بيروت | Clouds 28.7 c

ديمقراطية أمريكا وديمقراطية لبنان / بقلم السيد صادق الموسوي

مجلة الشراع 10 تشرين الثاني 2020

فاز جو بايدن برئاسة الولايات المتحدة الأمريكية القوة العظمى الأولى في العالم وفازت معه كامالا هاريس التاميلية الهندية الأصل نائبة للرئيس، ومن قبل فاز باراك حسين أوباما الكيني الأصل برئاسة الولايات المتحدة الأمريكية لدورتين، وهو كان العراب لجو بايدن في معركته الإنتخابية والتي أفضت إلى فوزه على خصمه العنيد الرئيس الحالي دونالد ترامب.

لم يسمع أحد في العالم أن أحداً في أمريكا وفي خضم المعارك الإنتخابية لأوباما تعرض لأصول من سيكون بيده قيادة أقوى دولة في العالم، ولم يُشر أحد في معركة كسر العظم لبايدن إلى أصل نائبته هاريس.

واللافت أن والد أوباما اسمه حسين وهو لم يخجل من تبيان انتمائه إليه، بل أصرّ على التلفظ باسم أبيه كاملاً أثناء أداء القسم الدستوري عام  2009 على الرغم  من أن القاضي الواقف أمامه أبى ذكر اسم والده بالكامل واكتفى بذكر الحرف الأول وهو H تحاشياً لاستعمال إسم إسلامي في تلك المناسبة التاريخية، ولم تُخفِ هاريس أصلها التاميلي الهندوسي بل إنها ستدعو أقرباء لها لحضور حفل التنصيب يوم 20/01/2020  كما نقلت وكالات الأنباء، علماً بأن الرئيس الأمريكي وكذلك نائب الرئيس في الولايات المتحدة بيدهما " زرّ " القنابل النووية التي يمكن أن تسبب دمار العالم كله، وبيديهما قرار شن الحروب في أرجاء المعمورة، وعقد التحالفات، والتوقيع على الإتفاقيات، لكن أحداً لم يشكك في الولايات المتحدة ذات الأغلبية المسيحية بوطنية أوباما ذات الأصول الكينية الإسلامية، ولا يقول أحد اليوم شيئاً عن انتماء هاريس لأسرة هندية تعتنق الديانة الهندوسية..

كل هذا على الرغم من  وجود بيئة عنصرية تجلت واضحة في المواجهات الدموية الواسعة الأخيرة في الولايات والمدن الأمريكية، وأيضاً وجود مناخٍ متعصب مسيحياً يخشى التنامي الإسلامي السريع في الولايات المتحدة نتيجة تزايد عدد المواطنين الأمريكيين الذين يعتنقون الدين الإسلامي الحنيف.

أما في لبنان،

الذي يتبجح بأنه الدولة الديمقراطية الوحيدة وسط أنظمة إنقلابية عسكرية ديكتاتورية في الشرق الأوسط فإنه لا يزال يرفض الإلتزام بأوليات حقوق الإنسان وهو مبدأ تساوي الرجل والمرأة في الحقوق والواجبات، حيث لا تزال المرأة اللبنانية الموجودة على الأرض اللبنانية محرومة من إلحاق أولادها بنفسها وإعطائهم جنسيتها..

فيما يذهب البطريرك الماروني إلى أقاصي الأرض يبحث عن أشخاص ترك أجدادهم لبنان واستوطنوا في مختلف البلاد واكتسبوا جنسيتها ليهب لهم وهم هناك الجنسية اللبنانية، علماً بأن كثيرين منهم قد قطعوا منذ عقود كثيرة بل قرون كل علاقة أو اتصال بعائلاتهم في لبنان، واندمجوا بالكامل في المجتمعات التي وُلدوا وترعرعوا فيها، وبنوا كيانات اقتصادية أو اجتماعية أو سياسية لأنفسهم فيها، ولا يتمنون يوماً الحضور إلى لبنان، كل ذلك بدعوى أن المرأة اللبنانية إذا أعطيت حق إعطاء جنسيتها لأولادها فمن الممكن أي يختلّ التوازن ويزيد عدد المسلمين، فيما البحث جارِ في مختلف مدن وقرى القارات الخمس عن مسيحيين تقدّم إليهم الجنسية اللبنانية بل وحق الإقتراع وهم في مهاجرهم ليزيد قليلاً عدد المسيحيين الذين يحملون الهوية اللبنانية..

ثم إن المعيار لوصول أي شخص إلى المواقع في لبنان بدءاً من رئاسة الجمهورية إلى الوزارة إلى النيابة وحتى الإنتساب إلى الجيش هو الإنتماء الطائفي، حيث لا يمكن أن يحلم غير الماروني برئاسة الجمهورية وغير السني برئاسة مجلس الوزراء وغير الشيعي برئاسة مجلس النواب وإن كان غير الماروني هو الأكفأ وغير السني هو الأقدر وغير الشيعي هو الأجدر..

 بل إن الجندي الذي يوضع دائماً في " بوز المدفع "، والذي هو مشروع شهيد دفاعاً عن الوطن، ولا يدري متى يسقط في مواجهة داخلية أو حرب مع العدو الخارجي، فإنه لا يُسمح للبناني بالإلتحاق بصفوف الجيش إذا كان مسلماً إلاّ في حال وجود شخص آخر مسيحي يريد أيضاً الإنتماء للسلك العسكري.

إننا نضع أمام أذناب المستكبرين المشاهد التي رأيناها جميعاً في وسائل الإعلام العالمية بالأيام الماضية والتي قد كشفت حقائق كثيرة كانت خافية عن الولايات المتحدة الأمريكية  على الرغم من الإيجابية التي أشرنا إليها في المقدمة، وذلك من خلال تصرفات الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب، والمواقف التي أُعلنت على شاشات التلفاز عن حصول تزوير على مستوى واسع، واقتراع متكرر للأشخاص، وإدلاء أصوات باسماء متوفين، إذ لو قيل أن بعض هذه الأمور قد حدث في أية دولة أخرى، ولو نُشر في بلد آخر بعض ما تمّ الحديث عنه صراحة على الشاشات الأمريكية، لقامت قيامة المنظمات العالمية الدفاع عن حقوق الإنسان، وطالبت بالتحقيق من قبل منظمات دولية محايدة، ولكان التشكيك في صحة أصل العملية الإنتخابية، لكن كما يقول المثل: " حب الشيء يُعمي ويُصِمّ " ...

فإن عشاق الحضارة الغربية والمنبهرين بالنموذج الأمريكي يرون كل ذلك دليلاً على الرقي، ويرون حمل المواطنين للسلاح والخروج بها في مظاهرات حقاً لهم، وإطلاق النار من جانب مواطنين من العرق الأبيض على مواطنين آخرين لأنهم من ذوي البشرة السوداء في جملة مدن حوادث متفرقة لا يجوز الإعتناء بها، وحالة الذعر المسيطر على عموم البلاد وإغلاق واجهات المحلات والبنايات بألواح خشبية وإسمنتية خوفاً من الإضطرابات أمراً طبيعياً..

لكن الله سبحانه الذي جعل البشرية المتعجرفة مع كل تقنياتها وتطورها العلمي تُقرّ بعجزها أمام فيروس لا يُرى بالعين المجردة، حيث لم يتعرفوا على خصوصيته  على الرغم  من مضي أكثر من عام على انتشاره، ولم يجدوا له لقاحاً يلجم سرعة حركته رغم كل الإدعاءات وآخرها إعلان الرئيس المنتخب بايدن، بل يدّعي العلماء كل يوم كشف جانب من خصائصه، ويأتي آخرون بعد أيام لينقضوا نظرية نظرائهم، وتحتفل كل يوم دولة بالإعلان عن التوصل إلى لقاح شافٍ للفيروس ثم يختفي بعد فترة خبر نتائج اللقاح..

 والخلاصة أن الناس لا يزالون في حيرة من كيفية التصرف لإبعاد الوباء القاتل عن أنفسهم..

ولا يزال العلماء ومراكز البحوث يتخبطون في معرفة حقيقة فيروس كورونا حتى يمكن لهم البحث عن وسيلة ناجعة للقضاء عليه أو التحصن منه على الأقل، والولايات المتحدة التي تزعم ريادة العالم في مختلف العلوم هي الأولى في أعداد المصابين والأعجز حتى يومنا هذا عن وقف انتشار الوباء بين مواطنيها، بحيث تحول موضوع التعامل مع الفيروس  إلى التسبب في خسارة رئيس للولايات المتحدة وفوز مرشح منافس له..

 وإن الأحداث التي وقعت في المدن والولايات والفضائح التي برزت للعلن وعلى ألسن القيادات وعبر الشاشات عن الديمقراطية وحرية المعتقد والممارسة في الولايات المتحدة الأمريكية أيضاً أجبرت الفئات التي تعشق نموذجها وتلهث للإقتداء بها على التوقف قليلاً عن التشدق..

 وإن الزعماء الذين ذهبوا منبطحين لإرضاء سيد البيت الأبيض ترامب يقفون اليوم حائرين فالرئيس الحالي لا يُقرّ بالهزيمة ويصرّ على فوزه ويتهم خصومه بالتزوير، وبايدن من جهته يعلن النصر ويتلقى التهاني بالفوز من الداخل والخارج، والمؤسسات لا تعرف حتى الآن كيف ستتمّ عملية التسلم والتسليم في حال تعنت دونالد ترامب، والمؤسسات الأمنية والعسكرية تقف متأهبة لمواجهات عنيفة ومسلحة متوقعة بين مناصري ترامب ومؤيدي بايدن..

ولذلك،

 نرى بعض قادة الدول أعلنوا انتظار انتهاء المناقشات حول الإنتخابات ليرسلوا برقيات التهنئة، وآخرون تأخروا في إرسال برقيات التهنئة للرئيس الفائز أياماً جراء صدمتهم من تلك النتيجة، وبعضهم ضمنوا برقياتهم جُملاً توحي بتوجسهم من إحتمال حصول تغييرات، وكل هذه الفوضى في الداخل والإضطراب في الخارج يجب أن يؤديا إلى تنبّه الغافلين ويقظة النائمين..

وانكشاف حقائق طالما خفيت عن عيون العالمين..

 ولعل ذلك يزيل الغشاوة عن عيون المستضعفين، ويقضي على الخوف في نفوس المظلومين، ويفتح الطريق أمام طلاب الحرية لتحقيق أمانيهم في العيش سادة غير مقهورين، لا يهابون إرهاب المستكبرين، ولا يعانون من سلطة الجبارين، بل يعيشون عباداً لله مُكرمين، وأخوة في الإنسانية متحابين،  من دون فضل لون على لون أو قهر ذو عقيدة ودين، وذلك ما أراده الله رب العالمين، ولأجل ذلك بعث الله كافة النبيين وأرسل محمد خاتم المرسلين، وهذا ما أكد عليه القرآن الكريم بقوله:

( لقد أرسلنا رُسُلنا بالبيّنات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط ) صدق الله العلي العظيم.

السيد صادق الموسوي

الوسوم