بيروت | Clouds 28.7 c

حكومة أكثريّة، أم حصار للتكليف يا هذا؟ بقلم: القاضي الشيخ خلدون عريمط

حكومة أكثريّة، أم حصار للتكليف يا هذا؟ بقلم: القاضي الشيخ خلدون عريمط

 (رئيس المركز الإسلامي للدراسات والإعلام)

 

 التّكتلات النيابيّة والقوى السياسيّة ومنذ أسابيع عديدة تتقاذف مصلحة الوطن بجميع أبنائه، كل من موقعه وخندقه والشروط والشروط المقابلة هي سيدة الموقف، ومصلحة الوطن نعني بها مسألة تشكيل الحكومة المنتظرة منذ أكثر من شهرين والّتي أوكل المجلس النيابي بأكثريته المطلقة الرئيس سعد الحريري بتشكيلها، وهذا ما نصّ عليه دستور البلاد.

فالاختيار من النوّاب، والتّكليف من رئيس الجمهوريّة بناءً على خيار المجلس النيابي، والرئيس المكلّف هو الّذي يجري المشاورات ووحده يؤلّف الحكومة بالتشاور مع الرئيس، والتشاور لا يعني التأليف و((الفيتو)) على هذا أو ذاك، انّها الحكاية الدائمة في تأليف الحكومات في لبنان باسم الديموقراطية الهجينة، غير أنّ حكاية إعاقة انجاز التأليف في هذه المرحلة تختلف شكلاً ومضموناً عما سبق، لأنّ بعض رؤساء الكتل وبايحاء غير مرئي محلياً وربما خارجياً تعمل على الاختطاف الضمني لعمليّة التأليف، وهذا اعتداء صارخ على صلاحيّات الرئيس المكلّف لا يمكن السماح به أو السكوت عليه مهما استمر الفراغ الحكومي، فكيف تسمح بعض القوى او التكتلات النيابية لنفسها أن تشترط عدد الوزراء لهذا الطرف أو ذاك؟ ومن أين جاءت بهرطقاتها الدستوريّة لتحدّد معايير التأليف وعدد وزراء هذه الكتلة النيابيّة أو تلك؟ بل أنّ بعض من يرفع شعار قوّة لبنان، يريد لبنان قوياً على مقاس مصالحه وأحلامه وتطلعاته المستقبليّة وكأن الانتخابات الرئاسية هي بين ليلة وضحاها، ومن أجل ذلك لا مانع لديه بأن تبقى البلاد بدون حكومة لأشهر وحتّى لسنوات، ومدرسة التعطيل هذه! ليست جديدة في حياة هؤلاء وفي حياة لبنان السياسيّة، وخصوصاً في السنوات الأخيرة، وقد سبق بعضهم أن قال ((الصهر صهر حتّى ولو ضاع البلد)).

ما هكذا تبنى الأوطان يا هذا! ففائض القوّة لهذه الكتلة النيابيّة أو تلك لا يمكن أن يبني عيشاً مشتركاً أو أن يعمّق ثقافة المواطنة الّتي يعمل لها الرئيس المكلّف سعد الحريري والّتي من أجلها قدّم التضحيات الكثيرة على صعيده الشخصي وعلى صعيد من يمثل، حتّى بتنا نشعر بأنّه وحده يريد بناء الوطن، والأكثريّة تريد أن تنمّي كهوفها الطائفيّة أو تحصن خنادقها المذهبيّة، ومن الخطأ الكبير أن يستمر مثل هذا النهج في حياتنا الوطنيّة! حتّى باتت الخلافات والاختلافات هي الأساس وما دونها الاسثناء، وبات تعطيل القرارات بل وحتّى إيقاف الاعتمادات الماليّة من أجل نقل موظّف أو تعيين آخر، أو حتّى تزفيت أو تأهيل طريق هنا وطريق هناك هو السائد والطبيعي بين القوى السياسيّة وصراعاتها المحزنة والمخجلة، حتّى بات المواطنون يشعرون أنّهم يعيشون في اتحاد كونفدرالي لطوائف ومذاهب يمكن أن نطلق عليها ((اتحاد ولايات الطوائف والمذاهب اللبنانيّة)).

بعضهم يطرح حكومة أكثريّة بخلفيّة سياسيّة معينة، والبعض الآخر يريد محاصرة هذه الكتلة النيابية أو تلك، وبعض البعض يريد مسح كل القوى السياسيّة في طائفته ويسعى بكل جهده وعناده لتفريخ واصطناع قوى سياسيّة في طوائف أخرى بعد أن يركّب لها كتلة نيابيّة بالاعارة لممارسة الكيديّة وتصفية الحسابات الضيّقة وبمراهقة سياسيّة ظاهرة للعيان، ما هذا العمل يا هذا؟ وأين مصلحة البلاد ورئيسها ؟ وهل بذلك نبني قوة لبنان وعيشه المشترك ووحدته الوطنيّة ومصلحة أبنائه جميعاً؟

من يحب لبنان ويدّعي بأنّه حر في قراراته عليه أن يعمل لمصلحة الوطن، لا أن يضحّي بالوطن واقتصاده وشعبه ومصالحه العربيّة والدوليّة من أجل تأمين مستقبله ومشاريعه الخاصّة.

الرأي العام اللبناني بكل شرائحه بدأ صبره ينفد، وازدادت نسبة الإحباط بين الناس في كل المناطق اللبنانيّة، نتيجة تراكم الحاجات الاجتماعيّة وكساد الأسواق والبطالة وأزمات المياه والكهرباء والتلوّث البيئي براً وبحراً وجواً، ألا يشعر المعرقلون لتشكيل الحكومة بخطورة الأوضاع؟ ألا يسمعون صرخات العاطلين عن العمل! واستغاثة القطاعات النقابيّة! كيف يمكن للرأي العام أن يستوعب أنّ دولة اقليميّة مثل تركيا تديرها حكومة من ستة عشر وزيراً! ولبنان حكومته من ثلاثين وزيراً وحتّى بعضهم يريدها أكثر من ذلك وتحتاج لمعجزة لتأليفها.

والسؤال المطروح لدى النّاس الطيّبين في لبنان، أما آن للوعي الوطني أن يستيقظ؟ ومتى تصبح الحكومة لكل الوطن، ويصبح الوزير في خدمة النّاس أياً كانوا، وأن لا يكون وزيراً لطائفة أو مذهب أو منطقة، بل وزيراً لكل لبنان.

حكومة أكثريّة أو أقليّة أو حكومة جامعة هل هذه شعارات تأليف أو حصار للتكليف من أجل الاحراج  والإخراج  والحاق لبنان متأخّراً بحرائق المنطقة كمن يجهّز نفسه ((للحج و النّاس راجعه)).

 

الوسوم