بيروت | Clouds 28.7 c

من هنا نبدأ / بيروت مستفزة؟! بقلم حسن صبرا

مجلة الشراع 16 آب 2020

بعد كل معركة،  شوارع واحياء في بيروت بين طرفي الحلف المعمد بالدم اي حركة امل والحزب الاشتراكي كان وليد جنبلاط يخرج ليعتذر عن الإقتتال الليلي الذي كان الرئيس سليم الحص يصفه بأن جماعتا جنبلاط وبري يتقاتلان في الليل ويحرمون ابناء بيروت من النوم ويفرضون الرعب والدمار على البيارتة، اما في النهار فترى المتقاتلين انفسهم يتناولون افطارهم سوية ويتبادلون كاسات الشاي والمناقيش وكأن شيئاً لم يكن..

في احدى اطلالات الإعتذار لجنبلاط رد على المذيعة التي سألته لماذا هذا الإقتتال قائلاً:

يا عمي هاي بيروت مدينة مستفزة وهؤلاء الشباب المقاتلين نازلين من ضيعهم مش قاشعين شي متل اللي ببيروت فبدكم ما تواخدوهمش!!

لم تستفز بيروت جماعات بري وجنبلاط فقط ، فهكذا كان حالها مع المنظمات الفلسطينية المسلحة التي خرجت من مخيماتها في لبنان وفي سورية وفي الاردن ومن غزة ، وقد عاثوا فيها فساداً ، وكانت بيروت مستفزة منهجياً لجيش حافظ الاسد الذي اقام نظامه العلوي في سورية على قاعدة كراهيته للمدن السورية وسكانها السنة في دمشق وحلب وحمص وحماه واللاذقية وغيرها

عاثت المنظمات الفلسطينية وكلها سنية في بيروت السنية فساداً، لكنها انعشتها بالمال الذي توفر لها من مصادر عربية غنية من ليبيا والعراق ، ومن السعودية  والكويت ، بينما عبرت جماعات الاسد عن حقدها ضد سنة سورية لتعمم تجربتها على سنة بيروت وكل لبنان.

الفلسطيني الخارج من ذل المخيمات وجد نفسه صاحب السلطة الحاكم بأمره في احدى اهم عواصم العرب ومنطقة الشرق الاوسط كلها ، وربما توفرت لبعض عناصرها فرص الإنتقام ممن كان يتعامل معه بقسوة او امتهان كرامة او بخل بحقه في معاش ..

السوري الحاكم كان يتحرك في لبنان بمنهجية حقد وإنتقام ضد بيروت مدينة الحرية والثقافة والاحزاب والمظاهرات في الشوارع الحاضنة للقضية الفلسطينية كقبلها وبعدها من قضايا العرب والعالم من دون الإلتفات الى ارادة حاكم سورية الذي احتل لبنان

وجد حافظ الاسد بيروت مرآة العرب بصحافتها الحرة حتى وهي متعددة الآراء والولاءات ، فخاف عدواها على الرأي العام الذي كان ينازع الموت في بلده ، فقرر وأدها حتى لا تنقل مصل الحياة الى حرية ومعرفة واراء سورية

وعندما بدأت الفضائيات تؤدي دورها العربي من لبنان ?? كان حاكم لبنان غازي كنعان يتصل بالإعلامي المتبدل مارسيل غانم ليفرض عليه الضيوف الذين يراهم كنعان عيون القضية والعروبة ، ويمنع ظهور من يعتبرهم جواسيس لليكود وشارون!!!

إنتقم حافظ الاسد من بيروت التي كانت تستفزه كونها مقراً للمعارضات العربية وكان يكره مقاهيها التي تلتقي فيها النخب العربية للحديث بحرية عن كل امر ممنوع في بلادها ، كما كان يكره صحافتها وكتابها فإحتل اول الامر جريدة السفير لأنه وجد ان فلسطينيتها ذات نكهة زائدة، ثم خطف رئيس تحرير جريدة النهار ميشال ابو جودة ليخيفه فيلزمه التوقف عن الكتابة عن الحرية والاستقلال والسيادة في لبنان

وعندما تحالف الناصريون والقوميون والفلسطينيون في جريدتي المحرر وبيروت احرق الاولى وانزل الثانية بطوابقها الثمانية على الارض،

بيروت المستفزة.. احتاجها حافظ الاسد ليستعين بطبيب لبناني لعلاجه في دمشق ، واحتاجها نائبه لإجراء فحوصات طبية في مستشفى الجامعة الاميركية في بيروت   واحتاجها وزير خارجيته لإجراء عملية جراحية فيها ،

واستنجدت ابنته بشرى بالطبيب المختص والآدمي كرم كرم لمساعدتها بالولادات المتعسرة واحتاج غازي كنعان احد اتباعه ليدخل ابنه يعرب ليتعلم في الجامعة الاميركية في بيروت

استفزاز المنابر الثقافية في بيروت للأمية الثقافية التي كانت تعشعش في عقول ضباط الاسد ومحازبيه في سورية ولبنان، دفعتهم لإستتباع منابر في بيروت وإستحداث اخرى في محاولة لتزيين صورة باهتة لم يكن لها وصفاً الا القول : ماذا تفعل المرآة في الوجه العكش

ولم يجد رستم غزالي الا الجامعة اللبنانية في بيروت كي يقدم امامها اضحوكته التي اسماها اطروحته متباهياً بأنه نالها من بيروت

بيروت مستفزة؟

نعم، وستظل كذلك وهي تطوي عقداً وامراضاً نفسية لجحافل مرت عليها منذ عقود ، وبعض هذه الامراض تستنفرها عماراتها المميزة وزرقة بحرها التي تطل عليها وشوارعها الاشهر عربياً وعالمياً فتلهث لشراء عقارات اثرية لتهدمها انتقاماًبحجم الدمار لتقيم مكانها عمارات بجماد الباطون ولونه ، وآخر عوارض الامراض النفسية ظهرت بعد نكبة مرفأ بيروت حيث تراكض سفلة من الذكور والاناث لاهثين لإضفاء بشاعاتهم وبشاعاتهن على جمال بيروت المنزوي تحت الركام

بيروت مستفزة ؟

نعم ، ولئن هجر الفقر والحاجة بعض اهلها خارجها وخارج الوطن ، فإن شبق المال لن يستطيع ان يقتحم روحها

فلا البحر سينتقل ولا الجبال حولها ولا معالمها التي تستفز الجهلة ستفقد اشعاعاتها وهي تحضن العصر والحداثة وتعيد اطلاقهما كإحدى انتاجات بيروت

 

الوسوم