوان ليتحدث عن الزعيم جمال عبدالناصر الذي بدأ يراه، على عكس الإخوان، زعيماً وطنياُ محترماً وقال إذا أخذنا بمقولة الإمام أحمد بن حنبل أن جنازة المرء شاهد له أو عليه؛ فإن جنازة جمال عبدالناصر؛ التي لم يرَ التاريخ مثيلاً لها، تشهد للرجل، وأنها معيار مؤكد على مدى اقترابه من الله، ورضوان الله عليه.

كان المهندس أبو العلا سعيداً بهذه المقالة وأخبرني في لقاء مشترك لنا في مكتبه القديم بشارع قصر العيني بالقاهرة قبل ثورة 25 يناير 2011 بأقل من عام ما اعتبره هو «قنبلة» بحق الإخوان؛ هذه «القنبلة» وهي موضوع شهادتي أمام حضراتكم وتتلخص في أن الأستاذ «يوسف ندا» (أحد أكبر قادة وممولي الإخوان، مفوض العلاقات الدولية لتنظيم الإخوان، حاصل علي الجنسية الإيطالية ومؤسس بنك التقوى، أحد المتهمين في قضية محاولة اغتيال الزعيم جمال عبدالناصر عام 1954، والهارب خارج مصر لسنوات طويلة) قد زاره في مكتبه، وأن مقالة «بيننا وبينكم الجنائز» كانت محور مناقشة حادة بينهما حيث وجه يوسف ندا عتاباً شديداً لشخص أبو العلا لدفاعه عن جمال عبدالناصر في هذه المقالة، لكن أبو العلا رد عليه قائلاً: أرجوك أن ترد عليّ هل مقولة الإمام أحمد بن حنبل صحيحة أم لا، فأجابه: صحيحة، فكان رد أبو العلا: ولماذا ننكر الأمر على جمال عبدالناصر جنازة الرجل كانت أعظم جنازة في التاريخ، وهذه الجنازة وفقاً لمعيار الإمام أحمد بن حنبل خير شاهد للرجل عند الله سبحانه وتعالى.

غضب يوسف ندا من قوة حجة أبو العلا، لكنه عاب على أبو العلا دفاعه عن عبدالناصر الذي يراه مسئولاً عن تعذيب الإسلاميين في سجونه، لكن أبو العلا فاجأه بالسؤال: «بالنسبة لروايات تعذيب الإخوان تستطيع أن تقول أنها كانت صادقة ؟ وبأي نسبة ؟ ويا ريت تخصص الحديث عن روايات التعذيب الواردة في كتاب «أيام من حياتي» الصادر بإسم السيدة زينب الغزالي (القيادية الإخوانية الشهيرة)».

هنا بالتحديد كانت القنبلة، إذ انفجر يوسف ندا ضاحكاً وقال «أنا مؤلف هذا الكتاب»!!

صدمة أبو العلا كانت هائلة، حسب ما روى لي، ورد عليه كيف تؤلف وأنت مقيم في سويسرا كتاباً يحتوي كل هذه التلفيقات عن الرجل وأنت بعيد عن تفاصيل أحداث عام 1965 التي تحدث عنها كتاب زينب الغزالي ؟ أليس هذا محرماً دينياً ؟!! وجاءت الصدمة الثانية عندما رد يوسف ندا: «اللي تغلب به إلعب به».

 

ما سمعته من المهندس أبو العلا دعمته رسالة تلقيتها من الدكتور عبدالجليل مصطفى على بريدي الإلكتروني تعيد تأكيد رواية المهندس أبو العلا معي، وتتحدث على لسان الأستاذ «هيثم أبو زيد» الإخواني السابق، الذي انضم إلى حزب الوسط وعمل مديراً تنفيذياً للحزب وهي عبارة عن «شهادة» مطابقة نشرها الأستاذ هيثم أبو زيد في مجلة «الوعي الإسلامي» تحت عنوان: «قصة كذبة خالدة» تتحدث عن «وثيقة زائفة» كتبها أيضاً يوسف ندا ونُشرت في كتاب «قذائف الحق» للشيخ محمد الغزالي، الذي تعتبره جماعة الإخوان انجيلها الذي تُربي عليه شبابها وأعضاؤها، وتزعم أن الأجهزة الأمنية والمخابراتية في عهد الرئيس عبدالناصر وضعت خطة للقضاء على جماعة الإخوان واستئصال وجودها، وتضمنت خطوات شديدة القسوة، تتجاوز محاربة الإخوان تنظيمياً وفكرياً إلى محاربة الدين الإسلامي والمتدينين من غير الإخوان».

يقول هيثم أبو زيد في شهادته ما سمعه على لسان المهندس أبو العلا ماضي نقلاً عن المهندس «مراد جميل الزيات» الذي أخبره عن ما اعتبره أبو العلا «قنبلة» أيضاً وملخصها أن المهندس الزيات كان قد زار يوسف ندا في مقره بسويسرا؛ وتحدث معه عن التعذيب الذي تعرض له الإخوان في السجون وخص بالذكر ما نشره الشيخ محمد الغزالي في كتاب «قذائف الحق» عن الوثيقة التي أعدتها المخابرات واعتمدها عبدالناصر للقضاء على الإخوان، وإذا بيوسف ندا يضحك حتى استلقى على ظهره، فخاطبه الزيات متعجباً: لمَ الضحك يا أخ يوسف ؟ فأجابه ندا فوراً: «لأنني من كتب هذه الوثيقة ووضعها في كتاب الغزالي لتشويه نظام الحكم الناصري. فتساءل الزيات: لكن هذه فبركة ؟، فأجابه: «الحرب خدعة»!!.

ما سمعه الأستاذ هيثم أبو زيد كان يصعب تصديقه؛ لذلك أراد أن يستوثق الأمر من الدكتور محمد سليم العوا في لقاء حضره أبرز قادة حزب الوسط، وكان رد العوا قنبلة ثالثة حيث قال: «هذه الرواية حقيقية وأنا أعلم بها منذ أربعين سنة، والنص الأصلي للوثيقة التي كتبها يوسف ندا عندي في مكتبتي».

وفي لقاء منذ أسبوعين جمعني بالأستاذ ثروت الخرباوي أكد على مسامع كثيرين صحة تأليف يوسف ندا لكتاب زينب الغزالي، وصحة كتابته للوثيقة المزورة الواردة في كتاب الشيخ الغزالي «قذائف الحق».

وهكذا تشاء الأقدار أن تبرئ الزعيم جمال عبدالناصر من افتراءاتهم وعلى ألسنتهم وبشهاداتهم. ليؤكد الله سبحانه قوله: «يُثَبت اللهُ الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، ويضلُ اللهُ الظالمينُ ويفعلُ اللهُ ما يشاء» صدق الله العظيم. (سورة إبراهيم- الآية 27).

الوسوم