بيروت | Clouds 28.7 c

بريـــطانيا ورأسا البقرة والخنزير / بقلم السيد صادق الموسوي

بريـــطانيا ورأسا البقرة والخنزير / بقلم السيد صادق الموسوي

مجلة الشراع 27 كانون الأول 2019 العدد 1931

في تاريخ الهند أن الإستعمار البريطاني الذي تسلط لمدة 173 عاماً على شبه القارة الهندية والذي يشمل اليوم الهند والباكستان وبنغلادش قد عمل جاهداً وبمختلف الأساليب كي يمنع اتحاد الشعوب والأديان والطوائف في ذلك البلد للتحرر من سلطته الغاشمة، وليتمكن المحتل المستعمر براحة البال من نهب ثروات الشعب التي بلغت حسب بعض التقارير 9.000.000.000 جنيه استرليني بسعر ذلك الزمان، ومن جملة تلك الأساليب البريطانية الخبيثة تطبيق سياسة فرّق تسُد، حيث كانت تفتعل صدامات دامية بين أتباع مختلف الطوائف لتتدخل قواتها وتتكوّن عند الجميع قناعة أن المنقذ لهم هو البريطاني، وأن التحرر من سلطته يعني التقاتل ومواجهة الخطر المحدق بهذه الطائفة وتلك، وبهذه الطريقة استمرت سيطرة بريطانيا الجزيرة الصغيرة في قارة أوروبا على تلك المساحة الشاسعة من قارة آسيا، وأيضاً على بلاد أخرى كثيرة في مختلف قارات العالم.

يذكر التاريخ أن عملاء البريطانيين في الهند كانوا يرمون رأس بقرة وهي المقدسة عند الهندوس أمام أحد معابدهم بطريقة تشير أصابع الإتهام نحو المسلمين، وفوراً يندفع الناس الهندوس البسطاء لمهاجمة المسلمين وقتلهم وحرق بيوتهم ومتاجرهم دفاعاً عن الحيوان الذي يقدسونه، وبعد وقوع القتلى والجرحى يتدخل الجيش البريطاني بين الجانبين ليوقف الحرب فيرى المسلمون أن الذي حماهم من هجمات الهندوس هم البريطانيون، وعلى هذا يتمسك المسلمون بالمحتلين ليبقوا في بلادهم، وبعد فترة يلقي البريطانيون أنفسهم رأس خنزير أمام أحد مساجد المسلمين بطريقة توهم أن الهندوس هم الفاعلون، فتفور دماء المسلمين وتثور حميتهم فيهاجمون منازل الهندوس بين ظهرانيهم ويقتلون أبناء وطنهم، وبعد أيام من القتال الضاري بين المسلمين والهندوس يدخل البريطاني ليفرض إطلاق النار بين الطرفين، وعندئذٍ يتصور الهندوسي أن حاميه من بطش المسلمين هو البريطاني فيتشبث به ليبقى محتلاً بلاده، وطوال فترة الإحتلال البريطاني تكرر هذا العمل مرات في مناطق مختلفة في الهند، وأخيراً تمّ تجزئة الهند فكان قسم منه في غرب البلاد الباكستان الغربية وقسم آخر في شرق البلاد هي باكستان الشرقية ليحكمهما المسلمون وبقي القسم الأكبر تحت سلطة الهندوس وصار رمز الدولة الهندية الصنم المقدس عندهم بينما اتخذ الباكستانيون الهلال والنجمة الخماسية رمزاً لدولة باكستان الإسلامية بشقّيها الغربي والشرقي، وهذا القسم انقلب على القسم الغربي في العام 1970 بزعامة ضياء الرحمن فانفصل عن باكستان وتأسست دولة بنغلادش في العام 1971.

إذن السياسة الإستعمارية القديمة هي تأجيج الصراعات الطائفية مرة والمذهبية مرة والقومية تارة والوطنية أخرى، وذلك من أجل إضعاف الجميع والإستمرار في السيطرة على مقدرات البلاد الإسلامية أو تجزئتها دويلات صغيرة وضعيفة تطلب دائماً حماية المستعمر الذي هو القوة العظمى.

وفي لبنان في الوقت الراهن نرى أن الفاسدين الذين نهبوا عشرات المليارات من أموال الشعب ارتجفوا خوفاً من تحرك الشعب الجائع وغضب الناس البائسين وراحوا يبحثون عن أساليب خبيثة لتفريق الصفوف المتلاحمة والنفوس المتآخية، ودسّوا بين المتظاهرين، كما البريطانيون في الهند، من يستفز المسيحيين بإسم المسلمين وهم أنفسهم أرسلوا من يردد شعارات تستفز شعور المسلمين تحت إسم المسيحيين، ولتأجيج النار بين المذاهب الإسلامية بعثوا جماعات تهدد أبناءالسنّة وتُوجّه الإهانات لمن يكنّون لهم الإحترام الكثير، وهم أنفسهم من يبثَون مقاطع مصورة باسم السنّة توجه الإهانات لأهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله بهدف إثارة مشاعر الشيعة، وكأن وجوب المودة لأهل بيت الرسول صلى الله عليه وآله لم يرد في القرآن الكريم بصيغة الأمر المؤكد والمباشر (( قل لا أسألكم عليه أجراً إلاّ المودة في القربى))، وكأن المخاطبين بالأمر الإلهي الصريح في كتابه المُنزل هم طائفة خاصة من المسلمين من دون غيرها.

ولقد وجدنا أن الخطة نجحت مع الأسف رغم تحذيراتنا المتكررة في مقالات سابقة في مجلة (( الشراع)) من مؤامرات الفاسدين من أعلى القمة إلى النواب والوزراء الحاليين والسابقين وآخرين غيرهم المعششين في مختلف مواقع النظام الطائفي البغيض، وذهبت المطالب المحقّة للناس البؤساء ضحية التعصبات الطائفية والمذهبية حماية لهذا الفاسد وذاك الزعيم، وتنافرت القلوب المتآخية وتفرقت الصفوف المتراصّة وتشتتت الجموع المتلاحمة، ونسي الجائعون المطالبة بحقوقهم الضائعة لصالح الدفاع عمن سلبها من أبناء طائفتهم، وغفل المنهوبة ثرواتهم عما ثاروا من أجله وصاروا متحمسين لتأييد الزعماء الذين نهبوا أموالهم من أبناء طوائفهم، ولم يمثل أحد من الفاسدين أمام القضاء ولم تصدر إدانة من جانب قاضٍ بحق أحد من الفاسدين الكبار من رأس النظام حتى من دونه من سرّاق عرق الشعب، بل ماطلوا حتى تملّك الشحناء نفوس الجموع المجتمعة، وتحركت العصبيات بمختلف ألوانها بين الذين وحّدهم الجوع، فلم تُطرح المطالب صريحة من قبل الحشود المحتشدة لأن توجيه الإصبع نحو أي فاسد من طائفة معينة يتمّ التعاطف معه فوراً من قبل المنتمين إلى تلك الطائفة، ويتمّ تصوير الأمر من جانب المتضررين وكأنه تعرّض للطائفة ككيان في حين أن هذا الفاسد قد سرق حقوق الكادحين من أبناء تلك الطائفة قبل غيرهم، ونهب ثروات المستضعفين من أبناء جلدته قبل باقي المواطنين من طوائف أخرى.

استعمل المتآمرون على الشعب اللبناني الوسائل والأساليب كافة لتمزيق الصف وتشتيت الجمع ولما وجدوا الظروف مهيأة أخرجوا شخصاً سبق أن كان أحدهم وقدموه على أنه ملاك قد نزل من السماء لتلبية مطالب الحشود الثائرة، وبالعجلة تمّ تسويقه وتلميع صورته والتصويت له وإعلانه أنه خشبة الخلاص بعد اشتداد الأزمة الخانقة، وأوهم من كان قبله للناس أنه آدمي يفضّل مصلحة الوطن على مصلحته الخاصة، وتحول المطالبون بالحقوق بعد مسرحية التعيين وفي نظر الناهبين لتلك الحقوق قطّاع طُرُق، وصار المعترضون على استمرار سياسة التجويع والإفقار منذ عقود وفي نظر السارقين خارجين عن القانون، ولا ندري كيف يمكن أن يحارب الفساد من له ملفات فساد أثناء وجوده في الوزارة وكذلك طوال وجوده في منصب نائب رئيس الجامعة الأميركية في بيروت، وأن يعاقب الفاسدين وهو منخرط معهم حتى ناصيته، ويعيد الحق لأصحابه وهو أحد المغتصبين لذلك الحق، ويلبي مطالب المشاركين في الحراك وهو بعيد عنهم بعد السماء عن الأرض، ويحلحل الضائقة الإقتصادية الخانقة عن الشعب وهو غريب عنه ولا يعرف شيئاً عن أحلامه وطموحاته بل يعيش في برج عاجي لا يمتّ بصلة للطبقات الفقيرة.

إن التركيبة الجديدة برئاسة حسان دياب ستكون إعادة حياة للذئاب الفاسدين، وتلميعاً للصور القبيحة لسارقي أموال الشعب المسكين، ورفع السيف عن رقاب الذين هبّ الفقراء مطالبين بإعادة الأموال المنهوبة منهم والمودعة في المصارف الأجنبية، ويتحمل مسؤولية تمييع الحراك وحرف مساره الإنتهازيون الذين دخلوا الساحة وسرقوا شعارات المتظاهرين وأخفوا فسادهم بالظهور بين صفوف المعارضين للفساد والفاسدين، ويشارك المتآمرون على الفئات المستضعفة المسؤولية أولئك الذين أفسحوا للفاسدين المجال ليحضروا في تجمعاتهم ويلتقطوا الصور معهم، ويركبوا الموج مرددين كذباً مطالبهم، والجميع يعلم يقيناً أنهم أُسّ الفساد ورأس الخيانة وبادٍ للعيان تاريخهم وتاريخ آبائهم وأجدادهم الأسود في التعامل مع العدو الصهيوني والتآمر على الوطن والمشاركة المباشرة في المجازر بحق اللبنانيين والفلسطينيين والمسلمين والمسيحيين، وهذا ما خلق التوجس لدى الذين قاوموا طوال عقود المحتل حتى دحروا جنوده خائبين، وحرروا بالدماء الزكية لفلذات أكبادهم الأرض المحتلة من الغاصبين، وأذلّوا الذين فرضوا لعقود الذلّ على الأمة العربية والمسلمين، وهم يضعون أيديهم على الزناد للتصدي لأطماع بني صهيون في الثروات النفطية، ويحولون دون تعدّيهم على حقوقه في المياه، ويحدّون من حرية تحرك طائراتهم في الأجواء كما كان يسرح ويمرح سابقاً من دون خوف أو وجل، وبالخلاصة استطاع المجاهدون أن يخلقوا توازن الرعب مع الصهاينة المجرمين، وهم قد أحسّوا بعد رؤية المندسين أن المؤامرة عليهم قد بدأت هذه المرة بلبوس جديد، فابتعدوا عن صفوف المتظاهرين، ولم يتحمسوا لمشاركة المعتصمين، لأنهم رأوا تلك الشعارات كلمة حق يُراد بها باطل كما قال أمير المؤمنين علي عليه السلام لأهل النهروان الخوارج الذين طالبوا بحكم الله وهم في الحقيقة يريدون المروق عن دين الله والخروج عن طاعة ولي الله، لكن اعتقادنا هو أن المخلصين يجب أن يحضروا في الساحة ويحملوا الراية ويأخذوا القيادة، وبذلك يتمّ طرد الإنتهازيين ومنع الفاسدين من التخفي وراء المعترضين وركوب موجة الثائرين وهكذا يتمّ الحؤول دون حرف المسار الحق للمتظاهرين وتشويه أهداف المعتصمين، لأن الله سبحانه يقول في كتابه الكريم: ((وقل جاء الحق وزهق الباطل)) فبمجيء الحق يضطر الباطل للزهوق كما بإنبلاج فجر الصباح الصادق يرحل ظلام الليل الدامس.

بقلم السيد صادق الموسوي

??✔

مقال? للسيد صادق الموسوي في صحيفة جمهوري اسلامي: التطورات الأخيرة في لبنان من منظورين

 

الوسوم