بيروت | Clouds 28.7 c

المفتي حسن خالد الشيخ الذي عرفته / بقلم حسن صبرا

مجلة الشراع 15 أيار 2020

اول معرفة بالمفتي الشيخ حسن خالد كانت في مطار القاهرة حيث كنت ادرس في مصر عام 1967 ، توجهنا مجموعة طلبة لإستقبال المفتي القادم للقاء بطلنا جمال عبد الناصر ، وفي صالون الشرف تحلق مندوبو الإعلام المصري حول المفتي لإستصراحه حول الزيارة ثم توجه نحوي مندوب اذاعة صوت العرب وفي يده ناقل صوت وقد تدلى من حول رقبته حامل مسجل صغير ليسألني كلمة في المناسبة وشعاراً يمكن ان يقال في مثل هذه المناسبة ، أسعفني وجود عدد من المشايخ ضمن الوفد الزائر ومنهم الشيخ محمد زغيب فسألته مولانا ما هو الشعار الذي ودع به أحباء المفتي خالد الشيخ قبل صعوده الى الطائرة فقال لي الشيخ زغيب انه هتاف : ياحسن يا ابن خالد سلملي عأبو خالد( كنية جمال عبد الناصر هي ابو خالد ) فأمسكت مكبر صوت المذيع المصري ودعوت عدداً من الأصدقاء كانوا معي في قاعة الاستقبال ودعوتهم لترداد هذا الشعار يا حسن يا ابن خالد سلملي عأبو خالد ، كانت أصواتنا بهذا الشعار تشق جنبات قاعة الاستقبال في مطار القاهرة في شهر نيسان / ابريل 1967 فأسعدت مذيع صوت العرب كثيراً ولفتت أنظار المفتي الذي كانت ضحكته تتسع وهو ينظر إلينا شبابًا لم يصل أكبرنا الى سن العشرين

- في بيروت صرت اعتبر نفسي تلقائياً صديقاً للمفتي الشيخ من دون ان أراه وهو بالتأكيد لم يسمع بإسمي او يعرفني ولم التق به لسنوات ، لكني كنت من اشد المدافعين عنه عندما كان عدد من المشايخ يهاجمونه بطرق غير لائقة وبعضهم كنت أراه اثناء الدراسة في القاهرة وكنت اعتب عليهم لتطاولهم عليه وكان بعضهم يبرر حملته عليه بعدم توظيفه او ان راتبه في دار الفتوى كان قليلاً ( قبل ان يأخذ التطاول منحى السياسة والتبعية ضد استقلالية المفتي حسن خالد الحاسمة )

- منذ العام 1982 وبعد إصدارنا الشراع في مطلع هذا العام تعرفت على المفتي خالد عن كثب وتعددت لقاءاتنا وكنت أتلقى اتصالاته الهاتفية ليهنأني على مقالاتي التي كان يعتبرها جريئة خصوصاً عندما كنت أتصدى بالنقد والتشريح لسلوك الميليشيات التي سيطرت على بيروت منتصف ثمانينات القرن الماضي وكان رحمه الله يعتبرني صوت البيارتة في تلك الفترة

وأثناء إحدى زياراتي له في دارته في عرمون بصحبة عدد من الأصدقاء اشتكى بعضهم للمفتي خالد قسوة مقالاتي ضد الميليشيات التي كانت تعيث فسادًا وإرعاباً وسرقات في بيروت فقال لي رحمه الله: يا أستاذ حسن انتبه هؤلاء زعران لا يلتزموا لا ديناً ولا اخلاقاً ولا ضميراً ، الله يرضى عليك انتبه لحالك ، ثم التفت رحمه الله الى من كان معي قائلاً: ولكن لا تنسوا يا اخوان ان الاستاذ حسن مكلف بالدفاع عن الحق ورفع رايته ، ثم قرأ الآية الكريمة: كنتم خير أمة اخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله

فرحت لرد المفتي الكبير واستأذنته وقد سحبت قلماً من جيبي وأخذت ورقة كانت على طاولة بقربه تحمل شعار دار الفتوى لأكتب الآية وهو يقرأها من جديد لتصبح تاج مقالتي الأسبوعية التي اكتبها في الشراع تحت عنوان دائم هو من هنا نبدأ

ولا بد ان اذكر ونحن نتحدث عن علاقة الشراع بالمفتي الراحل أن آخر صحافي قابل سماحته قبل دقائق من جريمة اغتياله في16/5/1989 كان زميلنا مدير التحرير زين حمود وقد نزل معه درج دار الفتوى وتوجه الشيخ الحبيب بسيارته يسارا وتوجه حمود يميناً ليسمع صوت انفجار الإرعابيين قبل ان يركب سيارته

- واسمحوا لي ان أعيد التذكير بهاتين الواقعتين اللتين تظهران شخصية وعنفوان الراحل المظلوم :

الواقعة الاولى مع حافظ الاسد في دمشق وقد ذهب المفتي طالبًا من الاسد ضب زعرانه الذين يرعبون ابناء بيروت في حروب الزواريب للسيطرة وفرض الخوات وسرقة البيارتة

الثانية في الرياض مع الملك فهد طالباً مساعدة المملكة لفقراء المسلمين في لبنان ومؤسساتهم، وعندما إعتذر الملك عن المساعدة لأن الحرب العراقية الإيرانية تستنزف أموال دول الخليج العربي قال المفتي خالد للملك فهد : يا طويل العمر ان ما يصرفه بعض أمرائكم على موائد القمار في ليلة واحدة كافياً ليشكل موازنات كل مؤسسات المسلمين في سنة كاملة

قال الشيخ حسن خالد بعد خروجه من لقاء الملك السعودي فليغضب مني الملك أسهل كثيراً من ان يغضب مني الله

هذا هو الشيخ حسن خالد وقد دفع حياته ثمناً لكلمة حق قالها في وجه سلطان جائر اسمه حافظ الاسد عندما طالبه في قصره في دمشق بضب زعرانه من بيروت فقتله المجرم الأكبر في مثل هذا اليوم منذ 31 عاماً

ومن قتل مظلوماً فقد جعلنا لوليه سلطانًا

 صدق الله العظيم

الشراع بيروت في 15/5/2020

الوسوم