بيروت | Clouds 28.7 c

عن ثورة يوليو وقائدها الذي حاربه اعداء العرب حيا وميتا / بقلم حسن صبرا

مجلة الشراع 22 تموز 2020

 لم يمر في تاريخ البشرية – على قدر علمنا بالتاريخ – زعيم حوصر وحورب ومنع عنه حتى حق استغلال ارضه ومرافقه – كما حصل مع بطلنا العربي من مصر ، ودائما" لأنه زعيم مصر  ورمزها. ولعله أقدر حاكم فهم بلده ، ومسؤولياتها ، وحق العرب  الذين ينتمي اليهم في الارتكاز الى مصر قائدة وضمانة.

هذا الفهم لأهمية مصر شعبا" وموقعا" وتجانسا" اجتماعيا" وثقافة وعلما ، ولأهمية مكانتها بين أشقائها العرب ، وجغرافيتها بين قارتين وإطلالتها على بحرين بوابة لأفريقيا ، وجسرا " الى آسيا وقربا" من أوروبا ....

 هذا التقدير لمكانة هذا كله في بلد واحد ، وعند زعيم واحد ، في احدى تحولات التاريخ العالمي بعد الحرب العالمية الثانية نحو التحرر الذي ساهم فيه بطلنا قائدا" لمصر، بدور ريادي، دانت له فيه شعوب مختلفة، في اسيا وافريقيا عربا" ، وغيرهم ، بالحرية والسيادة والاستقلال .

 هذه المكانة على حدودها فلسطين التي احتلتها العصابات الصهيونية تحت رعاية الاستعمار البريطاني ، قبل قيام ثورته في 23/7/1952 بقيادته.

هذا الترابط بين ثورة 23 يوليو 1952 وبين فلسطين بدأ خلال تواجد القائد على ارضها مقاتلا" عام 1948 . يدرك الهزيمة وأسبابها، يعي أهمية تصحيح الداخل المصري ليبدأ الحراك العربي ، مقدما" الوطنية لخدمة العروبة ، مقدما" الاجتماع ليخدم الاقتصاد، وعندما تكتمل هذه العوامل سوية يعطيها بعدها القدمي، سابقا" وحدة مصر وسورية عام 1958 بدور عربي فعال في ثورة الجزائر 1954 ، وعندما تهزمه قوى التخلف والرجعية والاستعمار في جريمة فصل سورية عن الجمهورية العربية المتحدة في 28/9/1961 ، ينتصر لثورة اليمن بعد سنة كاملة في 26/9/1962 ليؤكد انتماءه العروبي قولا" بعد فعل وممارسة من دون تنظير وبالدم وليس بالحبر فقط

إنه جمال عبد الناصر  

 هو الذي قرر التصدي للرجعية المصرية، والاستعمار البريطاني بادئا" بهذا التصدي مرحلة بناء مصر، وهو هدف قيامه بثورة يوليو عام 1952 ، ومن دون التصدي ، كان يستحيل البناء. فلا استقلال اقتصادي بخضوع المال المصري في المصارف للسيادة الاجنبية، فكان لا بد من التمصير...

 وكان ذلك عام 1957...

وقبل التحضير كان مشروع بناء السد العالي رفضت بنوك مصر الأجنبية المساهمة ولو بفلس واحد فيه فراح للبنك الدولي، وكانت الشروط التعجيزية، وكان هذا لمنع مصر من البناء...

أمم قناة السويس فكان العدوان الثلاثي عام 1956.

 تعالوا لنقف عند هاتين المسألتين المترابطتين..

 هل قرأتم في تاريخ الأمم ان دولة أرادت بناء سد على أراضيها تواجه بالحصار، ومحاولة التجويع، وسعي للتركيع، كما حصل مع مصر؟

هل قرأتم في تاريخ الأمم ان دولة استردت سيادة على جزء من أرضها شنت عليها ثلاث دول حربا" هي الأولى بعد الحرب العالمية الثانية ضد دولة واحدة؟

 لم يهدأ بال جمال منذ لحظة انتصار ثورة 23 يوليو 1952 - اصلاح زراعي بعد أقل من 52 يوم على قيام الثورة ( 9/9/1952) - مساندة ثورة الجزائر التي انتهت بانتصار على الاستعمار الفرنسي المحتل لمدة 132 عاما" ...بعد سنتين من قيام ثورة يوليو ( ثورة الجزائر بدأت يوم 1/11/1954)

  • 26أكتوبر 1954 محاولة الاخوان المسلمين قتل جمال عبد الناصر
  • 1955 عقد صفقة سلاح كسر فيه احتكار السلاح الممنوع على مصر الا بشروط غربية أولها عدم محاربة إسرائيل
  • 1956عدوان ثلاثي على مصر بين تأميمه قناة السويس
  • 1957 معركة استرداد المال المصري المنهوب ولم يمنع اشغال وانشغال جمال بحروب داخلية مصيرية في كل القطاعات (زراعة –صناعة – مصارف، مواجهة مع عدوان شامل، ونجاة من محاولة قتل دبرها الاخوان..) لم يمنع هذا ان يستجيب جمال الوحدة العاجلة مع سوريةليقيم معها الجمهورية العربية المتحدة  .

اعطى الوحدة بعدها القومي والاهم بعدها الاجتماعي من خلال قرارات يوليو الاشتراكية داخل دولة الجمهورية العربية المتحدة هاتوا لنا اسم زعيم واحد في العالم انشغل ، او أشغل ، كما حصل مع جمال .

وفق هذا لعلكم تعلمون حجم التحديات الأخرى التي لم يواجهها زعيم على مر الزمان كما واجه جمال عبد الناصر القوى الرجعية في الداخل ، بقايا نظام ما قبل ثورة يوليو ، وراكبو السياسة الدينية والمتجذرون في المؤسسة الدينية، والشيوعيون في محاربة جمال منذ ثورته 23/7/1952 كل أنظمة العرب من دون استثناء حاربته وقد خشيت دعوته للحرية والاستقلال والكرامة والعروبة.

اجتمع بعثا العراق وسورية والاخوان المسلمون والشيوعيون مؤيدين من ملكيات عربية من المحيط الى الخليج. لم يتوقف العدوان الصهيوني على مصر:

عام 1955 (على قطاع غزة)

عام 1956 على سيناء واحتلالها

عام 1967 على كل  اراضيها

وطيلة حروب الاستنزاف (1968- 1969 – 1970) مارست الولايات المتحدة كل الطرق لارهاق جمال، او لاسقاط نظام ، او لتأليب الناس ضده، وحاصرته عام 1965،  وحاولت ان تطوعه بعدها، فلما فشلت امرت  إسرائيل بالعدوان المباشر وكان معها دائما" ملك السعودية فيصل بن عبد العزيز .

هتف جمال خلال العدوان الثلاثي على مصر عام 1956 حنحارب حنحارب مش حنسلم. وقال جمال بعد عدوان 5 يونيو 1967 ....

 وفي حرب الاستنزاف قال ان السلام من دون إمكانية الدفاع عنه، ولم يعد امامنا للخروج مما نحن فيه غير ان نشق طريقنا عنوة فوق بحر من الدم وتحت افق مشتعل بالنار "

كل هذا جاء تعزيزا لشعاره الذي اطلقه يوم 5/11/1967 بعد 151 يوم من هزيمة يونيو العسكرية :

(ان ما اخذ بالقوة لا يسترد بغير القوة)

 وكان قاب قوسين أو ادنى من تحقيقه، لولا قدر رحيله في 28/9/1970 .

والمفارقة ان جمال كان قد حدد تاريخين للعبور،  شهر نوفمبر 1970 . وفي هذا التاريخ كان أربعين رحيله، وشهر مايو 1971 وفي هذا التاريخ انقلب أنور السادات على مصر ودورها والعروبة وهو ينقلب على جمال وخطه. وليس هناك تعبير ادق وأوضح عن المواجهة بين جمال وأميركا، من ان رئيسها ريتشارد نيكسون الذي كان اقر مناورات بحرية أميركية هي الاضخم في البحر الأبيض المتوسط، في رسالة تهديد الى جمال، أمر بالغائها بعد رحيل قائدها في 28/9/1970 قائلا" :

 لم يعد هناك من حاجة لها، بعد أن رحل الرجل الذي نظمناها ضده . غير أن هذه المعارك والتحديات والمواجهات التي كسرتنا فيها اميركا واسرائيل ورجعيات عربية كانت تصهر الحديد لتحيله الى فولاذ، وكان القدر أقوى وأقسى .

 ظل الحقد السياسي والشخصي والطبقي على جمال عبد الناصر يطغى على عقول أعداء الثورة والشعب المصري في الداخل حتى باتوا اسرى الهزل الفكري وهم يتطالون على كل انجاز حققه جمال خلال عصره .

 السد العالي

لقد تطاولوا على بناء السد العالي تحت ذريعة انه خفض من نسبة الطمي في الماء وهي المادة الخصبة للأرض وتناسوا ان بناء السد وفر لمصر ري اكثر من مليون فدان ريا دائما" واتاح استصلاح مليون فدان آخر ووفر الكهرباء لاكثر من 4 الآف قرية في طول مصر وعرضها، كما أن السد العالي انقذ مصر في حالتين :

الأولى هي حالة الجفاف التي اصابت كل دول شرق افريقيا  بانخفاض معدل المياه في نهر النيل ، لأن مصر خزنت في بحيرة ناصر كميات كافية لتعويض هذا النقص ، والسد العالي انقذ مصر من فيضان نهر النيل الذي كان هدد القاهرة نفسها عام 1959قبل بناء السد نفسه . والذين تكالبوا تطاولا" على السد العالي خلال عقود اصابهم الخرس وهم يتساءلون كيف سيكون حال مصر من دون بناء السد العالي، وفي حالة ملء سد النهضة الاثيوبي .

 قناة السويس

 اعتاش بعض الندابين المصريين خصوصا"،ومنهم اعلاميون ووفديون واخوان مسلمون على مزاعم مضحكة بأن مصر كان يمكن ان تتجاوز العدوان الثلاثي على مصر عام 1956 لو انها لم تؤمم قناة السويس، لأن عقد امتياز الشركة كان سينتهي عام 1969 ، وانه كان على مصر ان تنتظر 13 عاما" فتحصل على القناة سلما " بدلا" من لجوء جمال عبد الناصر للتأميم. المضحكة وكان الرد على هذا الكلام السخيف عبر وثائق نشرتها صحف بريطانية كشفت عبرها ان أصحاب شركة القناة البريطانيين والفرنسيين ( ومساهمين أوروبيين آخرين) كلفوا مكاتب هندسية بحرية لتقديم دراسات عن إمكانات تعميق القناة وبعمق مجراها ان يسلمها بعد 13 سنة .

 كما أن العدوان الثلاثي على مصر اكد بما لا يدع مجالا" للشك فيه ، الاحتفاظ بها ، بما يجعل من الاستحالة تسليمها عندما ينتهي عقد تأجيرها ( 4 ملايين جنيه إسترليني سنويا") عام 1969 ، لكن أعداء عبد الناصر اثبتوا انهم أعداء للعقل والأخلاق ، وأعداء للضمير وللوطن

التعليم المجاني

 سمح التعليم المجاني الذي فرضته ثورة 23 يوليو، سمح للفقراء من أبناء الفلاحين والعمال والفقراء من الموظفين الصغار والاجراء ان يدخلوا أولادهم لكل مستويات التعليم، ليتخرج عشرات الالاف منهم مهندسين وأطباء ومحامين وصيادلة ، وان يصبحوا أساتذة جامعات وباحثين وعلماء في كل الاختصاصات، وكان هذا كله قبل الثورة حكرا" على فئات معينة تملك المال (بالعمل او بالسمسرة او بالمكسب غير المشروع...) كي تتولى هذه المهن. ولعل هذا المكسب الاجتماعي، الوطني، الأخلاقي الذي جعل الناس سواسية في هذه المهن، والتفوق الذهني للوصول الى المواقع والتقدم الوظيفي والحضور الاجتماعي والانتقال من طبقة الفقراء، والتقدم الى الطبقة الوسطى، والتي أصبحت عماد استقرار المجتمع المصري ، وجلوس الهرم على قاعدته، من خلال شمولها الوطن كله، وهي أساس ازدهار الثقافة ، والبحث العلمي ، وهذه الحالة الجديدة التي صنعتها الثورة عبر التحول العظيم في مجال الاستقرار الاجتماعي مواكبة مع التحول الصناعي الضخم والتحديث الزراعي ومجالات البحث العلمي ، واعتماد مقياس العمل وحده (العمل شرف، العمل حق، العمل واجب، العمل حياة) انتجت استنارة عقلية ، وانتماء عميقا" لمبادىء العدل الاجتماعي، جهدا" خارقا" للتقدم العلمي، كله تحت راية الانتماء لمصر (والعروبة) انتاجا" وعلما" وعملا" وتقدما" في الفن عبر السينما والمسرح والفنون المختلفة .

ومع هذا،

 وبعد غياب جمال عبد الناصر في 28/9/1970 وانقلاب أنور السادات على هذا المنهج اعتبارا" من يوم 3/5/1971 ، خرجت كل القوى المعادية للتقدم والعدل الاجتماعي تحت رايات طبقية وظلامية وولاءات ثقافية وسياسية للغرب وكل أعداء الثورة والمجتمع الاشتراكي تسخر من مجانية التعليم ، لأنها حققت الطفرات الاجتماعية ، والثقافية والسياسية، كقاعدة ثابتة للثورة... مغطية هجومها بانخفاض مستوى التعليم عموما" في كل مراحله في مصر ، وتراجع جامعة القاهرة من المرتبة الأولى في عصر جمال ، واصبحت من بعده في المرتبة 28، وعدم تواجد أي جامعة مصرية على مستوى 500 جامعة في العالم، وتخريج شبه اميين منها، أو من ثانوياتها ، وحشو الجامعات بالطلاب من دون قدرة على توفير عدد كاف من الأساتذة ، أو المقاعد، أو الحضور في مختبرات قديمة. كل هذا جامعات خاصة لا قدرة على الدخول اليها لفئات المجتمع المصري المتوسطة وما دون . وما توقفت الحملة ضدجمال عبد الناصر وثورته  وختاما

ليس ابسط من هذا القول لشرح قوة ومكانة وخلود دور جمال عبد الناصر ، فالناس لا تقذف بالطوب إلا الشجرة المثمرة ، ولولا أن جمال ما زال يؤرق كل القوى التي حاربته حيا وهو في رحاب الله، لما كانت تعليقات وكتب ومقالات تنشر ضد جمال عبد الناصربعد خمسين سنة على رحيله تلتقي في هذه الكتابات والتعليقات والمقالات اقلام اليمين واقلام اليسار وما بينهما من جماعات متمسلمة، وكلها كانت وعاشت مرتاحة في عصر جمال عبد الناصر، في عتمة الفكر والعقل والظلام، ولعنة الله على من أخرجها، ثم قتل على يديها !

نحن الناصريون المعتزون بمرحلة عشناها في عصره نفتخر بأننا نملك دليلا للعمل الثوري عنوانه الكرامة والاستقلال والعزة ، وهذه من سمات رجل واحد اسمه جمال عبد الناصر

حسن صبرا

رئيس تحرير مجلة الشراع

الوسوم