بيروت | Clouds 28.7 c

سامي الصلح الرجل الإستثنائي والضريبة الإستثنائية / بقلم عبد اللطيف الدرزي

سامي الصلح الرجل الإستثنائي والضريبة الإستثنائية

بقلم عبد اللطيف الدرزي

مجلة الشراع 6 آذار 2020 العدد 1941

 

الفساد هو آفة، اجتماعية وأخلاقية ويعد من أهم أسباب تخلف الأمم والشعوب ويعتبر ارتفاع مؤشر الفساد في أي بلد دليلاً على غياب او تدني مستوى الرقابة الحكومية والبرلمانية وضعف القوانين وغياب التشريعات الرادعة اللهم الا تلك التي تصب في مصلحة الطغم السياسية الفاسدة.. فالفساد في لبنان قديم قدم أشجاره المعمرة وهو ينخر اداراته ومؤسساته العامة كافة ويلغي مبدأ تكافؤ الفرص ويجعل من الوظيفة العامة أداة من أدوات نهب موارد الدولة لتحقيق مصالح شخصية ومجموعاتية عوض من ان تكون العين الساهرة على المال العام..

في لبنان أضحى مورد رزق وأقصر الطرق للثروات والجاه ففي الماضي كان الزعماء يبيعون أملاكهم للانفاق على الانتخابات النيابية ولم تمتد أيديهم الى الخزينة كما لم يعرفوا طعم الأموال العامة ولا لونها.. في حين زعماء اليوم وسياسيوه يستخدمونها في شتى المناسبات من دون اي وازع ويسكنون القصور فيما أحزمة البؤس تزنرها.. وللحقيقة والتاريخ فإن الرئيس ألفرد نقاش أمضى بقية حياته في الدير حيث مات هناك. .

شهد العهد الاستقلالي أيام الرئيس بشارة الخوري طفرة حادة في الفساد والمحسوبية والمحاصصة حيث كانت البلاد تدار وتساس عن طريق العائلة وكانت الرئاسة مختزلة بشخص شقيق الرئيس بشارة الخوري سليم الملقب آنذاك بالسلطان سليم لسطوته وطول باعه في الدولة وقد عانى الرئيس رياض الصلح ما عاناه أثناء فترة توليه الحكومة مع استبداد سليم الخوري وتدخله في أدق تفاصيل الحكم..

لقد انبرى العديد من القادة والزعماء السياسيين الأخيار لمحاربة آفة الفساد المستفحلة ومن بينهم الرئيس الراحل سامي الصلح القاضي العادل والنزيه الآتي من تحت قوس العدالة حيث شن حملة شعواء على المافيات المالية المدعومة من الحكومات وجلها من كبار التجار الجشعين والمرابين الذين لجأوا خلال فترة الحرب العالمية الثانية الى اخفاء ما لديهم من بضائع وسلع غذائية تتعلق بقوت الشعب وتخزينها بهدف احتكارها وبيعها بأسعار مرتفعة تحقيقاً لأرباح خيالية وفي السياق نفسه عمد بعضهم الى اقتراض الأموال من المصارف شريكتهم لعقد الصفقات التجارية وشراء الموارد الأساسية وغيرها لهذا، الغرض الكلام هنا للرئيس الصلح الذي كان قد سن مرسوماً اشتراعياً تحت رقم 245 في العام 1942 أثناء تولي ألفرد نقاش رئاسة الجمهورية يقضي باستحداث ضريبة فوق العادة على الأرباح الاستثنائية التي تحققت منذ بدء الحرب، والذي علل من خلاله أسباب لجوئه الى سن قانون ضريبي فريد من نوعه اصطلح على تسميته في ما بعد بقانون ضريبة أرباح الحرب الاستثنائية او الزائدة والذي كان مطبقاً في مصر أيام الملكية وفي اوروبا..

لقد رأى الرئيس سامي الصلح ((ان معظم السياسات المالية والضرائبية لا تتحرى العدالة الاجتماعية، اذ يتم تحصيل الضريبة بشكل متساوِ من الجميع بغض النظر عن قدرتهم على الدفع)). وعليه فالمشروع عندما يسن القوانين الخاصة بالضريبة عليه شخصنتها بمعنى آخر التمييز بين المكلفين والتفريق بين الغني والفقير..

ويستعرض الرئيس الصلح المعوقات التي اعترضته بالقول: ((توترت علاقتي بكبار التجار فقررت فتح تحقيق لمعرفة أرباحهم وسرعان ما تبين لي ان عشرين تاجراً قد زادت حساباتهم خلال سنة ونصف السنة على مئة مليون ليرة)). لم يتمكن الرئيس الصلح من تطبيق هذه الضريبة العادلة بفعل المداخلات السياسية وتنامي نفوذ المافيات المالية المدعومة من العهد حتى ان بعض التجار ذهب الى حد مساومة الصلح واضعاً مبلغ ستة ملايين ليرة بتصرفه علماً ان قيمة الموازنة في تلك الأيام توازي هذا المبلغ لكنه أبى ذلك لافتاً الى ان ((الأغنياء يسيرون السياسة في لبنان ولا يرحمون الفقراء بل يمتصون أموال الخزينة ليرفدوا بها مشاريعهم الاحتكارية الخاصة)).

ألغى العهد الاستقلالي وزبانيته قانون أرباح الحرب الاستثنائية بقانون في مجلس النواب بعد مداخلات من المافيات وقد عوّض التجار على الدولة بخمسة ملايين لقاء الغاء هذا القانون. والجدير ذكره ان النواب الذين صوتوا على قانون إلغاء هذه الضريبة كانوا يتوافدون الى أحد كبار تجار سوق الطويلة ليتقاضوا منه الرشى.. فلا عجب اذا كان نواب الأمة يبيعون ضمائرهم ان باع المواطنون أصواتهم في الانتخابات.

تجمع غالبية الخبراء الماليين على ان قانون أرباح الحرب الاستثنائية لو أخذ طريقه الى النفاذ لكان أغنى حينذاك الخزينة بمبالغ تفوق الخمسين مليون ليرة سنوياً في حين كانت موازنة الدولة تبلغ ستة ملايين ليرة كما أسلفنا. لقد كان جل ما يبغيه الرئيس الصلح من وراء هذه الضريبة إرساء قواعد العدالة الاجتماعية على أسس متينة وثابتة وبناء دولة القانون والمؤسسات والانسان وكان يؤمن ان العدالة الضرائبية هي المدخل الأساس والمعبر الإلزامي لتحقيقها والمساواة بين المواطنين، لافتاً الى ان القدرة التكليفية لكل شخص تتأثر بحجم دخله او ثروته فالعدالة الضرائبية بنظره ليست المساواة الحسابية للمكلفين بتحمل الضريبة وكان دائم الدعوة الى تخفيف الضرائب عن أجور العمال..

..هناك رجال يقرأون التاريخ وآخرون يستقرئونه ويستنبطون منه الدروس والعبر والحلول وانتصافاً للحق وأهله كان الرئيس سامي الصلح رجلاً إستثنائياً في زمن شهد انتفاضة الفساد على حكم الدولة والقانون وسطوة الباطل والمال ومن المؤسف انه حتى اليوم ما فتىء عماد السلطة ودرة تاجها..

عبداللطيف درزي

الوسوم