بيروت | Clouds 28.7 c

لماذا التشبث بالسلطة الفاسدة وخسارة الشعب المسكين ؟/ بقلم السيد صادق الموسوي

 

مجلة الشراع 9 آب 2020

لا يشك أحد بأن السلطة اللبنانية من قمة رأسها حتى أخمص قدميها قد عشش فيها الفساد ولا استثناء في ذلك أبداً، وكل الذين يقولون كذباً أنهم يريدون محاربة الفساد هم من جملة الفاسدين، والذين أرادوا أن ينخرطوا في المؤسسات بهدف إصلاحها عجزوا عن تحقيق اهدافهم بل شملهم شيء من الفساد إن لم نقل أكثر، وهذا ما يشاهده الناس بالعين المجردة وبكل وضوح ولا يحتاج إلى تحليل وتفسير، وتتابع التطورات وآخرها إنفجار مرفأ ببروت وكيفية التعاطي معه من جانب السلطة والذي سيؤول الأمر في النهاية إلى التمييع وتلبيس الأمر إما بأحد الضحايا وينتهي كل شيء، أو يتهمون به " واحد معتّر " لا ظهر له ولا سند من الأقطاب، ويتم تبرئة المجرمين الحقيقيين، وهذا ما اعتاد عليه اللبنانيون منذ عقود، أما المساعدات التي ستصل إلى لبنان فسيتقاسمها الفاسدون ولا يصل إلى المتضررين الحقيقيين منها سوى الفتات وهذا ما لمسه المواطنون طوال عشرات السنين.

إن مسرحية الإستقالات من النيابة أو الوزارات أو المناصب الأخرى هي للتعمية على الشعب وخداع الناس، فمن من المستقيلين هو من "المعتّرين" الذين لا يملكون حساباً بعشرات ملايين الدولارات في المصارف الداخلية والأجنبية، وإن ادّعى أحدهم ذلك فليرفع السرية عن حساياته وحسابات زوجته وأولاده في الداخل والخارج، وليرى الناس أنه تخلف يوماً عن دفع أقساط مدارس أولاده أو فرغ جيبه من الأموال واحتاج شراء سلعة ضرورية ولم يجد ثمن ذلك واحتار من أين يأتي بالمال ؟.

إن لبنان بلد صغير والناس تعرف بعضها بسرعة، فالذي كان قبل فترة فقيراً يسكن في أحياء فقيرة في ضواحي بيروت قفز قفزة فور تسلمه النيابة أو الوزارة أو أي منصب آخر وصار يسكن في منزل فاخر في أحياء راقية، ويجول في سيارة فارهة، ويشتري عقازات متعددة، بل ويقتني يخوتاً في البحر، وتُفتح له أبواب الثراء غير المشروع، وبعضهم يقدم شيئاً بسيطاً من مسروقاته لمن حوله من الأقرباء والأصدقاء والمحازبين لكي يضمن تأييدهم له في الإستمرار في نهب ثروات الشعب بالملايين وتكديس الأموال باسمه في مختلف المصارف.

إن الواقع الذي وصفناه ليس خافياً على أحد، ولا يشكك أحد في صدق ادعائنا، لكن كل طرف يتهم الطرف الآخر بأنه هو الأكثر نهباً والأقدم في السرقات، وكان شعار بعض الفئات قبيل الإنتخابات النيابية السابقة محاربة الفساد وها هي فترة الـ ٤ سنوات قد أشرفت على الإنتهاء ولم تبدو أي علامة تدل على المحاولة الجدية والخطوة الصادقة لمواجهة ظاهرة فساد في مكان أو التعرض لفاسد كبير في أي من مؤسسات الدولة، بل يتمّ تأجيل كل شيء حتى يحين موعد الإننخابات المقبلة فيُرفع مجدداً شعار محاربة الفساد فينخدع الناس البسطاء مرة جديدة، بل ويجعلون التصويت لمرشحيهم تكليفاً شرعياً وسبباً لحفظ دماء الشهداء في وجه العدو الصهيوني، وبعد فرز الأصوات والتأكد من فوز أحدهم لا يعود التقرب من الناس أمراً لازماً، ولا التواصل مع المستضعفين شيئاً ضرورياً، فلا يعيد الإجابة على الإتصالات الهاتفية، ولا يرى الناس في وجهه البشاشة التي رأوها أثناء الحملات الإنتخابية، ويكون قد انتهى التكليف الشرعي للذين يخافون الله هنا، وصار طريق المشاركة في نهب الخزينة من قبل الفائز سالكاً، هذا في المسؤوليات التي تحتاج لكسب أصوات المواطنين أما المناصب التي يتم تعيينها بمرسوم أو بتوصية زعيم فالمتهالك عليها لا يبالي أصلاً بهموم الشعب، ولا يشعر بضرورة العيش مع الناس والإهتمام بالفقراء، بل همّه الأوحد الحفاظ على رضا الزعيم والببك والرئيس والوزير ومن بيدهم الحل والعقد للوصول أولاً إلى الهدف المطلوب والجلوس على كرسي الرئاسة آو الوزارة أو أي موقع يفتح أمامه أبواب " شفط " الأموال من المواطنين المراجعين بحجج وذرائع مختلفة، ثم التودد الدائم لمن يضمن له البقاء في موقعه ويمكّنه من الإرتقاء إلى منصب أعلى.

لقد ورد في نهج البلاغة أن الناس اجتمعوا بالآلاف في منطقة " ذي قار " ليسمعوا موقف أمير المؤمنين الإمام علي عليه السلام وهو سائر إلى حرب الجمل وهي أخطر الحروب وأول حرب داخلية أحد طرفيها " أم المؤمنين " والطرف الآخر " أمير المؤمنين "، والناس في حيرة من الأمر متلهفون لمعرفة ما يزيل عن قلوبهم الحيرة وعن أفكارهم الإلتباس، وأمير المؤمنين عليه السلام في هذه الحالة منشغل في خيمته عن الجموع المحتشدة بخصف وترقيع نعله المهترئ أصلاً، فدخل عليه عبد الله بن عباس وهو من الشخصيات المهمة في التاريخ الإسلامي والمعروف باسم " حَبر الأمة " ورآه بهذه الحالة فقال معاتباً: " يا أمير المؤمنين؛ نحن إلى أن تُصلح أمرنا أحوج منّا إلى ما تصنع "، لكن أمير المؤمنين عليه السلام لم يُكلّمه بكلمة واستمر في خصف النعل الثاني، فلما فرغ من ذلك ضمّهما إلى بعضهما وقال لابن عباس: " ما قيمة هذا النعل ؟

فقال ابن عباس: " لا قيمة له "

فقال عليه السلام: " والله لَهي أحبّ إليّ من إمرتكم إلاّ أن أقيم حقاً أو أُبطل باطلاً "..

والإمام بيّن بهذا الأسلوب غايته من تسلم زمام السلطة والمشاركة في الحكم وهي فقط " إقامة الحق " و " إبطال الباطل "، وفي غير هذه الحالة فإن دنيا الناس كلها والمناصب وزمام السلطة عند علي هي " " أزهد من عفطة عنز " وفي عبارة ثانية: " أهون في عيني من عراق خنزير في يد مجذوم ".

إننا إذ نعيش أيام عيد الغدير الأغرّ ويحتقل الشيعة في العالم وفي لبنان على وجه الخصوص بهذه المناسبة العظيمة ويقوم الناس في هذه في ذكرى هذا الحدث التاريخي بتبادل التهاني وتوزيع الحلوى وإقامة الإحتفالات وإلقاء الأناشيد في مختلف المناطق، ويرددون: " الحمد لله الذي جعلنا من المتمسكين بولاية أمير المؤمنين عليه السلام " كل هذا يتمّ لتأكيد الولاء دوماً لصاحب المبدأ الذي ذكرناه آنفاً وسلوك سببله واتباع منهجه، لكن الرموز الذين يدّعون أمامنا أنهم من شيعته لا نراهم يتشبهون أصلاً بإمامهم بل نجدهم يسلكون طريقاً آخر لا يمتّ بصلة إلى صاحب الغدير، حيث يوافقون الذين ارتكبوا كل المحرمات ليصلوا إلى كرسي الحكم، ويتحالفون مع من توسلوا بكافة الوسائل ليتسلموا زمام السلطة، ويقومون بتزكية من طرقوا جميع الأبواب ليُوصلهم إحداها للوصول إلى قصر بعبدا، ولا ننسى القذائف التي انهالت على بيروت الغربية والضاحية الجنوبية والقصف العنيف الذي طال مختلف المناطق لما يئس الرجل من بلوغ مأربه وشعر بتحطم أمله في مرحلة، ثم خاصم من جاؤوا به إلى مواقع متقدمة، وحارب رفاق سلاحه لعقود عديدة، وذهب إلى الكونغرس الأمريكي أملاً في تسهيل تحقيق حلمه.

ولا يقولنّ أحد أن أمير المؤمنين عليه السلام كان حرصه الشديد على تحقيق العدل بين أبناء الأمة الإسلامية فقط، وأنه كان يشعر بالمسؤولية تجاه رعاياه المسلمين دون غيرهم، فقد أكّد التاريخ أن علياً عليه السلام لما بلغه أن بعض العصابات المجرمة في أيام حكمه قد أغارت على قرية في " الإنبار " ودخل أفرادها على بعض بيوت غير المسلمين ( المعاهِدين ) ونزعوا عن رِجل امرأة فيها خلخالها وخرجوا دون أن يُراق من أحد منهم دم، فإنه عليه السلام دخل مسجد الكوفة على عجل وصعد المنبر وقال صارخاً: " … وقد بلغني أن الرجل منهم كان يدخل على المرأة المسلمة، والأخرى المعاهدة، فينزع حِجْلها، وقُلْبها، وقلائدها ورِعاثها، ثم انصرفوا وافرين ما نال رجلاً منهم كَلْم، ولا أريق لهم دم، فلو أن امرءاً مسلماً مات من بعد هذا أسفاً، ما كان به ملوماً، بل كان به عندي جديرا ".

إنني وفي مناسبة عيد الغدير أهيب بمن هم حقاً من شيعة علي أن يقتدوا بمنهج إمامهم ويرفضوا أتباع الباطل وسُراق عرق جبين المستضعفين، وناهبي ثروات الأمة، وأن يتعصبوا لمن نصّبه رسول الله صلى الله عليه وآله قائلاً: " من كنت مولاه فعلي مولاه " بدل أن يتعصبوا لهذا وذاك من الذين يدّعون الولاء لأمير المؤمنين لكنهم يقفون في وجه المحرومين، والذين يفخرون على المنابر بأنهم بنتمون إلى مدرسة علي عليه السلام لكنهم يحمون سلطة الفاسدين، والذين يذكّرون الناس دوماً بخطبة الجهاد لمولى المتقين ليحضّوهم على مجابهة الصهاينة المجرمين لكنهم لا يلتفتون إلى ما ورد آنفاً من مواقف مشرفة له في الدفاع عن الحق وحرصه على إقامة العدل وتأكيده على إعطاء الأولوية للمستضعفين، والوقوف إلى جانب الفقراء والمعدمين من المسلمين وغير المسلمين على حد سواء، فالدين الإسلامي في الأساس جاء لإسعاد البشرية أجمعين، وهداية جميع الناس دون استثناء إلى الصراط المستقيم، حيث يقول الله سبحانه: ( وما أرسلناك إلاّ كافة للناس بشيراً ونذيراً )، وكل مسلم حقاً يشهد أن لا إله إلاّ الله وأن محمداً رسول الله يجب أن يكون منهجه كما أمره ربه ( إن الله يأمركم بالعدل والإحسان )، وكل شيعي صادق يجب أن يقتدي بمولاه أمير المؤمنين الذي كانت غايته من الحكم أن يقيم من خلاله حقاً ويُبطل باطلاً، فلا تُجزي لقلقة اللسان بالشهادتين دون الإلتزام العملي بالتعاليم ليكون الإنسان مسلماً، ولا يُغني التفاخر بعلي وذكر فضائله دون اتّباع منهجه والسير على خطاه ليكون المرء شيعياً صادقاً.

وعلى أمل العودة إلى الإسلام المحمدي الأصيل وسلوك طريق صاحب يوم الغدير أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام.

السيد صادق الموسوي

الوسوم