بيروت | Clouds 28.7 c

ريما الرحباني الإبنة التي إختطفت والدتها فيروز/ بقلم نداء عودة

مجلة الشراع 19 تشرين الاول 2020

 

كثيراً ما نتردّد قبل أن نكتب عن ما يمكن أن يُساء فهمهُ في أيقونة غناء هي السيّدة فيروز، ذلك لأنّ السيدة أحيطت دائماً بهالة من القداسة..

ومع انني على مسؤوليتي إنتقدتُ كثيراً هذا "التأليه" الذي تعاطت فيه النخبة المثقفة مع فيروز فبدَوت وكأنني أشتم ذاتاً إلهية، وأنا لم أفعل ذلك، ظلّ التعامل بمنطق عاقل وموسيقي مع حُب فيروز وصوتها تقليل من شأنها بنظر نخبة من المثقفين العرب للأسف، والذين يتنافسون على التبجيل والتبخير لفيروز كما لو أنها طاغية من طغاة الزمن العربي،وهذا  لم يخدم فيروز إطلاقاً، أي حبها كتابو مقدس بدلاً من حبها كصوت عربي جاور ثقافة هذه البلاد برقيّ وخيال جميل، هذا فضلاً عن أن صوت فيروز نفّذَ بإمتياز أعمال شعرية وموسيقية تجانس مع فِكر الأخوين رحباني.

لكن حتى تلك الهالة من الغموض و الألوهة التي حافظت عليها فيروز في حياتها ومشوارها الفني، بدت تندثر عند تصريحات إبنتها ريما الاقلّ ما يمكن أن تُوصف هذه التصريحات بغير المسؤولة والتي تتضمن شتائم وقدح وذم وكذلك تهديد...الأمر الذي توثّق في تصريحات ريما المعلنة والتي سآتي إليها في سياق النّص.

  تأكّدَ لي أكثر  أنني كنت على حقّ في إنتقاد "تأليه" النخبة المثقفة لفيروز وهو الأمر الذي إنسحب على الإعلام والجمهور، وبدأ واضحاً أن فيروز أصبحت مثل أي دكتاتور عربي يجب أن تتفنّن الحاشية في التصفيق حتى لأخطائه.. بدأ ذلك اكثر وضوحاً منذ أن أصدرت ريما الرحباني لوالدتها منذ سنوات قليلة ألبوماً عنوانه " ببالي"، ولن أقول أنه عمل لا يشكل شيئاً من مستوى أعمال فيروز، حتى لا يتم إتهامي بالتعدّي على تابو مقدّس إسمه فيروز، ولنقل أن العمل لم يصل للناس.. فهل من المفيد أن تخسر السيدة فيروز تعاونها الفني المبدع مع الفنان زياد الرّحباني والذي رسّخها في مرحلة موسيقية جديدة الخطاب دخلت إلى أسماع وقلوب الجمهور خصوصاً الشباب منذ التسعينات هل يعقل أن يُحرَم الجمهور من فيروز مع زياد نحو خمسة عشر عاماً من أجل حسابات إبنتها ريما الخاصّة، والتي إختطفت من فيروز قرارها حتى الموسيقي؟

برز جنون العظمة عند ريما الرحباني عندما سَخرت من أحد الشعراء الذي " تجرّأ" بالقول أنه غير راضٍ على ألبوم فيروز الأخير، ولم يسلم الرجل من وابل التحقير  بما في ذلك دعوته لكتابة شعر ألبوم للمغنية إليسا "بلكي بيجلس تمّها"،مؤخراً وبعد حفل خيري لضحايا انفجار بيروت إعتبرته ريما مجزرة فنية وعهر ولا ينقصه الا تحية كاريوكا، ولعلم المخرج والكاتبة ريما الرحباني أن الفنانة الراحلة تحية كاريوكا أسطورة فنّ راقي وهي ليست "رقّاصة" للتهكّم على طريقة المجتمعات المتخلّفة التي تجهل القيمة الحضارية للفن الراقي، وكموسيقية استمعت شخصياً لكوكتيل الأغنيات الوطنية لفيروز التي قدمتها الفنانة مايا دياب مع كورال أطفال على المسرح فوجدته ظهر على الناس بكثير من الرقيّ والحشمة فضلاً عن أداء غني جميل ولا نشاز فيه، لكنّ ريما الرحباني وصفته بالعهر كما أنها طاولت كل من ساهم في هذا العمل بالتحقير والإهانة الشخصية دون رادع ، ولا نرى أن هذا يعكس المستوى الأخلاقي لبيت الرحباني وللسيدة المؤلّهة فيروز؟ تتابع ريما في سياق لغة الطغاة التي لا تليق بمجتمعات حرّة.. ونعم نحن لسنا مجتمعات حرة ولا اوطاناً يسودها العدل كما "العالمية" التي تنعت بها فيروز وتتغنى بها ريما، لكن لطالما حَلمَ المواطن المذلول بوطن يحترمه من خلال أعمال الرحبانين وصوت فيروز. أما لغة الطاغية التي استخدمتها ريما فهي،

ما حدا إلو حق ينتقد ولا يشور ولا ينظّر ع فيروز،، مين اللي بدن يشوروا أو يعلّموا ع فيروز، من كلّ عقلن؟.... قوم ياه... زمن الفجور وصار كل واحد يفهم بالتوزيع... فيروز هي فيروز بموسيقى وبلا موسيقى، بكلام وبلا كلام

لم تتورع ريما في لغة الاستبداد والتعالي نفسها فيما بعد عن إطلاق أوصاف لا أخلاقية على كلّ مناسبة وطنية ومن أحياها وأعدها وقام بنقلها مباشرة على الهواء ولائحة "رذاذ السمّ" حسب وصف احد الفنانات لكلام ريما تطول عبر التويتر ويمكن القاريء العودة إليها اذا أراد أن يُصاب بالطاقة السلبية.

مع فهمنا أن تكون الإبنة مديرة أعمال الفنانة والدتها،  لم نفهم كيف تكون المخرجة السينمائية التي لم نشاهد لها فيلماً، والكاتبة التي كنا نفضل أن نقرأ لها قصيدة بدلاً من وابل الشتائم على تويتر، لم نفهم كيف تكون موسيقية وتقرّر أعمال موسيقية لوالدتها، ثمّ لا يعجبها توزيع أغنيات فيروز على مسرح مهرجانات بعلبك، فهي تفضل الأصلية، وتذهب ريما إلى لغة منفّرة من التعالي والتهديد من قبيل الويل والثبور لمن يعيد أداء أعمال الأخوين دون إذن منها، وأن أي عمل مسرحي يعاد  للأخوين يجب إستشارتها في الإختيار وويل لمن  يستخدم صورة لفيروز دون إذنها ويا ويلو اللي بيمدّ ايدو والى آخره من تصريحات تحقّر أيّ حفل أو محطة تلفزيونية او مناسبة تقدم هذه الأعمال التي هي بإذن أو عدم إذن الآنسة ريما، جزء من الوجدان الشعبي اللبناني والعربي...

سأعود إلى آخر " إبداعات" ريما، بعد عودة مختصرة إلى "تأليه" فيروز.

وأبدأ من ألبوم "ببالي" الذي عبّر عدد من الموسيقيين عن خيبتهم به، حينها كنت في أميركا وأزعجت الجيران بضحكة رنانة ساخرة، حين ظهر على شاشة لبنانية وزير سابق بمعزل عن أنه ممانعجي، لكنه امعن في الدفاع عن الألبوم قائلاً أنه يعشق فيروز شو ما غنت.. وهنا لم تجد ريما الرحباني غير هذا السياسي للدفاع عن عملها بصوت والدتها فيروز، من هنا يعرف كل عاقل أن تأليه أية شخصية سيقودها إلى الفشل على المستويين العملي والإنساني.... إقترف بعض الناس جريمة نكراء حين إستغربوا فيروز في عمل ليس من مستواها وانتهى حتى الآن التعاون مع المبدع زياد وبذلك حُرم الجمهور من أعمال أكثر بهاءً لفيروز.

كلّ هذا يعني أنّ ذهنية تقديس الأشخاص وصولاً إلى تأليههم ليست ذهنية سويّة، وهي ذهنيّة مَرَضيّة درّبت الدكتاتوريّات العربية شعوبها عليها، حيثُ الطاعة العمياء والمدح والتبخير حتى في الخطأ، ألا يجوز أن نعشق فيروز كإنسان يخطيء ويصيب ويقبل النقد، دون أن نعشقها تحت سطوة ممنوع الجدال؟

عند تقديم مسرحية "صح النوم" بدار أوبرا دمشق شتاء ٢٠٠٧

وقفت أعداد كبيرة من السوريين تنتظر دورها لشراء تذكرة عدد من الايام قبل الحفل، ثم انتظر الناس بالساعات قدوم السيدة للترحيب بها، لكن زجاج السيارة المصفّح بقيَ مقفلاً، أما كواليس الأوبرا فقد أقفلت بستائر سوداء حتى لا يعرف أي مخلوق من أين دخلت السيدة إلى المسرح... الحصيلة كانت إمتعاض السوريين الطيبين الذين قالوا حينها لي "ولو؟ ماذا سينتقص من الست اذا أنزلت زجاج السيارة وألقت التحية على الناس؟

وهذا غيض من فيض مما ولّد عند ريما الرحباني الشعور بحقّ مكتسب في إزدراء الناس وإهانتهم وتهديدهم، وإذا كان ذلك يجعل الناس تتحفظ عن تصرفات ريما، فهي ليست فوق القانون لمجرد أنها إبنة فيروز، السيدة التي تغنّت بالحرية وكرامة الإنسان.

يوماً ما من ايام عملي الصحفي، إعتبرت ان نقيب المصورين الأستاذ جمال الصعيدي رجل وبطل، لأنه وصلني تعميمهُ مقاطعة حفلات فيروز ذات صيف، الصعيدي إعتبر أن كرامة المصوّر الصحفي من كرامة وطن، ويا هيك بيكون النقيب يا بلا، حينها عمّمت إدارة أعمال فيروز أي إبنتها ريما حصر تصوير الحفل بثلاث دقائق في نهايته، ما ادّى مراراً إلى تدافع وهرج ومرج لا يحترم كرامة المصور الذي يؤدي واجبه المهني مع فيروز كما يؤديه في الحرب والسلم لتوثيق الوطن ونشر معاناته على العالم بأسره، حينها سمعت فيروز نصيحة الشاعر الكبير الراحل انسي الحاج بمصالحة الصحافة عبر دعوات يومية لعدد من الصحافيين طوال أسبوع، ورُفعت المقاطعة الاعلامية عن فيروز بالفعل، حصيلة القول أن على السيدة ان تسمع نصيحة المثقفين العاقلين أصحاب الحكمة وليس ان تسلم رأسها لامزجة خاصة وعدد معدود من جوقة الزقّيفة.

وإذا عدنا إلى شخصية فيروز، فهل هي من إختارت أن تؤلّه نفسها؟ أقول هنا أن نهاد حداد بقيت كما هي، سيدة لا تعرف التكبّر، فهي شخصية بسيطة، ورغم أحزانها الداخلية، مرحة وصاحبة نكتة، تقوم بكل حبّ بأعمال المنزل بنفسها، تحبّ الخس الافرنجي مع التبولة، ولها عدد محدود جداً من الأصدقاء.

كانت فيروز.. تلك البنت إبنة البيت المحافظ، والخجولة وبقيت كذلك بعد سطوع نجمها مع الأخوين الرحباني، بلسانها أنها لم تكن كفتاة بسيطة تعرف كيف تتعاطى مع الجمهور والأضواء، لكن زوجها الموسيقار الراحل كان يطوّع ظهورها وطريقة عملها، وكان قاسياً كظابط لايقاع فيروز الفني بكل تفاصيله، أمّا الخجل والرقيّ الذي أحاط شخصية فيروز وجواهر كلام والحان ما كان يضعه او ينتقيه لها الأخوين الرحباني فقد أضاف إلى ملائكيتها، ما دفع الشاعر سعيد عقل بأن يقول لها  "فيروز انتي مش بشر.. انت إله"

ساعدت هذه الجملة فيروز على خجلها الفطري، والذي تناقض مع عالم الشهرة والأضواء، وأمام هذا التناقض الداخلي للسيدة البسيطة الشخصية، ذهبت فيروز إلى الإنطواء، لفيروز حزنها الداخلي كأم فقدت طفلاً، ثم إبنة صبية، ولديها ابن من ذوي الاحتياجات الخاصة تعتني به بكل عطف، لفيروز دور عائلي ادته كإمرأة وفية وعادية وكان عليها أن تسطع على مسارح العالم في دور مختلف وعام، كلّ هذا يجعلنا نحترم حزن وفرح هذه السيدة التي. لا تظهر في مقابلات إعلامية لأنها ليست مُحدّثة وليس لأنها مُتكبّرة، وهي كبنت قرية لبنانية وسيدة تقليدية بسيطة، من هنا أراحتها لعبة " الألوهة" التي رسمها لها سعيد عقل، أراحتها بمعنى الإبتعاد عن الناس والاعلام والحفاظ على السرية في ابسط التفاصيل وصولاً إلى الستائر الموصدة في بيتها ليلاً نهاراً.

ومع ما أسلفناه عن بساطة هذه السيدة وطبيعة حياتها، إلا أنّ إبنتها أتحفتنا بما يصحّ فيه المثل الشائع "مجنون يحكي وعاقل يسمع" عندما قالت أنها وجدت دفاتر بخط يدّ فيروز من اول سطر لآخر سطر، وتتساءل ريما أن.. قد تكون فيروز هي من كتبت الأعمال، وأن الأخوين رغم فرادتهما ونبوغهما ما كانا لينتشرا عالمياً وكانا سينجحا محليّاً " وان شنقت حالا عربياً لولا فيروز... شوية تواضع يا ريما واحترمي عقولنا

فيروز كانت فتاة متواضعة العلم والثقافة عندما التقت هذه الأدمغة التي وضعت صوتها وشخصيتها في إطار فنّ هادف

طالع من ثقافة وتخطيط، كان عاصي الرحباني موسيقياً عبقرياً شجّعه مع منصور المنتج الفلسطيني صبري الشريف ليقوما بتطوير التراث الغنائي وهو لم يكن تراثاً غنائياً لبنانياً فقط، بلّ تراث ريف الشام بما فيه فلسطيني وسوري، فهل يمكن تسمية الأخوين بمحليين لولا فيروز؟

عاد صبري الشريف وانتج للرحابنة أجمل الأعمال الموسيقية و المسرحيّة، لكنّ النهج الفكري رسمه الشاعر والمثقف العربي الكبير منصور الرحباني وهو الذي عبّر بالشعر والفكر عن احلام كل مواطن عربي بالحرية وهو الذي رسم الانتماء للوطن المثالي و المُتخيّل فكانت فيروز مجسّد بارع ورائع للمضمون الفكري والموسيقي المتكامل، ما جعل كل عربي في البلاد والانتشار يشعر بأن الاغنيات تعبّر عنه وتشكل له نوستالجية نقاء الحب

واحلام الوطن.

لا تكفّ ريما عن ازدراء دور عمها الكبير منصور الرحباني لدرجة اتهامه بأنه سبب اختفاء ملفات والدها من المنزل... أمر لا يعيننا الدخول في تفاصيله احتراماً لما قدّمه هذا الرجل من فكر يعبر عن تراث حضاري للأمة العربية. ولكنها فوق ذلك لا تتورع عن اجتزال هذا التاريخ بما تسميه "حقوق الورثة" يدفعها جنون العظمة الاعتقاد بأن كلّ من تغنى بأعمال والدتها هدفه الربح المالي على ظهر فيروز والأخوين، فتبدأ بالتهديد والوعيد...

منذ سنوات كانت ريما رفعت دعوى ضد مخرج هولندي يقوم فيلمه السينمائي على فكرة التناقضات الداخلية اللبنانية التي لا تلتق، ولكنه في فيلمه خَلُص إلى أن اللبنانيين لا يتفقون الا على فيروز، فضمّن الأفيش صورة فيروز وجاء العنوان "فيروز.. من أين أدخل في الوطن" إتهم محامي العائلة حينها المخرج بأنه يبغي الربح المالي عبر اسم وصورة فيروز فأوقف العرض، لكن هل حقاً هذا ما يبغيه المخرج الهولندي؟

تطلب ريما أن يتم استشارتها في حال استعادة أعمال أو وضع صورة لفيروز، لكن خط الهاتف وايّ تواصل هو مغلق تماماً مع فيروز وبيتها فكيف يستشيرونك يا ريما، وهل يمكن أن يتم ذلك عبر الحمام الزاجل؟

وعن الحقوق من استعادة أعمال فيروز، فإن ريما تعرف حق المعرفة أن حقوق فيروز والرحابنة وورثتهم تكفلها قوانين الجمعية العالمية أي جمعية المؤلفين والملحنين وناشري الموسيقى ومركزها باريس وهي تؤمن عائدات الفنان من الأداء العلني، وللمصادفة أن رئيس الجمعية في لبنان هو الفنان أسامة الرحباني (ابن عم ريما الرحباني) واوائل هذا الشهر عاد الرحباني بنجاح عظيم بعد أن قدم حفلاً خيرياً تحت عنوان "من أجل لبنان" عاد ريعه الصليب الأحمر اللبناني، لكنّ ريما الرحباني "هنّأته" بالنجاح على طريقتها الشتائمية، وهددته دون أن تسميه بالقول ان طبول نهايته اقتربت ومين ما كان وراه...

تعتقد ريما منذ سنوات وهي التي تراعي أمها الكبيرة السنّ والقدر، أن فيروز من ملكيتها ومؤسسة خاصة تديرها، وبما أن فيروز تحتاج إلى إبنتها بطبيعة الحال فقد قبلت بأن تختطفها إبنتها إلى دائرتها الأصغر وقبلت أن تخضع حتى لقرارتها الخاطئة، وتولد هنا علاقة تسمى علاقة المخطوف بالخاطف (متلازمة ستوكهولم) ، فالمخطوف يتودّد لخاطفه ويبالغ في طاعته وحبّه خوفاً منه وخوفاً من أن يتركه لمصير مجهول، هذه هي العلاقة النفسية التي تربط فيروز بريما، وهي خاطفة فيروز تحت عنوان الابتزاز العاطفي للبنوّة.

أمر لا يجب أن ينطبق على سفريتنا إلى النجوم.

الوسوم