بيروت | Clouds 28.7 c

معادلة جبــران وجميـــل تتحكم وديــــاب أسيرها / كتب المحررالسياسي لــ "الشراع"

معادلة جبــران وجميـــل تتحكم

وديــــاب أسيرها

كتب المحررالسياسي لــ "الشراع"

مجلة الشـــــراع 27 نيسان 2020

 

لدى تشكيل الحكومة الحالية قبل نحو ثمانين يوماً, لم ينقطع الحديث عن تسمية النائب جميل السيد لاربعة او خمسة من اعضائها.

الكلام نفسه قيل عن رئيس التيار الوطني الحر الوزير جبران باسيل الذي كانت له حصة الاسد في التشكيلة الحكومية التي سماهما رئيسها حسان دياب حكومة "مواجهة التحديات".

وباستثناء ستة وزراء (اثنان لحركة امل ومثلهما لحزب الله وكذلك لتيار المردة) فان بقية الوزراء في الحكومة العشرينية هي للثنائي جبران وجميل الحاضرين في كل موقف وقضية وملف يطرح على بساط البحث.

وثمة من يذهب الى ما هو ابعد من ذلك للقول بان ال"ج-ج" اي ثنائي جبران – جميل بات يتحكم بكل شاردة وواردة في مسار السلطة الاجرائية , وان ما من أمر يحصل الا ويكون وليد فعل من هذا الثنائي او وليد رد فعل منهما على خطوة اتخذت بمعزل عنهما اوشعر كل منهما انها غير مطابقة لمصلحتهما المشتركة او لمصلحة كل منهما.

ويصل اصحاب هذا المنطق الى القول بان هذا الثنائي هو المتحكم  اليوم , وان دياب وحكومته باتوا اسرى القواعد والمفاهيم التي يتحرك بموجبها جبران وجميل , وان الجميع في الكواليس السياسية ودهاليزها باتوا يعرفون ذلك , وان ما يروج ويشاع عن ان حزب الله هو الآمر الناهي , وان الحكومة هي حكومته هو كلام دعائي ضده,"فالصيت له والفعل لغيره" كما يقول المثل العامي ,  اذ يبدو بوضوح ان الحزب يكتفي بدور تدوير الزوايا عندما تحتدم الخلافات في صفوف حلفائه اوالدخول على خط اي سجال من اجل وقفه او التوسط في هذا الملف او ذاك حتى لا تصل الانقسامات الى نقطة اللاعودة .

فالمهم لدى الحزب هو عدم الوقوع في الفراغ حكومياً ولو حصل ذلك في مرات عديدة على حسابه , وما "تطنيشه" عن حكومة تضم 12 وزيراً من التابعية الاميركية على سبيل المثال لا الحصر سوى احد الادلة على ذلك, بعد ان استنفذ كل الوسائل سابقا من اجل صرف الرئيس سعد الحريري عن تقديم استقالته ومن اجل عودته في مرحلة تالية الى الرئاسة الثالثة قبل ان يتبين له انه يرفض العودة وان دون ذلك عقبات وشروط لا يمكن للحزب القبول به وهو الذي اعلن على لسان امينه العام السيد حسن نصرالله  ان بقاء العهد الحالي هو خط احمر بالنسبة له.

الثنائي جميل وجبران يمثل اليوم احد  ابرز مطابخ صانعي ما يدور في البلاد اليوم , وثمة تعبير ساخر يتم تداوله حاليا في بعض الاوساط مفاده: انه"اذا اردت ان تعرف ما في عقل دياب عليك ان تعرف ما في عقل جبران او جميل ".

ورغم ان في هذا التوصيف الساخر ما يقلل من شأن رئيس الحكومة ولا يعطيه حقه في الكثير من المواقف والقضايا, الا ان ذلك لا يلغي ما يحكم العلاقة بينه وبينهما ,وما الالتحاق بركب ال"جيم – جيم" الا نتيجة الحصار المحكم  حوله والضغوط التي يتعرض لها من كل حدب وصوب فضلا عن ان حجم الازمات لا يستطيع فعل شيء حيالها ,ليس فقط لعدم امتلاكه رؤية عملية وواقعية تتلاءم مع الخصوصيات اللبنانية بل لعجزه عن فعل شيء.لابل اي شيء يمكن ان يوضع في خانة الانجازات الفعلية والحقيقية.

واسلوب التجريبية الذي استخدمه حتى الان زاد من حراجة وضعه, وثمة العديد من الامثلة على انه اخفق في سلسلة من الاجراءات والمواقف رغم حسن النية القائم لديه .اذ يبدو دائما وانه قادم من كوكب اخر في بعض المواقف التي يطلقها قبل ان يعود ويستدرك بمواقف مغايرة لما كان صدر عنه.

وبدا واضحا اقله لعدد من المراقبين ان ازمة كورونا وما ادت اليه من اجراءات كانت في صالح حسان دياب , خصوصا وان حكومته يسجل لها النجاح في مواجهة امكانية تفشي الوباء بشكل واسع وفي استيعاب تداعياته. وبرأي هؤلاء فان حكومة دياب لم يكن مقدرا لها البقاء حتى الآن رغم عدم انقضاء فترة المائة يوم على انطللاقتها لولا فيروس كورونا وانشغال الجميع في الداخل والخارج بطرق الوقاية منه ومواجهته, ما وفر لدياب وقتاً ما كان ليكون متوافرا له لولا الفيروس الخطير.

وفي ازمة سعر الدولار المتفاقمة,وقبلها بدا دياب كمن اعتمد منطق ال"جيم جيم" ولكن بلبوس انتفاضة 17 تشرين الاول  سواء في الحملة على حاكم مصرف لبنان رياض سلامة او في محاولة حل الازمة المالية المتفاقمة او في مسألة التعيينات المعطلة في مصرف لبنان او في مسألة التعيينات الاخيرة التي اقرت فضلا عن التشكيلات القضائية . وجاءت مواقفه الاخيرة بالنسبة لما رفعه من شعارات تحاول محاكاة لسان حال اللبنانيين وانتفاضتهم ولاسيما على صعيد ما سماه "الثقب الاسود" في الموضوع المالي لتسلط الضوء اكثر فاكثر على استخدامه المفردات نفسها لجبران باسيل وقبله جميل السيد في حملته الشرسة على رياض سلامة, في عملية قولبة جديدة تولى الثنائي ج – ج تظهيرها من خلال محاولة مصادرة  مطالب انتفاضة 17 تشرين بعد تبنيها و المراهنة على اسقاط شمولها شعار "كلن يعني كلن " والذي كان يستهدف اول ما يستهدف رأس العهد وصهره جبران وسياساته في قطاع الكهرباء التي ادت الى عجز تجاوزت قيمته ال47 مليار دولار على حد ما اعلنه الرئيس سعد الحريري .

هذا باختصار أقل ما يقوله خصوم الحكومة الحالية وخصوم الثنائي ج-ج , وبينهم رئيس سابق للحكومة له تجربة مباشرة في الحكم مع كل جبران وجميل اللذين يقول انهما باختصار يعملان لاسقاط اتفاق الطائف ومندرجاته ,بعد ان كان سمع مرارا من كل منهما كلاما بهذا المعنى ضد الاتفاق الذي اوقف حرب لبنان عام 1990 ولم يستكمل تنفيذه لاسباب معروفة ولا مجال للغوص فيها في هذا السياق الان.

جبران وجميل كما يضيف رئيس الحكومة السابق يخوضان معركة ايصالهما منذ الان الى الرئاسة . الى رئاسة الجمهورية بالنسبة لجبران باسيل خلفا لعمه ميشال عون ,والى رئاسة المجلس النيابي بالنسبة لجميل السيد خلفاً للرئيس نبيه بري ,بعد تأمين كل المقدمات اللازمة للوصول الى ذلك من خلال تهشيم كل المرتكزات التي بنيت عليها قواعد الوضع القائم والدفع باتجاه تقويضها حتى لو كان ذلك على حساب ما تميز به لبنان تاريخيا كبلد للتسويات والتفاهمات وما سمي الديمقراطية التوافقية الحاضنة ل18 طائفة.

وكل ذلك بالطبع من خلال تحميل الوضع القائم بكل وجوهه المرتكبة وغير المرتكبة والفاسدة وغير الفاسدة مسؤولية ما حل بالبلاد على مستوى الازمات المعيشية والاقتصادية والمالية الخ,وعبر رفع شعارات ظاهرها محق لكن باطنها يخفي عملية اتهم اصحابها بانهم يقودون من خلالها انقلابا بكل ما للكلمة من معنى ,خصوصا وان مزاريب الفساد والهدر لا يمكن حصرها بجهة او حزب او تيار او حتى طائفة ومذهب, وكل ما يحصل على صعيد الارتكابات هو جزء من مناخات الجميع يتحمل فيها المسؤولية ولا استثناء فيها لاحد خصوصا اولئك الذين يحاولون رمي كرة النار على غيرهم في تدبير سياسي من الواضخ بعد ردود الفعل الواسعة انه لن يؤتي ثماره.

وقد ادى دياب على هذا الصعيد خدمة لكل من ارادوا اغراق النقاش الى مستنقع استثارة العصبيات الفئوية ,وبدلاً من ان يغتنم الفرصة من اجل ان يقدم نفسه كرجل دولة تستوعب عباءته الجميع من اجل مواجهة الازمة المستفحلة اجتماعيا وماليا ,على غرار ما فعل في مواجهة ازمة كورونا ,وقع في كمين الفئويات وفي الفخ المنصوب له لاستغلاله في عمليات تصفيات حساب سياسية ,دون ان يجد نصيرا فعليا وحقيقيا له ,ربما باستثناء امين عام حزب الله الذي يندرج دعمه وتمسكه بحكومة دياب في سياق لا يندرج في السياق نفسه الذي يريده دياب او يتوخاه  وهو سياق أقل ما يمكن القول عنه انه شخصي وخاص وليس عاما خصوصا وانه يأتي على طريقة لعب "الصولد",بعد ان اصبح الانهيار سمة ملازمة لحكومته وما انهيار سعر الليرة اللبنانية سوى واحد من العناوين السيئة والقبيحة التي ستلاحق دياب وحكومته  حاضرا ومستقبلا كواحد من أبشع فصول ما مرّ على البلاد.

 

الوسوم