بيروت | Clouds 28.7 c

العبرة في حريق البارجة الأمريكية / بقلم السيد صادق الموسوي

مجلة الشراع 18 تموز 2020

انشغلت محطات التلفزة الأمريكية والعالمية وكذلك مواقع الأخبار طوال أيام في تغطية أنباء نشوب حريق كبير أدى إلى انفجار ضخم في البارجة الحربية الأمريكيه USS Bonhomme Richard والذي وقع أثناء رسوّها في القاعدة العسكرية للبحرية في مدينة سان دييغو بولاية كاليفورنيا على الساحل الغربي للولايات المتحدة، والذي لم تتمكن أجهزة الإطفاء المتطورة كلها وعشرات القوارب والطوافات الخاصة بإطفاء الحرائق في السيطرة عليه إلاّ بعد أن أتت النار على أكثر أقسامها، وذهبت التحليلات يميناً وشمالاً ولم يُستبعد حصول عملية تفجير أدى إلى هذا الحريق الضخم وذلك بحسب تقارير عن شهود عيان سمعوا صوت انفجار هائل، لكن شبه المؤكد أن البارجة التي يبلغ طولها ٢٥٥ متواً قد خرجت من الخدمة كلياً بفعل هذا الحادث ولا جدوى من صرف ملايين بل مليارات الدولارات لإعادة تأهيلها، بل هناك حديث عن إغراقها في المحيط الهادئ للتخلص منها.

إن إحدى رمور القوة الأمريكية انتهى دورها بكل سهولة من خلال نار لم يجزم أحد بأسباب نشوبها، وهل أن السبب هو انفجار حدث في داخلها عن طريق اختراق سيبراني أدى إلى التلاعب بمنظومات حرارية في البارجة وتعطيل أنظمة التبريد فيها، أو نتيجة نار اندلعت بالصدفة في مخزن الإسلحة فيها، أو بفعل احتكاك أسلاك كهربائية جدث دون انتباه أحد ممن على متنها، رغم أن المفترض هو أن جميع أجهزة الأمان المتطورة فيها فعالة وهي بأفضل حال، ووسائل إخماد الحريق الموجودة على ظهرها حديثة جداً، والجنود الذين على ظهرها مدربون ومأمونون لا يرقى إلى أحد منهم شك وريبة حتى أن أكثر من ٢٢ من أولئك قد أصيبوا بالحريق، وعليه كان من المفترض أن يتمّ التعامل مع الحريق والسيطرة عليه وإخماده في بداية الأمر والحؤول دون تمدد النار إلى كامل البارجة تقريباً وإنهاء دورها.

إن توسع نطاق الحريق بسرعة فائقة حتى شمل كامل الفطعة الحربية تقريباً، ومكان وقوع الحادثة وهو موقع عسكري محصّن بشكل كامل وعلى أرض الولايات المتحدة يفرض على المسؤولين الأمريكيين التوقف قليلاً وربط هذا الحريق بتفشي فيروس كورونا بين آلاف الجنود المتواجدين على حاملة الطائرات الأمريكية uss Theodore Roosevelt قبل فترة فضيرة ما أجبر قائدها على توجيه نداء استغاثة وتغيير وجهة سير الحاملة، ثم بتفشي الوباء في الولايات المتحدة على أوسع نطاق حيث هي الأولى عالمياً في عدد المصابين والوفيات من دون أن تفلح المؤسسات العلمية الأكثر تقدماً بالعالم في العثور على لقاح ضد الفيروس، والآثار المدمرة لتفشي هذا الوباء على الإقتصاد الأمريكي حيث زادت مديونية الولايات المتحدة أضعافاً عما كانت عليها قبل الأزمة، واضطرار عدد كبير من كبريات الشركات التجارية فيها إلى إعلان الإفلاس وطرد عشرات الآلاف من موظفيها وعمالها، وتوقف شركات طيران عملاقة من العمل ومحاولة التخلص من طائراتها بأرخص الأثمان  والإستغناء عن عشرات آلألوف من الطيارين ومساعديهم والمهندسين وأطقم المضيفين، ما رفع عدد العاطلين عن العمل في الولايات المتحدة إلى ٥٠ مليون تقريباً، وجاء التحرك الشعبي الواسع والمستمر والتظاهرات المليونيةرضد التمييز العنصري في مختلف المدن والولايات بعد حادث قتل المواطن الأمريكي الأسود جورج فلويد على يذ الشرطي الأبيض ديريك شوفين في مدينة مينيابوليس بولاية مينيسوتا ليهشم الصورة التي رسمها مؤسسو الدولة وضمّنوها في دستور الولايات المتحدة والتي طالما عمل الرؤساء المتعاقبون عقوداً بل قروناً لتثبيتها في الأدهان عن الحرية في الولايات المتحدة واحترام حقوق الإنسان فيها والتعايش بين جميع القوميات والأعراق دون تمييز بينهم.

إن الربط بين مجموع الأحداث التي توالت في الولايات المتحدة بالخصوص والتي جعلت الرئيس دونالد ترامب غير المتوازن عقلياً في الأساس يتخبط أكثر في مواقفه اليومية فيُصدر قراراً في الصباح ثم يتراجع عنه في المساء بل بعد ساعات قليلة، وبسلوكه هذا أفقد ما تبقى من مصداقية الولايات المتحدة أمام العالم بعدما صار أضحوكة أمام شعبه، وهو الذي كان يدّعي أنه يريد أن يجعل أمريكا عظيمة فيما صارت الدولة العظمى هذه معزولة اليوم أمام العالم كله وعلى كافة المستويات، حيث أصبحت خارج أكثر المنظمات العالمية ومتخلية عن غالبية تعهداتها اولتزاماتها الذولية وناقضة للمواثيق الإنسانية، ولم يبق له مؤيدون ثابتون في العالم سوى بعض دول الخليج والكيان الصهيوني، وفي الداخل الأمريكي فإن آخر استطلاعات الرأي تشير إلى أن الرئيس ترامب اليوم هو في أخر أيام عهده.

إن المأل الذي وصلت إليه الولايات المتحدة وتوالي المصائب والأزمات عليها دفعة واحدة يذكّرنا بما أخبر الله سبحانه عن عاقبة الظالمين ومصير الجبارين، فقد أغرق من قبل فرعون وجنوده لما استكبروا، وخسف أيضاً بقارون وثروته الطائلة الأرض لما اختال بماله وتكبر على الفقراء، وأهلك كدلك نمرود بالذبابة وهو الذي كان يقول: ( أنا أحيي وأميت )، وجعل كذلك أصحاب السبت من اليهود قردة وخنازير لما خالفوا أمر الله سبحانه، وأرسل طيراً أبابيل على أصحاب الفيل ( ترميهم بحجارة من سجّيل قجعلهم كعصف مأكول ) لما أرادوا هتك حرمة الكعبة المشرفة، والله نفسه يقف أيضاً بالمرصاد لكل من يظلم الناس وهو قد تعهد أبداً ودائماً بمساندة المستضعفين ( ونريد أن نمنّ على الذين استُضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين )، لكن توقيت إنزال العقوبة وشكلها يبقيان سرّاً في علم الله حيث يقول الله في كتابه العزيز: ( فأتاهم الله من حيث لم تيحتسبوا )، وأيضاً: ( فأتى الله بنيانهم من القواعد فخر عليهم السقف من فوقهم ) ثم يقول: ( لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب )

السيد صادق الموسوي

الوسوم