بيروت | Clouds 28.7 c

إيَّاكم والتكبر / بقلم: الشيخ أسامة السيد

إيَّاكم والتكبر

بقلم الشيخ أسامة السيد

مجلة الشراع 14 شباط 2020 العدد1938

 

الحمد لله وكفى وسلامٌ على عباده الذين اصطفى.

قال الله تعالى: ((ولا تُصعِّر خدَّك للناس ولا تمشِ في الأرض مَرَحا إن الله لا يحب كل مُختالٍ فخور)) سورة لقمان.

ليُعلم أن من جملة ذنوب القلب الكِبر وهو من الأمراض الفتَّاكة التي تقود صاحبها إلى المهالك والردى فهو خصلةٌ ذميمة وخُلقٌ قبيح لا يرضاه العاقل لنفسه ولا يُحب أن يكون عليه، وهو في كثيرٍ من الأحيان سببٌ لمشاكل ومشاكساتٍ تعترض كثيرًا من الناس في حياتهم الدنيوية فضلاً عما يترتب على المتكبرين جزاء تكبرهم من العذاب الأليم في الآخرة.

وجديرٌ بنا أن نتأمل ونتدبر ما تحمله الآية من معانٍ راقية فنتخلَّق بها فإن التكبُّر داءٌ وبيلٌ وشرٌ مستطير وربنا تعالى يقول: ((ولا تُصعِّر خدَّك للناس)) أي ولا تتكبر فتُحقِّر عباد الله وتُعرِض عنهم بوجهك إذا كلَّموك، أي لا تمل عنهم بشق وجهك كحال المتكبرين إذا ما كلَّمهم أحدٌ مالوا عنه بشق الوجه معرضين عنه تحقيرًا له، بل أقبِلْ على الناس بوجهك وحُسن خُلُقك. فتصعير الخد عبارةٌ عن التجبُّر والتكبُّر على الناس وتحقيرهم، وقوله تعالى: ((ولا تمشِ في الأرض مَرَحا إن الله لا يحب كل مختالٍ فخور)) نهيٌ عن الكبر فمن ترك ذلك لله رفعه الله ومن تكبَّر على عباد الله أذله الله، وقد جاء في حديثٍ متشابهٍ لا يجوز حمله على الظاهر فنورده ونشرح معناه وهو ما رواه مسلمٌ عن عبد الله بن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يدخُل الجنة من كان في قلبه مثقالُ ذرةٍ من كِبر. قال رجلٌ: إن الرجل يُحب أن يكون ثوبه حسنًا ونعلهُ حسنةً. قال: إن الله جميلٌ يحب الجمال، الكِبر بطر الحق وغمط الناس)). فقوله صلى الله عليه وسلم: ((لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرةٍ من كبر)) معناه لا يدخلها مع الأولين وإنما يدخلها مع الآخرين أي أنه مستحق لعذاب الله، وقوله: ((إن الله جميل)) معناه مُجمِلٌ أي كريم وهو ذو الفضل والإحسان. وقوله ((يحب الجمال)) أي يحب لعباده أن يتصفوا بالصفات الحسنة.

قال ابن فُورَك في ((مُشكل الحديث وبيانه)): ((اعلم أن وصفنا الشيء بأنه جميلٌ يحتمل وجهين أحدهما: أن يُراد به جمال الصورة والهيئة والتركيب وذلك بأن يستجمله الناظر إليه وذلك مستحيلٌ في وصف الله منفيٌ عنه)). وأما ((بطر الحق)) فمعناه ردُّ الحق على قائله مع العلم أن الحق مع القائل وذلك لكونه فقيرًا أو صغيرًا أو من غير أصحاب الشأن في المجتمع فيأنف المتكبر أن ينقاد للصواب لأنه يرى أن من ردَّ عليه دونه وهذا من أقبح القبائح. ومعنى ((غمط الناس)) أي استحقار الناس والازدراء بهم.

بعض أنواع الكبر

فعلى المرء إذًا أن يكون متواضعًا ينصَاعُ للحق أينما كان فإن الحق أحقُّ أن يُتَّبع، وإن الرجوع إلى الحق خيرٌ من التمادي في الباطل، وإن شرَّ أنواع الكبرِ الكبرُ الذي يمنع من قبول الحق والاستفادة من العلم، فكم نرى من أناسٍ يُفارقون ملةَ المؤمنين بأقوالٍ أو اعتقاداتٍ أو أفعال تُناقض الدين وتُخالف إجماع المؤمنين كمن يشتم الخالق أو يستهزئ بالملائكة أو النبيين أو يستخف بشعائر دين الله كأن يستخف بالصلاة أو الزكاة أو الصيام أو الحج، أو يُقبِّح ما حسَّنه الشرع أو يُحسِّن ما قبَّحه الشرع أو غير ذلك مما يقطع الإيمان، ويجب الخلاص منه بعد ذلك بالشهادتين. وهؤلاء يتكبَّرون مع ذلك عن الانصياع للحق إذا ما نصحهم ناصحٌ بدل قَبُول الهدى، ولذلك ما أحسن أن نربيَ أولادنا على التواضع وأن نزرع في نفوس الأجيال الصاعدة نبذ الغلط وتركه حيث ظهر الحق ولو إلى جانب فقيرٍ أو وضيعٍ أو غلامٍ أو امرأةٍ.  

ومن أنواع الكبر أيضًا أن يتكبَّر بعض الناس بازدراء غيرهم لمجرد النسب أو الحِرفة فربما ترى بعض العرب يزدرون غيرهم لأنهم ليسوا من أهل العروبة، فيزدري أحدهم غيره لكونه من الفرس أو البربر أو الهنود أو الحبشة، أو لكونه إسكافيًا أو حمَّالاً، ولربما كان هذا البربري أو هذا الحمَّال أوزن عند الله من الجبال. وقد قال الله تعالى في سورة الحُجرات: ((يآ أيها الناس إنَّا خلقناكم من ذكرٍ وأنثى وجعلناكم شُعوبًا وقبآئل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم)).

وروى الطبراني في ((المعجم الكبير)) عن زيد بن أبي أوفى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((يا سلمان أنت منا أهل البيت)) مع العلم أن سيدنا سلمان لم يكن من قريشٍ ولا من العرب أصلاً، وهذا دليلٌ على سماحة الإسلام وفضله، فإن العبرة عند الله بالتقوى والعمل الصالح فلا ينبغي لأحدٍ أن يتكبر على أحدٍ لأجل نسبه أو قوميته، وفي هذا المعنى قيل:

لعمرك ما الإنسان إلا بدينه                        فلا تترك التقوى اتكالاً على النسب

فقد رفعَ الإسلامُ سلمان فارسٍ                      وحُطَّ بالشرك النسيبُ أبو لهب

 

ذم المتكبرين

وإذا ما عُلم هذا فما لبعض الناس يتكبرون على عباد الله ويترفَّعون على الناس؟!!! ولا يعتبرون بما يخرج منهم من الأذى والفضلات التي يجدر بمن رآها من نفسه أن يستكين ويطرح عن نفسه ثوب الكبر، وقد ذمَّ الله المتكبرين الذين يحملهم الكبر على ترك الحق والتمادي في الباطل في غير آيةٍ، قال تعالى: ((إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين)) سورة غافر. ومعنى ((داخرين)) صاغرين ذليلين.

ومدح الله تعالى المؤمنين الصالحين الذين لا يستكبرون فقال: ((إنما يؤمن بئاياتنا الذين إذا ذُكِّروا بها خرُّوا سُجَّدًا وسبحوا بحمد ربهم وهم لا يستكبرون)) سورة السجدة.

فلا ينبغي للمرء أن يتكبَّر فالتكبر داءٌ قبيح تنفر منه النفوس الأبية، ومن أراد السلامة في دينه ونفسه تواضع لله ولم يتكبر على عباد الله فإن الله عزَّ وجل يقول: ((ولا تمشِ في الأرض مَرَحًا إنك لن تخرِق الأرضَ ولن تبلغ الجبال طولا)) سورة الإسراء. قال ابن الجوزي في ((زاد المسير)): قال ابن عبَّاس: ((لن تخرق الأرض بِكبْرك ولن تبلغ الجبال طولاً بعظمتك)).

والحمد لله أولاً وآخراً.

الوسوم