بيروت | Clouds 28.7 c

لبنان الدولة نقص في المناعة أو إعاقة في الولادة / بقلم العميد عماد القعقور

مجلة الشراع 13 آب 2020

 

أكتب هذه المقالة ويعتريني اليأس ككل أقراني من الشعب اللبناني ولكن نزولاً عند رأي المحبين أكتب اليوم ما يعتريني من مشاعر حزينة على ما حصل للشهداء والمصابين والبلد الجريح. أصبحت أسأل نفسي هل هي لعنة أصبنا بها أم دولتنا ولدت مع إعاقة دائمة أم هو نقص في مناعتها حتى باتت تنقل بنا من كارثة إلى أخرى ونبقى معذبين دون أفق.

لقد أوردت في مقالات سابقة تحذيرات مما سنواجه إذا ما صوّبنا المسار إذ أن مشاكلنا كثيرة من فقر وتلاعب بالدولار إلى فساد في الحكم والإدارة إلى مرض الكورونا إلى انقسام حاد في الداخل وتلاعب دولي من الخارج وصولاً الى الانفجار الجريمة في العاصمة. العاصمة التي لطالما جمعتنا على مختلف آرائنا و طوائفنا ومشاربنا. أصبحت أخاف على لبنان الكيان إذ أن التفجير في مرفأ العاصمة له دلالته الاقتصادية والسياسية؛ اقتصادياً كونه يعد الشريان الأساسي لتغذية لبنان الموحد وسياسياً أصبحنا نفتش على مرافئ أخرى في الشمال والجنوب مما فتح شهية بعض الأحزاب على التقسيم، لنصبح تحت مجهر الخطر الكياني الداهم.

لبنان كما شبّهته في مقالات سابقة مريض في غرفة العناية الفائقة، تزداد حالته سوءاً وأهله وأبناؤه يختلفون خارج الغرفة على نوع الدواء وجنسية الطبيب. تقوم السلطة وبعض المندسين والإعلام بتهديم المستشفى، وأصحاب المستشفى يطالبون بالمصاريف.

إن الانفجار الجريمة لطعنة كبيرة ومؤلمة في قلب هذا الوطن لكن للمعالجة مطلوب تحقيق شفاف لمعرفة من هو صاحب هذه الحمولة ولماذا خزنت في المرفأ، ومن ثم معرفة أسباب الانفجار، وبعدها وضع المسؤوليات ومحاسبة المرتكبين والمهملين.

إن اتهام جهة حزبية من بداية الانفجار لَخطأ جسيم إذ سممت التحقيق وقسّمت الشعب اللبناني قبل معرفة الجاني، وذلك ليس دفاعاً عن هذه الجهة على الرغم من  المواقف السياسية منها، ولكن كونها جعلت الرأي العام والمجتمع اللبناني أمام حرب أهلية لا أمام ثورة تريد معرفة الحقيقة.

ما يُؤلم أن بعض الساسة والإعلام أصبحوا انتهازيين ينتقدون إما لركوب الموجة أم لتحسين مكاسبهم السياسية. و لا أقول ذلك دفاعاً عن السلطة التي لم تقم بأي خطوة ايجابية بعد ثورة 17 تشرين، لا بالإصلاحات ولا بمكافحة الفساد ولا بتحسين الأداء. انقسمنا ثانيةً حول تحقيق داخلي أو دولي كما حصل بعد جريمة اغتيال الرئيس المظلوم الحريري، حيث شاب التحقيق ما شابه من مغالطات وامتداد بالوقت لكشف الجريمة مدة 15 سنة والإعلان عن القرار في 7 آب المنصرم ومن ثم تأجيله لبعد الانفجار وكأنه سلاح آخر خُبئ ليستعمل في فترة أخرى.

لم نعد نثق كلبنانيين بطبيعة تحقيق محلي أو دولي إذ كفرنا بكل المعايير، ولم نعد نأبه بتغيير هذه الحكومة أو تلك. كل ما نريده أن نعيش بكرامة وسلام، وأصبح من يستطيع الهجرة أن يسارع إليها، ولن يبقى إلا العجزة وأمراء الشوارع. لقد أوصلنا اليأس إلى الأمل بسلطة تأتي من الخارج وتحتل هذا البلد وتؤمن الحد الأدنى من السلام والأمن ورغد العيش غير آبهين بالسيادة والاستقلال الذي ينتهك كل يوم.

يعتبر البعض أن أحد ايجابيات هذا الانفجار الجريمة أنه أعاد فتح الشهية الدولية بتقديم المساعدات والاهتمام بوضع لبنان الذي ترك لمصيره، وهو كالولد المخطوف بين جهتين لا ترحماه، محور الممانعة ومحور أميركا وحلفائها. وما زيارة الرئيس ماكرون وما تبعها من شخصيات أجنبية وعربية إلا اثباتاً لما أقوله؛ لكن مطالبهم معروفة والافرقاء السياسيين يعتبرون أن التدخل هو لدعم هذا أو ذاك.

ورب سائلٍ يقول: "ما الحل"؟ بدلاً من أن نكمل عرض المشاكل كالمنجمين أو بعض الثوار الذين باتوا على صواب بكل ما يطرحون.

إن التدخل الخارجي كالفيروس في الهواء، كالكورونا لا يمكننا منعه ولكن يمكن أن نحصن أنفسنا من الداخل والخارج.

الحل داخلياً بالإتيان بحكومة ذوي خبرة وطنيين مقبولة من كل الأطراف شرط أن يوزر كل طرف أفضل ما عنده من الكفاءة والنزاهة لا بالفساد والاستزلام. القيام بتشكيلات قضائية وأمنية شفافة واختيار الأفضل وإعداد قانون انتخاب عصري وتقصير ولاية المجلس حتى يتسنى للشعب إعادة الاختيار. وإذا عادوا واختاروا مما يشكون منهم فيكون لا أمل من هذا الشعب. الوصول إلى نتيجة سريعة مع تحديد المسؤوليات لحادثة الانفجار بتحقيق محلي مع الاستعانة بخبراء دوليين.

كما يجب ضبط ومراقبة بعض الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، ليس فيما يتعلق بانتقاد السلطة لا بل بوضع ضوابط تمنع من وصولنا للفوضى والحرب الأهلية. كما يجب تنقية صفوف الثوار من العملاء والمخربين الذين شوّهوا صورة الثورة خصوصاً لجهة الاعتداء على القوى الأمنية والأملاك العامة والمؤسسات، حيث لم يفرّقوا بين السلطة والدولة والمجتمع. وطبعاً، البدء بالإصلاحات في الإدارة ومحاسبة الفاسدين وإعطاء الشعب أمل بالتغيير.

أما الوضع الخارجي فانطلاقاً من مبدأ أن السياسة هي فن الممكن، فيجب علينا كأطراف متنازعة أن نصل إلى حد أدنى من التوافق لننقذ لبنان، وألا ننتظر الانتخابات الاميركية كي نحدد مواقفنا ومصيرنا. أو يبقى مصيرنا معلّق حتى تتم ال "الصفقة "بين الاميركي والايراني .

يمكن أن نجتمع على ما نتفق عليه ونبقي القضايا الخلافية معلّقة حتى تنضج الظروف الإقليمية والدولية. فالحياد مثلاً كما طالب به غبطة البطرك مطلوب ولكن بتحديد الحياد إذ لا يمكن أن نكون حياديين بموضوع الصراع العربي الإسرائيلي. وخصوصاً أن سيادتنا منتهكة يومياً. لكن يمكن أن نكون حياديين بالصراعات العربية والتي تؤثر علينا سلباً من الناحية السياسية والاقتصادية. كما أن موضوع الصراع العربي الإسرائيلي يجب وضعه ضمن الجامعة العربية  على الرغم من عجزها، إذ يكفي لبنان ما حمله من هذا الصراع وأن نكون من ضمن استراتيجية دفاعية موحدة من ضمن المنظومة العربية وأن يكون سلاح المقاومة عنصر قوة لصالح الدولة لا موطئ ضعف وخلاف لجهة إعلان الحرب أم استعماله بالداخل أو ارتداداته من حروب الآخرين. ناهيك عن ملف النازحين السوريين واللاجئين الفلسطينيين الذي يتطلب خبرة ودراية وحد أدنى من الوفاق الداخلي.

لا حل دون حد أدنى من الوفاق الداخلي نستطيع من خلاله أن نبعد شبح الحرب الأهلية وحماية لبنان من التدخلات الأجنبية بحيث يصبح كل طرف يشعر بأنه غير مهدد. الإسراع بالإصلاحات ومحاربة الفساد وبسط سلطة القانون حتى نعيد الثقة للبنانيين في الداخل والخارج ووقف الهجرة وتنظيم ملف النازحين وكشف الجُناة ومعاقبتهم... وبالتالي إعادة بناء الدولة على أسس سليمة وعصرية.

حمى الله لبنان الحبيب،

عماد القعقور

الوسوم