بيروت | Clouds 28.7 c

الحريرية السياسية:خطوة الى الامام.. خطوتان الى الوراء / كتب زين حمود

الحريرية السياسية:

خطوة الى الامام.. خطوتان الى الوراء

كتب: زين حمود

مجلة الشراع 28 شباط 2020 العدد 1940

 

  • *اداء جديد للحريري بدأه برسائل تؤكد الحضور القيادي لبيت الوسط
  • *خطة متكاملة لتيار المستقبل للنهوض تبدأ بتغييرات في قيادته ولا تنتهي بإعادة بناء تحالفاته
  • *حضور مباشر للحريري في كل القضايا وتواصل مباشر مع الجمهور من دون وسائط
  • *الفتنة المذهبية خط أحمر بالنسبة للحريري ممنوع بأي شكل تجاوزه
  • *الحريري دفن التسوية الرئاسية من منطلق دفاعي مع تراجع العهد وبدء انهياره

كتب زين حمود

((خطوة الى الامام, خطوتان الى الوراء)), بهذا العنوان يمكن وصف ما أراده الرئيس سعد الحريري من تغييرات في السياسة وفي صفوف تيار المستقبل في ذكرى اغتيال والده في الرابع عشر من شهر شباط - فبراير الماضي.

وبالطبع من المبكر الحكم عما اذا كان هذا العنوان, يعني تراجعاً جديداً للحريرية السياسية على الخارطة اللبنانية, أم انه سيكون نقلة نوعية نحو استعادة المبادرة في غير مجال وصعيد لا سيما في سياق الحضور السياسي والشعبي والتنظيمي لتيار المسقبل, بعد تعرضه على مدى سنوات لسلسلة من النكسات.

((خطوة الى الأمام وخطوتان الى الوراء)), هو عنوان ذائع الصيت او مصطلح للزعيم الشيوعي الشهير لينين ((فلاديمير ايليتش)) الذي صاغ نظرية, تحولت الى نموذج نهضوي في الحركات التنظيمية والثورية في العالم منذ بداية القرن العشرين الماضي سواء في وضع الأسس التنظيمية للحزب البلشفي بعد سحق انتهازية المناشفة او في تعميم ما عرف بالانضباط والتنظيم, كمقدمة للاطاحة بحكم القياصرة الروس.

وبالطبع فإن الحريري ليس لينين, ولا يؤمن أساساً بعقيدة الأخير, ولا مجال للمقارنة على هذا الصعيد, فضلاً عن انه ليس طامحاً لتقليده بالأساس, كما ان تيار المستقبل لن يصل الى ما صار عليه الحزب الشيوعي بعد نظرية ((خطوة الى الامام, خطوتان الى الوراء)), إلا ان ما قام به الحريري في خطابه من نقد ذاتي ومراجعة، خصوصاً على صعيد البناء التنظيمي لتياره, يشير الى ان هناك ما هو جديد في توجهاته على هذا الصعيد بصرف النظر عما يمكن ان يحققه من نتائج ومكاسب يريدها او خيبات قد تصيب مشروعه الداخلي.

وكان قرار نقل مكان إحياء الذكرى من ((البيال)) الى بيت الوسط أثار ردود فعل سلبية من قبل شخصيات كانت مقربة من بيت الوسط ومحسوبة عليه في مراحل سابقة. وقد علق أحدهم على القرار بالقول: أصبح تيار المستقبل وكأنه تيار لشارع صغير او لعدد من البيوت والعائلات فقط ودخل مرحلة انكماش خطيرة حيث لم يعد التيار العابر للمناطق والطوائف والمذاهب, معتبراً ان اختصار الذكرى بهذا الشكل هو تهميش لهذه المناسبة المهمة, وهو اعتراف - كما يضيف - بأن الحريري الإبن لم يحافظ على وهج التيار ومناصريه وانه كان يفضل ربما ان يلغي الاحتفال بذريعة الوضع الأمني على ان يقام بهذا الشكل الذي لا يليق بتاريخ ومكانة الحريري الاب.

الا ان الحريري حرص على تجاوز كل ذلك, ونجح الى حد كبير في الاعلان بأن إحياء المناسبة في منزله هو من ضمن الرسائل  التي أراد ارسالها على غير صعيد, وعلى رأسها الرد على محاولات اقفال بيت الوسط ولتوكيد سياسة البيت المفتوح التي يعتمدها من الآن وصاعداً ,والحرص على ان تكون العلاقة بينه وبين المناصرين مباشرة ولا حواجز فاصلة فيها.

في السياسة وتوجهاتها, سيقال الكثير عما قام به الحريري بالنسبة لدفنه التسوية الرئاسية بعد خروجه منها, خصوصاً وانه بذلك يرد على كل ما كان يقال عن ان هذه التسوية كانت بالنسبة له الملاذ الأخير كزعامة وتيار سياسي ومصالح عامة وخاصة وعلاقات في الداخل والخارج عربياً ودولياً, من خلال عنوان رئاسة الحكومة التي تخلى عنها بعد استقالة ومن ثم رفض العودة اليها طالما بقي جبران باسيل في دائرة القرار.

ومهما قيل ويقال عن خلفيات ما يقوم الحريري به, فإن ما يمكن الجزم به هو الطابع الدفاعي الذي تتسم به خطواته وهو يرى الطرف الآخر في التسوية يتراجع ويخسر ويمضي نحو الانهيار وفضل ان يترك مركبه يغرق من دونه, وعليه فإن لا سمة هجومية لما عبر عنه الحريري  الذي بدا كمن يستعيد حريته من أسر  وقع في حبائله بسبب هذه التسوية, لا سيما وانه كان صريحاً ومن دون مواربة في الكلام عن وجود رئيسين للعهد, وتحميل جبران باسيل مسؤولية الوصول الى ما وصلت اليه البلاد من أزمات في شتى المجالات.

وبعيداً عن لغة توجيه الاتهامات التي يعمد البعض اليها, من أجل الحديث عن ((كلمة سر)) من هنا وجهت الى الحريري او واتصال ورده من جهات داخلية او خارجية لإتخاذ الموقف الذي اتخذه, وهي لغة اتهامات بعضها مبالغ فيه وبعضها الآخر لا قيمة له ويعبر عن عجز أصحابها عن فهم الأمور بطريقة واقعية وموضوعية, فإن الحريري وفق المعلومات بدأ العمل على تنفيذ خطة جديدة من أجل الحفاظ على إرث والده السياسي والشعبي وعلاقاته مع الداخل والخارج, باتجاه الدفع من أجل إعادة الحيوية والزخم السابقين للحريرية السياسية.

ويمكن ايجاز ابرز ما يقوم به الحريري الآن بما يلي:

أولاً: الحضور الشخصي والمباشر والدائم ومتابعة كل ما له صلة بتياره ومواقفه سياسياً وشعبياً وتنظيمياً من دون الاتكال على الآخرين مهما كانوا موثوقين من قبله, ومن الأمثلة على ذلك انه تولى بنفسه وضع الأفكار التي أعلنها في خطابه في ذكرى 14 شباط/ فبراير وقام بنفسه بالتفاعل مع الحضور الى درجة انه كاد يصافح الجمهور فرداً فرداً رغم ان أعداده كبيرة .

ثانياً: الانكباب على اجراء تعديلات في الطاقم السياسي الذي يشكل ما يمكن تسميته دائرة القرار للحريرية السياسية, سواء بالنسبة لتجديدها  لكي يكون ملماً عبرها بكل جوانب الأمور وأبعادها من خلال العقول المخضرمة او من خلال العقول الشابة المواكبة لما يشهده العالم من تغييرات في كل ميادين الحياة وبما يلحظ على الدوام اهتمامات الاجيال الصاعدة وهمومها وطموحاتها.

ثالثاً: العمل على إحداث تغييرات في قيادة تيار المستقبل, والقيام ((بنفضة)) تنظيمية وإعادة هيكلة التيار بما يراعي متطلبات عمله وتطويره حيث سيصار الى عقد مؤتمر في وقت قريب للتيار من أجل ذلك.

رابعاً: البدء بحوارات مباشرة مع نخب من شرائح مختلفة في المجتمع اللبناني وبينها نخب من الحراك الشعبي الذي انطلق في السابع عشر من تشرين الاول / اكتوبر الماضي, من أجل إشراك أوسع الفئات والهيئات والشرائح في الرؤية التي يتم العمل من أجل اطلاقها بالنسبة لعمل الحريرية السياسية وتوجهاتها في المرحلة الحالية والمقبلة.

خامساً: العمل على اعادة بناء التحالفات السياسية السابقة وفق برنامج ورؤية واضحين, حيث سيصار الى اعتماد ما يمكن اعتماده على هذا الصعيد مع قوى 14 آذار/ مارس السابقة دون حصر الأمر في هذا الاطار. والعمل بالتالي من أجل تشكيل جبهة معارضة واسعة برلمانياً وشعبياً كما كشف عضو المكتب السياسي في التيار مصطفى علوش.

سادساً: وهذا الأمر يطغى دائماً على اهتمامات الحريري وهواجسه, ويتعلق برفض أي شكل من أشكال الفتنة السنية - الشيعية, واعتباره انها خط أحمر لا يمكن السماح بتجاوزه, والعمل بكل الوسائل من أجل الحؤول دون ان تأخذ التوجهات الوطنية لكل الأفرقاء أي طابع من هذا النوع, من منطلق تأكيد الحريري دوماً على أولوية الحفاظ على الاستقرار كما ينقل عنه والحؤول دون الاصطدام بمطبات لن يكون احد بمنأى عن نتائجها السيئة.

في المحصلة, فإن ما يراد مما جرى وأعلن في ذكرى 14 شباط/ فبراير الأخيرة, ليس مجرد احتفال وخطاب وتجمع شعبي. بل يراد منه ما يمكن وصفه بولادة جديدة للحريرية السياسية. وهي ولادة قد يحتاج اللبنانيون معها الى فترة اختبار لمعرفة ما اذا كانت هذه الولادة نهضوية وزاخرة بالنسبة لتيار المستقبل لتجديد حضوره الفاعل والحيوي او مجرد محاولة سرعان ما سينتهي مفعولها.

الوسوم