بيروت | Clouds 28.7 c

ايران، انتخابات في زمن الكورونا / بقلم السيد صادق الموسوي

ايران

انتخابات في زمن الكورونا

بقلم السيد صادق الموسوي

مجلة الشراع 28 شباط 2020 العدد 1940

 

 

رغم ما يعتري بعض القوانين المنظمة لعمليات الترشح للإنتخابات في الجمهورية الإسلامية في إيران وصدور اعتراضات كثيرة من بعض الشخصيات حول ضرورة تعديل بعض البنود لكي تتمكن أطياف المجتمع كافة وجميع التوجهات الفكرية والسياسية من المشاركة بكثافة في القرارات المتعلقة بمصير الشعب الإيراني المتعدد القوميات والأديان والمذاهب والتوجهات السياسية تحت مظلة نظام الجمهورية الإسلامية، وكما هو متاح مشاركة نواب من الطائفة اليهودية والطائفة المسيحية وحتى المجوس في مجلس الشورى الإسلامي رغم عدم إيمانهم بالدين الإسلامي من الأساس، وأيضاً مشاركة علماء من أهل السنة غير المعتقدين بتاتاً بالمذهب الرسمي الجعفري الإثني عشري الذي هو أساس كيان النظام الإيراني في مجلس الخبراء المعني بانتخاب قائد الجمهورية الإسلامية، فمن الأولى إفساح المجال أمام المسلمين من المذهب الجعفري الإثني عشري الذين يعتقدون بالنظام الإسلامي ويتبعون ولاية الفقيه التي هي العمود الفقري للكيان. والذين كانوا في صميم مراكز القرار ويشغلون أهم المواقع طوال عقود منذ تأسيس الجمهورية الإسلامية، بل كانوا هم ممن دخلوا سجون الشاه وذاقوا التعذيب الوحشي للسافاك في وقت لم يتخيل أحد بأن يكون لمسيرة الإمام الخميني أية فرصة للنجاح وأن يروا يوماً بأعينهم الشاه محمد رضا بهلوي يغادر فيه طهران ذليلاً طريداً ويعود الإمام منتصراً عزيزاً؛ رغم كل تلك الشوائب في القوانين والتي يمكن تنقيتها وحتى تغييرها مع مرور الزمن وتغير الظروف، إلاّ أن مسار الجمهورية الإسلامية في إيران ومنذ انتصار الثورة في 11 شباط / فبراير من العام 1979 هو الإعتماد على خيار الشعب، ولم تتوقف حركة الإنتخابات واستفتاء الشعب حتى في عزّ الحرب العراقية وتحت وابل القذائف والصواريخ على المدن والبلدات الإيرانية، ولقد بلغ عدد الإنتخابات والإستفتاءات التي جرت طوال الـ 41 سنة الماضية 37 انتخابات منها 3 استفتاءات أولها على أصل النظام حيث اختار أكثر من 98% من الشعب ((الجمهورية الإسلامية ))، ثم انتخاب أعضاء مجلس الخبراء لتدوين دستور الجمهورية الإسلامية، ثم استفتاء الشعب على مسودة الدستور التي أقرّها مجلس الخبراء وبعد 10 سنوات فقط تمّ استفتاء الشعب أيضاً على تعديل في الدستور، وأيضاً 11 انتخابات لرئاسة الجمهورية تعاقب عليها شخصيات من ذوي التوجهات السياسية المختلفة، و11 انتخاباً لمجلس الشورى الإسلامي، و6 انتخابات لمجلس الخبراء الذي يختار أعضاؤه القائد ويشرفون على سلوكه ويقومون بعزله في حال وجدوا فيه انحرافاً في التوجه الديني أو خللاً فاحشاً لأدائه في موقع القيادة، و5 انتخابات عامة للمجالس البلدية في عموم إيران.

لكن الولايات المتحدة التي تدّعي الحرص على الديمقراطية وتزعم مساندة حركة الشعوب في سبيل المشاركة بانتخاب قادتها الذين يقررون مصائر البلاد والعباد، نجدها اليوم وبكل صراحة قد ابتعدت عن شعاراتها طوال عقود وها هي اليوم تساند الأنظمة التي لا أثر للديموقراطية فيها، ولا دور أصلاً للشعب في قرارات الدولة، بل إن حلفاء الولايات المتحدة في منطقتنا بالأخص هي الأنظمة القمعية التي تمارس القتل بأبشع الأساليب في حق من يرفع صوته بأقل اعتراض.

ان نظام الحكم في إيران رغم كل الإعتراضات على طريقة غربلة أسماء المرشحين لتبوّؤ المناصب، والملاحظات على التعامل كافة مع المعترضين على بعض السياسات والتصرفات للحكومات، واستنكار بعض السلوك مع الرموز الذين أبدوا معارضة لطريقة احتساب الأصوات في انتخابات سابقة ما نتج عنها وصول أشخاص غير كفوئين اكتشف أنصارهم والداعمون لهم بعد حين أنهم قد أخطأوا في الرهان على أولئك، وواجهوا صعوبة كبيرة في تبرير مسانداتهم الكاملة في السابق أمام شرائح الشعب، خصوصاً بعدما انفضح انحراف تلك الرموز عن منهاج الثورة وعن بعض ثوابت العقيدة، وانكشف أمر فساد الحاشية المالي الكبير فأدينوا في المحاكم وتمّ اعتقال بعضهم وزجّهم في السجون والبعض الآخر استطاع الهرب من البلاد حاملاً عشرات المليارات والعيش بكل اطمئنان في كنف الدول التي تقول أنها تحترم القيم وتنبذ الفاسدين، لكن أولئك الذين تمّ التضييق عليهم طوال سنوات، والذين صدرت أوامر صارمة بمنع تغطية نشاطاتهم ونشر أية أخبار عن تحركاتهم، لم تدفعهم تلك الإجراءات ((الظالمة)) بحقهم من الخروج عن دائرة النظام أو مناوءة أصل الجمهورية الإسلامية، بل إنهم لم يترددوا لحظة في تجاوز ((الظلم)) الذي مورس بحقهم والمسارعة إلى المشاركة في الخطوات التي هي من أساسيات النظام كانتخابات رئاسة الجمهورية وانتخابات مجلس الشورى الإسلامي وانتخابات مجلس خبراء القيادة، وصورة آخر نموذج واضح من هذه المشاركة قد نشرتها قبل أيام وكالات أنباء عُرفت بعدائها الشديد لمنهج من وزعت صوراً لهم كوكالة أنباء ((تسنيم)) و ((ايسنا)) مع طبع إسمي الوكالتين على الصورتين كدليل على تحملهما لمسؤولية النشر ثم وزعت جميع وكالات الأنباء الداخلية والأجنبية الصورتين نقلاً عن الموقعين.

وأميركا التي تزعم حماية حقوق الشعوب وتدّعي مساندة العملية الديموقراطية في العالم نجدها في عهد دونالد ترامب قد وضعت جميع مبادئها تحت أقدامها وتراجعت عن كل شعاراتها التي طالما خدع أسلافه من الرؤساء كثيراً من البسطاء من شعوب العالم، وصار الرئيس الأميركي يقول بكل صراحة أنه يبحث عن المال والمال فقط، وهو يتحالف مع أنظمة تقرّ الولايات المتحدة نفسها بأنها استبدادية قمعية تنكل بمواطنيها لكنها تلبي مطلب دونالد ترامب وتسارع بمجرد اتصال هاتفي قصير منه إلى تقديم المبلغ المطلوب منها، والتي تساند مشروعه ((صفقة القرن)) من صنع صهره اليهودي الصهيوني كوشنير والتي تقضي بالكامل على فلسطين الوطن والقضية وتشرع أبواب المنطقة كلها أمام التوسع الصهيوني في المجالات كافة، وهنا لا يهمّ ترامب إن كان هذا الطرف جزاراً لشعبه، أو ظالماً لمواطنيه، أو مرتكباً للجرائم الكبرى في حق شعوب أبت الهيمنة الأجنبية على أوطانها، فيما هو وفريقه يعملون صباح مساء ويبذلون كل طاقات وإمكانات الدولة بهدف فرض الحصار على بلد يمارس الحرية منذ 41 عاماً ويختار شعبه ممثليه ديمقراطياً رغم بعض الشوائب، ويقطع حتى الدواء عن الأطفال في هذا البلد، وهو يصرح علانية أنه يهدف بذلك إلى إخضاع الجمهورية الإسلامية لإرادته وتحطيم كبرياء الشعب الذي تحرر من سلطة الإستعمار في العام 1979، وها هو اليوم يبسط نفوذه المعنوي في أرجاء العالم ويصل مدى صواريخه البالستية إلى أكثر من 3000 كيلومتر وتغطي مساحة كامل الشرق الأوسط وجزءاً من قارة أوروبا وتطال عمق الكيان الصهيوني ويمكنها ضرب القواعد في البر والأساطيل في البحر وإسقاط أحدث الطائرات العسكرية والمسيّرة من على ارتفاع شاهق، وفي المجال النووي يمكنه الوصول إلى أي مستوى يريد من تخصيب اليورانيوم ، ولولا الحرمة الشرعية لاستطاعت بسهولة صنع قنبلة نووية رغم أنوف الدول الكبرى والكيان الصهيوني، وفي المجال العلمي فقد بلغ التقدم في الحقل التكنولوجي إلى حد تحكم العلماء الإيرانيين بكثير من المواقع الإلكترونية الحساسة للولايات المتحدة والوصول بسهولة إلى المعلومات السرية جداً لأصحاب القرار الأميركيين وغيرهم.

الإنتخابات وكورونا

بعد إقدام مجلس صيانة الدستور الإيراني على شطب عدد كبير جداً من الذين تقدموا بطلبات للترشح لعضوية مجلس الشورى الإسلامي في دورتها الـ 11 والإنتخابات النصفية لعضوية مجلس خبراء القيادة، والذي طال طرفاً واحداً تقريباً والذي شمل أيضاً عدداً كبيراً من النواب الحاليين حيث أدّى هذا العمل إلى صدمة كبيرة في أوساط الشعب وكان له أثر سلبي في رغبة شرائح للذهاب إلى مراكز الإقتراع والإدلاء بأصواتهم لأن غالبية المرشحين الذين تمت المصادقة على طلباتهم هم من إتجاه فكري وسياسي واحد تقريباً، ورغم حملات التحريض على تكثيف المشاركة الشعبية واستحضار شخصية الفريق قاسم سليماني الذي قضى ومعه نائب قائد الحشد الشعبي في العراق أبو مهدي المهندس بغارة أميركية بالقرب من مطار بغداد الدولي والذي شارك الملايين في تشييعه في مدن إيرانية عديدة، لكن تأثير هذه الخطوات في جذب المقترعين لم يكن كبيراً، وقبل يومين من موعد التصويت فقط تمّ الإعلان عن أولى إصابات الفيروس كورونا في إيران، وفوراً عملت الجهات المختصة للسيطرة على الفيروس وتطويق تأثيراته، لكن وسائل الإعلام الغربية حشدت كل إمكانياتها لبثّ الرعب في نفوس الإيرانيين ودعوتهم إلى الجلوس في بيوتهم وعدم الخروج مهما كلف الأمر، فأضيف هذا الأمر إلى ما أوردناه من قبل من عدم الحماس لدى شرائح معينة للتصويت فكانت النتيجة المشاركة الضعيفة في الإقتراع، فيمكن القول بتقاطع المسارين مع تناقض في الأهداف حيث أراد الأصوليين إزاحة الإصلاحيين عن مقاعد مجلس الشورى الإسلامي بمختلف الوسائل في حين أراد الأميركيون من خلال ضعف الإقبال على التصويت التشكيك في صحة التمثيل وبالنتيجة الطعن بأصل مشروعية نظام الجمهورية الإسلامية وهذا ما ظهر جلياً بعد الانتهاء من عدّ الأصوات والتأكد من مشاركة حوالى 47% من المواطنين فقط وهو أدنى مشاركة منذ انتصار الثورة الإسلامية العام 1979، ورغم أن دولاً كثيرة دخلها الفيروس وأعلن عن عشرات الإصابات فيها لكن التركيز الإعلامي هو على إيران وكأن المركز الأصلي هو إيران وليس الصين، وانطلقت الحملات الواسعة لمقاطعة إيران وأعلن كثير من شركات الطيران وقف رحلاتها من وإلى المطارات الإيرانية وصار إتهام المواطنين الإيرانيين بأنهم يحملون معهم الفيروس إلى حيث يذهبون، وصار يُنظر إلى أي إيراني بعين الريبة في حلّه وترحاله، ومن جهة أخرى الإيحاء للمواطنين الإيرانيين بأن المسؤولين في الجمهورية الإسلامية هم سبب تفشي هذا الوباء علماً أن دولاً عديدة لا تعاني الحصار الأميركي والغربي ينتشر فيها وبعدد كبير المصابون بالفيروس كورونا وقد مات أعداد كبيرة من المصابين فيها فعلاً.

خلاصة القول أن تداخل خطوة شطب مجلس صيانة الدستور للكثير من مقدمي طلبات الترشح والجهد الأميركي المكثف لزيادة الضغوط على الجمهورية الإسلامية في إيران، وتفشي وباء كورونا بين الإيرانيين وحالة الخوف والهلع التي سيطرت على المواطنين، أدى جميعها إلى ارتباك في الساحة الإيرانية وتأثر المواطنين سريعاً بالإشاعات في العالم الإفتراضي، والتي يمكن أن يكون مصدرها الجهات المرتبطة بأجهزة الاستخبارات الأميركية والأوساط الصهيونية، فسارع كثير من المواطنين إلى الهجوم على الأسواق لشراء مختلف البضائع خوفاً من نفادها مما أدى التهافت هذا إلى اضطراب في السوق الإستهلاكية، وهذا أيضاً يكون وسيلة ليقوم عملاء الإستعمار العلنيين والسريين باستغلاله لمزيد من شحن النفوس ضد النظام، كما أن رفع سعر البنزين دفع قبل أشهر إلى حصول تظاهرات بدأت مطلبية وتحولت سريعاً إلى شعارات مناهضة النظام، فكان تدخل القوى الأمنية وفضّ التظاهرات واعتقال رموز المندسين في صفوف المتظاهرين، ويعمل اليوم أيضاً المجتمعون في المكتب الأميركي الخاص بإيران من علماء نفس وخبراء ومتخصصين في مختلف الحقول للإنطلاق من حالة الإرتباك هذا وإثارة القلاقل والإضطرابات، والمطلوب من مختلف الأطراف في الجمهورية الإسلامية أن يعوا المخاطر ويتنبهوا للأفخاخ التي ينصبها الأعداء لكل فئة بما يتناسب مع دورها في مراكز القرار أو في أوساط المعارضة لتلتقي جميعها عند تهيئة الأجواء لحصول صدام وانطلاق شعب، فيفرح المستكبرون والصهاينة ويشمت أعداء حرية الشعوب لا سمح الله.

السيد صادق الموسوي

الوسوم