بيروت | Clouds 28.7 c

كورونا والغرب والإنسان / بقلم السيد صادق الموسوي

كورونا والغرب والإنسان

بقلم السيد صادق الموسوي

مجلة الشــراع 14 نيسان 2020

 

انطلق فيروس كورونا من مدينة  ووهان الصينية، والمعركة التجارية بين الولايات المتحدة والصين على أشدّها، وهذا ما دفع الرئيس الأمريكي إلى التشفي من ابتلاء خصمه التجاري على المستوى العالمي، وامتنع حتى عن التعاطف الإنساني بالكلام، وبعد ذلك لما انتشر الفيروس في الجمهورية الإسلامية في إيران بان السرور جلياً على وجوه الإدارة الأمريكية كلها وحاولت رشّ الملح على الجرح بدل إبداء التضامن والتعاون، وتوالت قرارات فرض العقوبات يرافقها التصريح اليومي من ترامب وبومبيو وغيرهما بتضييق الخناق على الشعب الإيراني رغم مناشدات عدد كبير من الدول والشخصيات العالمية لرفع العقوبات في هذه الظروف الإستثنائية لتمكين المؤسسات الإيرانية من شراء واستيراد المعدات والعقاقير الضرورية لمواجهة الوباء الخبيث،  وفي الوقت نفسه حاول الرئيس الأمريكي ووزير خارجيته الإستغلال الخبيث للأزمة الإنسانية في محاولة لجرّ الجمهورية الإسلامية إلى طاولة المفاوضات المذلّة عبر القول باستعداد الولايات المتحدة لتقديم المساعدة إلى إيران إذا " طلبت " ذلك، والجميع يعلم أن مفهوم " الطلب " عند الإستكبار الأمريكي هو " الإستجداء "، والذي تسبقه الشروط ويعقبه " المنّ " بصورة دائمة وإصدار التهديدات بالتوقف عن مواصلة إرسال المساعدات في حال عدم التجاوب مع الإملاءات في مختلف القضايا.

لقد تصرفت إيران بوعي كامل في التعامل مع الوباء واعتمدت على جهودها الذاتية، ونظر المواطنون فيها  إلى الأمر على أنه جهاد في سبيل الله على الصعيد الصحي كما كان الجهاد العسكري طوال ٨ سنوات من الحرب المفروضة، فانطلقت المجموعات الشعبية في تأمين الكمامات والمواد الغذائية عبر الإستفادة من كافة الأماكن حتى المساجد والحسينيات والعتبات المقدسة وبعض منازل المواطنين أيضاً، وحوّل كثير من المعامل والمصانع وجهة انتاجه وقام بتأمين المواد اللازمة للتعقيم، وتعاونت القوات المسلحة من جيش وحرس ثوري وقوات التعبئة " بسيج " مع الفئات الشعبية، ونشط العلماء الإيرانيون من مختلف الإختصاصات في البحث عن طريقة للسيطرة على الوباء ومحاولة اكتشاف علاجات لفيروس كورونا وإنتاج معدات وأجهزة لمكافحته؛ لكن العالم " المتحضر " كله سقط في الإمتحان حيث أنه طالما كان يتغنى بالقيم الإنسانية وتمسكه بالأصول الأخلاقية ويجعل نفسه ميزاناً لمدى التزام الآخرين بتلك القيم والأصول لما رأى مئات الضحايا يسقطون كل يوم من دون أن يتحرك فعلياً لمواجهة العنجهية الأمريكية والتمرد على العقوبات الجائرة المفروضة على إيران.

لم تمرّ سوى أيام حتى انتشر الفيروس بسرعة في إيطاليا وأصيب كل يوم الآلاف وبدأ تساقط مئات الضحايا يومياً، وهنا بدا وجه آخر من الطبيعة الحقيقية للغرب حيث تنصل بسرعة باقي أعضاء الإتحاد الأوروبي من مسؤوليتهم المشتركة وتركوا إيطاليا وحيدة، بل فرضوا عليها حصاراً، وسدوا الحدود البرية بينها وبين جيرانها، وأوقفوا الرحلات الجوية، حتى اضطرت السلطات الإيطالية إلى التهديد بالخروج من الإتحاد في حال استمر الأعضاء في التفرج عليها وهي تتخبط في الأزمة وحيدة، وقام نائب رئيس مجلس النواب الإيطالي بإزالة علم الإتحاد الأوروبي من مكتبه تعبيراً عن غضبه، وبادر سياسيون ومواطنون باستبدال العلم الصيني بدل علم الإتحاد الأوروبي تقديراً للصين بسبب المساعدات التي قدمتها لإيطاليا في حين تخلى عنها الإتحاد الأوربي.

وبعد أيام قليلة اكتسح الفيروس الدول الأوروبية واحدة تلو الأخرى، فانشغلت كل دولة بنفسها، وعادت الحدود بين دول الإتحاد بعد عقود من إزالتها، ومُنع أتباع كل دولة من التجول خارج حدود دولتهم وهم الذين اعتادوا السفر بحرية على كامل مساحة القارة الأوروبية تقريباً، بل انقلب المواطنون من دولتين متجاورتين في الإتحاد كانوا حتى الأمس " أشقاء " إلى" أعداء " يوقَف بعضهم بعضاً في الشوارع وتوجّه لهم الإهانات ويُهاجَمون بالبيض الفاسد مما استدعى تدخل المسؤولين على المستويات لوقف موجة العداء العارمة، ثم ضاقت الدائرة فامتنعت سلطات كل ولاية في تلك الدول عن استقبال المصابين بالفيروس من غيرها، وبعد ذلك رفضت مستشفيات المدن في الولاية الواحدة عن تقبل المرضى من المدينة الأخرى، وتهافت الناس في كل مدينة على المتاجر حتى نفدت السلع من كافة الأصناف وفرغت الرفوف، وتشاجر الناس على المواد الأساسية وفُقدت وسائل التعقيم والأدوية المختلفة من الصيدليات، وفُرض الحجر الصحي على المواطنين وتقرر تغريم المخالفين بمبالغ كبيرة في محاولة للسيطرة على الفيروس ومنع تفشيه، لكن من دون أن يجد أحد وسيلة ناجعة للمعالجة أو طريقة للسيطرة عليه، حتى انتشر المصابون في ممرات المستشفيات ثم في الساحات العامة.

وبسبب عجز الأطباء والأجهزة عن تلبية الحاجات قررت السلطات تجاهل الكبار في السن وإعطاء الأولوية في المعالجات لجيل الشباب، وكان التبرير أن الشيوخ لا قدرة لهم على الإنتاج من جهة ومن جهة أخرى يوفّر موتهم على خزينة الدولة تكاليف العناية بهم فيما تحتاج المصانع والمؤسسات اليد العاملة الشابة لتحرك عجلة الإنتاج؛ وهنا تجلى سقوط الكرامة الإنسانية في الحضارة الغربية أمام عقلية الربح والخسارة في النظام الرأسمالي.

كل هذا ورئيس الولايات المتحدة يباهي بأن بلاده خالية من الفيروس، وأن أمريكا المتقدمة علمياً على باقي دول العالم تمنع الوباء من الإقتراب من حدودها، ويؤكد أن الإجراءات المتخذة كافية لتحصين المواطنين من الإصابة به، بل قام مراراً بالمصافحة باليد مع ضيوفه وأثناء جولاته الإنتخابية متحدياً إرشادات الأطباء، ورفض أيضا إجراء فحص كورونا مؤكداً سلامته الكاملة، وصار يتهكم بالدول الأوروبية وقام بوقف حركة الطيران من وإلى دول الإتحاد الأوروبي باعتبارها بؤرة الوباء مستثنياً بريطانيا كرمى لعين صديقه الشخصي بوريس جونسون الذي أخرج لتوّه بلاده من الإتحاد الأوروبي والذي أصيب مؤخراً بالفيروس، لكن سرعان أن ضم إنجلترا إلى القائمة أيضاً.

وحاول كثيراً الرئيس ترامب استغلال موضوع كورونا في جولاته في مختلف الولايات أثناء حملته الإنتخابية الرئاسية، فاتهم خصومه الديمقراطيين مراراً بتضخيم الأمر وإخافة الناس من دون مبرر، لكن أحد الشيوخ الجمهوريين المتحمسين للرئيس ألقى بعد ذلك باللوم في تأخر اهتمام ترامب بالأزمة على النواب والشيوخ الديمقراطيين لكونهم قاموا بإجراءات مساءلة ترامب في محاولة لعزله وبذلك شغلوه عن الإهتمام اللازم بموضوع كورونا.

وفجأة فوجئ العالم باكتساح الفيروس الولايات المتحدة ولاية وراء ولاية ومدينة تلو أخرى، وامتلأت بسرعة أسرة المستشفيات وحتى الممرات والباحات والأرصفة بالمصابين، ولم تكفِ المشارح لاستيعاب أعداد المتوفين، واصطفت طوابير طويلة لثلاجات الموتى أمام أبواب المستشفيات، وضاقت المقابر بأعداد المتوفين بالفيروس حتى كان الدفن في الساحات العامة والملاعب الرياضية وفي مقابر جماعية في جزيرة " هارت "  التابعة لولاية نيويورك، وأخيراً إتلاف الجثث في المحارق؛ كل هذا وإجراءات العزل الشديد تعمّ الولايات وتفرض السلطات المحلية في المدن الحجر الصحي على كافة المواطنين بكل قوة وتمنع التجول بالإستعانة بالشرطة والحرس الوطني، وتعلن مسبقاً إلغاء بقية العام الدراسي لكافة الصفوف في المدارس الحكومية.

لقد استهان ترامب في البداية بالأمر، لكنه صُدم بسرعة التفشي واتساع رقعته، وبعد أن ارتفعت الأصوات للعمل سريعاً في سبيل وقف زحف الوباء القاتل، وهنا سقطت ورقة التين وانكشفت حقيقة أمريكا الدولة العظمى الأقوى بين أعضاء مجلس الأمس الدائمين، وتبين مدى ضعف المؤسسات الصحية الأمريكية وعجزها عن التعامل مع الوباء وأيضاً النقص الحاد في المعدات والأجهزة المطلوبة للسيطرة عليه مما جعل الولايات المتحدة الدولة الأولى بالعالم في عدد الإصابات بالفيروس.

وصارت الضحايا تسقط بالآلاف كل يوم، ولا وجود لأي دواء للعلاج أو للتخفيف من أخطار الفيروس على الأقل، وبان النقص الحاد في المعدات وحتى الكمامات ووسائل التعقيم الأولية، وعجزت السلطات الأمريكية حتى عن تلبية حاجة منظمة الأمم المتحدة لتعقيم مبناها الرئيسي في نيويورك ما اضطر مجلس الأمن الدولي إلى عقد لقاء من بُعد لمناقشة أزمة كورونا.

وأخيراً اضطر ترامب المتعجرف لمدّ اليد إلى الدول الأخرى للحصول على احتياجاته حتى أنه رضي بالمساعدات القليلة من خصميه اللدودين الصين وروسيا اللذين يهاجمهما كل يوم بل كل ساعة.

ولما لم تكفِ تلك المساعدات ويقترب بسرعة موعد الإنتخابات ويتحدد مصيره في يوم ٣ / ١٠ / ٢٠٢٠ من خلال أسلوب تعاملة مع الأزمة، فإنه قرر السطو على مشتريات الدول الأخرى، وتحويل مسار الطائرات في الأجواء والبواخر في البحار والمحيطات إلى المطارات والموانئ الأمريكية وكذلك تكليف الاستخبارات الأمريكية عملية تعقب ومصادرة الحمولات الطبية حتى المتعلقة  بالدول الحليفة له والتي تمّ دفع ثمنها مسبقاً ليقوم هو بتوزيع محتوياتها على الأطباء والممرضين والممرضات في مختلف مستشفيات أمريكا والذين يشكون من النقص الحاد.

لكن المخزي أن ترامب الذي مدّ يديه لـ " الشحادة " حتى إلى الدول المخاصمة له ومارس القرصنة في البحر والجو وسرق حمولات حلفائه وفي عزّ الحاجة الماسّة الأمريكية للمواد الضرورية قام بإرسال طائرة محملة بمليون كمامة هدية مجانية للجيش الصهيوني، وذلك بهدف كسب رضا اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة ومن ثم دعمه في الإنتخابات المقبلة.

لقد بذل دونالد ترامب كل جهوده لاستغلال الأزمة الإنسانية التي تودي كل يوم إلى وفاة الآلاف من مواطنيه في حملته لكسب غالبية الأصوات في الإنتخابات المقبلة، ووصف كل معارض لخططه بأقبح النعوت، وأقال كل متردد في التصفيق له وتأييده حتى لو كان من أهم أعضاء إدارته أو في أكثر المواقع الإستراتيجية في الدولة وهو الاستخبارات المركزية الأمريكية، وأخيراً اتهم إذاعة " صوت أمريكا " المملوكة للدولة أيضاً بالتواطؤ ضده بعد أن كرر مراراً منذ توليه الرئاسة أن أغلبية وسائل الإعلام الأمريكية المرئية والمكتوبة متآمرة ضده، وطرد مرات عديدة مراسلي الإعلام من البيت الأبيض لمجرد توجيه سؤال لا يعجبه، وقام أيضاً بتوزيع الإتهامات يميناً وشمالاً ضد الخارج فحمّل الدول الأجنبية المختلفة مسؤولية تفشي الوباء في العالم في محاولة للتهرب من مسؤلياته، وقام أيضاً بتهديد المنظمات الدولية وحتى منظمة الصحة العالمية بوقف المساهمة الأمريكية فيها لأنها لم تُصدر تقارير مطابقة لرغباته.

لقد أسقط دونالد ترامب كل شعارات القيم الأخلاقية والمبادئ الإنسانية التي طالما تغنّت بها الولايات المتحدة وذلك في سبيل الفوز في الإنتخابات المقبلة، ورفض أيضاً التقيد بأبسط القواعد المتبعة في التعامل بين الدول وتخلى بكل فظاظة عن التقيد بالمعاهدات والإلتزامات الدولية التاريخية لأمريكا كاتفاقية عام ١٩٤٧ بينها وبين منظمة الأمم المتحدة والتي تُلزم السلطات الأمريكية البلد المضيف بإصدار تأشيرات لممثلي كافة الدول الأعضاء في الأمم المتحدة من أجل المشاركة في اجتماعاتها حين رفضت إصدار تأشيرة لممثل الجمهورية الإسلامية المعين لدى المنظمة وكذلك لوزير الخارجية الإيراني الدكتور ظريف للمشاركة في اجتماع لمجلس الأمن الدولي يتعلق بالشأن الإيراني، وقضى بسلوكه هذا على السمعة الحسنة والصورة الجميلة لبلاده والتي بُذلت جهود كبيرة ولعقود طويلة لبنائهما وتسويقهما أمام العالم.

وقبل ذلك استهانت الدول الأوروبية بالكرامة الإنسانية واستهزأت بأبسط القيم الأخلاقية حيث تعاملت بدورها مع الناس على أساس أنهم وسائل لتحريك عجلة المصانع وأدوات لتشغيل المعامل فحسب، وأن توقف كل شخص عن المشاركة في الدورة الإنتاجية يجعل منه عبأً على الدولة ويجب التخلص منه في أول فرصة، وجاءت الفرصة الآن من خلال تفشي الفيروس ليتمّ التخلص من كبار السن في دور الرعاية الإجتماعية والمجمعات السكنية الخاصة بالمسنّين، وهذه الحقيقة بانت جلية من خلال عدم الإعتناء بعلاج من هم فوق سن الـ ٦٠ و ٧٠ في المستشفيات وتركهم يموتون بالمئات بكورونا، وعند ذاك يتمّ نقل جثثهم المتراكمة بأرتال من الشاحنات العسكرية إلى المحارق للتخلص منها بدل إجراء مراسم الدفن المحترمة المتعارف عليها، بل إن عشرات الأجساد حُملت بسيارات جمع القمامة وألقيت في المزابل ليتمّ إتلافها مع الفضلات؛ ومشهد هذا التعامل السخيف دفع بأشخاص إلى احتقار ذواتهم والإقدام على الإنتحار قبل أن يقضي الفيروس على حياتهم، لأنهم يرون مدى الإستهانة والإهمال التي يواجهها المصابون في المستشفيات وشدة الآلام التي يعانون منها من دون أن يأبه بهم أحد.

إن فيروس كورونا قد أضر كثيراً بقضائه على نفوس بشرية كثيرة في أرجاء العالم، وفرض على المجتمعات قواعد جديدة من الأصول والآداب في التعامل بين فئات المجتمع وحتى داخل الأسرة الواحدة، وعطل تقريباً الدورة الإقتصادية وحركة الإنتاج لدى كافة الدول، لكنه أيضا تسبب في انقشاع الصورة وسقوط الأقنعة وانكشاف الحقائق، وتعري دعاة احترام الكرامة الإنسانية والتمسك بالقيم في الغرب بطرفيه الأوروبي والأمريكي أمام شعوبنا المخدوعة بهما واللاهثة وراء تقليد أسلوب حياتهما، والساعية بمختلف الوسائل للعيش في ربوعهما، وعند النظر إلى كيفية تعاطي أبناء جلدتنا والملتزمين بثقافتنا الشرقية وديننا الحنيف مع الأزمة المستجدة نجد بوضوح تجلي الروح الإنسانية المتأصلة في الأعماق عندنا، وحالة التضامن والتكاتف بل والإيثار أحياناً بين فئات المجتمع ومدى التعاضد بين الناس على الرغم من الإمكانيات المحدودة لبعض الطبقات الشعبية، ونشاهد بأم العين التضحيات البطولية للطواقم الطبية لإنقاذ حياة المصابين بالوسائل المتاحة على الرغم من العقوبات الجائرة، ومخاطرة كثيرين من طلاب الحوزات الدينية والعلماء والشباب الغيارى بحياتهم من أجل القيام بالتخفيف عن آلام المرضى على أسرّة المستشفيات في أرجاء البلاد، وكذلك القيام بأداء الواجبات الدينية تجاه الموتى ليتم دفنهم باحترام بقدر الإمكان لأن في منطق الإسلام " حرمة المؤمن ميتاً كحرمته حياً "، وهو يرى الموت قنطرة يعبر من خلاله الإنسان من حياة دنيا إلى عالم أرحب وآخرة هي دار القرار، ويؤكد أن مفارقة الروح للجسد لا تعني زوال العلاقة بينهما، بل إن الآيات القرآنية والأحاديث النبوية والروايات الواردة عن الأئمة المعصومين تجمع كلها على أن الإنسان الميت يحسّ بكل ما يجري حوله ولكنه يعجز عن التعبير لتعطل دور الأعضاء، وإن السنن الواردة للتعامل مع الميت منذ لحظة وفاته مروراً بآداب غسله وتحنيطه وتكفينه والصلاة عليه ودفنه ثم بذل الخيرات والصدقات عنه وتلاوة سورة الفاتحة والآيات القرآنية عن روحه وأمور كثيرة أخرى لا مجال لذكرها هنا، كل ذلك يبين أن كيان الإنسان بعد أن يُنفخ فيه الروح وهو جنين في بطن أمه محترم كما هو في عنفوان شبابه، بل وترتفع مكانته في نظر الإسلام كلما كبر سنّه، فإذا بلغ الشيب كان "  الشيب نور في وجه المسلم " طبقاً للحديث النبوي، وإذا قضى عمره في طاعة الله شمله قول النبي صلى الله عليه وآله: "  الشيب نور المؤمن , ولا يشيب رجل شيبة في الإسلام إلا كانت له بكل شيبة حسنة ، ورُفع بها درجة "، بل إن أمير المؤمنين علي عليه السلام يقول" رأي الشيخ أحبّ إليّ من جلد الغلام "وذلك تقديراً للتجارب التي يمرّ بها الكبير في الحياة والخبرة التي يكتسبها طوال سنيّ عمره، بل يؤكد الدين الإسلامي الحنيف على " وقّروا كباركم "، والآية القرآنية صريحة في بيان مدى أهمية احترام الكبار في السن خاصة من جانب الأولاد لوالديهم إذا كبرت أعمارهم: ( وقضى ربك أن لا تعبدوا إلاّ إيّاه وبالوالدين إحساناً إمّا يبلغنّ عندك الكبرَ أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أفٍّ ولا تنهرهما وقل لهما قولاً كريماً واخفض لهما جناح الذلّ من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربّياني صغيراً ).

إن فيروس كورونا قد ساوى بين كل أقوام وألوان ولغات وطبقات وأديان ومذاهب البشرية فلم ينجُ من إصاباته أحد في برّ أو بحر ذكرٌ كان أو أنثى أو طفل أو شاب أو كهل، والبشرية كلها تقف عاجزة أمامه وحائرة في تفسير جنسه ومترددة في طريقة السيطرة عليه وغافلة عن السبيل إلى مكافحته، وجاهلة لعلاج شافٍ منه، وهذا يستوجب البحث عن منقذ للبشرية العاجزة والحائرة والمترددة والغافلة والجاهلة والذي يأتي لا محالة لإزالة أسباب نزول هذا العذاب ومن ثم رفع البلاء، فلنرفع الأكف للدعاء خاشعين ونحن على أبواب شهر الصيام والقيام وفي أيام ضيافة الله سبحانه عسى أن يبعث من عنده سريعاً من يهدي البشرية إلى الصراط المستقيم ويملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعدما مُلئت ظلماً وجوراً،

فإنه قال: ( وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداعِ إذا دعانِ فليستجيبوا لي وَليؤمنوا بي لعلهم يَرشدون ). صدق الله العلي العظيم.

السيد صادق الموسوي.

الوسوم