بيروت | Clouds 28.7 c

المحتل الأمريكي يستجدي الحماية العراقية ! بقلم السيد صادق الموسوي

مجلة الشراع 1 تشرين الأول 2020

 

في العام ٢٠٠٣ انهال القصف الأمريكي بطائرات الشبح على العراق، وتتالت صواريخ الكروز المدمرة والعابرة للقارات تسقط على العاصمة بغداد..

 وبعد أيام من القصف العنيف واستعمال القنابل الذرية الصغيرة لقتل المدافعين عن مطار بغداد الدولي تم إنزال قوات أمريكية خاصة فيه، ومن هناك بدأ التوسع حتى سقطت العاصمة كلها بيد الجيش الأمريكي، وانهار النظام وتفككت كل مؤسسات الدولة، وصار الآمر الناهي هو الحاكم العسكري الأمريكي، وبعد توقف العمليات العسكرية الرئيسية تم استبدال الحاكم العسكري برجل " مدني " هو بول بريمر فصار يملك كافة الصلاحيات وينصب ويعزل من يريد ويتصرف بالأموال العراقية كما يشاء، وفي عزّ الأزمة ولعدم وجود سلطة عراقية تحفظ الحدود البرية أتيحت لي فرصة التوجه لزيارة العتبات المقدسة بعد أكثر من عقدين من الغيات عن مسقط رأسي مدينة النجف الأشرف، فوجدت السيطرة الأمريكية الكاملة على كافة مداخل المدن وحتى حضور الجنود داخل الأحياء وبين البيوت، وفي أثناء حضوري داخل صحن مرقد مولاي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام اتصل بي عبر جهاز " ثريا " المتصل بالأقمار الإصطناعية مباشرة أخي العزيز الأستاذ حسن صبرا رئيس تحرير مجلة " الشراع " وهو كان خارج لبنان ووجّه لي سؤالاً مختصراً وهو:

ماذا تريد إيران من أمريكا في العراق؟

فقلت له: إقلب السؤال وقل ماذا تريد أمريكا من إيران في العراق..

 فقال متعجباً: وكيف أصدق هذا وأنا أرى الجيش الأمريكي يبسط سلطته بالكامل على الأراضي العراقية ؟!

فقلت له: أنا هنا وأقول لك من داخل العراق أن السلطة العسكرية الظاهرية هي للجيش الأمريكي لكن القرار الفعلي هو للجمهورية الإسلامية في إيران...

 ونتيجة ثقته بي فقد خصص العنوان الرئيسي لعدد مجلة " الشراع " يومئذ للسؤال الذي صححته له، ولا اتذكر بالدقة نص العنوان الذي وضعه على الغلاف، وبعد ١٧ سنة يرى العالم كيف تعيش الولايات المتحدة الأمريكية تحت رحمة القرار الإيراني، فلا تستطيع الإتيان برئيس الجمهورية في العراق من دون موافقة إيران ولا يمكن تعيين رئيس للوزراء دون أن يحظى الرجل برضا القيادة في طهران، ولا يتخذ مجلس النواب قراراً بمعزل عن التنسيق مع الجمهورية الإسلامية، ولا تتحرك مجموعة عسكرية في أية بقعة عراقية بدون التنسيق مع المستشارين العسكريين الإيرانيين، وإيران هي التي تلغي نتائج الإستفتاء على استقلال كردستان في العراق بإشارة من قاسم سليماني، ولا نريد ذكر المزيد..

وأخيراً أصبحت السفارة الأمريكية في بغداد وهي الأكبر مساحة في منطقة الشرق الأوسط والتي تتم مراقبتها بالأقمار الإصطناعية الأمريكية، وتحوم فوقها دوماً المسيّرات المتطورة، وتراقب المناطق المحيطة بها مناطيد التجسس، وتجوب سماء العاصمة دوماً الطوافات الحديثة جداً لحمايتها واستُقدم إليها آخر الأمر منظومة باتريوت الدفاعية المتطورة جداً لحمايتها من الصواريخ التي تنهال عليها في كل يوم، لكن كل ذلك لم ينفع أبداً، وضاقت الولايات المتحدة الأمريكية القوة العظمى ذرعاً بالصواريخ التي تسهدف بصورة مستمرة قواعدها العسكرية المنتشرة في مختلف مناطق العراق والألغام التي توضع في طريق أرتال تلك القوات واستهداف قوافل الشاحنات التي تؤمن المعدات والمؤن للقواعد والجنود..

فأصبحت أرض العراق التي وقعت قبل 17 عاماً تحت احتلال الجيش الأمريكي فخّاً منصوباً للولايات المتحدة اليوم، فلا يمكن لأي جندي أمريكي أن يشعر بالأمان حتى فوق سرير نومه لأن صاروخاً يمكن ان ينفجر في معسكره في أية لحظة فيتمزق جسده أشلاء، ولا يجرؤ السفير الأمريكي التحرك خارج مقر السفارة خوفاً من استهداف موكبه بهجوم مسلح أو بلغم أرضي يقضي على حياته، وإنه بعد التجربة علم أن منظومة باتريوت أيضا غير قادرة على التصدي لصليات الصواريخ التي تنهال على السفارة، ولذلك فالسفير الأمريكي نفسه لا يأمن على حياته حتى وهو داخل مكتبه في المبنى المحصن للسفارة الأمريكية..

 وعليه فقد اضطر لأن يطلب الحماية لسفارة بلاده من الدولة العراقية استناداً إلى القوانين الدولية التي تفرض على الدولة المضيفة تأمين الحماية للبعثات الديبلوماسية الأجنبية، لكن أركان الإدارة الأمريكية وعلى رأسهم دونالد ترامب يعرفون جيداً أن أمن فواتهم وسفارتهم وقواعدهم هو خاضع في الحقيقة للإرادة الإيرانية، بدليل أن الصواريخ البالستية الإيرانية دكت القاعدة الأمريكية في عين الأسد ودمرت القسم الأكبر منها وأصابت أكثر من مائة من الجنود فيها ردّاً على اغتيال الفريق قاسم سليماني دون استئذان من الدولة العراقية، وكذلك تغير الطائرات الإيرانية على مواقع المجموعات المعادية للجمهورية الإسلامية المتمركزة في الأراضي العراقية وتدمرها بالكامل دون أخذ موافقة الدولة العراقية، وإيران تلاحق كل من يسيء إليها ولو كان تحت حماية المخابرات الفرنسية والأمريكية والصهيونية وتستدرجه إلى العراق وتأتي به من هناك إلى طهران من دون علم السلطات العراقية، بل وإن كافة المسؤولين العراقيين هم أنفسهم يحتاجون إلى الحماية الإيرانية، لأنهم يعرفون جيداً أن الولايات الأمريكية لا يمكن الوثوق بها، فإنها في كثير من الحالات تغتال من في حمايتها أو تسهل مخابراتها للعصابات المتعاونة معها الأمر، وذلك لاستغلال العملية في تحقيق اهدافها الخبيثة وإطالة أمد اختلالها للعراق.

إن الضعف والهوان الأمريكيين قد بلغا أقصى مداهما حيث بدأت الولايات المتحدة بشخص وزير خارجيتها مايك بومبيو التوسل لدى السلطات العراقية طالباً تامين الحماية للسفارة الأمريكية الموجودة في المنطقة الخضراء التي حددتها وحصّنتها قوات الإحتلال الأمريكي نفسها إبان غزو العراق بغية ضمان الأمن لقياداتها.

 لكن،

هذه البقعة المنيعة جيداً لم تعُد آمنة لتلك القيادات، وبعد اختبار مختلف الوسائل لتأمين وجود وتحرك وتموين الجيش الأمريكي الموجود بالآلاف في العراق وفشل كافة أنظمة الدفاع المتطورة جداً في حماية السفارة الأمريكية ها هو الوزير الأمريكي يلوّح بأغلاق السفارة الأمريكية في العاصمة العراقية، وهنا نصل إلى ما أعلنتُه بعد أيام من فرض القوات الأمريكية كامل سلطتها على الأراضي العراقية في العام 2003 من أن إيران هي في الحقيقة الممسكة بمفاتيح القرار في مختلف القطاعات ومراكز القرار في العراق..

السيد صادق الموسوي

الوسوم