بيروت | Clouds 28.7 c

متى ينتقل ثقل الاقتصاد من المصارف الى قطاعات الانتاج؟؟ بقلم: أحمد خالد

متى ينتقل ثقل الاقتصاد من المصارف الى قطاعات الانتاج؟؟

بقلم أحمد خالد / مجلة الشراع 20 كانون الأول 2019 العدد 1930

 

يشبه دور القطاع المصرفي في اقتصاد لبنان، دور الصين في الاقتصاد العالمي. فالصين تديّن حتى الولايات المتحدة قائدة الاقتصاد العالمي، والمصرف اللبناني يديّن حتى الدولة اللبنانية. والصين تسجل نمواً وأرباحاً في ظل تراجع نسبة النمو في معظم دول العالم. والمصارف اللبنانية تسجل أرباحاً وسط ان كل قطاعات الدولة تسجل عجزاًَ وتراجعاً في النمو. لكن الصين لديها أزمات استثمار وأسواق وتخشى من التضخم وانعكاسات العقوبات الاقتصادية الاميركية عليها، وأيضاً المصارف اللبنانية تتأثر بانكماش السوق اللبناني وتخشى من تأثيرات عقوبات دونالد ترامب على حزب الله.  

.. طبعاً ان المقاربة بين دور وموقع الصين في اقتصاد العالم وبين موقع ودور المصارف اللبنانية في الاقتصاد اللبناني، هي مقاربة من نوع التشبيه المجازي والرمزي، ولكن هذا التشبيه يؤشر الى حقيقة ان قطاع المصارف في لبنان هو كيان أغنى من الدولة كما ان الصين أغنى من اميركا، ولكن هذا القطاع المصرفي ليس أقوى من الدولة كدور ونفوذ في لبنان، كما ان الصين ليست أقوى من أميركا كدور ونفوذ في العالم. 

.. معادلة ((التساكن والتنافر)) داخل الثنائيات المكونة من القوة والشرعية السياسية والقوة والامكانات الاقتصادية، لها تطبيقات في السياسات العالمية كما لها تطبيقات في السياسات المحلية داخل الدول. فترامب المفتول العضلات هو من أصحاب المذهب الاميركي الذي يرى أنه حان الوقت لمواجهة القوة الاقتصادية رقم واحد في العالم، أي الصين، فيما رؤساء اميركا الذين سبقوه كانوا يَرَوْن في المصانع الصينية وفي الأيدى العاملة الصينية مصدر ربحية للاقتصاد الاميركي الامبريالي العالمي. يريد ترامب ان ينقل ثقل قوة الاقتصاد الاميركي من مصانع ومشاريع الى الولايات المتحدة بدل ان يظل متواجداً في الصين التي تتقدم لتبني اقتصاد خطوط الحرير عبر العالم.. وفي لبنان هناك من يرى انه يجب على الدولة ان تستمر بسياسة ترك الثقل الاقتصادي والمالي اللبناني داخل ((جمهورية المصارف)) حيث الأخيرة تديّن الدولة وتهندس سياسات استقرار صرف الليرة اللبنانية التي تؤدي بدورها خدمة لاستمرار واقع الحد الأدنى من الاستقرار الاجتماعي والمعيشي. فيما جهات لبنانية أخرى تقول ان على المصارف ان تدفع من أرباحها الماضية والحالية والمقبلة كي تسهم في نقل الاقتصاد اللبناني من مرحلة التدهور الى مرحلة بدء النهوض، وان لا تعود المصارف هي الجهة التي تتركز فيها الربحية طالما انها تقرض الدولة وتسد عجزها المالي وعجز سداد ديوانها الداخلية والخارجية، تماماً كما ان ترامب يقول انه يجب ان لا تبقى الصين هي الجهة التي تتكدس فيها الربحية، مقابل انها تقرض اميركا وتقدم للمصانع الاميركية سلعاً بأيدي عاملة  صينية رخيصة. 

على المستوى العالمي فإن اميركا تريد بمفعول رجعي فرض عقوبات على الصين لأنها تتهمها بأنها تُمارس ربحية غير عادلة داخل معادلة الاقتصاد العالمي وذلك على حساب الولايات المتحدة الاميركية.. وفي لبنان ثمة من يقول للدولة ان عليها فرض ضرائب على المصارف من أجل توزيع عادل للثروة الوطنية اللبنانية. وترد المصارف في لبنان بأن أرباحها تسهم في استقرار البلد المالي والاجتماعي، تماماً كما الصين ترد بأن ربحيتها أسهمت في استقرار الاقتصاد الاميركي العالمي.. 

.. والإشكالية الراهنة على المستوى العالمي وعلى نحو أصغر على مستوى لبنان، هو ان التوجه الجديد يتجه للتنازع على جمع الريادة الاقتصادية والسياسية في قبضة واحدة، وهي قبضة الجهة التي بيدها السيادة السياسية، أي اميركا في العالم والدولة في لبنان. غير ان هذا التوجه يواجه ممانعة وصعوبات في تحقيقه. فحتى يصبح الثقل الاقتصادي في لبنان بقبضة الدولة بالشراكة مع القطاع العام، فهذا يتطلب إعادة هيكلة الاقتصاد وإرساء نظرية جديدة للسياسة الاقتصادية ولهوية لبنان الاقتصادية. وهنا يبرز اتجاهان: الأول يصفق لهذا التوجه الجديد وهؤلاء ينتمون لنزعات يسارية ليبرالية، والثاني ينتمي لتيار محافظ سياسياً وهو يحذر من ان هدم الواقع الاقتصادي الحالي سيؤدي للانهيار وليس لإعادة البناء. 

والإشكالية الثانية التي يواجهها لبنان على هذا الصعيد تكمن في ان بناء الدولة في لبنان متخلف، حيث ان صيغة اتحاد الطوائف هي ذات مفهوم تعطيلي ولم تقدم لها علاجات اقتصادية كاللامركزية الإدارية التي يمكن ان توزع الثروة الوطنية من ضمن مؤسسات الدولة وهيئاتها التمثيلية ذات المستويات المختلفة. 

اما الاشكالية الثالثة فهي أزمة الفساد المزمنة والتي اصبحت عضوية ولها داخل الدولة وداخل الحياة السياسية هياكلها أقوى رسوخًا من هياكل الدولة الوطنية. ودولة الفساد تتغذى من الاجتماع الطائفي والمذهبي الذي يوزع الدستور والعرف اللبناني الحصص بين أطيافه. 

والإشكالية الرابعة التي تواجه لبنان تتعلق بأنه فقط هويته الاقتصادية ذات الصِّلة بدوره الاقتصادي في منطقته.. فخلال الجمهورية الأولى كان لبنان المصرف الوحيد في الشرق الأوسط الذي يطبق في تعاملاته المالية سياسة السرية المصرفية والخدمات المالية المصرفية. وسمح له ذلك بأن يصبح بنك أموال طفرة النفط العربي حينها. والليبرالية اللبنانية التي كانت سائدة آنذاك وسط محيط حكم العسكر وشموليات النظم السياسية، جعله بلد السياحة العربية وملاذ المعارضات السياسية العربية وبات بفعل ازدهاره يتقدم ليصبح مستشفى المنطقة العربية. كان واضحاً طوال تلك الفترة ان لبنان نجح في صياغة هويته الاقتصادية ((الاقتصاد الحر)) وفي تحديد هويته كدور اقتصادي في منطقته. ولكن بعد الحرب وبفعل انقلاب ظروف المنطقة وبفعل تبدلات داخلية عميقة، خسر لبنان هويته الاقتصادية ودخل أزمة انه بلا دور اقتصادي وبلا هوية اقتصادية.. 

وكل هذه الإشكاليات السابقة تضع ازمة الاقتصاد اللبناني في دائرة مغلقة وعصية على الحل، خصوصاً وان الجاري حالياً هو محاولات لتقديم حلول للمرض بواسطة علاجات يصفها المريض اللبناني لنفسه، وليس بالاعتماد على نقاش يعترف بأن المشكلة بنيوية وتتطلب الإجابة عن سؤال حول الهوية الاقتصادية الجديدة المطلوب انتاجها لدور لبنان الاقتصادي داخلياً وعلى مستوى الاقليم، وتحديد دور الدولة والقطاعين العام والخاص في هذا الدور.. السؤال الذي لن تجيب عنه الموازنات بل السياسات، هو عن هوية اقتصاد البلد، ودور لبنان الاقتصادي في محيطه.. والاجابة عن هذا السؤال تتطلب تغيرات جوهرية ورؤية جديدة سواءً في السياسة وفي الاقتصاد وحتى في الاجتماع.

احمد خالد

 

الوسوم