بيروت | Clouds 28.7 c

مآخذ على محمد حسين فضل الله في ذكرى غيابه / مزج بين السياسة والدين وانحاز الى حزب الله ضد ((امل)) وكرر ما اعتبره أخطاء أسلافه- بقلم الشيخ محمد علي الحاج العاملي

مآخذ على محمد حسين فضل الله في ذكرى غيابه / مزج بين السياسة والدين وانحاز الى حزب الله ضد ((امل))  وكرر ما اعتبره أخطاء أسلافه- بقلم الشيخ محمد علي الحاج العاملي

 

 

*المرجعية الشيعية في طور جديد ستدخله عاجلاً وليس آجلاً

*فضل الله كان يعبر عن فكر جبل عامل رغم علاقته الوطيدة مع الجمهورية الاسلامية في ايران

*الأمور تتجه لترسيخ الثقافة الايرانية في صفوف علماء الدين العامليين

*خطابان اليوم عن فضل الله الأول يقدّسه والثاني يسيء اليه

*مكانة فضل الله ليست نابعة من مستواه الفقهي وهناك الكثير من العلماء أميز منه مثل شمس الدين ومحمد حسن الأمين

*اولاد فضل الله ومؤسسته يتحسسون من مناقشتهم والاعتراض عليهم وبشكل يوحي انهم أبعد ما يكون عن نهجه وفكره

*بعد التجربة نرى اليوم مدى الضرر البالغ لفكر الاسلام السياسي على المجتمع الشيعي

*نعيش حالة ردة ناتجة عن فشل تجربة المسلمين في تسييس الدين فأفسدوا الدين والسياسة

*يؤخذ على فضل الله أيضاً تولية أبنائه مسؤوليات أكبر من طاقاتهم

* معظم آراء فضل الله كانت حمالة أوجه

*فضل الله كرر مع كل طروحاته البراقة ما كان يعتبره خطأ في تجربة أسلافه

*جمعية فضل الله ليست مؤسسة.. وهي أشبه ما تكون بالملك الشخصي او الوقف الذري

بقلم: الشيخ محمد علي الحاج العاملي / مدير عام حوزة الامام السجاد العلمية

تطل الذكرى السنوية الثامنة لرحيل العلامة المرجع السيّد محمّد حسين فضل الله وسط حاجة متزايدة للوقوف عند تجربته وإسهاماته وبصماته الجليلة.. بل للوقوف عند واقع الحالة العلمائية الشيعية في لبنان، ومستقبل الجسم الديني، حيث التدني المخيف فيه، ما ينبئ أننا على مقربة من منعطف تاريخي خطير سنقدم عليه في المدى المنظور..
أكثر رسالة توحيها لي الذكرى - على المستوى الشخصي - أننا أوشكنا على توديع رعيل من العلماء لن يتكرر في العقود القادمة! وإن كان لا يزال بين ظهرانينا ثلة قليلة من العلماء من هذا الرعيل، مثل: السيد محمد علي الأمين، والشيخ حسن طراد، والسيد محمد حسن الأمين، والشيخ حسن عواد، والسيد جعفر مرتضى.. وبالرغم من محاولات القوى السياسية لتهميش هذا النوع من العلماء، لكن وجودهم يضفي بركةً وخيراً وعزةً وعنفواناً.. على الطائفة، ولا يمكنني أن أتصور مدى سوء الإنحطاط في مجتمعنا الديني بمعزل عنهم..
رحيل السيد فضل الله دقّ - وما زال يدق - ناقوس الخطر الجدي في وسطنا العلمائي، وهذا ما يجب أن يسمعه ويشعر به ليس مَنْ يحب السيد الراحل فحسب، بل حتى مَنْ كان يعارض السيد ويبغضه، ومَنْ كان ضده.. فبغض النظر عن الكثير من التفاصيل والقضايا الصغيرة؛ لكنّ السيّد فضل الله من ((طبقة)) آخذة بالضمور، وأوشكت على الإنقراض، فبعد أن كان علماء الشيعة في لبنان بمستوى: الشيخ محمد جواد مغنية، السيد هاشم معروف الحسني، الشيخ عبد الله نعمة، الشيخ موسى عزالدين، الشيخ حسين معتوق، الشيخ محمد عيّاد، السيد موسى الصدر والشيخ خليل ياسين.. ثم رحل عنّا خلال ربع القرن الأخير: الشيخ موسى شرارة، الشيخ محمد تقي الفقيه، الشيخ إبراهيم سليمان، الشيخ محمد مهدي شمس الدين، الشيخ حسن عسيلي والشيخ مفيد الفقيه.. لنصل اليوم لمستوى متدنٍ جداً، لا أودّ أن أوصّفه.. لكن أقلّ ما يُقال فيه أنّه لم يعد في جسمنا العلمائي علماء فضلاء أصحاب أوزان مرموقة، حيث تمكّنت القوى السياسية الشيعية من تطويع المعممين الشيعة، وأخذهم إلى موقع لا يتناسب مع أدبيات السلك، ولا مع تاريخه وقيمه..!



((مفترقان))




تشهد الساحة الدينية الشيعية مفترقَين جديين، الأوّل يتعلّق بالمرجعية الدينية العليا بشكل عام، والثاني يخصّ علماء جبل عامل حصراً.



المرجعية الشيعية التقليدية:

 


يبدو أن النمط الحالي للمرجعية الدينية الشيعية صار في مراحله الأخيرة، والظاهر أننا سنتجه لنمط جديد معاصر في علاقة المكلّفين والمؤمنين بمراجع الدين، ليس بالصيغة الراهنة؛ لكن بطريقة أكثر عقلانية وواقعية..
وأتصور أن الأمر سيحتاج لبعض الوقت لتتبلور الطريقة الجديدة، التي تنسجم مع تطلعات الناس في عصرنا.. وبكل الأحوال فإنّ النمط الراهن للمرجعية قد استهلك، وانتهى.
ولديّ قناعة عادة لا أجاهر بها - إلا في المجالس الخاصّة - بأنّ عصر المرجعيات الدينية الكبرى انتهى في وقتنا الراهن، فكان في لبنان السيد محمد حسين فضل الله كآخر مرجع شيعي بهذا الحجم على مستوى لبنان. وأمّا في إيران فإنّ آخر مرجع ديني كبير هو السيد علي الخامنئي، ولا يمكن انتاج مرجع في المستقبل القريب أو المتوسط بحجم حضور السيد الخامنئي على مستوى إيران والعالم الشيعي. كما أن آخر مرجع كبير في العراق هو السيد علي السيستاني، ولا يمكن تشكيل مرجعية دينية عليا بالمستوى الذي عليه السيد السيستاني اليوم في العراق.
لذا من الجيد أن ندرك هذا الأمر، حيث إن تجربة ((المرجعية)) الشيعية في مرحلة من طور جديد ستقدم عليه عاجلاً وليس آجلاً..

فكما كان الواقع الشيعي لا يعرف مرجعيات كبرى، أو ما نطلق عليه اليوم ((المرجع الأعلى)) أو ((ولي الفقيه)).. حيث كان لكل منطقة فقيهها ومرجعها؛ وكانت اهتمامات المراجع محصورة في القضايا الروحية، من دون التدخل في الشؤون السياسية، باستثناء قضايا الأمة الكبرى.. وكما كانت الصيغة بشكل مختلف، ثم تطوّرت وصارت بالصورة التي نحن عليها اليوم؛ كذلك فإن عصرنا سيشهد تحوّلاً في الصيغة والنمط والأسلوب والاهتمامات..




الجسم العلمائي العاملي



كذلك فإننا على مفترق طرق قريب جداً من انتهاء عصر ((علماء جبل عامل)) حيث إن العلماء الذين يحملون ثقافة جبل عامل وفكره الديني الصافي هم قلة جداً - ذكرنا معظمهم في مطلع كلامنا - وإنّ الثقافة التي تنتشر في صفوف ((المعممين)) اليوم على مستوى علماء الشيعة في لبنان، هي ثقافة أجنبية عما كان عليه العلماء العامليون تاريخياً.
ورغم العلاقة الوطيدة التي كانت تربط السيد محمد حسين فضل الله بالجمهورية الإسلامية الإيرانية لكنّه كان يعبّر عن فكر علماء جبل عامل إلى حدّ كبير، كما كان يعبّر عن هذا الفكر بشكل أوضح الشيخ محمد مهدي شمس الدين، وآخرون..
ومع مرور الوقت، ونتيجة مصادر القوة والنفوذ للبعض في الجسم العلمائي، فإن الأمور تتجه لترسيخ الثقافة الإيرانية في صفوف علماء الدين العامليين، والمؤتمنون على الثقافة العاملية يرحلون واحداً تلو الآخر.. ما يحتم أنه سيأتي يوم وقد تلاشى فيه الفكر العاملي لصالح فكر آخر.
وهنا على رجال الدين الشيعة، لاسيما الشباب منهم، اجتراح تصور لمستقبل واقعنا الديني، مع الأخذ بعين الاعتبار المستوى التقوائي الراهن، الذي يختلف جذرياً عما كان عليه من ربع قرن مثلاً، كما ينبغي الأخذ بعين الاعتبار أيضاً حجم الإقبال على ((الدين)) و((حالات التدين)) التي لم تعد كما في السابق، فمن يتدين بدوافع سياسية لا معنى لتدينه، بل قد يكون دوره سلبياً.. لذا يحسن الانكباب على دراسة طبيعة واقعنا، وما سنؤول إليه، بغية الحد من الخسائر.




القراءة الموضوعية للسيد الراحل




آن لنا بعد ثماني سنوات من رحيل السيد محمد حسين فضل الله أن نتحدث عنه بشفافية وتجرد، بعيداً عما هو منتشر اليوم، حيث وجود خطابين: الأول يقدّس الراحل ويبالغ في تقديسه، والثاني يسيء له ويبالغ بذلك أيضاً؛ فينبغي أن نتحدث بموضوعية.


 في خضم الصحوة الإسلامية:


عُرف السيد محمد حسين فضل الله بشكل بارز في خضم ما سُمّي بالصحوة الإسلامية التي كانت تنتشر في أوساط الشيعة في إيران والعراق ولبنان، فكان للسيد الراحل دور مركزي في ذلك، كما بلوره الإعلام المحلي والخارجي كأحد أعمدة النهضة الشيعية على مستوى لبنان على الأقل.
وقد كان له خدمات جليلة في هذا المضمار، فكان فاعلاً ومؤثّراً، ونشط بشكل لافت للغاية، ولم يعرف الكلل، هذا بغض النظر عن تقييمنا لأصل الموضوع، وسنأتي عليه.


في المجال الخيري والاجتماعي: 


لا يمكن لمنصف إلا أن ينوّه بجهد السيد فضل الله في احتضان الأيتام، ورعايتهم، والإهتمام بشؤون المعوزين والفقراء.. وقد تطوّر معه هذا الشأن بحيث تمكّن من تشييد العديد من المدارس ومبرات الأيتام والمؤسسات الإجتماعية، حيث استقطب بذلك كبار رجال الأعمال ورؤوس الأموال الذين يرغبون بالتبرع للفقراء.. فكان السيد مقصدهم..
وطبعاً جزء كبير، أو الجزء الأكبر لحيثية السيد الراحل متأتية من اهتمامه بهذا الجانب الإنساني البالغ الأهمية.
ولم يقتصر نشاط السيد على مبرات الأيتام، بل اهتم بشؤون الصم والبكم، والأسر المحتاجة.. وحتى أنه سمّى بعض مصالحه التجارية بأسماء الأيتام (محطات الأيتام).. التي هي مؤسسات انتاجية تدر أرباحاً مالية عالية، وكذلك مطعم وفندق الساحة، وسواهما من المؤسسات التي يملكها آل فضل الله اليوم..

-
في المجال الدعوي الإرشادي:

وأكثر ما تجلّى فيه السيد الراحل هو منحاه التربوي، حيث اتخذ نهج الوعظ والإرشاد والتربية، علماً أن البعض يضعه في إطار ((المجددين)) أو((المفكّرين))، لكن في ذلك مبالغة كبيرة وواضحة.. وهذا الكلام لا يقلل من قيمة السيد الذي تمكّن من استقطاب جماهير لبنانية وعربية وإسلامية واسعة، تأثّرت بنهجه وتعاليمه..
بل أكثر من ذلك، فإنّ مكانة السيد ليست نابعة من مستواه الفقهي، فكثير من علماء لبنان أكثر فقاهة منه، كالمرجع الديني الراحل الشيخ محمد تقي الفقيه، ومعروف عن السيد فضل الله أنه بذل جهوداً كبيرة لإبراز نفسه كمرجعية فقهية.. ولكي تعترف به الأوساط الحوزوية في العراق وإيران..
كما أنّ مكانته ليست متأتية من مستواه الفكري، فهناك الكثير من العلماء أصحاب المستويات الفكرية أميز من السيد فضل الله، مثل الشيخ محمد مهدي شمس الدين، والسيد محمد حسن الأمين. ولا من تعمّقه بأصول الفقه، فالسيد جعفر مرتضى والسيد علي الأمين أكثر مهارة منه في علم الأصول. وحتى أن السيد محمد حسن الأمين أشعر منه. كذلك فإن السيد هاني فحص كان يمتلك موهبة أدبية أميز من موهبة السيد فضل الله، كما كان يمتلك ثقافة عصرية أكثر من السيد الراحل..
وبإيجاز، فإنّ السيد محمد حسين فضل الله كان داعية وواعظاً، وتميّز بدوره في هذا المجال، حصراً. وهو المرجع الكبير الذي تمكّن من جمع الكثير من المميّزات في شخصيته، من استفادته من مناخ ((الصحوة الإسلامية)) الذي بدأ بالصعود.. وتنسيقه مع النظام الإيراني، مع تفاعله مع حزب الله في لبنان، مضافاً لتأسيسه مؤسسات خيرية وثقافية واجتماعية.. وهو ما جعله يتمدد ويحسن طرح نفسه.



نقد.. وملاحظات



إن محبة السيد الراحل وتقدير جهوده، والثناء على خدماته الجليلة، لا يتنافى مع إيراد بعض الملاحظات عليه، بل على العكس، فإن النقد، وعدم تقديس الرجال.. هو منهج السيد فضل الله، وتالياً فاتباع هذا الأسلوب فيه وفاء له وهو الذي كان يكرر دائماً - في معرض رده لأقوال الأساطين ومعارضته لهم -: هم رجال ونحن رجال..
ومعروف عن السيد أنه كان يربي طلبته ومريديه على أن يناقشوا ويفكروا ويعترضوا.. وأن لا يجمّدوا عقولهم وقلوبهم.. وهو الذي عانى من مجموعة لا تتقبّل النقد. فإذا بنا اليوم نرى أولاده ومؤسسته.. يتحسسون من مناقشتهم والإعتراض عليهم!! بشكل يوحي أنهم أبعد ما يكون عن نهج السيد الراحل وفكره.
ويجب أن نتفهم جميع معارضي السيد، مع عدم موافقتي على معظم أدبياتهم.. لكنّ هذا منهج الإسلام، وهو ما طبّقه الراحل بقبوله للنقد.
وأذكر أنني ذهبت إليه ذات مرة؛ طالباً منه المسامحة عن نص سأصدره، وفيه انتقاد للسيد، فابتسم السيد بعد أن قلت له: أحببتُ أن أتسامح منكم عن نص سأنشره قريباً، حيث إنني انتقدتكم أنتم والشيخ محمد مهدي شمس الدين، فبعد ابتسامته عقّب قائلاً: شيخ محمد علي، إذكروا محاسن موتاكم، لا تنتقد الشيخ شمس الدين، كانت له ظروفه..
ومع ذلك نشرتُ كتابي ((الحبر الأعظم والأقانيم الثلاثة)) الذي انتقدتُ فيه أداء السيد والشيخ (رحمهما الله)، وقد تقبّله بشكل لطيف جداً، رغم تزويده لي ببعض الملاحظات.
وبناءً عليه سأذكر بعض الملاحظات على أداء السيد الراحل:
-
أولاً: يؤخذ على الراحل مزجه بين الدين والسياسة، وترويجه لفكر الحركات السياسية الإسلامية.. هذا المنهج الذي كنا في بداية شبابنا نعتبره أمراً حسناً، ولكن بعد التجربة الميدانية، وبعدما توسعت مداركنا، أضحينا نرى مدى الضرر البالغ لفكر الإسلام السياسي  على المجتمع الديني الشيعي.
وأن علماءنا التقليديين كانوا أكثر حكمة وتبصراً ووعياً حينما رفضوا ركب ))موجة الصحوة الإسلامية (( التي كان انعكاسها سلبياً جداً على أوساط المتدينين، فضلاً عن إساءتها للدين نفسه.. وهو ما نعاني منه اليوم، حيث هناك نوع من ))ردة لم تتبلور بشكلها الكامل بعد، لكنها تتشكل تباعاً، وبرأيي هذه الردة ناتجة عن فشل تجربة المسلمين الذين أرادوا تسييس الدين، فأفسدوا الدين والسياسة.. وضرر الإسلام السياسي أكثر من نفعه بكثير، ناهيك عن تحويل الدين لأداة في يد السياسة، ما يفقد الدين دوره الروحي المطلوب))..
-
ثانياً: دوره خلال الحرب الداخلية اللبنانية لم يكن كما ينبغي، ويظلمه البعض حينما يصفونه بأنه ))مجرم حرب(( وأنه شارك في الصراع الدموي بين حزب الله وحركة ((أمل)).. وعلى الرغم من كونه كان طرفاً في هذا الصراع.. لكنني لا أوافق على هذه التعابير، ولكن بالحد الأدنى إن تبني السيد فضل الله لطرف دون آخر، وانحيازه لفريق من المتصارعَين على المستوى العسكري، كان في غير محله، وكان عليه أن يقف على الحياد، وأن يسعى لوأد الفتنة..
مع أنه تمكّن في مطلع التسعينيات من تظهير نفسه داعية حوار ومحبة وسلام.. ولا شكّ أنه كان صادقاً في دعواه للحوار، ورفض الاقتتال بين اللبنانيين، ومع أننا نقدر ظروف موقفه في الحرب.. حيث كان الواقع يفرض نفسه؛ مع ذلك فإننا كنا نفضل لو أن السيد الراحل كان أبعد نفسه عن فريقي الصراع بشكل كامل.. كما كان موقف ومنهج والده السيد عبد الرؤوف فضل الله، الذي لم يتورط في أي موقف داعم لطرف دون آخر، وكان يحصر نشاطه في الشؤون الدينية والروحية، بعيداً عن السياسة وابتلاءاتها، وكذلك كان منهج الشيخ عبد الكريم شمس الدين، وبقية العلماء الربانيين، الذين نأووا بأنفسهم عن الفتنة، وبقوا نزيهين.
- ثالثاً: تمكّن السيد الراحل من نسج علاقة بنمط غريب بحزبي الله والدعوة، فهو في الوقت الذي ينفي علاقته التنظيمية بهما، لكن لا شكّ أنه استفاد منهما في تشكيل مرجعيته الدينية، وتمدده في الأوساط الشعبية في لبنان والعراق وسوريا وإيران، عبر اطرهم ومحازبيهم.
وكم كان يفضل لو أنه كان أكثر وضوحاً في ذلك، ولا أقول إنني أبرر لبعض ((المحازبين)) الذين انتقدوا السيد الراحل لكن لا شكّ أن جزءاً من المسؤولية عليه، كونه كان يحاول الاستفادة منهم، والتغلغل في أوساطهم، ومتى ما وجد مصلحة في التنصل منهم لا يفوّتها!!

-
رابعاً: كما يؤخذ على الراحل علاقته الملتبسة بإيران، حيث إنه ارتبط بالسياسة الإيرانية لمرحلة طويلة، واستفاد منها في طور تشكله السياسي والديني والمالي.. وحينما وصل لمكانة شعر معها بقوته الذاتية ترك إيران وحزب الله، وشق طريقه بنفسه.. وهذا ما جعل الحرب تستعر عليه من أوساط كانت ((حليفة)) له في السابق.
وفي هذه المرحلة تميّز السيد عن إيران، رغم تشابه أدبياتهما ومنهجهما..
وهذه الأزمة ما زالت كما هي في علاقة آل فضل الله مع إيران.. فهم على علاقة وطيدة مع إيران، ولكن يحاولون إخفاءها في الموارد التي تكون لهم مصلحة فيها فيتنكرون لها.. لكن هذه المناورة أضحت مكشوفة ومعروفة للجميع.. 
-
خامساً: ومما يؤخذ عليه تولي أبنائه مسؤوليات أكبر من طاقاتهم في مؤسسات مرجعيته.. وهذه المؤسسات ليست ملكاً شخصياً، كما أنها ليست إرثاً للعائلة، وليست ملكهم..
وخير نموذج في هذا الإطار هو الإمام الخميني الذي لم يعطِ أياً من أولاده أي دور إطلاقاً، وكانوا كغيرهم من الناس.. وليت السيد محمد حسين اقتدى بالإمام الخميني في هذا الشأن
والإمام الخوئي تعاطى بمناقبية عالية حينما أوكل شؤون ((مؤسسة الإمام الخوئي)) للمرجع الأعلى للطائفة الشيعية، وجعلها تحت تصرفه، ولم يجعل ذلك لأبنائه. ومعروف عن الإمام الخوئي مقاطعته لأحد أبنائه (السيد جمال) مدّة أربع سنوات، وذلك في بدايات طرحه للمرجعية، على خلفية قبول السيد جمال هدية عبارة عن منزل فخم، لا يتناسب مع ابن مرجع..!! كما ومعروف أيضاً عن الإمام الخوئي طرده لأحد أبنائه (السيد عباس) كونه كان يستغل اسم والده، ويستثمره في شؤونه الخاصّة..
وإذا توقفنا عند مرجعية السيد علي السيستاني، الذي يشاع أن نجله السيد محمد رضا يتحكّم في كل الأمور، لكن بشيء من التمحيص والموضوعية نجد أنه خير من يضبط الأمور.. كما ويشاع أنه بصدد التصدي للمرجعية بعد والده، لكن المناقبية الرفيعة التي يتعاطى فيها هو ووالده لا تنم عن هذا الأمر، علماً أن السيد محمد رضا السيستاني على قدر كبير من الفقاهة والعلم، وهو أستاذ قدير للدراسات العليا (البحث الخارج) في النجف الأشرف، ومع ذلك يعيش بشكل طبيعي جداً، ويترفع عن المنافع الخاصّة، هو وجميع أبناء السيد السيستاني.
-
سادساً: اتسمت مواقف السيد بالضبابية، في المجالات السياسية والشرعية والفكرية والإجتماعية، ومعظم آرائه كانت حمّالة أوجه، وفيها شيء من ((اللعب على العبارة ((..
ولن أتوسع في ذلك، حيث أجاد الأستاذ حسن صبرا في مقاله في العدد السابق رقم 1857 الصادر في 9/ 7/2018 في هذا الإطار.
سابعاً: نظّر السيد الراحل للمرجعية المؤسساتية، ودعا لتطبيقها، بل ولطالما كان ينتقد في مجالسه الخاصّة لأداء المرجعية الشيعية الراهنة، وأنه ينبغي أن تتحول إلى مؤسسة، يحصل فيها تكامل بين مراجع الدين، ولا يستفرد في أموال الناس والأمة أبناء المراجع..
ومع كل طروحاته البراقة لكنه كرر ما كان يعتبره خطأ، وكرر تجربة أسلافه الذين كانوا موضع انتقاده، ولم يجسّد طروحاته، ومع كل الإحترام لنجله السيد علي لكنه ما زال متصدراً لجمعية السيد الراحل، ولو كانت مؤسسة بكل ما للكلمة من معنى لحصل فيها تداول على إدارتها، ولسمعنا عن انتخابات جدية في المؤسسة، ولتمكّن غير ((نجله الأكبر)) من الترشح للرئاسة.. لكنها ليست مؤسسة بالمعنى الحقيقي، وهي أشبه ما تكون بالملك الشخصي، أو بالوقف الذري..



خاتمة



بالمحصلة فإن المرجع الراحل الكبير كان عالماً استثنائياً، له دوره الجليل، لا يمكن لمنصف إلا أن يثني عليه، رغم المآخذ الكثيرة في بعض الثوابت والتفاصيل، أهمها زجّه للدين في حقل السياسة.. 
هو استثنائي كونه عالماً يجمع للكثير من الصفات والمواهب، وإن كان عادياً في الفقه والأصول والفكر والأدب والشعر والسياسة..
وبالرغم من كل ذلك، نفتقد إليه في هذه الآونة الحساسة من تاريخ الشيعة، وتاريخ الحوزة العلمية الشيعية العاملية.
وتبقى علينا مسؤولية كبرى في الحفاظ على منجزات الراحل الخيرية والإجتماعية، التي نسأل الله أن يوفق إدارتها لتطويرها، ولأن تكون مورداً لاستفادة المحتاجين والفقراء في أمتنا، على أن يتم تشديد الرقابة على حالات الثراء التي تنتشر في صفوف مديري وموظفي هذه المؤسسات..

 

 

الشيخ محمد علي الحاج العاملي مع المرجع السيد محمد حسين فضل الله

ومع السيد علي فضل الله

السيد محمد علي الأمين والسيد محمد حسن الأمين

المرجع فضل الله يضع العمامة على رأس الشيخ محمد علي الحاج العاملي

 

 

الوسوم