بيروت | Clouds 28.7 c

الرئيس الأسبق منصف المرزوقي يروي صراعه مع "البشاريين" في تونس ! بقلم: محمد خليفة

مجلة الشراع 15 تشرين الأول 2020

 

كشف الرئيس التونسي الأسبق الدكتور محمد منصف المرزوقي ( 1945  ) أن خسارته للرئاسة في انتخابات الرئاسة عام 2014 أمام منافسه اليميني الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي حدثت بسبب اصطفاف القوى القومية واليسارية في جبهة واحدة ضده ، وتصويتها لصالح السبسي ، بدل أن تدعمه وتصوت له ، إنما ( حدث لسبب وحيد هو موقفي المعادي لنظام بشار الأسد ، وتأييدي القوي لثورة الشعب السوري ، واتخاذي مواقف وإجراءات تترجم هذا الموقف بوجهيه الإثنين ) ، ولولا ذلك – حسب قوله – كان مؤهلا للفوز بدورة رئاسية ثانية ، لأن ( الفارق في الأصوات بينه وبين منافسه اليميني البورقيبي بضع مئات الأصوات فقط ) .

هذا السياسي المخضرم الذي اختارته مجلة التايم عام 2012 واحدا من أهم مائة شخصية مؤثرة في العالم ، واختارته فورين بوليسي أحد أهم مائة مفكر عالمي لعامي 2012 - 2013 تحدث في جلسة خاصة مع عدد قليل من المعارضين السوريين التقوه قبل أيام قليلة عبر وسائل الاتصال الفضائي عن عمق معاناته المستمرة بسبب تواصل الحملة القاسية عليه حتى اليوم ، ومعاقبته من قوى وأحزاب القوميين واليساريين المؤيدين لنظام الأسد ، حتى بعد ما استفحلت وتعددت جرائمه الوحشية ، وبلغت درجة خيالية يصعب تصورها من أي شخص عاقل .

وأطلق المفكر والطبيب والمناضل الحقوقي التونسي العريق الذي كان رئيس الرابطة التونسية لحقو الانسان ، ثم أصبح أول رئيس لتونس بعد ثورة 2011 على هذه الأحزاب والقوى اليسارية والقومية اسم ( البشاريين الأسديين) . وقال إنهم جماعات متناقضة مع ذاتها خائنة لوعيها ، فهي معادية للاستبداد في تونس ، وشاركت في الثورة على نظام زين العابدين بن علي ، وتعلم جيدا أن بشار الأسد مستبد ومتسلط ومتوحش ، ولكنها تعتقد أنه يجب التسامح معه باعتباره " مقاوما " ضد اسرائيل والولايات المتحدة ! ولا تقبل الثورة عليه ، وتتهم من يتمرد عليه بالعمالة والخيانة ، وكذلك من يدعم الثورة السورية ضده بنفس الإتهامات . وهذا ما أطلقوه عليه ، بلا سبب آخر سوى وقوفه مع الشعب السوري في نضاله ضد الأسد وطلبا للحرية والديمقراطية .

وقال :  يرى هؤلاء القومجية أن هناك مستبدين يجب أن تثور الشعوب عليهم ، كابن علي ، ومعمر ، ومبارك ، ومستبدين لا يجب الاقتراب منهم أبدا كبشار الأسد !

 وهؤلاء يرفضون حتى مناقشتهم في موقفهم المستفز ، ولذلك يزورون دمشق سنويا ويلتقون بشار ويمنحونه دعمهم اللا مشروط ، ورغم أن موالاة بشار لاسرائيل افتضحت ، وممانعته سقطت ، بعد أن ضحى باستقلال وسيادة بلاده للدول الأجنبية ، مقابل حمايته من السقوط ، وهو ما لم يفعله أي دكتاتور عربي آخر . 

وذكر الرئيس التونسي أن الموقف العدائي ضده بدأ منذ أن استضاف في العاصمة التونسية أول مؤتمر دولي لنصرة الشعب السوري في 24 فبراير 2012 ، وحضره ممثلون عن 70 دولة عربية وغربية وأفريقية وشرقية . و(كنت أدفع باتجاه الاتفاق على خطة للتدخل الدولي الفعال في سورية لحماية الشعب من حمام الدم الذي أخذ الأسد بتنفيذه ضد الحراك الشعبي المدني والمعارضين عموما . إذ اعتبر القوميون البشاريون ما قمت به انحرافا عن مبادىء وقيم الشعب التونسي القومية ، وقرروا معاقبتي بكل الطرق ، وهذا ما حصل عبر سيل من الدعاية المعادية لي ، وصلت ذروتها في انتخابات 2014 ، حين صوتوا لصالح السبسي ، ممثل تحالف اليمين والنظام القديم .. ويعلم الله كم قاسيت من حملاتهم وتلفيقاتهم ردا على مواقفي من الأسد ) .

وعن موقفه المناهض لنظام الاسد ذكر المرزوقي ( بدأ نضالي ضده بعد مجزرة حماة عام 1982 ، ومن يومها أصدر نظام حافظ الأسد قرارا بمنعي من دخول سورية . ولكني واصلت نضالي ضده عبر منظمات حقوق الانسان ، وعبر تعاونه مع معارضين سوريين بارزين ، كعبد العزيز الخير ( المعتقل منذ 2012 ويرجح أنه قتل ) وبرهان غليون وهيثم المناع ). ووصف الثورة السورية بأنها ( لم تكن من أجل اسقاط نظام الأسد الإجرامي فقط ، إذ أن صمودها جعل منها ثورة من أجل حرية 400 مليون عربي ، ولذلك أرادت الأنظمة المعادية لها دعم الأسد وتحويل سورية فزاعة وحالة مرعبة لتخويف شعوبهم من التمرد عليها ، ولكنهم لم ينجحوا بل صمدت واستمرت ) .

ولم يستبعد الدكتور المرزوقي أن يسقط الأسد وأن يحاكم أمام محكمة دولية على جرائمه التي اقترفها ، وتساءل ( من كان يتوقع قبل سنتين أن يسقط عمر البشير ويحال الى القضاء ، وأن يحاكم قريبا في محكمة الجنايات الدولية ..؟ ) وأضاف ( إن الزمن يتغير ، ولم يبق للطغاة حماية من الشرعية الدولية . وهذا التحول يعني أن التاريخ قد أصدر حكمه على هذا النمط من الحكام ، وقد يتأخر تنفيذ هذا الحكم ، ولكنه قادم لا محالة ) . 

وقال إنه ( أول رئيس عربي اتخذ قرار قطع العلاقات مع النظام السوري في بداية 2012 ، وما زال القرار ساريا رغم محاولات الذين تولوا الرئاسة بعدي بإعادة العلاقات ، ولكن المجلس النيابي ما زال يرفض إعادتها ) .

وكشف الرئيس الاسبق إنه ( اصدرت أوامري للشرطة وأجهزة الدولة بفتح الأبواب أمام اللاجئين السوريين ، ومعاملتهم بنفس الطريقة الأخوية الكريمة التي يعامل بها الليبيون في تونس . إلا أن الرئيس السبسي أصدر منذ الأيام الأولى لعهده توجيهات صارمة بمنع دخول السوريين بدون تأشيرة ، وعندما علمت بذلك طلبت موعدا لمناقشته في القرار ، إلا أنه رفض تحديد موعد لاستقبالي ) !

وأكد أنه حذر أصدقاءه السوريين منذ وقت مبكر من عسكرة الثورة . وكشف ( لقد اتخذت اجراءات حازمة لمنع سفر الشباب التونسي الى سورية للقتال، واتصلت مع الرئيس التركي ( عبد الله غل ) وطالبته بمنع دخول التوانسة الى سورية ، واعطت هذه الاجراءات بعض النتائج ، قبل أن يختلف الأمر في الاعوام التالية ) . وقال إنه رغم ذلك اتهمه خصومه البشاريون الأسديون بأنه حرض التوانسة على القتال في سورية ، وأنهم لم يفوتوا فرصة ، أو تهمة لتشويهه إلا واستغلوها . 

وكشف المرزوقي أن دولا وأنظمة وحكاما عديدين من العرب اتهموه بتحريض الشعوب عليهم ، ورفضوا التعامل معهم ، ولكنه قال ( أنا لا أحسب لهم حسابا ، وأنا أنام ملء عيني مطمئنا في بيتي في تونس ، بينما ينامون في قصورهم والرعب يتملكهم ، ويمنعهم من النوم الهادىء ، بسبب ما يقترفونه من جرائم ، وهم يعلمون أن شعوبهم تكرههم ، ومهددون بالثورة في أي لحظة كما جرى في الاعوام الماضية ) .

وقال ( إن النظام العربي القديم لم يعد يصلح ، ولا بد أن يتغير بالسلم أو بالقوة مهما طال الزمن ، لأن شعوبنا لم تعد تقبل أن تحكم بالطرق البالية السابقة ، ولا بد من تغيير يحقق ثلاثة مطالب :

الأول الانتقال الى حكم القانون والمؤسسات بدل الحكم الفردي المطلق .

والثاني الانتقال الى مجتمع تسوده قيم المواطنة والمساواة والعدالة بدل مجتمع الرعايا والعبودية .

والثالث الانتقال الى بناء فضاء عربي موحد لدول تحكمها شعوب حرة ) .

أما بالنسبة للحالة الراهنة في سورية فطالب المرزوقي بمواصلة الكفاح ( لأن سورية فقدت استقلالها تحت ثلاثة احتلالات ، روسية وايرانية واسرائيلية )، ورأى أن مأساة سورية كبيرة ومؤلمة بسبب تخاذل العالم الديمقراطي عن التدخل وترك الشعب السوري يذبح ويستباح بأيدي جيوش وقوى أجنبية . ولكنه قال ( لا أشك أبدا بأنه سينتصر ، ويستعيد دولته واستقلاله ويحقق مطالبه العادلة ) .ولذلك طالب السوريين ألا يجلدوا ذاتهم كثيرا لأن ( ما تعرضتم له من ظلم وعدوان وتواطؤ دولي أكبر من قدرة أي شعب ، ومن أي ثورة سلمية على المقاومة ، إلا أن الثورة التي لم ولن تتوقف أبدا ، وهذا هو معنى صمودها واستمرارها حتى الآن ) .

وجدد المرزوقي وصف الثورة السورية  وصفها بالملحمة البطولية رغم مأساويتها وتراجيديتها .

الوسوم