بيروت | Clouds 28.7 c

ماذا ينتظر العرب / بقلم السيد صادق الموسوي

مجلة الشراع 23  ايار 2020

انتقلت الجمهورية الإسلامية الإيرانية التي فرضت عليها الولايات المتحدة منذ اليوم الأول لانتصار الثورة الإسلامية قبل ٤١ عاماً أنواع العقوبات المشددة من حالة الضعف حيث لم تتمكن من صدّ الهجمات الجوية والصاروخية العراقية على مدنها أثناء الحرب التي دامت ٨ سنوات إلى أن قامت هي بتصنيع أنواع السلاح وخاصة الصواريخ البالستية الذكية والبالغ مداها أكثر من ٣٠٠٠ كيلومتر، حيث صارت جميع دول المنطقة في مجال إصابتها اليوم، وصار المطلب الأمريكي الملح الآن هو وقف عملية التطوير للقدرة الصاروخية، وفي المجال النووي استطاعت إيران التقدم حتى إمكانية صنع القنبلة النووية لولا الوازع الديني، وفي الفضاء تزاحم الجمهورية الإسلامية اليوم الدول الكبرى في امتلاك أقمار صناعية ترصد التحركات على الأرض، ولم يعُد الحصول على المعلومات الحساسة عن الدول عبر الأقمار الإصطناعية حكراً على القوى العظمى، بل أصبحت القواعد والمواقع العسكرية لها وحركة الأساطيل وحاملات الطائرات تحت أعين الإيرانيين، وبدل أن تنتهك الطائرات المعادية أجواء إيران دون رادع صارت إيران تتحكم بأحدث طائرات التجسس الأمريكية وتسيطر عليها خارج الأراضي الإيرانية وتسوقها إلى الداخل الإيراني وتهبط بسلام في المطار ويقوم الخبراء في الحرس الثوري باستخراج كل الصور وكافة المعلومات والإستفادة منها، ومرة أخرى تقوم الدفاعات الجوية الإيرانية بإسقاط رمز القوة الجوية الأمريكية في سماء الخليج، وفي المقابل تقوم الطائرات المسيّرة الإيرانية بالتحليق فوق حاملة الطائرات الأمريكية وتقوم بتصويرها من دون أن تكتشفها الأجهزة المتطورة عليها، وقامت الزوارق الحربية بالسيطرة على الجنود البريطانيين وإذلالهم وبثّ صورهم وهم رافعين أيديهم ثم إطلاق سراحهم عقب اعتذار سلطات لندن من الجمهورية الإسلامية، وفي لبنان كشف الكيان الصهيوني أن قطعه البحرية ليست بمنأى عن الصواريخ الإيرانية بعد أن تمّ قصف بارجتها أثناء عدوان العام ٢٠٠٦ على لبنان، بل إن جميع المناطق في الكيان المحتل هي اليوم تحت مرمى مئات آلاف الصواريخ الإيرانية المقدمة لحزب الله في لبنان ولفصائل المقاومة في فلسطين، وكم مرة اضطر رئيس وزراء العدو نفسه وآخرين من كبار قادة الصهاينة من اللجوء إلى الملاجئ هرباً من الصواريخ التي استهدفت أماكن تواجدهم دون أن تصدها نظام القبة الحديدية الذي تتفاخر بها " إسرائيل.

ثم إن العالم شاهد كيف أن ناقلة النفط الإيرانية المتجهة إلى سورية بلغت مقصدها على الرغم من كل الجهود الأمريكية التي بُدلت لعرقلة حركتها، ورغم تواطؤ بريطانيا معها وموجة التهديدات التي وجهتها الولايات المتحدة لجميع دول المنطقة، وفي الفترة الأخبرة نقلت ناقلات النفط حمولة إلى فنزويلا وقامت قيامة الإدارة الأمريكية التي ترى تلك المنطقة حديقة خلفية لها والتي تعمل بكل جهد على الإطاحة بالرئيس مادورو الذي لا يخضع لإرادتها، وفرضت ضد بلاده جميع أنواع العقوبات وسحبت الإعتراف بحكومته وضغطت على مختلف دول العالم للإعتراف بشرعية خصمه رئيس مجلس النواب الذي انقلب على مادورو على الرغم من الضجة التي أثارها أركان الإدارة الأمريكية والتهديدات الصادرة من القيادات العسكرية فيها لأجل عرقلة وصول ناقلات النفط الإيرانية إلى كاراكارس فإنها وصلت بسلام وقدم الرئيس مادورو الشكر للجمهورية الإسلامية باللغة الفارسية، وهذا التحدي الأخير بعد الخطوة السابقة تدل على مدى ضعف الولايات المتحدة أمام تحركات إيران في المنطقة والعالم.

وكدليل إضافي على قوة الجمهورية الإسلامية وضعف قوى الإستكبار العالمي فقد رأى العالم عبر القنوات الفضائية كيف أن زوارق الحرس الثوري الإيراني الذي صنّفته أمريكا منظمة إرعابية حاصرت قطع الأسطول الأمريكي في الخليج وأمرتها بالإبتعاد عن منطقة تواجدها ولم تستطيع القوة الأمريكية أن تقاوم الزوارق الإيرانية، والنموذج الأبرز للقوة الإيرانية والجبن الأمريكي كان في القصف الصاروخي لقاعدة " عين العرب " الأمريكية الضخمة وتدمير أجزاء كبيرة منها وإصابة أكثر من ١٠٠ من الضباط والجنود فيها رداً على اغتيال الفريق قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس في العاصمة العراقية على الرغم من ما صدر من تهديدات من أعلى المستويات في الإدارة الأمريكية لإيران في حال قامت بعملية الرد، لكن تمّ القصف المدمّر ومرت الأيام والشهور وكشف البنتاغون بالتقسيط أعداد المصابين ولا تزال تخفي أعداد القتلى لأن دونالد ترامب قال حينها أن لا إصابات في صفوف الجنود وأن الخسائر المادية بسيطة لا تستحق الرد عليها لكي يبرر جبنه في الرد على القصف الإيراني.

إن الزعماء العرب الذين استعملوا كافة الرهانات منذ اليوم الأول لانتصار الثورة الإسلامية بقيادة الإمام الخميني وبذلوا آلاف المليارات من ثروات بلادهم في مختلف المؤامرات صد الجمهورية الإسلامية بدل صرفها لسعادة شعوبها ورخاء مواطنيها، وتنازلوا عن أشرف قضية لهم، وتخلوا عن أقدس بقعة بعد المسجد الحرام، وطبّعوا العلاقات مع أكثر المجرمين بحق إخوانهم العرب منذ العام ١٩٤٨ حتى اليوم، وأذلّوا أنفسهم لأمريكا حتى وُصفوا بـ" البقرة الحلوب "، وصاروا بعد الغنى الفاحش لعقود يستقرضون اليوم من هنا وهناك بفوائد عالية وبشروط قاسية لإدارة أمور بلادهم اليومية والتغطية على العجز في ميزانياتهم، وها هم بدأوا بفرض الضرائب على المواطنين لتعويض النقص في الموارد الإقتصادية لديهم، وبالفم الملآن يتحكم دونالد ترامب بكميات النفط التي يجب أن تُستخرج في الدول العربية ويحدد سعر البرميل الذي يجب أن يُباع في السوق، وبعد كل هذا الوضع المأساوي يطالب الرئيس الأمريكي قادة الدول العربية مجدداً بالمزيد من المال إزاء دفاع بلاده عن الأنظمة والحكام فيها، ويدعو إلى مزيد من الإنصياع لأوامره تحت اسم التقدير والإحترام للولايات المتحدة.

وبعد كل هذا ألا يكفي هدا الضعف العربي أمام الولايات المتحدة والذل أمام الصهاينة المجرمين، ولماذا لا تنطلق أصوات الأحرار أو من تبقّى منهم ليعملوا على إيقاظ الشعوب ووقف مسيرة الإنحدار العربي والعمل على استرجاع العزة المفقودة والكرامة المهانة أمام رُعاة البقر في أمريكا والإرتماء في أحضان المجرمين الصهاينة، وبدل التذلل أمام هؤلاء أن يبادروا للعودة إلى تعاليم الإسلام الحنيف الذي أعزّ العرب بعد الذلّ، وأغناهم بعد الفقر، وألّف بين قلوبهم بعدما كانوا أعداء ألذّاء يغزو بعضهم بعضاً وجعلهم إخواناً رحماء فيما بينهم، وهذا ما أمر الله سبحانه وتعالى: ( واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخواناً وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها )، ولماذا لا يؤدي علماء الدين في مختلف البلاد من غير وعاظ السلاطين تكليفهم الشرعي في توعية الأمة وبيان ما أوجب الله على المسلمين من التولي لأولياء الله والتبرّؤ من أعداء الله، وأن لا يبتغوا العزة من الكفار ولا أن يتخذوا بِطانة من دون إخوانهم في الدين، حيث أخذ الله على العلماء ألا يقارُوا على كظّة ظالم، ولا سَغَب مظلوم كما قال أمير المؤمنين علي عليه السلام، وأي ظلم أكبر مما تعانيه أمتنا اليوم من الإستكبار الأمريكي، وهل يمكن التهاون حتى تُصبح شعوبنا مظلومة أكثر مما هي عليه الآن ويُذلّها أكثر الصهاينة المجرمون ؟!

إننا بعد أن قضينا شهراً كاملاً في الصيام والقيام والدعاء إلى الله والإستغاثة به ليغفر لنا الخطايا والزلل ويعفو عن المعاصي والسيئات، وها نحن على عتبة حلول عيد الفطر السعيد حيث من المفترض أننا قد طهرنا القلوب من الأدران والنفوس من الأحقاد، وبعد أن تمكنّا من السيطرة على رغبات النفس وحاجات الغريزة، وغلبنا سلطان الهوى وهزمنا الشيطان الرجيم، لا بد أن نستثمر تلك القلوب الصادقة قبل تلوثها والنفوس الصافية قبل تعكرها ونزرع فيها المحبة للمؤمنين حيث يقول الله سبحانه ( المؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض )، ونغرس فيها العزة التي أرادها لأبناء أمتنا بقوله: (العزة لله ولرسوله وللمؤمنين ) وحينئذٍ يمكن القول بأن الله جل جلاله قد تقبل صيامنا وقيامنا واستجاب دعاءنا في هذا الشهر الفضيل حيث قال: ( وقال ربكم ادعوني أستجب لكم ) صدق الله العلي العظيم.

السيد صادق الموسوي

الوسوم