بيروت | Clouds 28.7 c

شكرا دونالد ترامب / بقلم السيد صادق الموسوي

مجلة الشراع 27 أيلول 2020

 لقد عملت أمريكا قروناً لتثبت أنها موئل الحرية..

 وملجأ المضطهدين..

 والمهتمة بالديمقراطية وحقوق الإنسان حيثما كان هذا الإنسان..

 وأنها في الداخل دولة تلتزم القانون وتحترم النظام وتساوي في الحقوق والواجبات بين المواطنين والمسؤولين.

ولقد بُذلت جهود كبيرة لتكريس هذه الصورة الجميلة جداً في أذهان البشرية كلها، حتى اعتقد كل مضطهد في بلاده أن منجاه هو في الهرب إلى الولايات المتحدة.

 وبذل الجهود كل صاحب فكر حرّ شعر بقليل من المضايقات في وطنه ليحصل على تأشيرة هجرة إلى أمريكا حيث يمكنه الإفصاح عما في داخله دون خوف أو وجل من أحد، ورأى كل مكتوٍ بنيران الحروب الداخلية أو الإقليمية أن وصوله إلى الساحل الأمريكي بأية طريقة ممكنة هو لحظة استعادة الأمل بالحياة الكريمة له ولأسرته، بل تيقن الجميع أن الحصول على الجنسية الأمريكية يجعل من أي إنسان مهما كان جنسه أو لونه أو دينه أو عقيدته محترماً حيثما يذهب في الداخل الأمريكي وحول العالم، وأن المواطنين الأمريكيين هم سواسية لا يتميز الرئيس الأمريكي عن المواطن العادي بشيء،  حيث نظر العالم مرات كيف يسير الرئيس الأمريكي بين السائحين في المنطقة المحيطة بالبيت الأبيض ويتبادل أطراف الحديث بكل أريحية ودون تكلف مع الحاضرين القادمين من مختلف دول العالم بهدف السياحة ويأخذون معه الصور التذكارية بكل فخر، ونُشرت صور كثيرة عن وقوف الرئيس الأمريكي في صفوف المواطنين العاديين وهو ينتظر دوره في مراكز التسوق ليدفع ثمن ما اشتراه بنفسه، وذلك من دون أن يحيط به الحراس المدججون بالسلاح، ويفرضوا طوقاً أمنياً واسعاً حوله خوفاً على حياته، ويفرضوا أجواء الرعب في المكان بسبب وجوده، أو أن يتقدم على من سبقه في الصف الطويل أمام الصندوق، أو أن يبالي المحاسب على الصندوق بأن هذا المشتري هو رئيس البلاد ومن سبقه أو من خلفه هو شخص عادي، بل ونقلت وكالات الأنباء أن رئيساً أمريكيا وصل إلى صندوق متجر ليدفع ثمن البضاعة التي اشتراها وإذا بالمحاسب يجد أن الرجل وهو رئيس أمريكا لا يملك المبلغ الزهيد من الرصيد في بطاقة ائتمانه، فلم يتقدم أحد من الآخرين لإنقاذ الموقف أو يبادر شخص من الحاضرين إلى دفع المبلغ نيابة عنه حفظاً لكرامة الرئيس الأمريكي، أو أن يسامحه صاحب المتجر بالمبلغ الزهيد، أو أن يشعر مدير المتجر أصلاً بوجود الرئيس الأمريكي في المكان.

كل هذه الصور شاهدها العالم مرات ومرات..

 وكل هذه الوقائع سلط الإعلام الأمريكي الضوء عليها كثيراً ليرى الناس في كل بلاد المعمورة أن أرض الأحلام وواحة الحرية والمصداق الحقيقي لاحترام حقوق الإنسان هو الولايات المتحدة الأمريكية..

 واعتقد عشرات الملايين حول العالم طوال قرون من الهاربين من اضطهاد دولهم، والخائفين على حياتهم بسبب عقائدهم وأفكارهم، والباحثين عن لقمة العيش الكريم، والحالمين ببناء مستقبل زاهر وحياة رغيدة لهم ولذرياتهم، بأن المكان الوحيد الذي يشعرون فيه بالأمان ويحققون فيه الأهداف ويبلغون في ربوعه التطلعات، ويحميهم القانون العادل دون تمييز أو إجحاف هو الولايات المتحدة الأمريكية.

لكن،

هذه الصورة الجميلة جداً والتي بُذلت جهود إعلامية كثيرة وعلى مدى القرون منذ تأسيس الولايات المتحدة، قد بان سريعاً كذبها للقاصي والداني من خلال ما رآه العالم ولا يزال وتنقله وسائل الإعلام من سلوك الرئيس الأمريكي دونالد ترامب..

فلا قانون هناك يخضع له الجميع لمّا يشاهدون كيف يتحدى الرئيس الأمريكي السلطة التشريعية ويكيل لأعضائها أقبح الشتائم ولا يقيم وزناً لرئيسة هذه السلطة بل يتهمها بالجنون تارة وبالعُهر مرة، ويتجاوز ما يصدر عن مجلس النواب وحتى عن مجلس الشيوخ من قوانين عبر إصدار أوامر رئاسية تنفيذية، أو استعمال الفيتو لوقف مفعول القانون، وشاهد العالم كم مرة عزل الرئيس الأمريكي وزير العدل لأنه لم يتصرف وفق مزاجه، وتحدى حكم قاضٍ في إحدى الولايات حكم بخلاف ما يريده، وما أكثر ما أعلن عن عزل الشخصيات الأساسية في إدارته عبر كتابة تغريدات وهو مستلقٍ على سرير نومه في آخر الليل ودونما إعلام لذلك المسؤول مسبقاً أو تبرير منطقي لعزله بهذا الأسلوب المهين، وسمع العالم أكاذيب رئيس الولايات المتحدة  في مختلف المواضيع والتي توقفت وسائل الإعلام في بلده عن عدّها لكثرتها حتى فقد الناس في الداخل والخارج الثقة بالرئيس وسقطت مصداقية دونالد ترامب في أعين مواطنيه وأمام دول وشعوب العالم.

وفي ما يتعلق بالتعامل مع المواطنين في داخل الولايات المتحدة،

فالعالم يرى كل يوم مقتل أمريكي أسود أو أكثر على يد شرطي أبيض أو بيد مسلح من العنصريين البيض المدافعين عن ترامب والذين يتجولون بحرية في أنحاء البلاد، حيث لا يبغي المتظاهرون السلميون سوى الاعتراض على السلوك العنصري الفاضح للشرطة، ويتدخل دوماً الرئيس فيبرر تصرف الشرطة بحق المواطنين ويقف إلى جانب العنصريين، ويستفز حشود المتظاهرين بالملايين بأوصاف لا تخرج إلاّ من أفواه " زعران الشوارع "، بل يطالب كرد فعل على توسع التظاهرات المناوئة للعنصرية بسجن المشاركين فيها حتى مدة ١٠ سنوات، ثم يرفع مستوى التهديد حيث طالب بإعدام من يتمّ القبض عليه من قبل الشرطة، ولما يعجز عن السيطرة على الحشود الهائلة فإنه يفرض حالة الطوارئ والأحكام العرفية في بعض الولايات، ويستقدم الحرس الوطني، ويستعمل الجيش الأمريكي لقمع المتظاهرين العزّل..

وهكذا،

يتبين للجميع سيادة التمييز العنصري في الولايات المتحدة بأجلى صورها..

وانتهاك الحريات في أوضح تجلياتها..

وفقدان القيم الإنسانية التي كانوا يتكلمون عنها..

وانحدار ادب التخاطب بين المسؤولين في أعلى الرُتب والمناصب إلى أدنى مستوياتها..

 وعدم الإكتراث بأصوات الطبقات الشعبية والإهتمام بحال الفقراء، بل ولقد وصلت الحال إلى حد تبرئة القضاء للشرطيين الأبيضين اللذين هاجما مواطنة سوداء وهي في منزلها وقتلها دون أي ذنب أو مقاومة من قبلها.

أما في مجال التزام القانون والتسليم لقواعد تداول السلطات،

فإن الرئيس الأمريكي يعلن مسبقاً رفضه لتسليم السلطات سلمياً لمن يتمّ إعلان فوزه في الإنتخابات المقبلة، ويعلن قبل أكثر من شهر من يوم التصويت عن التزوير في عملية الإنتخاب، وبالنتيجة عدم رضوخه للفائز في صناديق الإقتراع، وهذا اوضح دليل على مدى التزام القانون ووجود دولة المؤسسات في الولايات المتحدة الأمريكية.

وبالنسبة لاحترام الولايات المتحدة لتوقيعاتها فقد أظهر تعامل إدارة دونالد ترامب مع الإتفاق النووي مع إيران أنه لا يجوز الثقة بأي اتفاق مع أية إدارة أمريكية لأن التي تليها تنقضها لمجرد اختلاف الرئيس القادم مع الرئيس السابق حتى إذا كان ذلك الإتفاق اتخذ طابعاً دوليا وبالإجماع.

أما بالنسبة للإلتزامات الأمريكية تجاه المؤسسات التابعة لمنظمة الأمم المتحدة:

 كمنظمة الصحة العالمية

ومنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة ( اليونسكو )

ومحكمة العدل الدولية

ومنظمة التجارة العالمية

وصندوق النقد الدولي

 فقد اصطدم الرئيس الأمريكي بها وبغيرها من المؤسسات الدولية فخرج من بعضها وقطع التمويل عن بعضها ومنع المسؤولين في بعضها من الدخول في الولايات المتحدة وفرض عقوبات اقتصادية عليهم، وهذا ما فضح مدى احترام أمريكا مع تبدل مسؤوليها لالتزاماتها كدولة مؤسسات تجاه الدول الأخرى ووفائها لتعهداتها الإقليمية والدولية.

ولا نريد ذكر تصرفاته الغبية مع بدء تفشي فيروس كورونا ومكابرته واستهزائه بالمرض ومعارضته لأراء الإحتصاصيين ورفضه حتى لموقف كبير الأطباء في البيت الأبيض، ثم وصفه أدوية أدت إلى موت العشرات ممن تأثروا بكلامه وقاموا باستعمالها، ثم رمي التهمة إلى هنا وهناك في الداخل والخارج هربا من تحمل المسؤولية، وتكرار القول كذباً بقرب الوصول إلى عقار يقضي على الفيروس في مدة قصيرة، حتى أصبحت الولايات المتحدة المتبجحة بأنها الأكثر تقدماً في مختلف مجالات العلوم أكثر بلاد العالم في عدد المصابين بالفيروس والضحايا بسبب عدم وجود إمكانات الوقاية ووسائل العلاج، حتى أقدمت امريكا جهاراً نهاراً على سرقة الشحنات التي اشترتها دول أخرى، والسطو على الكميات التي كانت في طريقها للوصول إلى بلاد حليفة لها في أوروبا من دون مبالاة بالرأي العام العالمي الذي شاهد العمليات، واحترام للأصول في التعامل بين الدول، واكتراث بما يقوله أبناء البلاد التي حُرمت عنوة من وسائل الوقاية من الوباء القاتل وتسبب ذلك في شيوع المرض وموت الآلاف.

أما على صعيد التعامل مع دول العالم،

فإن الرئيس الأمريكي يساند بكل قوة نتنياهو الإرهابي الذي يتظاهر ضده عشرات الألوف من الصهاينة أنفسهم كل يوم ويتجمهرون في الساحات  على الرغم من مخاطر تفشي فيروس كورونا كونه متهم بالفساد من قبل محكمة سلطة الإحتلال، عدا أنه يمارس يومياً أبشع أنواع الجرائم بحق الفلسطينيين، ويفرض على ملايين البشر الحصار الخانق، ويقطع عنهم الماء والكهرباء والغذاء، ويمنعهم حتى من صيد السمك في البحر ليكون قوتاً للاطفال والنساء، بل ويقوم بقصف الساحل ليمنع الأطفال من اللعب والتمويه قليلاً عن الظروف الصعبة التي يعانونها، وكذلك يساند بكل قوة الحاكم الفعلي في السعودية محمد بن سلمان وهو الذي أشرف شخصياً على قتل وتقطيع جثة شخص يحمل الجنسية الأمريكية ويمارس الصحافة في إحدى أهم الصحف الأمريكية وذلك في داخل مبنى القنصلية السعودية في تركيا بعد استدراجه إليه، ثم إخفاء أثره كلياً، فلا يعرف أولاده وذووه مكان دفن صاحبهم ليبكوا فقيدهم على قبره، بل قاموا بتقبل التعازي في منزله دون أن يترافق أو يعقب ذلك عملية دفن الجثمان ومواراته في الثرى كما يفعل ذووا الأموات في كل بقاع العالم أو حتى معرفة أي شيء عن مصير جثته، بل يفتخر الرئيس الأمريكي بأنه هو من أوقف محاولات أعضاء في مجلسي النواب والشيوخ للتوسع في التحقيق بالجريمة الوحشية.

والرئيس ترامب يساند أيضاً الجرائم اليومية التي ترتكبها السعودية في اليمن بحق شعبه المظلوم بل ويشارك هو مباشرة فيها، ولا تثير مشاعره الإنسانية صور آلاف الأطفال الذين قتلوا ولا يزالون نتيجة الغارات الجوية السعودية على منازل المواطنين العزل، ولا يتفوّه بكلمة إدانة للقصف الوحشي على التجمعات الشعبية بمناسبات الأفراح والأتراح في مختلف المدن وقتل العشرات من الحاضرين فيها بالقنابل الفوسفورية والسبب في ذلك هو التجاوب السريع لملك السعودية مع طلباته وتقديمه المليارات من الدولارات دون تردد أو مناقشة، كل هذا نموذج من التزام الولايات المتحدة القيم الإنسانية واحترامها لحقوق الإنسان.

وفي المقابل،

 يصف الرئيس الأمريكي الإنتخابات التشريعية أو الرئاسية في أي بلد لا يوافق نظامه سياسة أمريكا الإستكبارية بأنها غير شرعية ويطعن بنزاهتها، ثم يقوم بفرض الحصار الخانق على ذلك البلد وإصدار عقوبات قاسية بالجملة على المسؤولين فيه بل وتنصيب من يقبل بهيمنة الولايات المتحدة رئيساً بديلاً عن المنتخب من قبل الشعب وإجبار دول العالم على الإعتراف بشرعيته، في وقت تتحالف فيه أمريكا استراتيجياً مع أنظمة ديكتاتورية لا أثر فيها للمشاركة الشعبية ولا مظهر فيها لأية ممارسة للديمقراطية، والرئيس بنفسه يقرّ بأنه لولا الحماية العسكرية الأمريكية فإن قادة تلك البلاد لا يملكون الوقت الكافي للوصول إلى المطار والركوب في طائراتهم الخاصة والفرار من غضب شعوبهم عليهم، لكنه يصف الجمهورية الإسلامية في إيران التي قاومت أكثر من ٤١ عاماً ولا تزال الحصار الكامل وأشد العقوبات في التاريخ باعتراف الرئيس الأمريكي ومعاونيه والمسؤولون في إيران لا يزالون يحصلون على رضا الشعب وتجري الإنتخابات التشريعية والرئاسية فيها بسلاسة وشفافية ودون أي تأخير.

وباختصار،

 يجب أن نقدم الشكر للرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي وفّر علينا الجهد والوقت وأزال هو النقاب عن وجه الولايات المتحدة وفضحها على حقيقتها...

 وكشف أمام العالمين زيف الإدعاءات التي روّج لها الإعلام الأمريكي طوال عقود حول ميزات تلك البلاد وخصوصيات النظام فيها، فعلم الهاربون من قمع سلطات بلادهم أن سلطات أمريكا لا تقل شراسة في قمع مواطنيها عن دول العالم الثالث...

 ورأى الباحثون عن واحة من الحرية أن لا وجود لها أصلاً في أمريكا حين يصبح الأمر جدياً..

 وشاهد المنادون بالمساواة بين الشعوب والأعراق والعقائد والأديان كيف يتم التعامل بعنصرية ضد ذوي البشرة السوداء لاختلاف لونهم، وضد المسلمين بسبب الإنتماء لدينهم، وضد المعارضين للسياسة الأمريكية المتبعة في التعامل مع الدول والشعوب..

وهذا ما نريد نحن بيانه وتوضيحه.

السيد صادق الموسوي

الوسوم