بيروت | Clouds 28.7 c

عبرة فيروس ((كورونا)) / بقلم السيد صادق الموسوي

عبرة فيروس ((كورونا))

بقلم السيد صادق الموسوي

مجلة الشراع 13 آذار 2020 العدد 1942

 

اليوم وبعد أن ابتُلي العالم كله ومن دون استثناء بفيروس ((كورونا))، وهو يأخذ الضحايا من كل الدول والأقطار والأمم والأديان والمذاهب والطبقات والمستويات، ومهما اختلفت التفسيرات حول أسباب انتشار هذا الفيروس والمسؤول عن انتشاره، فإن المؤكد أن العقال قد افلت ولم يعُد أحد بمنجى من هذا الفيروس، وهو يلف العالم كله من شرق الكرة الأرضية إلى غربها ومن الجنوب حتى شمالها، ولا يستثني الأغنياء ولا الأمراء ولا الحكام، ويتفاجأ كثيرون ممن لا احتمال لإصابتهم بأن الفيروس قد تملّك منهم ولا إمكانية لشفائهم، وينصدم كثير من الذين يحيطون أنفسهم بالأطباء الحاذقين بأن الوباء قد تسرب إلى أعماقهم ولا علاج لهم.

صحيح أن مبدأ هذا الفيروس كان مدينة ((ووهان)) في الصين لكن سرعان ما انتشر في عموم الصين ومنه إلى إيران، وهذا ما سمح للتحليلات بأن الفيروس هو من صنع المختبرات الأميركية بهدف ضرب الإقتصاد الصيني وهو في أوج نموّه وتركيع الجمهورية الإسلامية في إيران وهي على أعتاب انتخابات تشريعية مفصلية، وسرعان ما فرح ترامب لإنشغال غريمه في عالم الإقتصاد، وتشفّى التكفيريون وخصوم إيران على اختلاف ألوانهم وفرحوا بابتلاء الشعب الإيراني، وشرعت وسائل الإعلام الغربية وبعض العربية بشحن النفوس ضد الإيرانيين، وتخويف الناس من الإقتراب من كل إيراني حتى ولو كان غير موالٍ للنظام ومقيماً في بلد آخر منذ عقود، وتسليط الأضواء الكاشفة على تزايد أعداد الضحايا في أرجاء الجمهورية الإسلامية وتضخيم الأمر إلى أقصى حد، لكن هذه الفرحة لم تدُم طويلاً والشماتة لم تستمر سوى أيام قليلة حتى دارت الدائرة على المتشفّين أيضاً ولم تنفع محاولات التعمية على الإصابات في بلادهم، واختلّت حركة الإقتصاد في تلك الدول وسيطر الخوف والهلع على المواطنين فيها، وبدأت وسائل إعلامهم التي شمتت أياماً بالإعلان عن عدد المصابين بالفيروس وإذاعة أخبار الضحايا عند مموليها، وكان الهلع فوق المتوقع إذ ألغيت التأشيرات السياحية ثم أوقفت مناسك العمرة للقادمين من خارج البلاد ثم منع المواطنون من الإقتراب من المسجد النبوي ثم إغلاق المسجد الحرام في وجه عموم الطائفين والمصلين، هذا في المملكة العربية السعودية، أما في الإمارات فقد أذيع أن الفيروس أصاب ولي العهد والحاكم الفعلي محمد بن زايد المُحاط بالعناية الطبية العالية، وتتوالى أخبار تفشي الوباء في أرجاء الإمارات وازدياد أعداد المصابين وتتالي الموتى منهم، وفي البحرين التي اتهمت إيران بالتسبب في وصول الفيروس إليها تتزايد كل يوم أعداد المصابين والضحايا، وباقي دول الخليج مشغولة أيضاً بحالها لاكتشاف حالات إصابة كل يوم بل كل ساعة.

وشمل فيروس ((كورونا)) سريعاً الدول الأوروبية والولايات المتحدة وكندا وأستراليا وصارت كل الدول ((بالهوا سوا))، والعالم يقف حائراً في أمر كورونا وعاجزاً عن وقف زحفه السريع على أقطار الكرة الأرضية، وصار هم الجميع البحث عن وسيلة للتخلص من الوباء القاتل، والبحث عن علاج للفيروس، والتفتيش عن دواء شافٍ للمرض المسري، وحتى كتابة هذا المقال لم يتوصل الأطباء والباحثون لوسيلة تكبح جماح الفيروس وتسيطر عليه وتمنع انتشاره، بل في كل يوم يصرحون بمزيد من آثار هذا الوباء الخطير، ويصرحون بأعداد جديدة من المصابين والضحايا في مختلف الدول ويعترفون بعجزهم عن اكتشاف عقار لمعالجتهم.

إذن لا مجال اليوم ليشمت أحد بأحد، وأن يتشفى قوم بقوم، والذين يُصابون بكورونا هم من الدول كافة، والذين يموتون بالوباء هم من جميع الأديان والمذاهب؛ والذين فرحوا في بداية الأمر شملهم المُصاب ولم تشفع لهم الشماتة، وحتى نائب رئيس الولايات المتحدة لا يجرؤ على مصافحة مستقبليه على سلّم الطائرة وهم النخبة من المسؤولين، والمستشارة ميركل يأبى مصافحتها وزير داخليتها أثناء جلسة الحكومة احترازاً، ويتم إجراء فحوص الحرارة لوزراء النفط في ((أوبك)) وحذرت من المصافحة والعناق تخوفاً، وأخذ الرئيس ترامب الأمر على محمل الجد وأحاط نفسه بفريق من الأطباء في البيت الأبيض حماية لنفسه من ((الكورونا)).

لقد شرع العالم أمام واقع انتشار فيروس كورونا على نطاق العالم في ابتداع طرق جديدة للتعبير عن الابتهاج باللقاء، فتارة تكون المصافحة بالأذرع بدل الأكف، أو ملامسة الأقدام بدل العناق، أو الإنحناء من بعيد احتراماً مكان الاحتضان، وحتى أن العلاقات العاطفية بين الأزواج والأسر تأثرت، حيث الأم تخشى عدوى الوباء من ولدها، والزوج تخاف أن يدخل بعلها منزله وهو يحمل الفيروس على ثيابه من الخارج، وأفراد الأسرة الواحدة في البيت الواحد باتوا لا يأمنون بعضهم من عدوى المرض القاتل، ورأى الجميع تجسد وصف الله لحال الناس في الآخرة أمام أعيننا ومصغّراً في عالم الدنيا ((يوم يفرّ المرأ من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه)).

إن تساوي الناس في تعامل ((كورونا)) معهم، وعدم اقتصار ضحاياه على قوم من دون قوم، وشمول إصاباته البشرية كافة من دون تمييز بين صنف وطبقة، يجب أن يدفعنا جميعاً إلى التخلي قليلاً عن الأنانيات، وترك التفاضل باسم الدين والقومية وغيرهما، والعودة إلى فطرة الله التي فطر الناس عليها، وإحياء المشاعر الإنسانية التي ماتت تحت أقدام المصالح لدى الحكام والسلاطين، وتنشيط حس التراحم بين بني آدم كلهم بعد خموله لعقود بل لقرون بفعل الحروب والغارات من جانب الدول الإستعمارية على الشعوب المستضعفة على مساحة الكرة الأرضية.

وفي حال اهتدينا نحن البشر إلى الصراط المستقيم، وأحيينا في أنفسنا الصفات التي جعلت ملائكة الله يقعون أمام أبينا آدم ساجدين، واستعذنا بالله من شرّ شياطين الجن والإنس الذين يريدون منعنا من العودة إلى الجنة التي أرادها الله لخلفائه في الأرض، وعندئذ تنزل علينا رحمة الذي كتب على نفسه الرحمة، إذ جاء في الأثر: ((إرحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء))، وحينئذ يرفع الله عنّا ألوان العذاب التي تُصيب الأمم كل يوم، وصنوف البلاء التي تعمّ البلاد كل حين، حيث يحار العلماء الحاذقون في مواجهتها، ويعجز المختصون البارعون عن محاصرتها، ويفشل العلم رغم تطوره الهائل في درئها، ولا تقوم التقنيات الحديثة بالسيطرة عليها كافة.

السيد صادق الموسوي

الوسوم