بيروت | Clouds 28.7 c

لا تشيّعوا ثورة الحسين عليه السلام/ بقلم السيد صادق الموسوي

مجلة الشراع 20 آب 2020

صحيح أن الحسين هو ابن بنت محمد رسول الإسلام صلى الله عليه وآله، وصحيح أن يزيداً هو حاكم باسم الإسلام ويدّعي أنه الأمين على الشريعة الإسلامية، وبالنتيجة فإن طرفي الصراع هما مسلمان في ظاهر الأمر، لكن الحقيقة أن واقع الحكم في عهد يزيد قد تجاوز حد الإنحراف عن مبادئ الدين الإسلامي الحنيف إلى الخروج عن الدين من الأساس، أما في سلوكه مع الناس فهو مارس البطش واستعمل العنف وحكم بالسيف، وهدد كل معترض على تصرفاته بالفتل، فلا هو التزم بمبادئ الدين الإسلامي الذي يؤكد ( إن الله يأمر بالعدل والإحسان وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي )، بل كان متهتكاً متظاهراً بالفجور وشرب الخمر والتماجن والتشبيب بالنساء واقتناء الكلاب والفهود وآلات اللهو، ولا هو أمسك بمقاليد السلطة برضى الشعب عبر بيعة طوعية بعيدة عن الإكراه والتهديد حيث يذكر التاريخ كيف أخذت البيعة ليزيد والسيوف مسلطة على رقاب كبار الشخصيات من صحابة رسول الله صلى الله عليه وآله، وتمّ إبلاغهم بصريح العبارة بأن أية محاولة لعرقلة أخذ البيعة ليزيد ممنوعة، وأن كل متردد في القبول بولاية العهد ليزيد مصيره القتل لا محالة، علماً بأن منصب ولاية العهد لم يكن مسبوقاً في تاريخ الإسلام ولم يتم أخذ البيعة لحاكم إسلامي قبل وفاته من قبل، في حين أن الحسين عليه السلام هو آخر فرد من أهل الكساء الذين نزلت فيهم آية ( إنما يريد الله ليُذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً )، إذن فهو الأمين الصادق على الرسالة التي بعث الله بها جده محمداً صلى الله عليه وآله، والمقبول لدى عموم المسلمين وسيد العرب في دهره حسب وصف عبد الله بن مطيع له، حيث بايعه من أهل الكوفة وحدها ٢٨٠٠٠ شخص على أكثر تقدير من خلال رسائل مكتوبة وموقعة تسلمها رسول الحسين مسلم بن عقيل في ظل وجود والٍ على المدينة من قبل يزيد، وبعد حصول مسلم على بيعة ٢٨٠٠٠ واطمئنانه من الجو الغالب بعث رسالة إلى أبي عبد الله الحسين يطلب منه القدوم، وكان الناس كلهم مترصدين وصول الحسين عليه السلام بفارغ الصبر وإذا بعبيد الله بن زياد يقدم من البصرة متعجلاً  إلى الكوفة وورد من باب يدخل منه الآتون من جهة المدينة المنورة وهو قد غطّى وجهه وتلثّم ولبس عمامةً سوداء وتصرف بما لم يدع مجالاً للشك بأنه الحسين بن علي عليه السلام، ولدلك كان الناس يخاطبونه:

" مرحباً بك يابن رسول الله، قدمت خير مقدم "

وقد تفاجأ أيضاً الوالي نعمان بشير بحقيقة شخصية ابن زياد إذ كان هو أيضا يعتقد بأن المتّجه نحو قصر الإمارة هو الحسين، ولذلك فإنه لما طُرق الباب أطلّ من شرفة القصر وقال: 

" اُنشدك الله إلاّ ما تنحّيتَ، واللهِ ما أنا بمسلِّم إليك أمانتي، وما لي في قتالك من إرب ".

لقد واجه ابن زياد صعوبة بالعة في شق صفوف عشرات ألوف المبايعين للحسين عليه السلام في الكوفة وحدها ونحن لا نريد الدخول في التفاصيل التي أوردها المؤرخون، لكن المقصود من ذكر هذه المقدمة أن نهضة الإمام الحسين كانت مستندة إلى أصول العقيدة الإسلامية ضد حاكم يُفترض أنه مؤتمن على الشريعة الإسلامية، لكن التطورات في المسيرة الحسينية جعلت حركته شمولية لا تنحصر بالذين يوالون علياً عليه السلام بل إن عبد الله عمر بن الخطاب كان من بين الذين حاولوا ثني الإمام الحسين عن الخروج من مكة وقد لحقه في بعض الطريق، ولما ذكّر الحسين عليه السلام بمكانته الفريدة وضرورة حضوره في الساحة وعدم المخاطرة بالحروج من مكة في وقت يوشك الناس على الصعود إلى عرفات، فردّ الإمام عليه بقوله: " لو كان أبوك حيّاً لسار معي "، وكذلك نجد أن زهير بن القين العثماني الهوى لما التقاه الحسين في أثناء الطريق سرعان أن اقتنع بمنطق الحسين وانضمّ إلى قافلته وقاتل بكل صدق يوم عاشوراء حيث كان من أخلص أصحابه وأشدهم ثباتاً في الميدان ومضى شهيداً في ركب سيد الشهداء، وهذان النموذجان نذكرهما لنثبت أن ثورة الحسين لم يكن لها طابع مذهبي خاص بل إنها جاءت بعد أن توضح لعموم المسلمين خروج الحاكم بالكامل عن تعاليم الدين الحنيف سواء في سلوكه الشخصي أو في سياسته في إدارة الدولة، بل إن لحاق وهب النصراني إلى قافلة الحسين أثناء الطريق ومشاركته في القتال إلى جانبه يوم العاشر من المحرم بكل شراسة إلى جانب باقي أصحاب الحسين وكذلك إصرار جون النصراني على البقاء على الرغم من إصرار الحسين على تركه والنجاة بنفسه، واستشهادهما سوياً في ساحة المعركة لهو نموذج من انشداد غير المسلمين أيضاً إلى مبادئ الثورة الحسينية، وفي المحصلة نجد أن المسيرة التي أطلقها الإمام الحسين عليه السلام بدأت لحماية الدين وهنا كان طرح:

" إن كان دين محمد لم يستقم إلاّ بقتلي فيا سيوف خذيني "،

 لكنها أخذت الصفة الإنسانية بمعزل عن الدين والقوم والعِرق من خلال صرخته المعروفة:

" إن لم يكن لكم دين وكنتم لا تخافون المعاد فكونوا أحراراً في دنياكم ".

اليوم وبعد قرون من انطلاق نهضة حسينية إسلامية ضد حكم معادٍ لشرع الله وثورة حسينية إنسانية في وجه سلطان جائر لا يُعير اي اهتمام لإرادة الشعب ومصالحه ومشغول باللهو وغارق في الشهوات، وبعد أن استلهم طوال التاريخ مجاهدون مسلمون وأحرار من كل مذهب ودين دروساً من الثورة الحسينية للوقوف بثبات ضد حكام جائرين والإستقامة على الحق على الرغم من قلة العدد وشدة الحصار وشراسة القتال، فإن تضييق الدائرة حتى يبدو أن الشيعة هم المعنيون فقط بثورة الإمام الحسين لهو ظلم كبير لتلك الثورة العظيمة، وهو يتسبب في حرمان باقي طلاب الحرية في انحاء العالم من الإستفادة من مبادئ ثورة قامت لوقف الإنحراف عن الدين واالإحترام لإرادة الشعوب في وقت واحد، لأن صورة يوم عاشوراء جسدت مشاركة عشاق الحسين من حبيب بن مظاهر الشيخ الهرم وقاسم بن الحسن الشاب المراهق وعلي الأكبر الهاشمي وزهير بن القين العثماني ووهب وجون النصرانيين وشارك النساء كتفاً بكتف مع الرجال، والأطفال عانوا من العطش والجوع كما الكبار، لكنهم جميعاً كانوا يصرخون بصوت واحد:

" هيهات منّا الذلّة " ليصل صدى هذه الصرخة المدوية إلى كل المستضعفين في الأرض في كل عصر وزمان.

إن هذه الصورة الجامعة يجب علينا نحن الشيعة تجسيدها كل عام بمجالسنا للعزاء في آيام محرم بمختلف بلاد العالم لكي يتعرف الناس من كل مذهب ودين وطائفة وقوم على شمولية المنطق الحسيني وعالمية المسيرة الكربلائية وعمومية القافلة التي أطلقها في العام ٦١ هجري سيد الشهداء عليه السلام وهو يعلن مبررات حركته:

" يزيد رجل فاسق، شارب الخمر، قاتل النفس المحرمة، ملعن  بالفسق، ومثلي لا يبايع مثله " ليكون هذا منهجاً يسير عليه كل شيعي وفيّ في كل عصر، وكل مسلم صادق في كل مصر، وكل صاحب دين ملتزم في كل بقعة في العالم، وأيضا كل إنسان على وجه الأرض لا يعتقد بأي دين سماوي بل لا يؤمن بخالق هذا الكون لكنه يعشق الحرية ويبغي العيش بكرامة، وهم جميعاً يحملون راية الحسين وشعاره القائل:

" الموت في عزّ، خير من حياة في ذلّ "، حيث تتسع خيمة أبي عبد الله لكل هؤلاء على اختلاف مذاهبهم وطوائفهم وأديانهم وقومياتهم وألوانهم.

فلا تُشيّعوا يا شيعة العالم الحسين عليه السلام فيكون الحسين مظلوماً مرتين مرة من قبل الذين قتلوا جسده يوم عاشوراء عام ٦١ هجري ومرة من جانب الذين يقتلون كل عام مبدأه الشمولي ومنهجه العالمي ويضيقون إطار ثورته ويحتكرون الولاء له.

السيد صادق الموسوي

الوسوم