بيروت | Clouds 28.7 c

من هنا نبدأ / اين الجيش اللبناني من جيش الاسد؟ بقلم حسن صبرا

مجلة الشراع 2 آب 2020

مع ان الجيشين اللبناني والسوري خرجا من رحم واحد منذ نحو ثلاثة ارباع القرن فإن جيش لبنان هو جيش كل الوطن فإن الجيش الآخر هو جيش اسرة واحدة هي اسرة الاسد التي اسسها حافظ الاسد..

الجيش اللبناني كان وفياً لتركيبة البلد في جميع مراحل لبنان المتنوعة، اما الجيش السوري فقد قدم له حافظ الاسد وصفة لتخلصه من الانقلابات العسكرية التي كان يقودها ابناء الطبقة التجارية والزراعية الغنية عموماً بحصر قراره بضباط علويين هم ابناء فلاحين معدمين او ابناء عشائر معروفين

وهكذا انتهى عهد الانقلابات في الجيش السوري بعد ان احدث حافظ الاسد انقلاباً جذرياً بنقل سلطة القرار من دمشق وحلب وحمص وحماه واللاذقية الى القرداحة عاصمة الحكم العلوي بلا منازع منذ نصف قرن

اما الجيش اللبناني فقد استقام جيشاً للوطن على الرغم من تطورات مأساوية طالته نتيجة السياسات التي اعتمدتها قيادات مسيحية  لوقت طويل بداية، ثم نتيجة لظروف ومعطيات الصراع العربي - الصهيوني خصوصا بعد الهزيمة العسكرية التي لحقت بجمال عبد الناصر في عدوان اسرائيل اعتباراً من 5/6/1967

وكان امراً مثيراً ان جمال عبد الناصر الذي حما لبنان من ان يكون جبهة مواجهة مع اسرائيل كما ورد في مذكرات شارل حلو هو نفسه الذي حضن اتفاق القاهرة الذي حول لبنان الى جبهة مواجهة ليرحل جمال وتتدحرج كرة التخلي عن القضية الفلسطينية ليصبح لبنان هو جبهة المواجهة الوحيد ضد اسرائيل حتى قبل احتلال اسرائيل لجنوبي لبنان ثم لعاصمته بيروت، وقد انفجرت خلال هذه الدحرجة شعلة المقاومة اللبنانية ضد العدو لتبقى جذوة القضية الفلسطينية مشتعلة مع هذه المقاومة التي يمثلها حزب الله في لبنان

ومن عجب أيضاً ان الجيش اللبناني الذي توقف عن قتال اسرائيل بعد ان خاض اول وآخر  حروبه مع العدو الصهيوني عام 1948 هو الجيش العربي الوحيد الذي ما زال اصبع جنديه على الزناد في الجنوب ضد هذا العدو .

والجيش اللبناني الذي جعله حزب الله الضلع الثاني في معادلة الشعب والجيش والمقاومة ضد اسرائيل هو اقرب الى المواجهة مع العدو من جيش الاسد الذي يترك مواجهة اسرائيل في الاراضي السورية لحزب الله ولإيران، وليس ادل على ذلك من ان اسرائيل لاتقترب من اي موقع ينتشر فيه جيش العائلة حيث تركز هجماتها على مواقع حزب الله وايران

وكما احدث حافظ الاسد انقلاباً جذرياً في طبيعة تركيب الجيش السوري لينقله من جيش الاغلبية السنية - الوطنية الى جيش الاقلية العلوية تمهيداً ليصبح جيش العائلة، فإن الإنصاف يقتضي القول انه لولا سياسة الاسد في استتباع لبنان لما امكن ان يصبح الجيش اللبناني في الوضعية الراهنة

رحل جيش الاسد وتابع حزب الله التمسك بتصحيح وضع الجيش اللبناني، وتابع بشار الاسد تضخيم دور اسرته في تمزيق سورية كلها وتهجير نصف اهلها وإختطاف وقتل مليون ونصف مليون انسان اسراً وتعذيباً

 مرة اخرى يستقبل الجيش اللبناني مليونا مواطن سوري على مراحل في لبنان هجرهم جيش الاسد.

 حين اخرج الجيش الاردني المنظمات الفلسطينية من الاردن من بلاده بعد مواجهات1970 ورفض حافظ الاسد كوزير للدفاع وقائد للطيران في سورية توفير اي حماية للمقاتلين الفلسطينيين المهزومين امام جيش الاردن ارسل الاسد مدير استخباراته حكمت الشهابي الى الحدود مع الاردن ليمنع دخول اي مقاتل فلسطيني الى سورية محولا اياهم مباشرةوتحت حراسة الجيش السوري الى الحدود مع لبنان لينضموا الى المنظمات الفلسطينية التي تموضعت في منطقة العرقوب جنوبي لبنان وفق اتفاقية القاهرة التي وقعت بين ياسر عرفات وقائد الجيش اللبناني العماد اميل البستاني..

 مع تداعيات الاوضاع في لبنان نحو انفجار اكيد حصل في ربيع عام 1975 اكد كثير من المسلمين اعتمادهم المنظمات الفلسطينية جيشهم بعد ان ادت مواقف مختلفة ان المسيحيين يعتبرون الجيش اللبناني جيشهم..

 وحين اصبح من تداعيات الحرب الاهلية بين المسلمين والمسيحيين صعود الميليشيات المسيحية بل وكان صعودها تعجيلاً منطقياً لهذه الحرب واجه الجيش اللبناني اخطر مصائره على المستويات الوطنية والامنية والوحدوية، حين تشظى في بدايات عزوبية ناصرية ليتحول الى ادوات في ايدي ياسر عرفات وحافظ الاسد.

 اعاد اتفاق الطائف الذي اوقف الحرب الاهلية في لبنان عام 1989 الوحدة الى الجيش اللبناني بضم المتقاتلين المسلمين والمسيحيين الى صفوفه ولن تمضي اشهر حتى يخلو الجيش اللبناني من اي ضابط او جندي كان ينتمي الى اي ميليشيا بينما اصبح جيش الاسد كله مؤلف من ميليشيات علوية وافغانية وباكانية وعراقية

واخيراً

من سخريات القدر والسياسة ان قائد الجيش اللبناني السابق الذي اصبح رئيساً للجمهورية بعد ان اعلن ولاءه لمعادلة الشعب والجيش والمقاومة هو الذي يظهر انحيازاً سياسياً لآل الاسد في وقت يذبح فيه جيش الاسد الشعب السوري ويقتلع من تبقى من السوريين من بلادهم بما يساوي بالنسبة والتناسب اعداد المسيحيين الذين هجرتهم حروب الإلغاء واخواتها، فإن الجيش اللبناني هو احد ابرز الضمانات لبقاء سلطات كبيرة للمسيحيين في لبنان بدءاً بقيادة الجيش

منذ العام 1989 واتفاق الطائف تيسر للبنان قادة جيش فهموا التغيرات الطبيعية في التركيبة السكانية نتيجة تسارع الهجرة المسيحية ولم يشذ عن هذه القاعدة الا الرئيس الحالي ميشال عون ومن المفارقات الاخيرة ان الكثير من اللبنانيين لا يرون املا للخروج من الكارثة التي جاءت مع حكم عون الا مع الجيش اللبناني بينما لا يرى السوريون املا للخروج من الكارثة الذي ادخلتهم اليها اسرة الاسد الا فكفكة الجيش الذي بنته طيلة عقود وبناء جيش سورية الوطني الخالي من وباء الانقلابات في عقول ضباطه والمعالج من سرطان المذهبية العلوية الذي حقنه به حافظ الاسد

الوسوم