بيروت | Clouds 28.7 c

من هنا نبدأ - قلت للبطريرك صفير قبل أن أؤيد دعوة السيد نصرالله / بقلم حسن صبرا

مجلة الشراع 11 تموز 2020

كان ذلك صيف 2004 في  الديمان حين قلنا للبطريرك الماروني الراحل  الكاردينال مارنصرالله بطرس صفير :

سيدنا نحن مجموعة من الرجال المسلمين الذين نقصد بلدتي #حدّاثا على مدار السنة ولأعوام طويلة (13سنة) وفي أشهر الربيع والصيف نزور  وبدءا من العام 2000 بعد تحرير  المقاومة الأسلامية لجنوبي لبنان نزور بلدة  عين ابل  ونجلس في أحد حقول البلدة بعيداً عنها، وتحت صليب كبير مطل على المنطقة كلها... نجول أحياناً في البلدة وعلى قدر سعادتنا واعجابنا بنظافة  عين ابل وكثرة مؤسساتها واتساع شوارعها، والخدمات المميزة على جنباتها.. فاننا نتحسّر أن البلدة الجنوبية الكبيرة تكاد تكون خالية من الشباب خصوصاً من الذكور ومن تبقى فيها هم من النساء وكبار السن وأطفال وعجّز..

كان سيدنا البطرك ينظر اليّ  بعينين فاحصتين، واصغاء واضح وان هذا ما كان يشجعني على أن أكمل ما جئت لأطلبه منه ليس فقط كصحافي.. بل كصحافي مهتم بشؤون وطني...

سيدنا ليس في عين ابل من هو في سن العمل الا القليل.. انهم يا سيدنا هاجروا الى أصقاع الأرض وكثيرون منهم لا يعودون كما هي عادة المسيحيين عندما يختاروا الهجرة الى ما وراء البحار في كندا واستراليا وأميركا الشمالية والجنوبية.. وهذا يعني افراغ البلد من المسيحيين..

 عين ابل يا سيدنا لم يعد فيها ذكور يعملون الا قليل، فلماذا لا تعمل الكنيسة المارونية على ربط المسيحيين في الجنوب وغيره بالأرض من خلال مشاريع زراعية أو صناعية..

يا سيدنا، المدارس في الجنوب كله عديدة، والجامعات تزداد.. لكن اليد العاملة الزراعية غير موجودة.. ومن يعمل في الزراعة هم بمعظمهم من غير اللبنانيين..

الجنوب يا سيدنا البطرك يفرغ من  المسيحيين كما كل لبنان.. المسيحيون هم  فاكهة لبنان والكنيسة أفضل رسالة للبنان في العالم الغربي الذي مازال ينظر الى وطننا كأنه رسالة غربية في هذا الشرق..

أنهيت مطالعتي الحماسية الصادقة وما رفع البطرك صفير نظره عن وجهي وهو يراقب انفعالاتي، وقسمات وجهه تنضح بالجديّة والوقار.. مكتفياً بهزّ رأسه، أكثر من مرّة في البداية.. وما أن أنهيت كلامي واستويت في مقعدي الذي قاربت طرفه طيلة حديثي حتى قال لي بصوته الخفيض ولهجته الكسروانية المميزة:

بارك الله فيك يا استاذ حسن.. أنا أتابعك في  الشراع وكثيراً ما كان من حولي يلفتني الى مقالاتك خصوصاً عندما كنت تتحدث عني (وكنت كتبت مقالاً عنوانه: البطريرك العاقل – في نيسان 2001.. تلقيت بعده اتصالاً من بكركي يشكرني صاحبه نيابة عن البطرك)

وأردف البطرك الراحل كلامه لي بقوله المبتسر بعدها: متل ما  الله بـيريد...

مبادرتي لتلقف دعوة  أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله   العودة الى الزراعة هي امتداد لمبادرة طرحتها على سيدنا البطرك الراعي قبل 16 عاماً.. كما انها جزء من دعواتي لكثير من  أبناء جبل عامل الذين اضطروا للهجرة على مراحل من الجنوب تحديداً بسبب  العدوان_الصهويني على قراهم، وبسبب الاهمال الرسمي للجنوب (والبقاع وعكّار واقليم الخروب..)

كنت أقول لبعض أبناء بلدتي  حدّاثا من سكّان الضاحية الجنوبية لبيروت وبعضهم من أقاربي:

أنتم تتكدسون في بيوت كعلب السردين في الضاحية وتعملون بما لا يكفي حتى لسدّ رمقكم.. وعندكم في حدّاثا اراضي أو ارضا يمكن ان تزرعونها وتعتاشون من خيرها. كانت حججكم الا مدارس في قراكم، واليوم في  حدّاثا مدرسة يكاد عدد اساتذتها يفوق عدد طلابها.. لم تعودوا بحاجة الى السينما بعد أن دخلت المرئيات بيوتكم، واذا كانت السماء تمطر مدارس  ومدرسين  في عهد  كامل الأسعد، فها هي قرى الجنوب مزروعة بأعمدة الكهرباء بأكثر من شتل التبغ في عهد نبيه بري فلماذا الاصرار على البقاء في  الضاحية حيث التكدس والفوضى والارهاق والازدحام؟؟

لم يكن تلقفي لمبادرة السيد نصرالله مفاجئاً ولا ابن ساعته وانا أزعم انني كنت من دعاة العودة الى الريف منذ نحو عقدين من الزمان.. من دون أية خلفية سياسية.. وما غرضي منها الا العودة الى الجذور..

وأريد أن أسجل ما أفتخر به وهو انني بادرت عام 1993 في عزّ  الاحتلال الصهيوني للجنوب وكانت أطراف بلدتي حدّاثا من جهة رشاف ومن جهة الطيري محتلة الى اعادة بناء منزل بناه جدّي ودمرته اسرائيل واعادة بناء منزل اعاد والدي بناءه وكله تحت الاحتلال الصهيوني، وعندما بدأت تشييد منزلي بطرازه التقليدي القديم قبل التحرير قال لي شباب من بلدتي:

هل كنت تعلم يا أستاذ حسن أن اسرائيل ستخرج من الجنوب؟

لم يثنني احتلال العدوّ لبلادنا عن اعادة البناء في كلّ مرّة كان العدوّ فيها يدمر ويحرق ويقتل.. وأفتخر انني وعلى حسب امكاناتي زرعت ما لا يقلّ عن 200 شجرة زيتون وجوز ولوز ومختلف أنواع الفاكهة في بلدتي حداثا وما زلت حريصاً على زيادة الأرض الزراعية وقد اشتريت ست معزات وخروف  وبقرة عام 2001 ووصلت اعدادهم الى نحو 70 رأس بين ماعز وغنم وبقر ووظفت عاملاً من قريتي للرعي، فكان القطيع الوحيد في حدّاثا.. وجاء العدوان الصهيوني عام 2006 ليدمر عرزالاً خشبياً بنيته ويطفش القطيع الكبير ويحرق شجراً ويترك حفراً..

كنت ومازلت مقتنعاً بأهمية الزراعة على الأقل بالنسبة لي وفي أرض اشتريتها على مراحل في حدّاثا وبعضها ورثته مع أشقائي وشقيقاتي..

الأرض معطاءة اذا أعطيتها وفيّة اذا وفيتها تخدمك اذا خدمتها.. وأهم خدماتها الماء والسماد العضوي واليد العاملة المحبة لها.. ودعوة السيد نصرالله تكتمل اذا توفرت لها هذه العوامل..

حسن صبرا

الوسوم