بيروت | Clouds 28.7 c

أخطر وأشد الذنوب / بقلم الشيخ أسامة السيد

أخطر وأشد الذنوب / بقلم الشيخ أسامة السيد

مجلة الشراع 27 كانون الأول 2019 العدد 1931

 

الحمد لله وكفى وسلامٌ على عباده الذين اصطفى.                        

قال الله تعالى: ((والذين لا يدعون مع الله إلهًا ءاخر ولا يقتلون النَّفس التي حرَّم اللهُ إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يَلْقَ أثَامًا))سورة الفُرقان.

اعلم أنه ينبغي للمؤمن أن يحذَر الذُّنوب ما استطاع وأن يحرص على تنقية نفسه من الآثام لأن كثرة المعاصي تكون سببًا في قسوة القلب، وإذا اشتدت قسوة القلب لا يتأثر بعد ذلك بالموعظة ولا يقبل النصيحة وتراه ينحرف نحو الشر فيصيرُ أفَّاكًا أثيمًا غليظًا.

ثم إن بعض الذنوب أكبر من بعض وأكثر شؤمًا، وبالجملة فعلى مريد السلامة أن يبتعد عن كل ما يُسخط الله تعالى فيجتنب الذنوب صغائرها وكبائرها، وأكبر الذنوب الكفر ثم قتل النفس بغير حقٍ ثم الزنى كما هو مشهورٌ عند أهل العلم فعن عبد الله بن مسعودٍ قال: قلتُ يا رسول الله أي الذنب أعظم؟ قال: أن تجعل لله ندًا وهو خلقك، قلت: ثم أي؟ قال: أن تقتُل ولدك خشية أن يأكل معك، قال: ثم أي؟ قال: أن تُزاني حليلة جارك. وأنزلُ الله تصديقَ قولِ النبي صلى الله عليه وسلم ((والذين لا يدعون مع الله إلهًا ءاخر)) رواه البخاري.

أكبر الذنوب

لقد دلَّت الآية والحديث على هذا المعنى، فأما من جَعَل لله ندًا أي شريكًا فقد اقترف الكفر الذي هو أكبر الكبائر وأعظم الذنوب، قال تعالى: ((والكافرون هم الظالمون)) سورة البقرة. فقد أطلق الله لفظ الظالمين وأراد به الكافرين لأن كل الظلم الذي هو دون الكفر بالنسبة إلى الكفر كلا ظلم، أي كفرهم أكبر من كل ذنبٍ، والكفر هو أشد أنواع الظلم، وهو الذنب الوحيد الذي لا يغفره الله بالمرة لمن مات عليه ما لم يتخلَّص منه قبل الموت بالدخول في الإيمان بالشهادتين بدِلالة قول الله تعالى في سورة النساء: ((إن الله لا يغفر أن يُشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يُشرك بالله فقد افترى إثمًا عظيما)) وغيرها من الآيات والأحاديث، وقد أرسل الله كل الأنبياء بالدعوة إلى الإيمان والتحذير من الشرك، فويلٌ لمن باع الدين بالدنيا وسلك طريق جهنم بدل سبيل الجنة.  

 وأما الذنب الثاني فهو قتل النَّفس التي حرَّم الله إلا بالحق، وقد كان بعض أهل الجاهلية يقتل أحدهم ابنته مخافة الفقر فحرَّم الله ذلك ونبَّه النبي صلى الله عليه وسلم على خطورته قال تعالى: ((ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق)) سورة الإسراء. والإملاق هو الافتقار. وقال تعالى أيضًا: ((قد خسر الذين قتلوا أولادهم سَفَهًا بغير علم وحرَّموا ما رزقهم الله افترآءً على الله قد ضَلُّوا وما كانوا مهتدين)) الآية سورة الأنعام. فإن سأل سائل: إذًا ما معنى قول الله تعالى في سورة البقرة: ((والفتنة أشد من القتل)) وقوله في آيةٍ أخرى في سورة البقرة أيضًا: ((والفتنة أكبر من القتل)) فالجواب أن المراد بالفتنة هنا الفتنة في الدين أي الكفر، فإن الكفر أكبر وأشد من القتل. قال الطبري في ((تفسيره)): ((يعني بقوله جل ثناؤه ((والفتنة أشد من القتل)) والشرك بالله أشد من القتل)) وفي ((تفسير القرطبي)): ((عن مجاهد في قوله تعالى ((والفتنة أكبر من القتل)) قال: ((الفتنة هنا الكفر)). فالحذر الحذر أن يعتقد امرؤٌ أن الفتنة بمعنى النميمة أي نقل القول بين الناس للإفساد أشد وأكبر من القتل ظلمًا ولا يُعتدُّ بسوء فهم كثيرٍ من العوامِّ واعتقادهم أن هذا هو المعنى المراد، وما منشأُ اعتقاد ذلك إلا الجهل الشديد ولا ينبغي لمن لا يملك أهلية تأويل نصوص القرآن الكريم أن يخوض في تأويل آيات الله بالرأي البعيد عمَّا قامت عليه الأدلة الشرعية. ولو سُئل أحدهم: لو تقدَّم لك شخصَان أحدهما قاتلٌ للنفس التي حرَّم الله بغير الحق والآخر يشتغل بالنميمة فينقل الكلام بين الناس للإفساد فهل ترى في الحكم أن جُرم القاتل من دون جُرم النَّمام؟ وهل تقضي بأن النَّمام أكبر ظلمًا وأشد ذنبًا؟ لقال لا، فكيف يسُوغ للبعض إذًا التصريح بهذا الرأي السقيم؟! ولكنَّ الله قال: ((يُضلُّ به كثيرًا ويهدي به كثيرا)) سورة البقرة. قال القرطبي في ((تفسيره)): ((أي يُوفِّق ويَخْذِل)) فمن وفّقه الله للخير آمن بما جاء عن الله على مراد الله ومن خذله الله ضلَّ بالتأويل الفاسد فاعتقد خلاف الحق فهَلَك مع الهالكين. 

وأما الذنب الثالث فهو الزنى وإنما خصَّ النبي صلى الله عليه وسلم الزنى بحليلة الجار أي بزوج الجار لأن الزنى وإن كان قبيحًا لكنه بحليلة الجار أقبح لما فيه من انتهاك حق الجوار وخيانة الجار وقد وصى الشرع بحفظه، وقد كان العرب قديمًا يتشددون في حفظ ذمة الجار ويتمادحون بحفظ امرأة الجار. قال مسكين الدَّارمي:

ما ضرَّ لي جارٌ أجاوره                                          ألا يكون لبابه ستر

أعمَى إذا ما جارتي خرجت                                 حتى يُواري جارتي الجُدُر

أي لا يضرُّ جاره أن ليس لبيته بابٌ يحفظ من النظر إلى ما يكره داخل داره لأنه يعِفُّ عن استراق النظر داخل منازل الناس، وهو يغُضُّ بصره عن جارته إذا خرجت ويكون كالأعمى فلا يُتبِعُها نظره حفظًا لها ومراعاةً لشأن بعلها حتى تتوارى بين الجُدران أي ترجع داخل البيت.

وإنما يُتوقع من الجار دفع الأذى والضرر عن جاره فإذا قابَله بالزنى بامرأته كان ذلك قبيحًا جدًا، وقد صار يبلُغنا في هذا الزمن أن ناسًا يُفرطون في القُبح والشناعة فيقترفون الزنى ببعض المحارم ولم يكن هذا معروفًا بين العرب قديمًا حتى في الجاهلية. وقد حذَّرنا الله تعالى من معصية الزنى عمومًا تحذيرًا بالغًا قال تعالى: ((ولا تقربوا الزنى إنه كان فاحشةً وسآء سبيلا)) سورة الإسراء.

وحيث عُلم هذا فالحذر كل الحذر من ارتكاب أي ذنبٍ من الذنوب ومنها الثلاثة المذكورة فمن فعل ذلك عرَّض نفسه لسخط الله وقاده الشيطان إلى ما يحب من الشر والسوء واستحق العقوبة كما أفهم ذلك قولُه تعالى: ((ومن يفعل ذلك يلق أثاما)) قال البَغوي في ((تفسيره)): ((قال ابن عبَّاسٍ رضي الله عنهما إنما يريد جزاء الإثم)).

والحمد لله أولاً وآخراً.    

الوسوم