بيروت | Clouds 28.7 c

طهران – موسكو، يتفقان – يختلفان في سورية وفي لبنان /كتب حسن صبرا

طهران – موسكو

يتفقان – يختلفان

في سورية وفي لبنان

كتب حسن صبرا

مجلة الشراع 6 كانون الاول 2019 العدد 1928

 

جاء فلاديمير بوتين الى طهران حاملاً كتاب الله القرآن الكريم في نسخة نادرة جاء بها من أحد متاحف جمهورية اسلامية ضمن الاتحاد الروسي، قدمها للسيد علي خامنئي في لفتة سياسية ذات مظهر ديني وشعار تقارب وجسر صداقة..

وقبل هذه اللفتة أعاد بوتين بناء مسجد كبير في موسكو مكان مسجد صغير تركه الحكم السوفياتي السابق مخزناً طيلة 70 سنة ليصبح واحداً من معالم العاصمة الروسية الكبيرة.

وبين الحالتين بنى بوتين مسجداً خصصه للشيعة في موسكو نفسها.. ليتلقى رسالة شكر حملها السفير الايراني في العاصمة الروسية الى وزارة الخارجية الروسية، من الرئيس حسن روحاني تحمل التقدير لأن صوت المؤذن الروسي يصدح بأن ((اشهد ان علياً ولي الله حجة الله)) في فضاء موسكو.

ووافق بوتين على قبض ثمن البضائع الروسية الى ايران بالعملة الايرانية، وصارت مراقد الائمة الشيعة في ايران تستقبل وفوداً روسية شيعية (على قلتها).

هذه المقدمات سمحت لقائد فيلق القدس في الحرس الايراني اللواء قاسم سليماني ان يذهب الى موسكو للقاء فلاديمير بوتين طالباً منه التدخل العسكري المباشر جواً وبحراً لانقاذ بشار الاسد الذي ما كان له ان يستمر في السلطة حتى يوم 15/ 10/ 2015 كما قال وزير خارجية بوتين سيرغي لافروف، لولا التدخل الروسي.

جاء سليماني مكلفاً من السيد خامنئي متعهداً له بتقديم كل التسهيلات الممكنة لجعل التدخل الروسي في سورية من دون أي عقبات، وفي ترجمة لهذا التعهد قال سليماني ان السيد القائد وافق على السماح للطائرات الروسية ان تحط في مطار همدان الايراني العسكري في طريقها لتقصف في سورية مواقع المعارضة الوطنية لبشار.. في خرق للدستور الايراني الذي يحرم تأجير أي قطعة أرض في ساحة الجمهورية الاسلامية (اشارة الى اي قاعدة أجنبية).

تكامل الدوران الروسي والايراني في انقاذ بشار واجهاض ثورة الشعب السوري ضده التي كانت على وشك الانتصار في ت1/ اكتوبر 2015.. كان الروسي يقصف جواً بشكل مباشر المستشفيات والمنازل والمباني التي لجأ المدنيون الى مخابئها الهشة.. يقتل الأطفال والنساء والشيوخ والأطباء والمرضى وزوارهم والممرضين والمسعفين، وكان طيرانه يلاحق أي سيارة اسعاف ليدمرها ويقتل من فيها.. وبلغت نسبة المهجرين السوريين العرب السنة من همجية قصف الطيران الروسي أكثر من 80 % من المهجرين الـ 12 مليون سوري داخلياً وخارجياً.

كان الايراني يقاتل بميليشياته الافغانية والباكانية والعراقية، مدعومة بخبراء عسكريين من الحرس الثوري والجيش الايراني..

كان مقاتلو حزب الله في سورية يتمركزون في مواقع استراتيجية سورية في مواجهة ((الدواعش)) و((النصرة))، حيث يعجز جيش بشار عن التعامل معهم حيث يلجأ ضباطه وجنوده الى بيع مواقعهم وسرقة محتويات المنازل والدكاكين في أماكن سيطرتهم.

واذ يحتاج مقاتلو الحزب الى قصف جوي لدك مواقع ((الدواعش))، فإنهم لم يكونوا ليطلبوا قصف جيش بشار. بل كانوا ينسقون (بواسطة الخبراء الايرانيين) مع الطيران الروسي، لتقديم احداثيات المواقع هذه، وعندما كان مقاتلو الحزب يحتاجون للتقدم نحو موقع عسكري ما يطلبون من الطيران الروسي بالطريقة نفسها قصف هذه المواقع وما طلبوا مرة من طيران بشار قصف اي مكان بعد  30/ 9/ 2015.

تخلى الروسي عن الأكراد اكراماً لايران. ساعد الايراني الروسي في مبايعة الشيعة في جمهوريات روسيا الاتحادية لبوتين (وهم اقليات في كل الجمهوريات).

التقى الاثنان في العداء للوجود العسكري الاميركي في سورية، وكانا يتناغمان في بيانات ((مهضومة)) تصدر منفردة في موسكو وطهران يطالب كل منهما فيها بإخراج القوات الأجنبية من سورية، ويقصدان اميركا في تجاهل مضحك للوجود الايراني والعراقي والباكاني والافغاني.. في سورية..

العداء لأميركا في سورية جمع الروسي والايراني.. وعندما أطلق الاميركيون صاروخين قبالة المواقع السورية المطلة على البحر المتوسط أسقطت صواريخ روسية الصاروخين الاميركيين ليؤكد بوتين لباراك اوباما جدية الروس دفاعاً عن بشار الأسد.. وكان أصبح لإيران عشرات آلاف المقاتلين من البلدان التي أنشأت فيها قوى مسلحة تدين لها بالولاء يدافعون عن بشار هذا.. ويدين هذا ببقائه في السلطة لموسكو وطهران معاً.

أين يختلف الروسي والايراني في سورية اذن؟

انهما يختلفان حول طبيعة النظام الذي سيأتي خلف الاسد.. ولو انهما اتفقا مرحلياً على ان يكمل بشار فترته الرئاسية التي جددها في ظل الثورة الشعبية العارمة والشاملة ضده.. طهران تريد استمرار بشار بكل صلاحياته الملكية – الديكتاتورية المستبدة كما هي منذ أنشأ والده هذا النظام الفاسد الارعابي منذ نحو 50 سنة.. فنظام كهذا هو بوابتها العملية لتبقى على حدود فلسطين المحتلة.

موسكو تريد حكماً في سورية شبيهاً بما هو في العراق صنعته واشنطن وتستخدمه طهران بكل تمكن، ولعل تعامل ايران الآن مع ثورة العراق الشعبية في مواجهة نظامه، توفر لطهران مبرراً للتمسك بما تريد في سورية حتى لا تتكرر تجربة العراق من الجانبين، جانب السلطة التي جاءت بها، وجانب الناس التي ثارت عليه.

موسكو تريد تعديلاً كبيراً في دستور سورية، وطهران تريد استمرار الدستور الحالي الذي يجعل رئيس الجمهورية القائد الأعلى للقوات المسلحة، مسؤولاً مباشراً عن تعيين كل قادة أجهزة الأمن التي تتبع له.. مالكاً كل الصلاحيات التي تجعله ملكاً متوجاً لا يحاسب بل هو الذي يحاسب كأنه ولي فقيه من دون تسمية.. فأن تكون الصلاحيات في يد رئيس وزراء سني، فهذا يعني تعطيل او عرقلة وصولها الى لبنان حيث فلسطين.

روسيا تريد جيشاً سورياً نواته اكتملت بالفيلق الخامس اقتحام الذي انشأته وأخذت مئات الضباط للدراسة والتأهيل في معاهد وثكنات روسيا، وعشرات آلاف الجنود الذين يتم تأهيلهم على العقيدة العسكرية الروسية.

وطهران مؤمنة بتكرار تجربة الحرس الثوري في ايران والحشد الشعبي في العراق وحزب الله في لبنان وأنصار الله في اليمن.. لذا أنشأت قوى مختلفة في سورية تمهيداً لدمجها بتشكيل واحد كما هو في بقية البلدان المشار اليها..

ايران وروسيا مختلفتان بطبيعة الحال حول كيفية التعامل مع العدو الصهيوني (لايران) ومع الصديق الاسرائيلي (لروسيا).

بوتين رسم خطوط تفاهم عميقة مع بنيامين نتنياهو وايران وسعت اطار المواجهة مع العدو الصهيوني لتشمل الى جبهة لبنان الهادئة الآن جبهة الجولان في سورية وجبهة غزة جنوبي فلسطين المحتلة.

بوتين يريد استمرار التفاهم بعد نتنياهو مع كل خلف له ليكون التفاهم مع دولة وليس مع شخص.

ايران لا ترى فرقاً بين نتنياهو وأي من خلفائه فكلهم أعداء.

بوتين يريد ان يعتمد معادلة جوهرية جديدة في التأثير الروسي داخل الكيان الصهيوني من خلال مليون يهودي روسي مهاجر الى فلسطين المحتلة بات بينهم الوزراء والنواب وكبار قادة الجيش والجنود والعلماء ليشكلوا لوبي روسياً يهودياً داخل اسرائيل لينافس او ليشارك اللوبي اليهودي في اميركا في صنع القرار الصهيوني في كل المجالات.

روسيا وايران مختلفتان ايضاً في الشأن الصهيوني لأن موسكو في تفاهمها مع نتنياهو أعطته الضوء الأخضر ليضرب أي موقع ايراني او صديق لطهران في سورية شرط الا يقترب من اي موقع عسكري تابع لبشار في اي مكان في سورية.. ولا تدافع موسكو عن أي موقع سوري اذا كان بشار سلمه لطهران رافعاً عليه العلم السوري تمويهاً.

لكن روسيا غضت الطرف عن التواجد العسكري الايراني مباشرة او عبر أصدقائها عند جبهة الجولان.

وأخيراً ماذا عن لبنان؟

تمددت ايران في لبنان تلقائياً بواسطة رفع راية قتال اسرائيل.. باكراً، حين كانت عواصم العرب من سورية الى اليمن ومن البحرين الى موريتانيا تتفرج على غزو اسرائيل للبنان عام 1982.. خرجت تظاهرة في اسرائيل ضمت 400 ألف اسرائيلي ضد هذا الغزو، وما خرجت تظاهرة واحدة في بلدان العرب هذه.. بل خرجت أفواج متطوعين ايرانيين جاءت الى لبنان لتدرب اللبنة الأولى من مقاتلي حزب الله لمقاومة العدو الصهيوني ثم لإرغامه على الانسحاب التدريجي من الأراضي المحتلة في لبنان في ربيع العام 2000.

أصبحت ايران رقماً حقيقياً في لبنان، رقماً شعبياً عبر الشيعة، وعبر تفاهم حزب الله مع ميشال عون أصبحت رقماً سياسياً مسيحياً (غير شعبي كما في السياسة)، وورثت طهران كل يتامى استخبارات آل الاسد في لبنان وركبت منهم تشكيلات هلامية فردية او ثنائية او أكثر، وملأت كل ساحة السلطة التي مارستها هذه الاستخبارات حين قتلت الرئيس المظلوم رفيق الحريري في 14- 2- 2005.. وما زالت.

انتقلت ايران بعد قتل بشار للحريري من دولة تمر الى لبنان بإذن آل الاسد.. الى دولة أبقت الاسد الإبن على قيد السلطة.. حتى الآن.. وباتت هي الدولة صاحبة القرار الأول في بلاد الأرز.

ماذا يعني هذا لروسيا؟

مثلما تدين ايران لروسيا بأنها انقذت بشار عندما تدخلت في 30/ 9/ 2015 بناء على طلب ايراني، فإن روسيا تدين بالمقابل لإيران بأنها أتاحت لها السيطرة على سورية بشكل كبير.. حتى لو كان بالشراكة بين الاثنتين.. مع اطلالتهما على البحر المتوسط كحلم تاريخي لكل منهما.

وكما كتبنا سابقاً.. الذي يحتل سورية يندفع بالاستراتيجية الى احتلال لبنان.

روسيا تسيطر على سورية من البحر ومن الجو وايران تسيطر براً.

فماذا عن لبنان؟

ايران موجودة في لبنان بأشكال مختلفة أبرزها شعبياً وسياسياً واجتماعياً، فهل هذه حالة روسيا؟

هناك نثرات يسارية واشتراكية قد تحن الى زمان الاتحاد السوفياتي الذي يحاول فلاديمير بوتين احياءه استراتيجياً واستخباراتياً في ظل انكفاء اميركي كبير عن المنطقة.

لكن روسيا حصلت على جائزة ذهبية في كونها باتت خالة الصبي وهو الكيان الصهيوني في وجود امه البعيدة اميركا، ولا ننسى ان الاتحاد السوفياتي اعترف باسرائيل كدولة بعد قيامها في 15/ 5/ 1948 بعد 17 دقيقة سابقة اعتراف الولايات المتحدة بها بعدة ساعات.

هذه الجائزة يجيد بوتين التعامل معها لأنه ربما يمهد لطرح مشروع لتهدئة بعيدة المدى بين اسرائيل وحزب الله، يقوم على ضبط صواريخ حزب الله الدقيقة مقابل لجم اسرائيل عن أي عدوان بري او بحري او جوي ليكون الضمان الروسي بين الاثنين أقوى من الضمان الاميركي – الدولي بالقرار 1701 او هو مكمل له.

هل تقبل ايران؟

الايرانيون هم ملوك السياسة والنباهة والقدرة على التفاهم والتصالح والبحث عن التسويات.. ولا بد هم قادرون على استخدام كل هذه المواهب للاتفاق مع الروس المشهورين بالفجاجة والمحادل.. والنهم الى المصالح.

 

الوسوم