بيروت | Clouds 28.7 c

قمة في كوالا لمبور اسلامية علناً.. اخوانية فعلاً/ بقلم محمد خليفة

قمة في كوالا لمبور اسلامية علناً.. اخوانية فعلاً

بقلم محمد خليفة / مجلة الشراع 27 كانون الأول 2019 العدد 1931

 

*محاولة تركية لنسف منظمة التعاون الاسلامي

*أردوغان يريد أن تحل الليرة التركية محل الدولار

*باكستان واندونيسيا تنضمان للعرب في مقاطعة القمة وافشالها  

 

بقلم: محمد خليفة

إن كان من سمة غالبة على ((العالم الاسلامي)) في العقدين الأخيرين, فهي تبلور محور اسلامي قوي يعتقد أن العرب هم رجل العالم الاسلامي المريض وانهم سبب انحطاط الاسلام, ويتسابق أطرافه على إعلان ((عجز وموت العرب)) يستدعي اقتسام تركتهم. والواقع أن أطراف المحور يضمرون العداء للعرب, لأسباب لا علاقة لها بما يزعمون, بل لأسباب تتعلق بالصراع على زعامة العالم الإسلامي, لمصالح سياسية ومادية, وهو صراع تكرر طوال القرون السابقة بعد انهيار الدولة العباسية.

في مقدمة هذا المحور تقف حالياً تركيا التي ترعى جماعة الأخوان, واستطاعت اجتذاب ماليزيا مؤخراً. وسعت الى كسب دول كبرى أخرى, كأندونيسيا وباكستان, لتعزيز محورها, كما سعت لتصعيد حروبها العسكرية والسياسية والثقافية على العرب, مستغلة فرصة ضعفهم الذاتي والموضوعي الناجم عن كثرة أعدائهم والهجمات عليهم من قوى أجنبية, لتهميشهم, واستتباعهم, تكراراً لسوابق تاريخية موصوفة, منذ الغزوين المغولي والصليبي, بين القرنين العاشر والثاني عشر. الهدف البعيد لهؤلاء هو ابعاد العرب عن قيادة العالم الإسلامي, كما حصل بعد القضاء على الدولة العباسية, آخر دولة اسلامية كبيرة بقيادة العرب.

هذا المدخل ضروري لفهم حوافز عقد قمة كوالا لمبور الاسلامية التي انعقدت بين 18 - 21 كانون الأول/ ديسمبر الجاري, وحضرتها تركيا وايران اضافة لماليزيا من دون أي دولة عربية, سوى قطر.

قمتان في قمة

القمة التي فاجأت المراقبين دُبرت في ليل. بدأ الاعداد لها قبل عام, واتُفق على برنامجها في ايلول/ سبتمبر الماضي, وجرت مناقشات متتالية بين تركيا وماليزيا وايران وباكستان واندونيسيا, لم تدع لها أي دولة عربية بما فيها السعودية التي تقود منظمة التعاون الاسلامي. وقالت ماليزيا إنها وجهت دعوات لأعضاء منظمة التعاون  الست والخمسين, ولكن بعض الدول العربية نفت تلقيها. ورداً على ذلك قررت الدول العربية مقاطعة المؤتمر للاسباب التالية:

-شككت السعودية بأهداف القمة وقالت إنها تريد تصفية الحساب معها, ولا تخدم وحدة الصف الاسلامي, بل ترمي لشق منظمة التعاون الاسلامي وخلق منظمة بديلة بقيادة غير عربية ((تركية وماليزية وايرانية)).

-اتهمت السعودية بعض الأطراف بتسخير القمة لكسر العزلة عن إيران, والالتفاف على العقوبات المفروضة عليها, وتوفير تضامن اسلامي معها, ودفاع عنها.

-القمة منصة أخوانية, بدليل أن قادة الأخوان هم الذين صمموها وحددوا استراتيجيتها وأهدافها, باعتراف مستشار رئيس الوزراء التركي عمر فاروق قرقماز, وأمين عام منتدى كوالا لمبور للفكر والحضارة, وهم الذين قدموا الفكرة الى القادة.  

-تبين أن المنظمين أرادوا أن تكون القمة قمتين في وقت واحد, أولاهما سياسية للدول, وثانيتهما فكرية لأكاديميين وسياسيين ناهز عددهم 450 شخصية, كلهم  من جماعات الأخوان وتنظيمات أخرى متطرفة عرباً وغير عرب. عقدوا في اطار ((منتدى كوالا لمبور للفكر والحضارة)) وقال منظمو القمة أن المنتدى بدأ عمله منذ ست سنوات بين ماليزيا وتركيا برعاية شخصية مباشرة من رجب طيب أردوغان والرئيس مهاتير محمد. وأبرز أعضائه: أمينه العام أمين عام حركة مجتمع السلم الجزائرية الأخوانية عبدالرزاق المقري, وزعيم أخوان موريتانيا محمد الحسن ولد الددو, أحد أقطاب الاخوان السودانيين عبدالحي يوسف, زعيم حركة حماس الغزاوية خالد مشعل, الاعلامي المصري الاخواني احمد منصور, وصهر الرئيس أردوغان وأحد قادة أخوان تركيا بيرات البيرق.

هذا المنتدى هو العقل الذي خطط للقمة, وأراد تدشين بديل لمنظمة التعاون الاسلامي التي أسستها السعودية قبل نصف قرن ((969)) وعقد في الأعوام الستة الماضية لقاءات سنوية كمنصة اعلامية اخوانية عالمية , ووضع أعضاؤه خططاًً اعلامية وفكرية تحت عناوين جاذبة , مثل تعزيز النهضة والحضارة الاسلامية , وتفعيل حضور المسلمين في العالم , والتصدي للاسلاموفوبيا بواسطة قناة فضائية, ثم اقترحوا تشكيل ((نواة دولية)) تضم الدول ذات الامكانات الاقتصادية والسياسية الكبيرة للتعاون الاقتصادي والتنمية, وتطوير التعليم.. إلخ.

هذا في العلن أما في السر فالأهداف سياسية بامتياز , مثل توحيد جهود الدول الاسلامية القريبة من الخط الأخواني للالتفاف على منظمة التعاون الاسلامي وانشاء منظمة بديلة , وتهميش دور الدول العربية , ونقل الزعامة لتركيا وايران وماليزيا , بحجة أن العرب فشلوا في قيادة منظمة التعاون , وفرضوا عليها خطاً لا يخدم مصالح الوحدة الاسلامية , وأن السعودية تهيمن عليها، وان المحاولة كلها جولة في سياق الصراع الحالي بين الأطراف الثلاثة.

فشل سريع ومبكر

أمام انكشاف حقيقة أهداف القمة المعادية للعرب قبيل انعقادها بأيام, أعلن الأمين العام لمنظمة التعاون الاسلامي يوسف بن عثيمين في بيان رسمي أن أي عمل من هذا النوع هو شق للصف الاسلامي, ولا يخدم وحدة المسلمين ولا مصالحهم, وتساءل عن سبب عدم عقد القمة في إطار المنظمة الأم. أما الوزير الاماراتي أنور قرقاش فتساءل على ((تويتر)): ((كيف يمكن تحقيق تعاون إسلامي من دون العرب؟ ووصف وزير خارجية البحرين القمة بـ((قمة ضرار))!

ولذلك قاطعت السعودية وبقية الدول العربية القمة, وتضامن معها رئيسا باكستان واندونيسيا اللذان كانا مشاركين رئيسيين في خطوات التحضير, فقاطعا القمة, احتجاجاً على استبعاد العرب, وتمثلت 20 دولة بمستوى وزراء فقط من أصل 57 دولة اسلامية.

 فشلت القمة قبل أن تبدأ, وعبر أردوغان عن غضبه بتصريحات غير لائقة محملاً السعودية مسؤولية الفشل, واتهمها بالضغط على الدولتين وتهديدهما. وأما مهاتير محمد فحاول التبرؤ من تهمة العمل لشق منظمة التعاون الاسلامي, واتصل بالعاهل السعودي معتذراً, ولكن وزير خارجيته سيف الدين عبدالله الجمعة, هاجم السعودية من دون أن يسميها, واتهمها بشن حروب بالوكالة على دول إسلامية, ودعم الحصار وفرض العقوبات عليها, متبنياً خطاباً ايرانياً وتركياً بالكامل!

وتجدر الاشارة الى أنه في خلفية القمتين, احتشدت جوقات الإعلاميين الاخوانيين ((حمزة زوبع, أحمد منصور, عزام التميمي, وجدي غنيم, صابر مشهور, عاشور الشامسي)) في خندق واحد لشن حملات مسعورة بلغة عنصرية وشعوبية, تستهدف العرب أمة ومكونات, وتزوير حقائق الواقع القريب والبعيد, مثل خطاب خالد مشعل الذي استهان بتضحيات العرب لفلسطين واتهمهم بالتخلي عنها, وبالمقابل أشاد بإيران وتركيا وقطر. وزعم أن العرب هزموا أمام اسرائيل بينما انتصرت حماس!!

 في الواقع فشل القمة الاولى التي استمر التحضير لها سنوات يتجاوز ما قامت به السعودية, فالدول التي نظمتها كلها غنية وكبيرة, ومع ذلك اقتصرت النتائج على توقيع خمس اتفاقيات, إحداها بين شركتين قطرية وماليزية لانتاج الألبان (!) وأربع بين شركات تركية وماليزية للتعاون في مجال الابحاث العلمية.. فقط!

وتجدر الاشارة الى أن الرئيس الايراني حسن روحاني طالب بمساعدة بلاده, لكسر الحصار والعقوبات الأميركية المفروضة عليها, ودعمت تركيا هذا الاقتراح وطالبت بالتعامل التجاري بين الدول الاسلامية بالليرة التركية بدلاً من الدولار!!

وذكرت مصادر اعلامية حضرت القمة أن لأردوغان هدفاً آخر منها, هو ايجاد منصات عالمية للأخوان لبث خطابهم السياسي المعادي للعرب والعروبة, والمبشر للعثمانية الجديدة, بتمويل دول كبيرة كماليزيا واندونيسيا. كما يسعى لايجاد ملاذات آمنة لعشرات ألوف الأخوان العرب اللاجئين لتركيا, وصاروا يسببون لها حرجاً مع دولهم, وذلك بجر ماليزيا لفتح أبوابها لهم.       

          

                      

الوسوم