الحلقة 4 من سلسلة عائلة الأسد تعيش مراحلها الأخيرة/ نسوة القصر السوري: سلطة ومكائد وأموال !العرش العلوي في دمشق يتأرجح بين روسيا وايران وبريطانيا / بقلم محمد خليفة
مجلة الشراع 4 أيار 2020
لم تشهد الحياة السياسية في أي بلد عربي صراعات كالتي تشغل سورية، وتختلط فيها فضائح الفساد ومؤامرات السياسة والنفوذ في كواليس القصر والنظام. وتركزت في الحلقة الضيقة ، لأقوى عائلتين سياسيا واقتصاديا، آل الأسد وآل مخلوف .
أنباء وشائعات الصراع والفساد والمؤامرات انفجرت مؤخرا بشكل مدو بين أجنحة البيت الواحد، وامتدت خيوطه للدول الكبرى، وخصوصا روسيا التي تمسك بمقاليد السلطة في سورية. وتفوقت أخبار الصراع بين بشار الأسد وابن عمته رامي مخلوف على الاخبار السياسية لبلد تطحنه المآسي والكوارث، وتحاصره أزمات اقتصادية وضغوط من الدول الدائنة.
وفي هذه المعمعة قفز اسم السيدة أسماء الأخرس الى مقدمة الأخبار السياسية والاقتصادية كمركز قوة جديد يزاحم أكبر رؤوس سورية الاقتصادية رامي مخلوف .
تطورات مثيرة زادت مصائب السوريين وجعا، ولكنهم تابعوها رغم مآسيهم بسخرية سوداء، ووجدوا في فصولها اليومية عبر فيديوهات رامي مخلوف مسلسلا رمضانيا، ينفس عن غضبهم وكبتهم، باعتبارها مؤشرات قوية على تصدع النظام وتفتت العائلة الحاكمة، وهبوط سمعة افرادها الى الحضيض لم تبلغه أي زمرة حكمت سورية أو دولة عربية في العصر الحديث، على الأقل بهذه العلانية والفضائحية !
وإذا كان أبرز ما في هذا المسلسل الرمضاني الفريد هو بروز دور النساء في مافيات السياسة والمال على غرار ما دار في بلاطات السلاطين والملوك القدامى، فإن المختصين يعلمون أن ما يحدث له جذور ومقدمات ظهرت منذ بداية النظام الأسدي العائلي .
أنيسة : شريكة حافظ القوية
برز تاثير زوج أنيسة مخلوف في حياة بعلها حافظ الأسد منذ أن استولى على السلطة عام 1970 ، فارضة تأثيرها بشكل غير مألوف في سورية أو أي بلد عربي، سوى في مصر حين برز دور جيهان السادات في سبعينات القرن الماضي، ثم دور سوزان مبارك في العقود اللاحقة. ودور زوج الحبيب بورقيبة وسيلة بن عمار في لعبة السياسة الداخلية ، ثم دور ليلى زوج زين العابدين بن علي التي أسست لفساد أسرتها المالي.
تمكنت أنيسة المنحدرة من عائلة أغنى واقوى من عائلة حافظ الفقيرة بفضل ذكائها وجمالها وقوة شخصيتها أن تكون ذات تأثير عليه، فأدت دورا يشبه أدوار السيدات السابقات في مصر وتونس، وإن لم تظهر علنا، فقد وقفت وراء بعلها ، وشاركته كثيرا من قراراته الكبرى، وخاصة توريث السلطة.
وهي التي فتحت أبواب السلطة لشقيقها محمد مخلوف الذي يعمل في قطاع النفظ ، وحافظ الضابط في الأمن والجيش، ورامي رجل الاعمال في ميادين المقاولات والاتصالات والطيران والسياحة والاعلام، واستثمر ثروة آل الأسد السرية المقدرة بالمليارات .
ويروي أكثر من شاهد أن أنيسة أقنعت بعلها باستبعاد شقيقه رفعت وحصر التوريث في أبنائهما، باسل أولا، ثم نقلت اختيارها الى ماهر بعد مصرع الأول، ولكن حافظ أصر على بشار، وكان رأيها أنه أضعف من ماهر.
ويروي الضابط المنشق حسام العواك أن أنيسة هي استلمت زمام الامور بعد وفاة بعلها فرتبت عملية نقل السلطة الى بشار تنفيذا لوصيته، فترأست اجتماعا للعائلة، ثم استدعت بنفسها وزير الدفاع وكبار الضباط لاجتماع برئاستها ، ووضعت لهم سيناريو التوريث فورا، وعندما انتهى كل شيء أمرت بشار بالتخلص من أؤلئك الضباط قتلا أو طردا.
ويقال إنها هي التي أمرته أن يقتل رفيق الحريري، وشجعته أن يتحدى الارادة الدولية، ولا يسحب قواته من لبنان بعد اغتيال الشهيد الحريري، كما أمرته بعد الثورة الشعبية بالاقتداء بأبيه وسحقها مهما كان الثمن حفاظا على العرش وحكم السلالة الذي أسسه والده.. وهكذا كان .
ويبدو أن تأثير أمه عليه يمتد الى تأثير خالته بدليل اعترافه العلني أن سبب تسامحه مع ابن خالته ضابط الأمن عاطف نجيب الذي قتل أطفال درعا، وتسبب بإشعال ثورة 2011 هو الرضوخ لطلب خالته، وقال إنه لم يكن يستطيع رفض طلبها أو أمرها له !
عاشت انيسة حتى عام 2016 وظلت مؤثرة في سياسة البلد حتى موتها، وبذلك أصبحت أول سيدة عربية تتمتع بلقب أول ( زوج رئيس وأم رئيس في تاريخ العرب الحديث )!
وكما فرضت انيسة بعلها الفقير الضابط البعثي حافظ على اسرتها الثرية، فرضت إبنتها الكبرى بشرى على أسرتها الزواج من الشاب السني الفقير آصف شوكت الذي هدده اخوتها بالقتل، الى أن حقق بشار هذا الهدف عام 2012 . وكانت بشرى منذ عهد ابيها إمرأة قوية كوالدتها. وما زالت علاقاتها متوترة مع شقيقها بشار لليوم. وبسبب ذلك تقلص دورها ونفوذها، وغادرت سورية الى الإمارات العربية المتحدة .
أسماء الأخرس : بريطانية عميلة ؟
بعد وفاة أنيسة مخلوف وتلاشي دور بشرى الأسد، تهيأ الجو الداخلي للقصر والدائرة الضيقة للعائلة الحاكمة للاعبة جديدة لا تمت بقربى عائلية أو طائفية للأسرتين آل الأسد وآل مخلوف، هي أسماء الأخرس المرأة البريطانية ذات الأصل السوري - الحمصي - السني، زوج بشار .
يقول المطلعون أن أنيسة لم تكن تسمح لكنتها أسماء بالتدخل في شؤون العائلة والقصر والسلطة، وكانت أسماء تحنق على حماتها وتكرهها ولكنها كانت ضعيفة أمامها طالما أن بعلها خاضع كليا لسلطة الأم القوية، والتي ورثت منذ عهد بعلها سلطة معترفا بها أشبه بمؤسسة رسمية، وكانت تدير اجتماعات العائلة الحاكمة المؤلفة من آل الأسد وآل مخلوف.
اتبعت أسماء تكتيكات الكيد والمكر الانثوي في سلوكها، فظلت تتمسكن لحمايتها، ولا تنافس الأخريات، حتى تمكنت في الأعوام الأخيرة بعد وفاة حماتها، وغدت لاعبة رئيسية ذات موقع وتأثير على بعلها ، وطورت نشاطها العام من مجال الاعمال الانسانية الخاصة بالاطفال والمرأة، الى مجالات اقتصادية وسياسية، فشكلت فريقا من أقربائها (آل الدباغ) وبعض افراد أسرتها، كإبن عمها طريف ووالدها فواز، وبعض أصدقائهم المقربين، ووضعها بعلها على رأس ( لجنة مكافحة غسيل الاموال ).
يروي عدد من رجال القصر أنها صارت تراقب بعلها نسائيا وسياسيا، وتتدخل في عمله. وطردت عددا من موظفي وموظفات القصر، كمستشارته الحسناء لونا الشبل.
ونشبت خلافات عديدة بينها وبين آل مخلوف، ثم صوبت أنظارها بعد شفائها من السرطان الى آل مخلوف وتحرض عليهم وتراقب مخالفاتهم المالية، وخصوصاً من خلال لجنة مكافحة غسيل الاموال ، وبدأ بعلها يتقبل الاتهامات الموجهة لأبناء خاله وخصوصاً رامي الذي يقود جيشا من رجال الاعمال والاداريين يمسكون بمفاصل اقتصاد الدولة، ويشكل مركز قوة في السلطة السياسية والأمنية بفضل وجود شقيقه حافظ. وكان آل مخلوف أسسوا ميليشيا عسكرية للمشاركة في الحرب دفاعا عن النظام، وأسسوا منظمة خيرية لمساعدة أبناء الطائفة حصرا، باسم جمعية البستان لتعزيز موقعهم القديم بين العلويين، وهي جمعية كانت معفاة من الضرائب وتقدم المساعدات من الاموال التي ينهبونها بالقوة من غرمائهم السنة. ويقال أنهم أقاموا قنوات اتصال وعلاقات مع دول أجنبية عديدة في الغرب والشرق واسرائيل والعالم العربي من لبنان الى الخليج، وروسيا وروسيا البيضاء التي أصبحت مخبأ أموالهم خوفا من مصادرتها اذا وضعوها في مصارف سويسرا واوروبا وامريكا. وتحدثت تسريبات من كواليس القصر أن رامي في البداية كان يدير اموال العائلة الحاكمة بجناحيها الأسدي والمخلوفي، ولكنه في السنين الأخيرة صار يحسب لما بعد سقوط النظام أو تخلي ابن عمته عنهم، وصار يخفي الأموال في مخابىء سرية لا يطلع عليها رئيس النظام. ولكنه لم يحسب حساب عيون الاستخبارات الروسية التي تراقبه، لا سيما بعد أن تراكمت ديونها على النظام، وطالبت بشار بسداد ثلاثة مليارات دولار في العام الماضي وعندما اعتذر لعدم وجود سيولة، طلب الكرملين منه التسديد من مليارات رامي المخبأة في الروسيتين ! وعندما أمر بشار بتسديد المبلغ لروسيا تهرب رامي، فانفجر الخلاف والنزاع بينهما، وبدأ بشار يضع يده على شركاته وتدقيق حساباتها والحجز عليها وصرف مدرائها واعادتها لسلطة الدولة .
أصابع الدول :
واتضح أن بشار قرر نهائيا تصفية امبراطورية آل مخلوف الاقتصادية والسياسية والادارية والاجتماعية فهرب خاله محمد الى روسيا وبعض افراد الأسرة. وتفاقم الصراع بسرعة بين العائلتين وتبادلا الضربات تحت الحزام، إذ أفشى رامي سر اللوحة التي اشتراها بشار لزوجه بثلاثين مليون دولار، واتصل مكتبه الاعلامي بعشرات القنوات العربية والغربية لتقديم معلومات عن فضائح الاسد لها. كما تبين له ان آل مخلوف كشفوا معلومات سرية لروسيا عن النظام وايران، فاستخلص أن روسيا تستعمل آل مخلوف في صراعها ضده وضد ايران، وربما تخطط لترئيس أحدهم محله، فأخذ الخلاف حول المال طابعا عدائيا وكسر عظم بينهما ولن يتوقف إلا بقضاء أحدهما على الآخر بكل الوسائل !
وعلى المقلب الآخر تزداد المؤشرات والروايات حول الطابع الدولي للصراع بين العائلتين، إذ تقف ايران بقوة في خندق الاسد الذي سلمهم البلد طولا وعرضا .
ويروج أنصار آل مخلوف أن اسماء الأخرس وعائلتها مرتبطون بالاستخبارات البريطانية وموجهة منها للتأثير على بعلها. وهم يحرضون العلويين عليها وعلى بشار، بزعم أنها سنية تحاول الاستيلاء على أموال العلويين التي جمعوها بجهدهم وعرقهم !
والحصيلة أن نظام الأسد استنفذ قدرته على الاستمرار بسبب اهترائه وفساده وانقساماته وأزماته، إذ أن الأزمة الحالية تشبه الصراع بين حافظ الاسد وشقيقه رفعت عام 1984 مع فارق أن بشار لا يملك قوة ابيه ، وسورية الحالية غير سورية قبل 36 سنة، والصراع الأن ليس محصورا بين فريقين من الضباط ، بل يمتد الى عواصم واجهزة استخبارات اجنبية كبرى .
الحديث عن نهاية حكم السلالة الاسدية العلوية واقعي لا مجرد ثرثرة مقاه وغرف مغلقة . ولذلك ينسى سكان دمشق وحمص وحلب مآسيهم الآن ، مستبشرين خيرا باقترب خلاصهم ونهاية السلالة كلها !!
مواضيع ✔? أخرى متعلقة
الحلقة 1??✔ عائلة الأسد تعيش مراحلها الأخيرة / الانفجار قادم بين بوتين وماهر الاسد – كتب: حسن صبرا
