بيروت | Clouds 28.7 c

في حال تأخر ولادة الحكومة: اعتذار الرئيس المكلف خط التماس الملتهب بين عون والحريري / خاص الشراع

في حال تأخر ولادة الحكومة: اعتذار الرئيس المكلف خط التماس الملتهب بين عون والحريري

خاص الشراع 3 كانون الثاني 2020 العدد 1932

 

*الموفد البريطاني حاول ترميم التسوية الرئاسية لكنه اصطدم بمعادلة ابعاد الحريري مقابل جبران

*خط تماس ملتهب بين عون وباسيل وبين الحريري اسمه اعتذار الرئيس المكلف

*حسان دياب تعهد لرئيس الجمهورية قبل تكليفه بعدم الاعتذار مهما كانت الضغوط   

*القوات والاشتراكي ما زالا يديران معركتهما ضد التسوية الرئاسية وكأن الحريري ما زال فيها 

*جنبلاط يتجنب التخندق في مواقع ذات توصيف محوري داخلياً وخارجياً

*حرب إلغاء ولكن باردة اليوم بين القوات والعونيين بعد سقوط تفاهم معراب شر سقطة

*نصرالله عمد الى تكسير الموج العالي للأزمة ويريد تكسيره الى اجزاء لإحتوائه

*العهد يعتقد بأن الحريرية السياسية فقدت اوراق قوتها بعد رفع الغطاء السعودي عنها

*حماس في القصر الجمهوري لحسان دياب لملء فراغ الحريرية سنياً في الداخل والخارج

*دياب صائم عن الرد على الحريري لضمان عدم الرد عليه سنياً

*دياب من منظور غربي عصامي وشفاف ومستقل وعلماني ومنشأ ثقافته بريطاني

*لبنان في نظر العالم بلد الـ12 مليوناً وليس فقط بلد الأربعة ملايين المقيمين فيه

 

خاص – ((الشراع))

رغم الأجواء الايجابية التي سادت البلاد مع كتابة هذه السطور مع امكانية تشكيل حكومة جديدة في وقت قريب جداً، خصوصاً وان المثل اللبناني الذائع وهو ((لا تقول فول قبل ما يصير بالمكيول )) ينطبق على هذا الأمر, فإنه وحتى لو شكلت الحكومة فإنه ليس مضموناً ان يشكل الرئيس المكلف حسان دياب حكومة تكنوقراط تلقى ثقة الشارع المحتج والمجتمع الدولي غير الواثق بشفافية الحكم في لبنان. ثمة انتظار للتأكد من ان هذا التوقع صحيحاً، وليس صحيح ان الانتظار مصدره الثقة بأن حكومة دياب سوف تحقق المطلوب. 

كان من المقرر ان يتم الاعلان عن الحكومة الجديدة قبل عيد رأس السنة, الا ان عقبات داخلية استجدت على المشهد, منها ما يتعلق بامتناع شخصيات سنية ولاعتبارات ((ميثاقية)) عن الدخول الى نادي الوزراء ، خصوصاً بعد موقف الرئيس سعد الحريري وما تلاه من حراك موجه في الشارع, ومنها ما يتعلق باصرار بعض الاحزاب على تسمية الوزراء الاختصاصيين ((تمسك الثنائي الشيعي ببقاء حسن اللقيس وجميل جبق)) ومنها كما صار معروفاً سعي الوزير في الحكومة المستقيلة جبران باسيل للتمسك ولو بطرق غير مباشرة بوزارات يعتبرها حيوية وفي مقدمتها وزارة الطاقة والاصرار على بقاء الوزيرة ندى البستاني فيها.

عندما جاء الموفد البريطاني ريتشارد مور الى لبنان للمساعدة في دفع الاحزاب السياسية للتنازل لمصلحة انقاذ بلدهم، كان الحريري ما يزال مرشحاً لتشكيل حكومة تكنوقراط بلا سياسيين، وحصراً بلا جبران باسيل. لقد تم نصيحة مور بأن أسرع وصفة لكي ينجح الحريري بتحقيق هدفه هذا، وهو العمل على اعادة ترميم الثقة بينه وبين رئيس الجمهورية. وحاول مور فعل ذلك، ولكنه خلص الى نتيجة تقول انه يستبعد ان يغير الرئيس عون سلوكه مع رئيس الحكومة المستقيلة.

لم يستسغ عون منذ استقالة الحريري أسلوب الاخير في تقديم استقالته، ولم يستسغ لاحقاً الشروط التي وضعها للعودة لتشكيل حكومة انقاذ. اشترط الحريري ان يكون كل اعضاء حكومته تكنوقراط، ولكن عون رأى ان مجرد وجود الحريري في الحكومة العتيدة سيجعلها حكومة تكنو- سياسية، وحينها سيكون من الصعب ابعاد باسيل عن المشاركة فيها. منذ البداية، تقريباً، بحث الرئيس عون عن شخصية من بيئة التكنوقراط لتشكيل حكومة اختصاصيين تضم تمثيلاً سياسياً غير مستفز وخفيف اللون الحزبي. في حزب الله يقولون ان اسم ترشيح دياب ولد في قصر بعبدا، ولذلك اطلق الحريري عليه في دردشته مع الصحفيين انه مرشح جبران باسيل. ولكن دياب قرر ان يصوم عن الرد، خصوصاً على أي كلام ينتقده من البيئة السنية، وبمقابل ان دياب لم يحصل على اية ضمانة من أي طرف حزبي من مؤيديه بأنهم لن يضعوا عليه شروطاً خلال تشكيله للحكومة فان عون حصل منه على ضمانة اساسية لقصر بعبدا، وهي انه لن يعتذر عن التشكيل تحت ضغط اطلاق النار من قبل الطائفة السنية عليه.

وبهذا المعنى، يبدو واضحاً ان مشهد المنازلة بين الرئيس الحريري من جهة وبين الرئيس عون ومن خلفه صهره باسيل، سيجري بواسطة خط تماس ملتهب اسمه ((عدم اعتذار دياب عن التشكيل)) رغم الاحتجاج السني الرسمي والديني وتيار المستقبل عليه. 

والمهم انه صار واضحاً اليوم، حسب أوساط قريبة من قصر بعبدا انه وبعد نحو اسبوعين على تكليف دياب تشكيل الحكومة العتيدة، ان الحريرية السياسية خرجت من التسوية الرئاسية، ولكنها فعلت ذلك من دون ان تصطحب معها كلاً من حليفيها القوات اللبنانية والحزب التقدمي الاشتراكي، فالحزبان الأخيران يديران معركتهما مع التسوية الرئاسية وكأن الحريري لا يزال فيها. وفيما يفهم الحريري سبب موقف القوات هذا، من دون تقبله، خصوصاً وانه جزء من حرب الغاء تتجدد اليوم - بعد سقوط تفاهم معراب شر سقطة- بأشكالها الباردة وتستخدم فيها كل الأسلحة ما عدا العسكرية, الا انه، اي الحريري ، لا يفهم لماذا يفضل جنبلاط ان يواجه العهد بعيداً عنه. فربما لا يرغب الاشتراكي الدرزي بالظهور وكأنه يتزعم جبهة او معسكراً ضد النصف الثاني من عهد عون، لأنه بذلك يستفز حزب الله ويرسم لنفسه صورة تظهر المختارة وكأنها قررت العودة الى اجواء مواجهة 14آذار/ مارس مع  8 آذار/ مارس. 

وهناك معلومات مستقاة من مصادر المختارة تفيد بأن جنبلاط يقارب الأزمة الراهنة من زاوية ابعادها الأمنية وليس فقط السياسية، ولذلك فهو يتجنب التخندق في مواقع ذات توصيف محوري سواء كان داخلياً او خارجياً. ويريد ان يبدو بصورة ان المختارة تعارض من موقع داخلي ضيق جداً.

ولكن السؤال في حارة حريك هو عن نقطة بداية الحل، وليس عن نقطة نهاية الحل. وكان نصر الله في خطابه الأخير واضحاً عندما لمح الى انه يريد تجزئة حل الأزمة، وحدد انه لن يتكلم حالياً الا بتسمية رئيس يشكل الحكومة العتيدة. وبعد ذلك سيتكلم عن تركيبة الحكومة. وطريقة  نصرالله بالتفكير على هذا النحو،  تعكس احساسه بأن حزب الله يتعرض لهجمة خارجية عاتية بات لها تعبيرات قوية في الداخل لا يمكنه إنكار شرعيتها ((الانتفاضة))، وعليه عمد الى احتواء الموج العالي وتكسيره الى اجزاء حتى يمكن احتواؤه. 

ولم يعد خافياً ان حزب الله - ومعه حركة ((أمل))- كان يفضل الحريري على رأس حكومة تكنوقراط بأكثر مما  يفضل خيار عون الذاهب لخيار حكومة تكنوقراط برئاسة شخصية تكنوقراطية. ومقربون من عون يقولون ان قصر بعبدا يعتبر ان الحريرية السياسية في لبنان كانت انتهت حينما حصلت في تشرين الثاني/ نوفمبر عام 2017 عملية استقالة الرئيس سعد الحريري من السعودية ، ولكن موقف رئيس الجمهورية أنقذ الحريرية السياسية, بعد القيام بالجهود اللازمة دولياً من أجل اعادة الحريري الى لبنان وكذلك عن استقالته، ومنذ ذلك الوقت عاشت الحريرية السياسية على دعم رئاسة الجمهورية والعهد العوني، وهي عملياً لم يعد لها اوراق قوة منذ سحب عنها الغطاء السعودي. وحينما استقال الحريري من الحكومة  بعد 17 تشرين الاول/ اكتوبر الماضي من دون التشاور المسبق مع رئاسة الجمهورية، اعتبر فريق عون ان الحريري يقفز الى المجهول لأنه ادار ظهره لآخر جدار كان يسند ظهره اليه، أي جدار رئاسة الجمهورية. باختصار يعتقد العهد ان لبنان بات يمكنه الاستمرار بسلاسة من دون الحريرية السياسية، وان حسان دياب هو جواز سفر للبيئة السنية التكنوقراطية كي تملأ فراغ الحريرية السياسية في قيادة السنة اللبنانيين باتجاهين: الاول خارجي ويتمثل ببناء علاقة جديدة بين رئاسة الحكومة اللبنانية والمجتمعين العربي والدولي, أي ان يشكل نقطة البداية لبناء زعامة مدنية حديثة تقوم على برامج وطنية ومن دون اية شبهة دينية.

وبحسب مصادر العهد فإن هذا التوجه لا ينسجم فقط مع مرحلة الحراك الشعبي، بل يلاقي الكلام الاوروبي والاميركي الذي ابلغ بيروت صراحة ان مضمون برنامج الحكومة هو الذي بات يعني الغرب والعرب وليس اسم رئيسها.

الاتجاه الثاني داخلي ويتمثل بأخذ سنة لبنان لمشروع الدولة المدنية، وهو امر مطلوب من قبل الغرب الذي يفضل خروج  السنة من مربع الاستمرار بالتجاذب بين قطبي التطرف السني تارة والاعتدال السني تارة اخرى. 

وثمة اوساط تابعة للعهد وعلى صلة بدوائر قرار اوروبية واميركية تركز في هذه اللحظات التي تلت تكليف حسان دياب تشكيل الحكومة العتيدة، على النقاط التالية: 

اولاً - ترى هذه الاوساط ان سعد الحريري خسر ورقة مهمة داخل معادلة قوة الحريرية السياسية ، ومفادها سحب السعودية تأييدها له كمشروع لزعامة السنة في لبنان. وكل المؤشرات تقول ان الحكم الجديد والشاب في الرياض لم يعد يريد ان يرى لا باسيل ولا الحريري في معادلة اية تسوية جديدة في لبنان، وبنظرالرياض ان كلاهما بنى التسوية الرئاسية المكروهة عربياً منذ يوم ولادتها، وعليه فإن ضمانة دفنها وعدم قدرتها على الحياة مرة ثانية، تتمثل بإبعاد قطبيها وليس فقط واحد منهما عن التسوية اللبنانية الجديدة. 

ثانياً - ترى هذه الاوساط ان حكومة حسان دياب ستفتح الباب أمام تغييرات داخل الطبقة السياسية اللبنانية، وسترسم خطاً فاصلاً يؤدي الى ولادة نخب سياسية جديدة في الساحة الاسلامية السنية والشيعية على السواء. وتشبه هذه الأوساط المرحلة الحالية بتلك التي تلت ولادة الطائف، وذلك لجهة انها ساعدت على بلورة نخب سياسية جديدة في لبنان، وكان ابرزها حينها بروز الحريرية السياسية السنية على حساب البيوتات السياسية السنية الأخرى ((آل سلام في بيروت وآل سعد في صيدا وآل كرامي في طرابلس، الخ..)). وعليه فإن انسحاب الحريرية السياسية من المشهد السياسي في هذه المرحلة الجديدة سيعني خروج أقوى عائلة سياسية برزت في لبنان بعد ولادة الطائف. وهذا الأمر سيفتح الباب واسعاً لتغيير مسار الطائف باتجاه التركيز على المشروع المدني فيه وليس الميثاقية الطائفية. 

ومنذ دخوله قصر بعبدا قال عون ان حكومة العهد ستبدأ بعد الانتخابات النيابية الأولى التي ستجري خلال عهده، لكن نتائج هذه الانتخابات وظروفاً عدة، لم تسمح لعون ان يجعل ما يريده هو الأكثر وضوحاً في ((حكومة الى العمل)). ولكن الآن - بنظر بعبدا- لا شيء يمنع رئيس الجمهورية من ان يشكل حكومة عهده الاولى التي وعد بها، وهي حكومة ستذهب لتفضيل ما هو مدني على ما هو ميثاقي طائفي في دستور الطائف. 

ثالثاً- ولعل ابرز ما تنقله هذه الاوساط عما تسرب لها من دول القرار في اوروبا والولايات المتحدة الاميركية يتمثل بأنه يتم في بيئات ذات صلة بلبنان رسم سيناريو يفيد بأن التغيير السياسي فيه يجب ان يتم هذه المرة من منظار اجتماعي. وبنظر هذه الاوساط فان الحراك الشعبي اللبناني قدم نموذجاً عن قوة المجتمع المدني ليس فقط في لبنان بل في المغتربات. وبدا لبنان خلال الشهرين الماضيين بوصفه  بلد الـ12مليون نسمة وليس فقط 3 الى 4 ملايين نسمة هم المقيمون في لبنان.

كما سلط هذا الحراك الضوء على بيئة لبنانية يمكن تسميتها بالخبراء من ذوي التعليم العالي تقيم في لبنان وخارجه بنسبة أكبر. وصحيح ان هذه البيئة كانت معروفة بحضورها، ولكن ما كان غير معروف هو امكاناتها السياسية، وهو امر دلل عليه مشاركتها في الحراك وانشاء حالة طوارئ من الصلات مع مختلف مراكز القرار الرسمي وشبه الرسمي في العالم. وبالتالي لم يعد ممكناً اسقاط بيئة التكنوقراط اللبنانية من حساب أية معادلة سياسية لإعادة انتاج الحكم والنظام السياسي في لبنان.

وبخصوص هذه الجزئية الأخيرة يقال ان احدى الشخصيات التي عملت على تسويق اسم الرئيس المكلف حسان دياب، في دول القرار العالمي، تقصدت ان تسلط الضوء عليه من ثلاث زوايا: انه ولد في لبنان وبعد موت والده وهو في العاشرة من عمره حملته أمه الى بريطانيا حيث تعلم هناك وترعرع على القيم الغربية، ثم عاد الى بلده ليخدمه بعلمه. وفي هذه الناحية تبرز في دياب ثلاث نقاط مرغوبة-  اليوم وبعد الحراك - في نظر الغرب للبنان: أولاً انه من المغتربين، ثانياً ان  ثقافته غربية، ثالثاً انه عصامي وشفاف ((موت والده وعدم وجود فساد بسيرته حينما كان وزيراً للتربية وانه مستقل وغير حزبي وليس وريث عائلة سياسية وهو علماني)).

هل تسير الأمور وفقا لما اراده العهد بعد طي صفحة التسوية الرئاسية, ليكون النصف الثاني مختلفاً عما كان عليه النصف الأول من ولايته, ليبقي زمام المبادرة بيده كما فعل مع حلفائه لدى اختيار حسان دياب رئيساً مكلفاً ام يواجه معادلة طالما رافقت العهود الرئاسية السابقة ومفادها ان رئيس الجمهورية يبدأ قوياً وينتهي ضعيفاً, علما ان هناك من يعتقد ان العهد انتهى عملياً منذ انطلاق انتفاضة السابع عشر من شهر تشرين الاول / اكتوبر الماضي؟

وهل نكون امام خط بياني تصاعدي للاحتجاجات الشعبية وضمنها من سيعمل وفي السياسة للدفع باتجاه اعتذار دياب من دون التردد في استخدام الشارع ولو بطريقة مثيرة لعلامات الاستفهام تحت عناوين فئوية ام نكون امام خط بياني معاكس يستفيد من المناخات الدولية والاقليمية الضاغطة باتجاه تشكيل حكومة تلبي مطالب الداخل والخارج لاسيما الانتفاضة الشعبية من أجل انقاذ البلاد مما تتخبط بها ومما ينتظرها من اخطار لا يتعاطى معها اطراف الطبقة السياسية على اختلافهم بالقدر الكافي المطلوب من اجل تدارك وقوع لبنان في الانهيار والفوضى. خصوصاً وان الأيام الأخيرة شهدت في أروقة عملية تشكيل الحكومة معزوفة المحاصصات السياسية  السابقة  نفسها المشكو منها, والتي دفعت بأعداد كبيرة من اللبنانيين الى النزول  الى الشارع في 17 تشرين الاول/ اكتوبر الماضي.

لن يطول الجواب على كل هذه الاسئلة, ومن غير المستبعد ان يكون في الايام الاولى للعام 2020 .

 

الوسوم